المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ديوان الشاعر ... أيليا أبو ماضي


نــجــم
23-04-2011, 09:24 PM
نشأته

أجبره الفقر أن يترك دراسته بعيد الابتدائية، فغادر لبنان إلى مصر ليعمل في تجارة التبغ، وكانت مصر مركزاً للمفكرين اللبنانيين الهاربين من قمع الأتراك، نشر قصائد له في مجلاتٍ لبنانية صادرة في مصر، اهمها "العلم" و"الاكسبرس"، وهناك، تعرف إلى الأديب أمين تقي الدين، الذي تبنى المبدع الصغير ونشر أولى اعمال إيليا في مجلته "الزهور".

مسيرته الأدبية

وفي مصر، أصدر أبو ماضي أول دواوينه الشعرية عام 1911، بعنوان "تذكار الماضي"، وكان يبلغ من العمر 22 عاماً، شعره السياسي والوطني جعله عرضةً لمضايقات السلطة الرسمية، فهاجر عام 1912 إلى امريكا الشمالية، وصل أولاً إلى مدينة سينسيناتي، وهناك عمل مع أخيه مراد في التجارة، وتنقل بعدها في الولايات المتحدة إلى ان استقر في مدينة نيويورك عام 1916 وهناك عمل نائباً لتحرير جريدة مرآة الغرب وتزوج من ابنة مالكها السيدة دورا نجيب دياب وأنجبت له ثلاثة أولاد.

تعرف إلى عظماء القلم في المهجر، فأسس مع جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة الرابطة القلمية، التي كانت أبرز مقومات الأدب العربي الحديث، وتعتبر هذه الرابطة أهم العوامل التي ساعدت أبي ماضي على نشر فلسفته الشعرية.

في 15 أبريل 1919، قام إيليا أبو ماضي بإصدار أهم مجلة عربية في المهجر، وهي" مجلة السمير" التي تبنت الأقلام المغتربة، وقدمت الشعر الحديث على صفحاتها، واشترك في إصدارها معظم شعراء المهجر لا سيما أدباء المهجر الأمريكي الشمالي، وقام بتحويلها عام 1936 إلى جريدة يومية. امتازت بنبضها العروبي.

لم تتوقف "السمير" عن الصدور حتى وفاة شاعرنا بنوبة قلبية أسكتت قلبه المرهف بالشعر في 13 نوفمبر 1957.

أهم الأعمال

تفرغ إيليا أبو ماضي للأدب والصحافة، وأصدر عدة دواوين رسمت اتجاهه الفلسفي والفكري أهمها:

1. تذكار الماضي (الاسكندرية 1911): تناول موضوعات مختلفة أبرزها الظلم، عرض فيها بالشعر الظلم الذي يمارسه الحاكم على المحكوم، مهاجماً الطغيان العثماني ضد بلاده.
2. إيليا أبو ماضي (نيويورك 1918): كتب مقدمته جبران خليل جبران، جمع فيه إيليا الحب، والتأمل والفلسفة، وموضوعات اجتماعية وقضايا وطنية كل ذلك في إطار رومانسي حالم أحياناً وثائر عنيف أحياناً أخرى، يكرر شاعرنا فيه تغنيه بجمال الطبيعة.
3. الجداول (نيويورك 1927): كتب مقدمته ميخائيل نعيمة.
4. الخمائل (نيويورك 1940): من أكثر دواوين أبي ماضي شهرةً ونجاحاً، فيه اكتمال نضوج ايليا أدبياً، جعله شعر التناقضات، ففيه الجسد والروح، والثورة وطلب السلام، والاعتراف بالواقع ورسم الخيال.
5. تبر وتراب
6. الغابة المفقودة

أهم العوامل المؤثرة في شعر أبي ماضي:

أحاطته الطبيعة في طفولته، وكانت قرية المحيدثة تحاصر إيليا أبو ماضي بأشكال الجمال الأخضر والجداول المغردة للجمال، فتعلم حب الطبيعة وتعلق بمناجاتها. الفقر، فنشأته في قسوة الفقر، جعلت منه رسولاً للفقراء، فكتب دوماً عن المساواة الاجتماعية، فكلنا من تراب، لا غني ولا فقير.

الهجرة، والاغتراب، كان التشرد في الغربة ثاني مدماك في اتجاه أبي ماضي، ومن التشرد تعلم الوفاء للوطن، فأغزر في الشوق اليه والعناية بطيفه الباق في قلبه. الاختلاط بالنخب، ففي المهجر، كان أبي ماضي منغمساً في علاقته برواد النهضة العربية وقادة الفكر التحرري الأدبي، فاستفاد منهم، وبنى منهجه الشعري وأسلوبه الأدبي.

في دراسة شعره

يسميه النقاد: شاعر الأمل والتفاؤل (قال السماء كئيبةً وتجهمَ، قلت ابتسم يكفي التجهم في السما، قال الصبا ولّى فقلت له ابتسم، لن يرجع الأسف الصبا المتصرّما)كان الجمال حاضراً في أغلب أعمال أبي ماضي، وامتاز بعشقه للطبيعة (يا ليتني لصٌ لأسرق في الضحى، سرَّ اللطافة في النسيم الساري، وأَجسَّ مؤتلق الجمالِ بأصبعي، في زرقة الأفقِ الجميلِ العاري) وجعله قريناً بكل شيء، ويوصف بأنه كان يحمل روح الشرق في المهجر، حمل هم أمته، فكتب لمصر عندما هددها الطغيان: (خَلِّني أستصرخُ القومَ النياما، أنا لا أرضى لمصرٍ أن تُضاما، لا تلُم في نصرة الحقِ فتىً، هاجه العابثُ بالحق فلاما).

كما لم ينس أوجاع الفقراء والمسحوقين فكتب لهم كثيراً وجعلهم من ثوابت قلمه المبدع (وإن هم لم يقتلوا الأشقياء، فيا ليت شعريَ من يقتلونْ ، ولا يحزننكمُ موتُهمْ، فإنهمُ للردى يولدونْ ، وقولوا كذا قد أراد الإله، وإن قدر الله شيئًا يكونْ).

أما الوطن، فلم يغب، فكان لبنان محور يوميات ايليا أبو ماضي ، (اثنان أعيا الدهر أن يبليهما، لبنان والأمل الذي لذويه) وأجاد مع الحرب العالمية في ترجمة الحنين إلى العائلة والأرض شعراً: (يا جارتي كان لي أهلٌ وإخوان، فبتت الحرب ما بيني وبينهم، كما تقطع أمراس وخيطان، فاليوم كل الذي فيه مهجتي ألم، وكل ما حولهم بؤس وأحزان، وكان لي أمل إذا كان لي وطن)

نصل إلى الحب، كانت تجارب أبي ماضي قاسيةً عاطفياً، ولكنه احتفظ بالأمل الذي لم يفارق كتاباته، فكان يخرج دوماً حالماً مبرراً القسوة والانكسار جاعلاً منه قلعة تفاؤل وتمسك بالحب، رغم انه لم ينف الحزن في قلبه، الا انه ميزه عن اليأس، (إنما تلك أخلفت قبل ليلين من موعدي، لم تمت لا وإنما أصبحت في سوى يدي).

