عــ الهوى ــز
22-04-2007, 01:02 PM
ترحموا هلى هذه المرأة العظيمة، وادعوا بالسحب الوابلة تهطل على قبرها، وانقشوها في ذاكرتكم كما نقشها التاريخ في ذاكرته00
بدوية من جزيرة العرب، تضرب أروع الامثال، وتظهر قدرة سياسية يعجز عنها أفذاذ الرجال، بدوية من قبيلة البقوم تقض مضاجع
الخصوم، وتقود جيشاً ضد الأتراك وتهزمهم في عدة معارك، وتبذل كل ثروتها ومالها لترد كيد العدو المستعمر00غالية البقمية مثال
يحتذى لحقيقة المرأة في مجتمعنا، وقيمتها التي تستحقها00غالية البقمية، إحدى النساء الخوالد في تاريخنا، قبل الحديث عنها لابد
أن أشرح للقارئ الكريم بصورة مختصرة الحياة السياسية في الفترة التي عاشت فيها
الحياة السياسية :
في أوائل القرن الثالث عشر الهجري، وبالتحديد في عصرالإمام سعود بن عبدالعزيز، وابنه الإمام عبدالله بن سعود، كانت الدولة السعودية
الأولى قد بلغت ذروة اتساعها وقوتها، وسعت حثيثاٌ لنشر العقيدة السلفية، وتخليص الناس من شوائب الخرافات والشركيات التي علقت
في أذهانهم0
ونظراَ لبعض الدوافع الدينية والسياسية فقد أرادت الدولة العثمانية القضاء على الدولة السعودية، والتخلص من هذه القوة القادمة،
وكلّفت واليها على مصر محمد علي باشا الكبير ليقوم بهذه المهمة، فأرسل محمد علي ابنه طوسون على رأس جيش جزّار ليقضي
على الدعوة الأصلاحية والدولة السعودية في عقر دارهم، وقاد طوسون باشا هذا الجيش حتى وصلت حدود مدينة (تربة)، والتي يسكنها
ويقيم حولها عدّة قبائل، ومن هذه القبائل قبيلة البقوم0 وهنا يأتي دور فارستنا غالية البقمية
القائدة البقمية :
قبيلة البقوم، قبيلة كريمة عريقة، تمتد جذورها مابين الحجاز ونجد، وخصوصاً مدينة تربة وماحولها، وأسرة غالية-وهي من آل بدر من
وازع من البقوم- من الأسر الكريمة البارزة في هذه القبيلة، وكان زالد غالية أحد شيوخ القبيلة المعروفين0وكذلك زوجها ابم محي
من أهم شيوخ قبيلة البقوم، فهي ابنة شيخ وزوجة شيخ0
مات أبوها ثم مات زوجها، قبل قدوم الغزاة بفترة، فورثت عنهما ثروة طائلة، بعد ذلك تزعمت غالية قومها وقبيلتها، ونعتت بالأميرة
وأصبح لها شأن كبير، ورأي مطاع،وكانت تتصف بالشجاعة الفائقة، والقوة، والحزم، والحكمة، وسداد الرأي، إضافة إلى الشهامة
والكرم، وكان بيتها المعروف بقصرغالية مجمعاً للناس عامة، عامراً بوجودهم، ومادتها مليئة بأطايب الطعام، وفي مجلسها يعقد
قادة الدعوة السلفية وزعمائهم اجتماعاتهم لمناقشة أمور الحرب، وكان رأيها هو المسموع والمقدم بينهم0
كانت غالية في غاية الغنى والثروة، فلما جاء جيش الغزاة إلى مدينة (تربة)وهاجموها ليصلوا عبرها إلى نجد قامت غالية بتفريق
الأموالوالسلاح على رجال قبيلتها والقبائل الأخرى الذين يرغبون في محاربة هذا الغازي الغاشم، وقد ظهر هؤلاء الرجال قوة فائقة،
وشجاعة، وبسالة، ودافعوا عن مدينة(تربة)وحافظوا على أسوارها، وطردوا العدو منها، يدفعهم إلى ذلك إيمانهم بالعقيدة التي