فلسفته

إيليا أبو ماضي، هو الشاعر الفيلسوف، كان ذو رؤيةٍ فلسفية لكل شيء، فله في الموت فلسفة وفي الكون والوجود، وفي السياسة وفي المجتمع وفي الحب، آمن أن الانسان خالد وأن الموت ليس آخر المطاف، بل تكملة للمسيرة، شارك جبران خليل جبران في ايمانه بالتقمص والعودة بأشكالٍ حياتية أخرى، خصص مساحةً من شعره للماورائيات، عادى التعصب والطائفية، ونبذها في قصائده مبشراً بديانة الانسان!

خلاصة:

اذاً، نستطيع أن نجزم أخيراً، ان ما تعرضنا له، هو أحد أهم معالم الشعر الحديث، ومادة النقد الدسمة التي احتار فيها النقاد، فإيليا أبو ماضي طوب بفلسفته وحكمته وعبقرية عباراته ونظرياته، طوب نفسه قديس الشعر، والمغامر الذي جعل الشعر رسالةً فلسفية، وكسر جماد الشعر القديم وكيفه مع الحداثة، في مزيجٍ حضاري بين الغرب والشرق. كما نجزم أن أبو ماضي، هو شاعر القضية، قضية الوطن والجمال والثورة الاجتماعية والحب.

نــجــم
23-04-2011, 09:24 PM
ليالي بوسطى

إن أغبِ ، يا صحبُ ، عن ذاك الحمى
لم أزلْ معكُم كما أنتم معي
فإذا الأنجمُِ شعت في السما
قلتُ هذي أنتمُ في مجمعِ
وإذا الشادي بلحنٍ رنَّما
خلتهُ أصواتكُم في مسمعي
***
آه لو يُغني خيالٌ عن عيانِ
كانَ كالمنهلِ رسم المنهلِ
ولعاشَ المرءُ في دينا الأماني
يقطعُ الدينا ولم ينتقلِ
وسلونا عن مكانٍ بمكانِ
ولأغنى آخرٌ عن أوّلِ
***
ولنابت عن نجومٍ نيّراتْ
صُورٌ مطبوعةٌٌ في الورقِ
واكتفينا بخريرِ الساقياتْ
في الدُّجى عن مائها المندفقِ
***
ياليالي ((بوسطنٍ)) هل ترجعينْ
فأرى صحبي الكرامَ البرره ؟
ويزولُ الهمُ عن قلبي الحزينْ
بالوجوهِ المشرقاتِ النضرهْ
إنه يسألني في كلَّ حينْ
أين تلك الجنَّةُ المختصرهْ ؟
***
ذهبتْ ، يا قلبُ ، إلا ذكرياتْ
كبروقٍ ضحكت ْ في الغسقِ
تأنسُ العينُ بها في الظلماتْ
وهي تفنى في رحابِ الأفقِ
ياليالي بوسطنٍ ليتَ الحياةُ
عدَلتْ فينا فلم نفترقِ

نــجــم
23-04-2011, 09:24 PM
..!يا صاح

يا صاح كم تفاحة غضة
يحملها في الروض غصن رطيب
ناضجة ترتج في جوها
مثل ارتجاج الشمس عند المغيب
حرضك الوجد على قطفها
لما غفا الواشي ونام الرقيب
لكن لأمر أنت أدرى به
رجعت عنها رجعة المستريب
تقول للنفس الطموح اقصري
ما سرقه التفاح شأن الأريب
*
ورب صفراء كلون الضحى
ينفي بها أهل الكروب الكروب
دارت على الشرب بها غادة
كأنها ظبي الكناس الربيب
في طرفك الساجي هيام بها
وبين أحشائك شوق مذيب
لكن لأمر أنت أدرى به
رجعت عنها رجعة المستريب
تقول للنفس الطموح اقصري
ما غر بالصهباء يوماً لبيب
إياك إياك وأكوابها
أخت الخنا هذي وأم الذنوب
وكم شفاه أرجوانية
كأنها مخضوبة باللهيب
ساعدك الدهر على لثمها
ورشف ما خلف اللهيب العجيب
لكن لأمر أنت أدرى به
رجعت عنها رجعة المستريب
تعنف القلب على غيه
وتعذل العين في الحب حتى الحبيب
*
والآن لما انجاب عنك الصبى
ولاح في المفرق ثلج المشيب
واستسلم القلب كما استسلمت
نفسك لليأس المخوف الرهيب
أراك للحسرة تبكي كما
يبكي على النائي الغريب الغريب
تود لو أن الصبى عائد
ههيات قد مر الزمان القشيب
*
خل البكا يا صاحبي والأسى
الليل لا يقصيه عنك النحيب
لا خير في الشيء انقضى وقته
ما لقتيل حاجة بالطبيب !!!

نــجــم
23-04-2011, 09:24 PM
طوي العام كما يطوى الرقيم
وهوى في لجة الماضي البعيد
*
لم يكن.. بل كان لكن ذهبا
وانقضى حتى كأن لم يكن
لو درى حين أتى المنقلبا
لتمنى أنه لم يبن
أي نجم شارق ما غربا
أي قلب خافق لم يسكن
جاهل من حسب الآتي يدوم
أحمق من حسب الماضي يعود
*
ما لنا يأخذ منا الطرب
كلما عام تلاشى واضمحل
أفرحنا أننا نقترب
من غد ؟ إن غداً فيه الأجل
عجب هذا ومنه أعجب
إننا نفنى ولا يفنى الأمل
فكأنا ما سمعنا بالحتوم
أو كأنا قد نعمنا بالوجود
*
يا رعاه الله من عام خلا
فلقد كان سلاماً وأمان
صافح الجحفل فيه الجحفلا
واستراح السيف فيه والسنان
ما انجلى حتى رأى النقع انجلى
وخبت نار الوغى في " البلقان "
لست أنسى نهضة الشعب النؤوم
إن فيها عبرة للمستفيد
*
والتقى البحران فيه بعدما
مرت الأجيال لا يلتقيان
أصبح السد الذي بينهما
ترعة يزخر فيها الأزرقان
فلتدم ( آميركا ) ما التطما
ما لهذا الفتح في التاريخ ثان
ولتعش رايتها ذات النجوم
أجمل الرايات أولى بالخلود !
*
واعتلى الناس به متن الهواء
فهم حول الدراري يمرحون
يمخر المنطاد فيهم في الفضاء
مثلما يمخر في البحر السفين
معجزات ما أتاها الأنبياء
لا ولم يطمح اليها الأقدمون
سخر العلم لهم حتى الغيوم
فهم ، مثلهم ، فوق الصعيد
*
حلق الغربي فوق السموات
ولبثنا نندب الرسم المحيل
فاذا ما قال أهل المكرمات
ما وجدنا ، وأبيكم ، ما نقول
لو فقهنا مثلهم معنى الحياة
ما أضعناها بكاء في الطلول
ألفت أنفسنا الضيم المقيم
مثلما يستعذب الظبي الهبيد !.
*
أدركت غاياتها كل الشعوب
نهض الصيني وما زلنا نيام
عبثت فينا الرزايا والخطوب
مثلما يعبث بالحر اللئام
صودر الكاتب منا والخطيب
منعت ألستنا حتى الكلام
نحن في الغفلة أصحاب الرقيم
نحن في الذلة إخوان اليهود
*
ليت أنا حين مات الشمم
لحقت أرواحنا بالغابرين
ما تمردنا على من ظلموا
لا ولم نفكك وثاقاً عن سجين
ليس يمحو عارنا إلا الدم
فالى كم نذرف الدمع السخين؟
قام فينا ألف جبار غشوم
غير أنا لم يمت منا شهيد
*
يا لقومي بلغ السيل الزبى
واستطال البغي واستشرى الفساد
فاجعلوا أقلامكم بيض الظبى
واستعيروا من دم الباغي المداد
كتب السيف .. اقرأوا ما كتبا
لا ينال المجد إلا بالجهاد
أي رجال الشرق أبناء القروم
لا تناموا . آفة الماء الركود !!!

نــجــم
23-04-2011, 09:24 PM
1916

كمْ ، قبلَ هذا الجبلِ ، ولى جيلُ
هيهاتَ ، ليسَ إلى البقاءِ سبيلُ
ضحكَ الشَّبابُ من الكُهُولِ فأغرقوا
واستيقظوا ، فإذا الشبابُ كُهُولُ
نأتي ونمضي والزَّمانُ مُخلَّدٌ
الصبحُ صُبحٌ والأصيلُ أصيلُ
حرٌّ وقرٌ يبليان جُسُومنا
ليتَ الزمانَ ، كما نحولُ ، يحُولُ
إن التحول في الجمادِ تقلصٌ
في الحيّ موتٌ ، في النباتِ ذبولُ
قفْ بالمقابر صامتاً مُتأملاً
كم غابَ فيها صامتٌ وسؤولُ
وسلِ الكواكبَ كم رأتْ من قبلنا
أمماً ، وكم شهدَ النجومِ قبيلُ
تتبدَّلُ الذُّنيا تبدُّلَ أهلها
واللهُ ليسَ لأمرهِ تبدْيلُ
***
يا طالعاً لفتَ العُيونَ طُلُوعهُ
بعدَ الطَّلوعِ ، إن جهلت ، أفولُ
عطفاً ورفقاً بالقلوبِ فإنما
حقدُ القلوب على أخيكَ طويلُ
أنظرْ فوجهُ الأرضِ أغبرُ شاحبٌ
واسمع ! فأصواتُ الرَّياحِ عويلُ
ومن الحديد صواعقٌ ، ومن العجاج
غمائمٌ ، ومن الدَّماءِ سُيُولُ
ماكنتُ أعلمُ قبلما حمس الوغى
أنَّ الضَّواري والأنامَ شُكُولُ
يا أرضَ أوربا ويا أبناءها
في عنق من هذا الدَّمُ المطلولُ ؟
في كلَّ يومٍ منكُمُ أو عنكمُ
نبأ تجيءُ بهِ الرُّواةُ مهُولُ
مزقتم أقساكم وعهودكمُ
ولقد تكونُ كأنها التنزيلُ
وبعثتمُ الأطماعَ فهي جحافلٌ
من خلفهنَّ جحافلٌ وخيولُ
ونشرتمُ الأحقادَ فهي مدافعٌ
وقذائفٌ وأسنةٌ ونصُولُ
لو لم تكن أضغانكم أسيافكم
أمسى بها ، مما تُسامُ ، فلولُ
علمتُمُ ((عزريل)) في هذي الوغى
ما كان يجهلُ علمهُ عزريلُ
إن كانَ هذا ما يُسمى عندكمْ
علماً ، فأينَ الجهلُ والتضليلُ
إن كانَ هذا ما يُسمى عندكم
ديناً فأينَ الكفرُ والتعطيلُ
عوداً إلى عصرِ البداوةِ ، إنهُ
عصرٌ جميلٌ أن يقالَ جميلُ
قابيلُ ، ياجدَّ الورى ، نم هانئاً
كُلُّ امرئِ في ثوبهِ قابيلُ
لا تفخروا بعقولكُمْ ونتاجها
كانتْ لكمْ ، قبل القتالِ ، عُقولُ
لا أنتمُ أنتمْ ولا أرباضكُمْ
تلكَ التى فيها الهناءُ يقيلُ
لا تطلبوا بالمرهفاتِ ذخولكُمْ
في نيلها بالمرهفاتِ ذحولُ
إن الأنام على اختلافِ لغاتهم
وصفاتهم ، لو تذكرونَ ، قبيلُ
***
يا عامنا ! هل فيك ثمةَ مطمعُ
بالسلمِ أم هذا الشقاءُ يطولُ
مرت عليها حجتانِ ولم تزلْ
تتلو الفصولَ مشاهدٌ وفصولُ
لم يعشقِ الناسُ الفناءَ وإنما
فوق البصائر والعقولِ سُدولُ
أنا إن بسمتُ ، وقد رأيتكَ مُقبلا
فكما يهشُّ لعائديه عليلُ
وإذا سكنتُ إلى الهُمومِ فمثلما
رضي القيودَ الموثقُ المكبُولُ
لا يستوي الرَّجلانِ ، هذا قلبُه
خلٍ وهذا قلبهُ ( لجهولُ )
لا يخدعنَّ العارفونَ نفوسهمْ
إن المخادعَ نفسهُ لجهولُ
في الشرقَ قومٌ لم يسلُّوا صارماً
والسيفُ فوق رؤوسهمْ مسلولُ
جهلوا ولم تجهل نفوسهمُ الأسى
أشقى الأنامِ العارفُ المجهولُ
أكبادهُم مقروحةٌ كجفونهم
وزفيرهُم بأنينهم موصُولُ
أما الرجاءُ ، وطالما عاشوا ب
فالدمعُ يشهدُ أنهُ مقتولُ
واليأسُ موتٌ غير أن صريعهُ
يبقى ، وأما نفسهُ فتزولُ
رباهُ ، قد بلغ الشقاءُ أشدهُ
رحماك إن الراحمين قليلُ
****
في الله والوطن العزيزِ عصابةٌ
نكبُوا ، فذا عانٍ وذاكَ قتيلُ
لو لم يمتْ شممُ النفوسِ بموتهمْ
ثار الشأمُ ، لموتهمْ ، والنَّيلُ
يا نازحينَ عن الشآمِ تذكروا
من في الشآمِ وما يليه نزولُ
همُّ الممالكِ في الجهادِ ، وهمُّكمْ
قالٌ تسيرُ بهِ الطُّروسُ وقيلُ
هُبوا ، اعملوا لبلادكُمْ ولنسلكم
بئس الحياةُ سكينةٌ وخمولُ
لا تقبضوا الأيدي فهذا يومُكُمْ
شرُّ الورى جعدُ البنانِ بخيلُ
وعدَ الآلهُ المحسنينَ ببرهِ
وكما علمتم ، وعدُهُ تنويلُ