تبنّوها، والراية التي حملوها، ثم إعجابهم بهذه المرأة العظيمة التي تقودهم وتوجههم،وتحثهم على الاستبسال في الدفاع عن حياض
العقيدة والوطن0
وقعت هذه المعركة في شهر ذي الحجة من عام1228هـ (نوفمبر1813م)، وعاد الغزاة يجرون اذيال الخيبة والحسرة والألم، وظلوا يعاودون
الكرة في العام الذي يليه المرة تلو الأخرى، وفي كل مرة تذيقهم الأميرة غالية هزيمة مثل التي قبلها، وتدحرهم، حتى صاروا يخافون منها
أشد الخوف، وأصبح أسمها يثير الرعب في قلوبهم، فماإن تسمع جيوشهم بذكر غالية حتى يجبنوا عن القتال، ويفروا مذعورين خائفين0
ولكي يبرر قواد الجيش الغازي هزيمتهم من غالية وجيشها، أخذوا يروجون حولها الإشاعات والأكاذيب، مثل كونها ساحرة، ولها قدرة خارقة،
ولكن هذه الأكاذيب زادت الخوف في قلوب الجيش الغازي، وثبطت عزائمهم وهممهم، وباتوا في هلع وجبن وخوف وخور عن مقاتلة غالية
وجيشها0
" محمد علي يتدخل "
لما رأى محمد علي باشا عجز ابنه طوسون، وقوّاده مصطفى بك، وتوماس كث الاسكتلندي، وجيشهم الضخم عن القضاء على الوهابين،
وغالية وقبيلتها، وتجرعهم الهزيمة تلو الأخرى، قرر أن يقود الجيش بنفسه، فذهب بمدد هائل إلى أرض المعركة0
وفي مطلع عام1230هـ ، وقعت معركة(بسل)المشهورة-مكان قرب مدينة تربة-بين الجيش السعودي، ويبلغ عدده ثلاثون ألفاً، وجيش محمد
علي الذي يزيد على ذلك بكثير، مع التفوق في العدة والعتاد، والأسلحة والآلآت الحربية، وجرت معركة يشيب لهولها الوليد، انجلت-للأسف
على هزيمة الجيش السعودي وتقهقره0
كانت غالية وقومها، ضمن الجيش السعودي، وأبلوا بلاءً حسناً، وبذلوا قصارى جهدهم في سبيل الدفاع عن عقيدتهم وارضهم، ولكن هكذا
جرت الأقدار، وبعد هذا الأنتصار بدأ الغزاة بتتبع قادة الجيش السعودي لترحيلهم إلى القستنطينيةحيث يتم إعدامهم هناك، ابتهاجاً بالنصر،
وحرصوا أشد الحرص على القبض على عدوتهم اللدودة، التي لجأت بعد الهزيمة إلى أحدى القبائل البدوية، وأقامت بينهم، فراسلها الغزاة
وآمنوها بالوعود، واعطوها المواثيق والعهود لتخرج إليهم وتعود إلى بلدتها، ولكنها ابت ورفضت، لأنها اعتادت منهم على الغدر والخيانة،
وعدم الوفاء والالتزام بالعهود، ولأنها توقعت أن مصيرها سيكون مصير العشرات قبلها ممن أعطاهم هؤلاء الغزاة العهود والمواثيق والإيمان
المغلظة، ثم غدروا بهم شر غدرة0
واختلفت الاقوال في مصير غالية بعد ذلك، فمنهم من يقول إنها ذهبت إلى الدرعية وأقامت فيها، ومنهم من يقول إنها عادت إلى بلدتها بعد
فترة من الغزو0 ويبدو لي أنها عادت إلى تربة00 ولها بيت معروف باسم(قصر غالية)، كانت أطلالة موجودة إلى ماقبل عدة سنوات، ويقع هذا
القصر في حزم اسمه(حزم منيف) على طريق(تربة-الطائف)0
نصوص نادرة :
قد يكون أهم نص تاريخي يتحدث عن غالية، هو النص الذي كتبه المستشرق السويسري الرّحالة جوهان لودفيج بوركهارت، الذي كان موجوداً