نــجــم
23-04-2011, 09:25 PM
1931

ليطرب من شاء أن يطربا
فلست بمستمطر خلبا
عرفت الزمان قريب الأذى
فصرت إلى خوفه أقربا
وهذا الجديد أبوه القديم
ولا تلد الحية الأرنبا
أرى الكون يرمقه ضاحكاً
كمن راء في تيهه كوكبا
ولو علم الخلق ما عنده
أهلوا إلى الله كي يغربا
ولو علم العبد ما عندهم
أبى أن يمزق عنه الخبا
ألا لا يغرك تهليلهم
وقولتهم لك يا مرحبا
فقد لبسوك لكي يخلعوك
كما تخلع القدم الجوربا
ولوعون بالغدر من طبعهم
فمن لم يكن غادراً جربا
وكائن فتى هزني قوله
أنا خدنك الصادق المجتبى
أرافق من شكله ضيغماً
يرافق من نفسه ثعلبا
هم القوم أصحبهم مكرها
كما يصحب القمر الغيهلا
أراني أوحد من ناسك
على أنني في عداد الدبى
وأمرح في بلد عامر
وأحسبني قاطناً سبسبا
وقال خليلي : الهناء القصور
وكيف وقد ملئت أذوبا
ألفت الهموم فلو أنني
قدرت تمنعت أن أطربا
كأن الجبال على كاهلي
كأن سروري أن أغضبا
وكيف ارتياح أخي غربة
يصاحب من همه عقربا
عتبت على الدهر لو أنني
أمنت فؤادي أن يعتبا
***
وجدتك والشيب في مفرقي
وودعني وأخوك الصبى
فليس بكائي عاماً خلا
ولكن شبابي الذي غيبا
فيا فرحاً بمجيء السنين
تجيئ السنون لكي تذهبا
عجيب مشيبي قبل الأوان
وأعجب أن لا أرى أشيبا
فإن نوائب عاركتها
ترد فتى العشر محدودبا
ويا بنت (( كولمب )) كم تضحكين
كأنك أبصرت مستغربا
أليس البياض الذي تكرهين
يحببني ثغرك الأشنبا
فمن كان يكره إشراقه
فإني أكره أن يغضبا
أحبك يا أيها المستنير
وإن تك أشمت بي الربربا
وأهوى لأجلك لمع البروق
وأعشق فيك أقاح الربى
***
ويا عام هل جئتنا محرماً
فنرجوك أم جئتنا محربا
تولى أخوك وقد هاجها
أقل سلاح بنيها الظبى
يجندل فيا الخميس الخميس
ويصطرع المقنب المقنبا
إذا ارتفع الطرف في جوها
رأى من عجاجتها هيدبا
وجياشة برقها رعدها
تدك من الشاهق المنكبا
يسير بها الجند محمولة
قضاء على عجل ركبا
يود الفتى أنه هارب
ويمنعه الخوف أن يهربا
وكيف النجاة ومقذوفها
يطول من الشرق من غربا ؟
ولو أنه في ثنايا الغيوم
لما أمن الغيم أن يطلبا
تسح فلو أن تهتانها
حياً أنبت القاحل المجدبا
فما المنجنيق وأحجاره
وما الماضيات الرقاق الشبا ؟
***
إن شكت الأرض حر الصدى
سقاها النجيع الورى صيبا
فيا للحروب وأهوالها
أما حان يا قوم أن تشجبا
هو الموت آت على رغمكم
فالقوا المسدس والأشطبا
وللخالق الملك والمالكون
فلا تبتغوا فيكم أشعبا
***
ولم أنسى مصرع (( تيتانك ))
ومصرعنا يوم طار النبا
فمن شدة الهول في صدقه
رغبنا إلى (( البرق )) أن يكذبا
ليالي لا نستطيب الكرى
ولا نجد الماء مستعذبا
وبات فؤادي ، به صدعها
وبت أحاذر أن يرأبا
ولي ناظر غرق مثلها
من المع بالبحر مستوثبا
إذا ما تذكرتها هجت بي
أسى تتقيه الحشا مخلبا
فأمسي على كبدي راحتي
أخاف مع الدمع أن تسربا
خطوب يراها الورى مثلها
لذلك أشفق أن تكتبا
لقد نكب الشرق نكباته
وحاول أن ينكب المغربا
وأشقى نفوس بني آدم
ليرضي السراحين والأعقبا
ولو جاز بين الضحى والدجى
لقاتل فيه الضحى الغيبا
لعلك تمحو جناياته
فتنسى بك الذنب والمذنبا
إذا كنت لا تستطيع الخلود
فعش بيننا أثراً طيبا
فإنك في إثره راحل
مشيت السواك أو الهيدبى !

نــجــم
23-04-2011, 09:25 PM
أم القرى

أبصرتها ، والشمس عند شروقها
فرأيتها مغمورة بالنار
ورأيُتها عند الغُروب غريقةً
في لُجةٍ من سُندُس ونضار
ورأيتُها تحت الدُجى ، فرأيتها
في بُردتين : سكينةٍ ووقارِ
فتنبهت في النفس أحلامُ الصبى
وغرقتُ في بحرٍ من التذكارِ
...
نفسي لها من جنةٍ خلاَّبة
نسجت غلائلها يدُ الأمطار
أنى مشيت نشقت مسكاً أزفراً
في أرضها وسمعت صوتَ هزارِ
...
ذات الجبال الشّامخاتِ الى العُلا
ياليت في أعلى جباللكِ داري
لأرى الغزالة قبلَ سُكانِ الحِمى
وأعانق النسماتِ في الاسحارِ
لأرى رُعاتك في المروجِ وفي الرُبى
والشاء سارحة مع الأبقار
لأرى الطُّيور الواقعاتِ على الثرى
والنحل حائمة على الأزهارِ
لأساجل الورقاءَ في تغريدها
وتهزُ روحي نفحة المزمار
لأسامر الأقمار في أفلاكها
تحت الظلام إذا غفا سُمَّاري
لأُراقب (( الدلوار )) في جريانهِ
وأرى خيال البدرِ في (( الدلوار ))
...
بئس المدينةُ إنَّها سجنُ النُهى
وذوي النهى ، وجهنم الأحرار
لا يملكُ الإنسان فيها نفسهُ
حتى يروعهُ ضجيجُ قطار
وجدت بها نفسي المفاسِد والأذى
في كلّ زاويةٍ وكلّ جدارِ
لا يخدعن الناظرين بروجها
تلك البروجُ مخابئُ للعارِ
لو أن حاسد أهلها لاقى الذي
لا قيتُ لم يحسُد سوى (( بشَّار ))
غُفرانك اللُّهم ما أنا كافرٌ
فلم تُعذب مُهجتي بالنار ؟
...
لله ما أشهى القُرى وأحبَّها
لفتًى بعيدِ مطارحِ الأفكار
إن شئت تعرى من قيودك كلها
فانظر إلى صدرِ السماءِ العاري
وامشِ على ضوءِ الصَّباحِ ، فإن خبا
فامشِ على ضوءِ الهلالِ السَّاري
عش في الخلاءِ تعِش خليَّا هانئاً
كالطيَّر ... حُراً ، كالغديرِ الجاري
عش في الخلاءِ كما تعيشُ طيورُهُ
الحُرُّ يأبى العيش تحت ستار !
...
شلال (( ملفرد )) لا يقر قراره
وأنا لشوقي لا يقرُ قراري
فيه من السيف الصقيل بريقُهُ
ولهُ ضجيجُ الجحفل الجرَّارِ
أبداً يرُشُ صخورهُ بدُموعهِ
أتراهُ يغسلُها من الأوزار ؟
فاذا تطاير ماؤهُ متناثراً
أبصرت حول السَّفح شبه غيارِ
كالبحر ذي التيار يدفعُ بعضهُ
ويصول كالضرغام ذي الأظفارِ
من قمةٍ كالنَّهد ، أيُّ فتى
نهداً يقيضُ بعارض مدرار
فكأنما هي منبرٌ وكأنه
(( ميرابُ)) بين عصائب الثوَّارِ
من لم يشاهد ساعة وثباتهِ
لم يدرِ كيف تغطرس الجبَّار
مازلتُ أحسب كلٍّ صمت حكمة
حتى بصرتُ بذلك الثرثارِ
أعددتُ ، قبل أراهُ ، وقفة عابرٍ
لاهٍ فكانت وقفة استعبار ! ..
...
يا أخت دار الخلد ، يا أم القرى .
ياربة الغابات والأنهار
لله يومٌ فيكِ قد قضيت
مع عصبة من خيرة الأنصار
نمشي على تلك الهضاب
بحر من الأغراسِ
تنسابُ فيه العينُ بينَ جداو
وخمائل ومسالك وديار
.. آناً على جبلٍ مكينٍ راسخٍ
راس ، وىناً فوق جُرفٍ هارِ
تهوي الحجارة تحتنا من حالقِ
ونكاد أن نهوي مع الأحجارِ
لو كنت شاهدنا نهرولُ من علٍ
لضحكت منَّا ضحكة استهتارِ
الريحُ ساكنةٌ ونحنُ نظننا
للخوف مندفعين مع إعصار
والأرض ثابتةٌ ونحنُ نخالها
تهتزُ مع دفع النسيم السَّاري
مازال يسند بعضُنا بعضاً كما
يتماسك الروادُ في الأسفار
ويشدُ هذا ذاك من أزرارِهِ
فيشدني ذياك من أزراري
حتى رجعنا سالمين ولم نعُد
لو لم يمُدَّ الله في الأعمار ِ
ولقد وقفتُ حيال نهرك بُكرة
والطيرُ في الوكنات والأوكار
متهيباً فكأنني في هيكلٍ
وكأنهُ سفرٌ من الأسفارِ
ما كنتُ من يهوى السكوت وإنما
عقلت لساني رهبة الأدهار
مرَّ النسيمُ به فمرَّت مقلتي
منه بأسطار على أسطارٍ
فالقلبُ مُشتغل بتذكاراته
والطرفُ مُندفعٌ مع التيار
حتى تجلت فوق هاتيك الرُّبى
شمس الصباح تلوحُ كالدّينار
فعلى جوانبه وشاح زبرجدٍ
وعلى غواربه وشاح بهار
لو أبصرت عيناك فيه خيالها
لرأيت مِرآةً بغير إطارِ
يمَّمتهُ سحراً وأسرارِي معي
ورجعتُ في أعماقهِ أسراري ! ..
...
إني حسدتُ على القُرى أهل القرى
وغبطتُ حتَّى نافخ المزمار
ليلٌ وصُبحٌ بين إخوان الصَّفا
ما كان أجمل ليلتي ونهاري !

نــجــم
23-04-2011, 09:25 PM
أما أنا

لا تنثني في الرّوض أغصانُ الشَّجر
حتى ُتدغدغهاالنسائمُ في السَّحر
وأنا كذلك لا يُفارقني الضَّجر
حتَّى ُتداعبَ لمتى بيديها
...
الشمسُ ُتلقي في الصَّباحِ حبالها
وتبيتُ تنظرُ في الغدير خيالها
أمَّا أنا فإذا وقفتُ حيالها
أبصرتُ نور الشمس في خديها
...
الطود يقرأ في السماءِ الصَّافيه
سفراً ، جميلٌ متنهُ والحاشيه
أما أنا فإذا فقدت كتابيه
أتلُو كتاب الحب في عينيها
...
الطيرُ إن عطشت ولج بها الظما
هبطت إلى الأنهار من علوِ السما
أمَّا انا فإذا ظمئت فإنَّما
ظمأي الشديدُ إلى لمى شفتيها
...
الندُّ يطلبهُ الخلائق في الرُّبى
بين الورُود وفي ُنسمات الصَّبا
أمَّا أنا فألذ من نشر الكبا
عندي ، الذي قد فاح من نهديها
...
الرّاحُ تصرفُ ذا العناء عن العنا
وتطيرُ بالصّعلوك في جوّ المنى
فيرى الكواكب تحتهُ ، أمَّا أنا
فتظلُّ أفكاري تحوم عليها
...
فيها ومنها ذلتي وسقامي
وبها غرامي ، القاتلي ، وهيامي
أشتاقها في يقظتي ومنامي
واطول شوق المستهام إليها