في منطقة الحجاز أثناء الحروب، وشاهد كثيراً من الاحداث التي رواها، وروى مالم يشاهد عن الاشخاص الذين شاهدوا هذه الاحداث سواء
كانوا أمراء وقادة، أو عامة الناس من الطرفين السعودي والتركي، ومت هنا تأتي أهمية كلامه00
قال بوركهارت :
(كان يتزعم عرب البقوم،الذيم يعمل بعضهم في الرعي وووبعضهم الآخر في الزراعة، أرملة تسمى غالية، وكان زوجها أحد زعماء تربة،
وكانت لديها ثروة تفوق ما لدى أية أسرة عربية في منطقتها0 فأخذت توزع نقوداً ومؤناً على فقراء قبيلتها الذين كانوا على استعداد لقتال
الاتراك0وكانت مائدتها دائماً معدة لكل الوهابيين المخلصين الذين يعقد زعماؤهم مجالسهم في بيتها0وبما أن هذه السيدة الكبيرة كانت
مشهورة بسداد الرأي والمعرفة الدقيقةبأمور القبائل المحيطة بها فإن صوتها لم يكن مسموعاً في تلك المجالس فقط ،وإنما كان هو المتبنى
بصفة عامة0 وكانت في الواقع تحكم البقوم رغم أن لهم زعيم رسمي اسمه ابن جرشان0 وقد ذاع اسم غالية في كل البلاد منذ الهزيمة
الأولى لمصطفى بك قرب تربة، وسرعان ما ضاعف مخاوف الجنود الاتراك منها نفوذها واهميتها، ورووا أسخف القصص عن قواها
بصفتها ساحرة تغدق أفضالها الشخصية على كل القادة الوهابيين الذين أصبحوا بوسائلها لا يغلبون!!
وقد ثبطت تلك الروايات همم العثمانيين، وزادت من ثقة البدو بأنفسهم، وبذلك اسهمت كثيراً في إنزال لبفشل بحملة طوسون باشا0000)0
ومن النصوص المهمة المتعلقة بغاليةـ ماكتبه المؤرخ المصري محمود فهمي المهندس، في كتابه( البحر الزاخر في تاريخ العالم وأخبار
الأوائل والأواخر)00
قال ما ملخصه :
( لم يحصل من قبائل العرب القاطنين بقرب مكة أشد مما أجراه عرب البقوم في تربة، وقائد العربان في ذلك الوقت أمرأة أرملة اسمها غالية،
كان زوجها أشهر رجال هذه الجهة، وكاننت هي على غاية من الغنى، ففرقت جميع اموالها على فقراء العشائر الذين يرغبون في محاربة
الاتراك0000وكان العرب محافظين على اسوار المدينة - مدينة تربة - بشجاعة ومستبشرين بوجود غالية معهم، وهي المقدمة عليهم)0
كما أورد مؤرخ مصر الكبير عبدالرحمن الجبرتي - رحمه الله - عدّة معلومات عن غالية، وأنها هزمت جيش مصطفى بك، ثم هزمت جيش
طوسون باشا، وعابدين بك0
أما الرّحّالة الفرنسي موريس تاميزيه فقد ذكرها في نص مقتضب، ولا يخلو من فائدة0
وهناك مؤرخ اسمه محمد البسام، عراقي من أصل نجدي، تكلّم عن غالية كلاماً مطولاً في كتابه (الدرر المفاخر في أخبار العرب الأواخر)،
يحسن بنا أن نورد هنا جزءاً منه000 قال ابن بسام :
(ومنهم - أي قبائل الحجاز - البقوم، ولكن الحاكمة عليهم امرأة اسمها غالية، ذات رأي وتدبير، وحزم وشجاعة لم يدركها أشد الرجال،
وهذه المرأة المذكورة في القلعة المسماة(تربة)000ولما توجه إليها الملك المنصور السعيد السديد محمد علي باشا أبت الطاعة له
والدخول تحت أمره00000الخ)0
ثم ذكر المعارك التي دارت بين الطرفين، وقد أورد عدّة معلومات غير صحيحة0
الرواية الشفهية :
الروايات الشفهية الشعبية التي يتناقلها أبناء قبيلة البقوم وغيرهم عن فارستنا غالية البقمية كثيرة ومتنوعة، من أبرزها وأهمها ما زوّدني
بها مشكوراً الأستاذ الشاعر خالد البقمي، الذي جمعها عن رواة وشيوخ قبيلته، وسيلاحظ القارئ الكريم أن بينها وبين ما يرد في المعلومات
الهامة التي في حوار الشيخ فيحان بن محي بعض الاختلافات، نلخصها في الآتي :
هي غالية من المنافير من آل بدر من وازع من البقوم، ويعتقد أن والدها كان اسمه محمداً، وكان شيخ قبيلته0
تزوجت من الشيخ جاسر بن محي وهو من وجهاء آل محي ، وشيخ معروف بالتدين والكرم، وأسرته آل محي هم من شيوخ قبائل محاميد
البقوم، ورثت عن أبيها وزوجها أموالاً طائلة00 أنجبت من زوجها بنتاً واحدة اسمها(زملة) توفيت وهي شابة0
ذكر أحد المعمرين الذي توفي قبل فترة من الزمن بأن أحد كبار السن حدّثه أنه رأى غالية عندما كان طفلاً وهي تسير في السوق وخلفها
ثمانية وعشرين عبداً، إضافة إلى رجالها وفرسان قبيلتها0
بنت غالية قلعة(شنقل) وهي تقع على ربوة شرقي مدينة تربة تبعد عنها حوالي خمسة كيلو مترات، وبنت قلعة(البازم) التي تبعد اثنى عشر
كيلو متراً شمالي مدينة تربة0
ولها املاك وقصور كثيرة أهمها قصر(منيف)وقصر(الصرفان)الذي يبعد(20)كيلو متراً شمالي مدينة تربة في منطقة تعرف باسم(ذوّاد)،
وكانت هذه القصور قائمة بعد وفاتهاحتى هدمتها حملة الشريف عبدالله بن الحسين،الذي دخل تربة سنة1919م0
أجمع كثير من الرواة أن غالية ذهبت إلى الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى وقابلت الإمام ابن سعود شخصياً، وناقشته في أمور كثيرة،
وعاهدته على الولاء والطاعة، وقد أخلصت في عهدها حتى وفاتها0
ومن المعارك الكبيرة التي توردها الرواية الشفهية معركة السلع التي قادت غالية فيها الجيش لتأديب بعض القبائل0
منقول
تحياتي لكم
بدوية من جزيرة العرب، تضرب أروع الامثال، وتظهر قدرة سياسية يعجز عنها أفذاذ الرجال، بدوية من قبيلة البقوم تقض مضاجع
الخصوم، وتقود جيشاً ضد الأتراك وتهزمهم في عدة معارك، وتبذل كل ثروتها ومالها لترد كيد العدو المستعمر00غالية البقمية مثال
يحتذى لحقيقة المرأة في مجتمعنا، وقيمتها التي تستحقها00غالية البقمية، إحدى النساء الخوالد في تاريخنا، قبل الحديث عنها لابد
أن أشرح للقارئ الكريم بصورة مختصرة الحياة السياسية في الفترة التي عاشت فيها
الحياة السياسية :
في أوائل القرن الثالث عشر الهجري، وبالتحديد في عصرالإمام سعود بن عبدالعزيز، وابنه الإمام عبدالله بن سعود، كانت الدولة السعودية
الأولى قد بلغت ذروة اتساعها وقوتها، وسعت حثيثاٌ لنشر العقيدة السلفية، وتخليص الناس من شوائب الخرافات والشركيات التي علقت
في أذهانهم0
ونظراَ لبعض الدوافع الدينية والسياسية فقد أرادت الدولة العثمانية القضاء على الدولة السعودية، والتخلص من هذه القوة القادمة،