نــجــم
23-04-2011, 09:26 PM
أمنية المهاجر


جعت والخبز وثير في وطابي
والسنا حولي وروحي في ضباب
وشربت الماء عذباً سائغاً
وكأني لم أذق غير سراب
محنة ليس لها مثل سوى
محنة الزورق في طاغي العباب
ليس بي داء ولكني امرؤ
لست في أرضي ولا بين صحابي
مرت الأعوام تتلو بعضها
للورى ضحكي ولي وحدي اكتئابي
كلما استولدت نفسي أملاً
مدت الدنيا له مف اغتصاب
أفلتت مني حلاوات الرؤى
عندما أفلت من كفي شبابي
بت لا الإلهام باب مشرع
لي ولا الأحلام تمشي في ركابي
أشتهي الخمر وكأسي في يدي
وأحس الروح تعرى في ثيابي
رب هبني لبلادي عودة
وليكن للغير في الأخرى ثوابي
أيها الأتون من ذاك الحمى
يا دعاة الخير ، يا رمز الشباب
كم هششتم وهششنا للمنى
وبكيتم وبكينا في مصاب
واشتركنا في جهاد أو عذاب
والتقينا في حديص أو كتاب
وعرفتم وعرفنا مثلكم
أنما الحق لذي ظفر وناب
كل أرض نام عنها أهلها
فهي أرض لاغتصاب وانتهاب
زعموا الإنسان بالعلم ارتقى
وأراه لم يزل إنسان غاب
إنه الثعلب مكراً وهو كالسر
طان غدراً وحكيم كالغراب
يا رفاقي حطموا أقداحكم
ليس في الدنيا رحيق لانسكاب
جف ضرع الشعر عندي وانطوى
ولكم عاش لمرعى واحتلاب
...
أيها السائل عني من أنا
أنا كالشمس إلى الشرق انتسابي
لغة الفولاذ هاضت لغتي
لا يعيش الشدو في بحر اصطخاب
لست أشكو إن شكا غيري النوى
غربة الأجسام ليست باغتراب
أنا في نيويورك بالجسم وبالر
وح في الشرق على تلك الهضاب
في ابتسام الفجر في صمت الدجى
في أسى (( تشرين )) في لوعة (( آب ))
أنا في الغوطة زهر وندى
أنا في لبنان نجوى وتصابي
أنني ألمح في أوجهكم
دفقة النور على تلك الروابي
وأرى أشباح أيام مضت
في كفاح ونضال ووثاب
وأرى أطياف عصر باهر
طالع كالشمس من خلف الحجاب
ليته يسرع كي أبصره
قبل أن أغدو تراباً في تراب

نــجــم
23-04-2011, 09:26 PM
أبو غازي

أبو غازي السلامُ عليكَ منّا
وعفواً أيُّها الملكُ الهمامُ
فما ضاقَ الكلامُ بنا ، ولكنْ
وجدنا الحزنَ أرخصهُ الكلامُ
وخطبكَ لا يفيهِ دمعُ باكٍ
ولو أنَّ الذي يبكي الغمامُ
ونحنُ أحقُّ أنْ نُبكى ونرثى
فموتُكَ من بني العُربِ انتقامُ
خبا نبراسُنا ، والليلُ داجٍ ،
وموجُ الحادثاتِ لهُ التطامُ
وكنتَ لنا الدليلَ ، فغبتَ عنّا
وكنتَ حسامنا ، فنبا الحُسامُ !
كأنَّكَ قد وترتَ الموتَ قِدماً
وهابكَ في كنانتكِ السهامُ
فدبَّ إليكَ مثلَ اللصَّ ليلاً
وكانَ الموتُ ليسَ لهُ ذمامُ
طوىَ الدينا نعُّكَ في ثوانٍ
فريعَ البيتُ والبلدُ الحرامُ
و (دجلةُ) كالطعينِ لهُ أنينٌ
وفي (بردى) التياعٌ واضطرامُ
ورحنا بين مصعوقٍ وساهِ
كمنْ صرعتْ عقولهُم المدامُ
كأنَّ الأرضَ قد مادتْ وفضت
عن الموتى الصفائحُ والرجامُ
فمنْ للبيضِ والجردِ المذاكي ؟
و (فيصلُ) باتَ يحويهِ الرّغامُ
ومنْ للحقَّ ينشرهُ لواءَ
بهِ للناسِ هذيٌ واعتصامُ
توارى المجدُ في كفنٍ ولحدٍ
وغابتْ في الترابِ منّى عظامُ
مضى وحديثهُ في الناسِ باقٍ
كعمرِ الشمسِ ليسَ لهُ انصرامُ
فيا جدثاً حواهُ لستَ قبراً
ولكنْ أنتَ في الدينا وسامُ
***
حياتكَ ( يا أبا غازي) حياةٌ
كفصلِ الصَّيفِ: زهرٌ وابتسامُ
وقد تحصى الكواكبُ والأقاحي
ولا تُحصى أياديكَ الجسامُ
مددتَ إلى منىَ العربِ الغوافي
يداً ، فتفقتْ عنها الكمامُ
وأمسى بندهُمْ ولهُ خفوقٌ
وأمسى عقدهمْ ولهُ نظامُ
وكم أسقمتَ جسمكَ كي يصحوا
وحالفتَ السهادَ وهمْ نيامُ
وكم جازيتَ عن شرَّ بخيرٍ
وكم جازاكَ بالغدرِ الأنامُ
خذلتَ فما عتبتَ على صديقٍ
ولم تحنقْ وقد كثرَ الملامُ
وكم قد فزتَ في حربٍ وسلمٍ
فلم يلعبْ بعطفيكَ العُرامُ
خلائقُ من لهُ عرقٌ كريمٌ
وخطةُ من لهُ قلبٌ عصامُ
خذوا الخُلقَ الرفيعَ من الصحارى،
فإنَّ النفسِ يُفسدها الزحامُ
وكم فقدتْ حلالتها قصورٌ
ولم تفقدْ مروءتها الخيامُ
***
وقالوا اندكَّ عرشُكَ في دمشقٍ
كأنَّ العرشَ أخشابٌ تُقامُ
وكيفَ تهدُّ سدَّتكَ العوالي
ولم يسلبكها الموتُ الزؤامُ ؟
فما كانَ انتصارهمُ علاءِ
ولا كانَ انكساركَ فيهِ ذامُ
إذا لم تنصُر الأرواحُ مُلكاً
فأحسنُ ما حوى جثثٌ وهامُ
وما زالتْ لكَ الأرواحُ فيها
وما زالتْ عشيرتُكَ الشآمُ
تصفقُ لاسمكَ الأمواهُ فيها
ويهتفُ في خمائلها الحمامُ
ويذكرُ أهلها تلكَ السجايا
فيشرقُ من تذكرها الظلامُ
وليسَ أحبَّ من حُرَّ مؤاسٍ
إلى شعبٍ يُساءُ ويُستضامُ
***
فقلُ للساخطينَ على الليالي
ومن سكنوا على يأسٍ وناموا
سينحسرُ الضبابُ عن الروابي
ويبدو الوردُ فيها والخزامُ
ويصفو جونا بعد انكدارٍ
ويسقي أرضننا المطرُ الرّهامُ
ونرجعُ أمةًَ تُرجى وتخشى
وإنْ كرهَ الزعانفُ والطغامُ

نــجــم
23-04-2011, 09:26 PM
أيلول الشاعر

ألحسن حولك في الوهاد وفي الذرى
فانظر ، ألست ترى الجمال كما أرى ؟
(( أيلولُ )) يمشي في الحقول وفي الربى
والأرضُ في أيلولَ أحسنُ منظرا
شهرٌ يوزعُ في الطبيعة فنه
شجراً يُصفقُ أو سناً متفجّرا
فالنورُ سحرٌ دافقٌ ، والماء شعرٌ
رائق ، والعطر أنفاس الثرى
لاتحسب الأنهار ماء راقصاً
هذي أغانيه استحالت أنهرا
وانظر إلى الأشجار تخلعُ أخضراً
عنها ، وتلبس أحمراً أو أصفرا
تعرى وُتكسى في أوانٍ واحد
والفن في ما ترتديه وفي العرا
فكأنما نارٌ هناك خفية
تنحلُّ حين تهم أن تستشعرا
وتذوبُ أصباغاً كألوانِ الضحى
وتموجُ ألحاناً وتسري عنبرا
صورٌ وأطيافٌ تلوحُ خفيفةٌ
وكأنها صورٌ نراها في الكرى
لله من (أيلول ) شهر ساحرٍ
سبق الشهور وغن أتى متأخرا
من ذا يدبج أو يحوك كوشيه
أو من يصور مثلما قد صورا؟
لمست أصابعهُ السماء فوجهها
ضاح ، ومرَّ على التراب فنورا
رد الجلال إلى الحياة وردَّني
من أرض نيويورك إلى أم القرى