وكلّفت واليها على مصر محمد علي باشا الكبير ليقوم بهذه المهمة، فأرسل محمد علي ابنه طوسون على رأس جيش جزّار ليقضي
على الدعوة الأصلاحية والدولة السعودية في عقر دارهم، وقاد طوسون باشا هذا الجيش حتى وصلت حدود مدينة (تربة)، والتي يسكنها
ويقيم حولها عدّة قبائل، ومن هذه القبائل قبيلة البقوم0 وهنا يأتي دور فارستنا غالية البقمية
القائدة البقمية :
قبيلة البقوم، قبيلة كريمة عريقة، تمتد جذورها مابين الحجاز ونجد، وخصوصاً مدينة تربة وماحولها، وأسرة غالية-وهي من آل بدر من
وازع من البقوم- من الأسر الكريمة البارزة في هذه القبيلة، وكان زالد غالية أحد شيوخ القبيلة المعروفين0وكذلك زوجها ابم محي
من أهم شيوخ قبيلة البقوم، فهي ابنة شيخ وزوجة شيخ0
مات أبوها ثم مات زوجها، قبل قدوم الغزاة بفترة، فورثت عنهما ثروة طائلة، بعد ذلك تزعمت غالية قومها وقبيلتها، ونعتت بالأميرة
وأصبح لها شأن كبير، ورأي مطاع،وكانت تتصف بالشجاعة الفائقة، والقوة، والحزم، والحكمة، وسداد الرأي، إضافة إلى الشهامة
والكرم، وكان بيتها المعروف بقصرغالية مجمعاً للناس عامة، عامراً بوجودهم، ومادتها مليئة بأطايب الطعام، وفي مجلسها يعقد
قادة الدعوة السلفية وزعمائهم اجتماعاتهم لمناقشة أمور الحرب، وكان رأيها هو المسموع والمقدم بينهم0
كانت غالية في غاية الغنى والثروة، فلما جاء جيش الغزاة إلى مدينة (تربة)وهاجموها ليصلوا عبرها إلى نجد قامت غالية بتفريق
الأموالوالسلاح على رجال قبيلتها والقبائل الأخرى الذين يرغبون في محاربة هذا الغازي الغاشم، وقد ظهر هؤلاء الرجال قوة فائقة،
وشجاعة، وبسالة، ودافعوا عن مدينة(تربة)وحافظوا على أسوارها، وطردوا العدو منها، يدفعهم إلى ذلك إيمانهم بالعقيدة التي
تبنّوها، والراية التي حملوها، ثم إعجابهم بهذه المرأة العظيمة التي تقودهم وتوجههم،وتحثهم على الاستبسال في الدفاع عن حياض
العقيدة والوطن0
وقعت هذه المعركة في شهر ذي الحجة من عام1228هـ (نوفمبر1813م)، وعاد الغزاة يجرون اذيال الخيبة والحسرة والألم، وظلوا يعاودون
الكرة في العام الذي يليه المرة تلو الأخرى، وفي كل مرة تذيقهم الأميرة غالية هزيمة مثل التي قبلها، وتدحرهم، حتى صاروا يخافون منها
أشد الخوف، وأصبح أسمها يثير الرعب في قلوبهم، فماإن تسمع جيوشهم بذكر غالية حتى يجبنوا عن القتال، ويفروا مذعورين خائفين0
ولكي يبرر قواد الجيش الغازي هزيمتهم من غالية وجيشها، أخذوا يروجون حولها الإشاعات والأكاذيب، مثل كونها ساحرة، ولها قدرة خارقة،
ولكن هذه الأكاذيب زادت الخوف في قلوب الجيش الغازي، وثبطت عزائمهم وهممهم، وباتوا في هلع وجبن وخوف وخور عن مقاتلة غالية
وجيشها0
" محمد علي يتدخل "
لما رأى محمد علي باشا عجز ابنه طوسون، وقوّاده مصطفى بك، وتوماس كث الاسكتلندي، وجيشهم الضخم عن القضاء على الوهابين،
وغالية وقبيلتها، وتجرعهم الهزيمة تلو الأخرى، قرر أن يقود الجيش بنفسه، فذهب بمدد هائل إلى أرض المعركة0
وفي مطلع عام1230هـ ، وقعت معركة(بسل)المشهورة-مكان قرب مدينة تربة-بين الجيش السعودي، ويبلغ عدده ثلاثون ألفاً، وجيش محمد
علي الذي يزيد على ذلك بكثير، مع التفوق في العدة والعتاد، والأسلحة والآلآت الحربية، وجرت معركة يشيب لهولها الوليد، انجلت-للأسف
على هزيمة الجيش السعودي وتقهقره0
كانت غالية وقومها، ضمن الجيش السعودي، وأبلوا بلاءً حسناً، وبذلوا قصارى جهدهم في سبيل الدفاع عن عقيدتهم وارضهم، ولكن هكذا
جرت الأقدار، وبعد هذا الأنتصار بدأ الغزاة بتتبع قادة الجيش السعودي لترحيلهم إلى القستنطينيةحيث يتم إعدامهم هناك، ابتهاجاً بالنصر،
وحرصوا أشد الحرص على القبض على عدوتهم اللدودة، التي لجأت بعد الهزيمة إلى أحدى القبائل البدوية، وأقامت بينهم، فراسلها الغزاة
وآمنوها بالوعود، واعطوها المواثيق والعهود لتخرج إليهم وتعود إلى بلدتها، ولكنها ابت ورفضت، لأنها اعتادت منهم على الغدر والخيانة،
وعدم الوفاء والالتزام بالعهود، ولأنها توقعت أن مصيرها سيكون مصير العشرات قبلها ممن أعطاهم هؤلاء الغزاة العهود والمواثيق والإيمان
المغلظة، ثم غدروا بهم شر غدرة0
واختلفت الاقوال في مصير غالية بعد ذلك، فمنهم من يقول إنها ذهبت إلى الدرعية وأقامت فيها، ومنهم من يقول إنها عادت إلى بلدتها بعد
فترة من الغزو0 ويبدو لي أنها عادت إلى تربة00 ولها بيت معروف باسم(قصر غالية)، كانت أطلالة موجودة إلى ماقبل عدة سنوات، ويقع هذا
القصر في حزم اسمه(حزم منيف) على طريق(تربة-الطائف)0
نصوص نادرة :
قد يكون أهم نص تاريخي يتحدث عن غالية، هو النص الذي كتبه المستشرق السويسري الرّحالة جوهان لودفيج بوركهارت، الذي كان موجوداً
في منطقة الحجاز أثناء الحروب، وشاهد كثيراً من الاحداث التي رواها، وروى مالم يشاهد عن الاشخاص الذين شاهدوا هذه الاحداث سواء
كانوا أمراء وقادة، أو عامة الناس من الطرفين السعودي والتركي، ومت هنا تأتي أهمية كلامه00
قال بوركهارت :
(كان يتزعم عرب البقوم،الذيم يعمل بعضهم في الرعي وووبعضهم الآخر في الزراعة، أرملة تسمى غالية، وكان زوجها أحد زعماء تربة،
وكانت لديها ثروة تفوق ما لدى أية أسرة عربية في منطقتها0 فأخذت توزع نقوداً ومؤناً على فقراء قبيلتها الذين كانوا على استعداد لقتال
الاتراك0وكانت مائدتها دائماً معدة لكل الوهابيين المخلصين الذين يعقد زعماؤهم مجالسهم في بيتها0وبما أن هذه السيدة الكبيرة كانت
مشهورة بسداد الرأي والمعرفة الدقيقةبأمور القبائل المحيطة بها فإن صوتها لم يكن مسموعاً في تلك المجالس فقط ،وإنما كان هو المتبنى
بصفة عامة0 وكانت في الواقع تحكم البقوم رغم أن لهم زعيم رسمي اسمه ابن جرشان0 وقد ذاع اسم غالية في كل البلاد منذ الهزيمة
الأولى لمصطفى بك قرب تربة، وسرعان ما ضاعف مخاوف الجنود الاتراك منها نفوذها واهميتها، ورووا أسخف القصص عن قواها
بصفتها ساحرة تغدق أفضالها الشخصية على كل القادة الوهابيين الذين أصبحوا بوسائلها لا يغلبون!!