نــجــم
23-04-2011, 09:26 PM
أيها الراعي

شهور العام أجملها "ربيعٌ"
وأبغضها إلى الدُّنيا "جمادى"
وخير المال ما أمسى زكاة ً
وخير النـّاس من نفعَ العِبادا
بـِربِّكَ قل لنا وخلاك ذمٌّ
أعيسى كان يَذ َّخِرُ العتادا؟
تنبَّه أيُّها الرّاعي تنبّه
فـَمَن حَفِظ َالورى حَفِظ َالعبادا
خِرافـُك بين أشداق الضّواري
ومثلكَ من حمى ووقى النقادا
تبدّل أمنـُهُم رُعباً وخوفاً
وصارت نار أكثرهم رمادا
لقد أكل الجرادُ الأرض حتى
تمنـّوا أنـّهم صاروا جرادا
فمالك لا تجود لهم بشيءِ
وقد رقَّ العَدُوُّ لهم وجادا؟
ومالك لا تـُجيبُ لهم نِداءً
كأنَّ سِواكَ، لا أنت، المنادى؟

. . .

ورُبَّتَ ساهر ٍ في "بعلبكِّ"
يُشَاطِرُ جفنـُهُ النـّجم السّهادا
يزيدُ الليل كربتهُ اشتداداً
وفرط ُ الهمِّ ليلتهُ سوادا
إذا مال النُّعاس بأخدعيه
ثنى الذعر الكرى عنه وذادا
بهِ الدَّاءان من سَغـَبٍ وخوفٍ
فما ذاق الطـّعام ولا الرُّقادا
تطوفُ به أصَيبـِيَة ٌصِغارٌ
كأنَّ وجوهمم طليت جسادا
جياعٌ كلـَّما صاحوا وناحوا
توهّم أنّ بعض الأرض مادا
إذا ما استصرخوه وضاقَ ذرعاً
نبا عنهم وما جهل المرادا
ولكن لم يدع بُؤسَ الليالي
طريفاً في يديه ولا تِلادا
ولو تركَ الزّمانُ لهُ فؤاداً
لما تركت له البلوى فؤادا

. . .

أتفترشُ الحرير وترتديه
ويفترشُ الجنادلَ والقتادا
ويطلب من نباتِ الأرضِ قـُوتاً
وَتـَأبى غير لحم الطـَّير زادا
وتهجع هانئاً جذلاً قريراً
وقد هجر الكرى وجفا الوسادا
عجيب أن تكون كذا ضنيناً
ولم تبصِر بنا إلاَّ جوادا
أما تخشى مقالة ذي لسان:
أمات النـّاسَ كي يُحْيي الجمادا

. . .

لداتكَ همهم نفعُ البرايا
وهمُّكَ أن تكيدَ وأن تـُكادا
نزلت بنا فأنزلناك سهلاً
وزدناك النضار المستفادا
فكان جزاؤنا أن قمت فينا
تُعلـِّمُنا القطيعة َ والبعادا
فلمّا ثار ثائرُ كل حُرٍّ
رجعتَ اليوم تمتدح الحيادا
أتدفع بالغويِّ إلأى التـّمادي
وتعجبُ بعد ذلك إن تمادى؟
سكتَّ فقام في الأذهانِ شكٌّ
وقلت فأصبحالشَّكُّ اعتقادا
تجهّمت القريض ففاض عتباً
وإن أحرجته فاض انتقادا
ولولا أن أثرت الخلف فينا
وَدِدنا لو محضناك الودادا

نــجــم
23-04-2011, 09:27 PM
أيها القلم

ماذا جنيتَ عليهمْ ، أيها القلمُ
واللهِ ما فيكَ الا النُّصحُ والحكمُ
اني ليحزنني ان يسجنوكَ وهم
لولاكَ في الأرضِ لم تثبتْ لهم قدمُ
خلقتَ حراً كموجِ البحرِ مندفعاً
فما القيودُ وما الأصفادُ واللجمُ ؟
ان يحسبوا الطائرَ المحكيَّ في قفصٍ
فليسَ يُحبسُ منه الصوتُ والنغمُ
أللهُ في أمةٍ جارَ الزمانُ بها
يفنى الومانُ ولا يفنى لها ألمُ
كأنما خصَّها بالذُّلَّ بارثها
أو أقسم الدهرُ لا يعلو لها علمُ
مهضومةُ الحقَّ لا ذنبَ جنتهُ سوى
أنَّ الحقوقَ لديها ليسَ تنهضم
مرَّتْ عليها سنونٌ كلُّها نقمٌ
ما كانَ أسعدها لو أنها نعمُ ؟
عدّوا شكايتها ظلماً وما ظلمتْ
وانما ظلموها بالذي زعموا
ما ضرَّهمْ أنها باتتْ تُسائُلهُمْ
أينَ الموثيقُ ، أين العهد والقسمُ ؟
أما كفى أنَّ في آذانهمْ صمماً
حتى أرادوا بأنْ ينتابها الصَّممُ ؟
كأنما سئموا أن لا يزالَ بها
روحٌ على الدَّهرِ لم يظفرْ بها السَّأمُ
فقيّدوها لعلّ القيدَ يُسكتها
وعزَّ أن يسكتَ المظلومُ لو علموا
وأرهقوا الصحفَ والأقلامَ في زمنٍ
يكادُ يعبدُ فيهِ الطرسُ والقلمُ
ان يمنعوا الصحفَ فينا بث لوعتنا
فكلنا صحفٌ في مصرَ ترتسمُ
إنا لقومٌ لنا مجدٌ سنذكرهُ
ما دامَ فينا لسانٌ ناطقٌ وفمُ
كيفَ السبيلُ الى سلوانِ رفعتنا
وهي التي تتمنى بعضها الأممُ ؟
يأبى لنا العزُّ أن نرضى المذلةَ في
عصرٍ رأينا بهِ العبدانَ تُحترمُ
للموتُ أجملُ من عيشٍ على مضضٍ
انَّ الحياةَ بلا حريةٍ عدمُ