وقد ثبطت تلك الروايات همم العثمانيين، وزادت من ثقة البدو بأنفسهم، وبذلك اسهمت كثيراً في إنزال لبفشل بحملة طوسون باشا0000)0
ومن النصوص المهمة المتعلقة بغاليةـ ماكتبه المؤرخ المصري محمود فهمي المهندس، في كتابه( البحر الزاخر في تاريخ العالم وأخبار
الأوائل والأواخر)00
قال ما ملخصه :
( لم يحصل من قبائل العرب القاطنين بقرب مكة أشد مما أجراه عرب البقوم في تربة، وقائد العربان في ذلك الوقت أمرأة أرملة اسمها غالية،
كان زوجها أشهر رجال هذه الجهة، وكاننت هي على غاية من الغنى، ففرقت جميع اموالها على فقراء العشائر الذين يرغبون في محاربة
الاتراك0000وكان العرب محافظين على اسوار المدينة - مدينة تربة - بشجاعة ومستبشرين بوجود غالية معهم، وهي المقدمة عليهم)0
كما أورد مؤرخ مصر الكبير عبدالرحمن الجبرتي - رحمه الله - عدّة معلومات عن غالية، وأنها هزمت جيش مصطفى بك، ثم هزمت جيش
طوسون باشا، وعابدين بك0
أما الرّحّالة الفرنسي موريس تاميزيه فقد ذكرها في نص مقتضب، ولا يخلو من فائدة0
وهناك مؤرخ اسمه محمد البسام، عراقي من أصل نجدي، تكلّم عن غالية كلاماً مطولاً في كتابه (الدرر المفاخر في أخبار العرب الأواخر)،
يحسن بنا أن نورد هنا جزءاً منه000 قال ابن بسام :
(ومنهم - أي قبائل الحجاز - البقوم، ولكن الحاكمة عليهم امرأة اسمها غالية، ذات رأي وتدبير، وحزم وشجاعة لم يدركها أشد الرجال،
وهذه المرأة المذكورة في القلعة المسماة(تربة)000ولما توجه إليها الملك المنصور السعيد السديد محمد علي باشا أبت الطاعة له
والدخول تحت أمره00000الخ)0
ثم ذكر المعارك التي دارت بين الطرفين، وقد أورد عدّة معلومات غير صحيحة0
الرواية الشفهية :
الروايات الشفهية الشعبية التي يتناقلها أبناء قبيلة البقوم وغيرهم عن فارستنا غالية البقمية كثيرة ومتنوعة، من أبرزها وأهمها ما زوّدني
بها مشكوراً الأستاذ الشاعر خالد البقمي، الذي جمعها عن رواة وشيوخ قبيلته، وسيلاحظ القارئ الكريم أن بينها وبين ما يرد في المعلومات
الهامة التي في حوار الشيخ فيحان بن محي بعض الاختلافات، نلخصها في الآتي :
هي غالية من المنافير من آل بدر من وازع من البقوم، ويعتقد أن والدها كان اسمه محمداً، وكان شيخ قبيلته0
تزوجت من الشيخ جاسر بن محي وهو من وجهاء آل محي ، وشيخ معروف بالتدين والكرم، وأسرته آل محي هم من شيوخ قبائل محاميد
البقوم، ورثت عن أبيها وزوجها أموالاً طائلة00 أنجبت من زوجها بنتاً واحدة اسمها(زملة) توفيت وهي شابة0
ذكر أحد المعمرين الذي توفي قبل فترة من الزمن بأن أحد كبار السن حدّثه أنه رأى غالية عندما كان طفلاً وهي تسير في السوق وخلفها
ثمانية وعشرين عبداً، إضافة إلى رجالها وفرسان قبيلتها0
بنت غالية قلعة(شنقل) وهي تقع على ربوة شرقي مدينة تربة تبعد عنها حوالي خمسة كيلو مترات، وبنت قلعة(البازم) التي تبعد اثنى عشر
كيلو متراً شمالي مدينة تربة0
ولها املاك وقصور كثيرة أهمها قصر(منيف)وقصر(الصرفان)الذي يبعد(20)كيلو متراً شمالي مدينة تربة في منطقة تعرف باسم(ذوّاد)،
وكانت هذه القصور قائمة بعد وفاتهاحتى هدمتها حملة الشريف عبدالله بن الحسين،الذي دخل تربة سنة1919م0
أجمع كثير من الرواة أن غالية ذهبت إلى الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى وقابلت الإمام ابن سعود شخصياً، وناقشته في أمور كثيرة،
وعاهدته على الولاء والطاعة، وقد أخلصت في عهدها حتى وفاتها0
ومن المعارك الكبيرة التي توردها الرواية الشفهية معركة السلع التي قادت غالية فيها الجيش لتأديب بعض القبائل0
منقول
تحياتي لكم