نــجــم
23-04-2011, 09:27 PM
أخو الورقاء


لله من عبث القضاء وسخره
بالناس والحالات والأشياء
كم درة في التاج ألف مثلها
في القاع لم تخرج من الظلماء
ولكم تعثر بالغباء سميذع
وانداحت الأطواد للجبناء
ولكم جنى علم على أربابه
وجنى الهناء جماعة الجهلاء
أرأيت أعجب حالة من حالنا
أزف الرحيل ولم نفز بلقاء !
عاشت شهوراً بالرجاء قلوبنا
وبلحظة أمست بغير رجاء
ماتت أمانينا الحسان أجنة
لم تكتحل أجفانها بضياء
فكأنها برق تألق وانطوى
في الليل لم تلمحه مقلة راء
وكأننا كنا نحلق في الفضا
صعداً لنلمس منكب الجوزاء
حتى إذا حان الوصول .. رمت بنا
نكباء عاتية إلى الغبراء !
وكأن (( تكسس )) وهي في هذا الحمى
صقع (( كسانبول )) قصي ناء
طوبى لها ، إن كان يعلم أهلها
أن النزيل بها أخو الورقاء
كانت مسارح (( للرعاة )) فأصبحت
لما أتاها كعبة الشعراء
وهو بلبل عبق النبوة في أغا
نيه ، وفيها نكهة الصهباء
وجلال لبنان ، وقد غمر المسا
هضباته ، وانسال في الأوداء
غنى ، ففي النسمات ، والأوراق
والغدران ، أعراس بلا ضوضاء
وبكى ، فشاع الحزن في الأزهار،
والأظلال ، والألوان ، والأضواء
هو نفحة قديسة هبطت إلى
هذا الثرى من عالم اللألاء
لو عاد للدنيا البراق وحزته
ما كان إلا نحوه إسرائي
أشكو البعاد وليس لي أن أشتكي
فسماؤه موصولة بسمائي
ما حال بين نفوسنا ، ما حال بين جسومنا من أجبل وفضاء
فلكم نظرت إلى الربى فلمحته
في الأقحوان الخير المعطاء
وسمعت ساقية تئن فخلتني
لبكائه أوطانه إصغائي
وإذا تلوح لي الجبال ذكرته
فالشاعر القروي طود إباء
من كان يحلم بالغدير فإنه
يبدو له في كل قطرة ماء
إن كنت لم أره فقد شاهدته
بعيون أصحابي ، وذلك عزائي
...
أفتى القوافي كالشواظ على العدى
وعلى قلوب الصحب كالأنداء
سارت إليك تحيتي ولو أنني
خيرت ، كنت تحيتي ودعائي

نــجــم
23-04-2011, 09:27 PM
أين عصر الصبا


مالي وما للرشإ الأغيد
خلت من الحب ومنه يدي
نأى ، فما في قربه مطمع
لا تصل الكف إلى الفرقد
قدعت باليأس خيوط المنى
وقلت للسلوان - لا تبعد
وصرت لا يطربني منشد
ولا أنا أصبو إلى منشد
أسير في الروضة عند الضحى
حيران كالمدلج في فدفد
أمامي الماء ولا أرتوي،
وحولي النور ولا أهتدي
يا ليت شعري ، أين عهد الصبا
وأين أحلام الفتى الأمرد
ولى وولت كخيال الكرى
يلوح في الذهن ولم يوجد
فيا قلوب الكاشحين اسكني
ويا عيون الحاسدين ارقدي
ويا شياهاً تتقي صولتي
قلمت أظفاري فاستأسدي
*
يا سائلي عن أمس كيف انقضى
دعه وسلني ، يا أخي ، عن غد
أروح للنفس وأهنا لها
أن تحسب الماضي لم يولد

نــجــم
23-04-2011, 09:28 PM
أهلها عرب

أقاح ذاك أم شنب
وريق ذاك أم ضرب
ووجه ذاك أم قمر
وخد ذاك أم ذهب
جمال غير مكتسب
وبعض الحسن يكتسب
ثكلت الظرف ، عاذلتي
أهذا الحسن يجتنب؟
عددت لها العيوب وليـ
ـس إلا الظرف والأدب
فتاة بين مبسهما
وبين عقودها نسب
لواحظها نمتها الهند
لكن أهلها عرب
مرنحة إذا خطرت
رأيت الغصن يضطرب
مشت وونت روادفها
فكاد الخصر ينقضب
يسر العاذلون إذا
نأت ويعودني الوصب
ويصطخبون إن قربت
وعندي يحسن الطرب
فأبكي كلما ضحكوا
وأضحك كلما غضبوا!

نــجــم
23-04-2011, 09:28 PM
أنا


حر ومذهب كل حر مذهبي
ما كنت بالغاوي ولا المتعصب
إني لأغضب للكريم ينوشه
من دونه وألوم من لم يغضب
وأحب كل مهذب ولو أنه
خصمي ، وأرحم كل غير مهذب
يأبى فؤادي أن يميل إلى الأذى
حب الأذية من طباع العقرب
لي أن أرد مساءة بمساءة
لو أنني أرضى ببرق خلب
حسب المسيء شعوره ومقاله
في سره : يا ليتني لم أذنب
***
أنا لا تغشني الطيالس والحلى
كم في الطيالس من سقيم أجرب؟
عيناك من أثوابه في جنة
ويداك من أخلاقه في سبسب
وإذا بصرت به بصرت بأشمط
وإذا تحدثه تكشف عن صبي
أني إذا نزل البلاء بصاحبي
دافعت عنه بناجذي وبمخلبي
وشددت ساعده الضعيف بساعدي
وسترت منكبه العري بمنكبي
وأرى مساوئه كأني لا أرى
وأرى محاسنه وإن لم تكتب
وألوم نفسي قبله إن أخطأت
وإذا أساء إلي لم أتعتب
متقرب من صاحبي فإذا مشت
في عطفه الغلواء لم أتقرب
أنا من ضميري ساكن في معقل
أنا من خلالي سائر في موكب
فإذا رآني ذو الغباوة دونه
فكما ترى في الماء ظل الكوكب

نــجــم
23-04-2011, 09:28 PM
أنا و النجم

مثلي هذا النجم في سهده
مثله المحبوب في بعده
يختال في عرض السما تائهاً
كأنما يختال في برده
إن شئت فهو الملك في عرشه
أو شئت فهو الطفل في مهده
يرمقني شذراً كأني به
يحسبني أطمع في مجده
يسعى ولا يسعى إلى غاية
كمن يرى الغاية في جده
كأنما يبحث عن ضائع
لا يستطيع الصبر من بعده
طال سراه وهو في حيرة
كأنه المحزون في وجده
في جنح ليل حالك فاحم
كأن حظي قد ضل عن قصده
ساورني الهم وساورته
ما أعجز الإنسان عن رده!
ما أعجب الدهر وأطواره
في عين من يمعن في نقده؟
جربته دهراً فما راقني
من هزله شيء ولا جده
أكبر منه أنني زاهد
ما زهد الزاهد في زهده
أكبر مني ذا وأكبرت أن
يطمع، أن أطمع في رفده
وعدني أعجوبة في الورى
مذ رحت لا أعجب من حقده
يا رب خل كان دوني نهى
عجبت من نحسي ومن سعده
وعائش يخطر فوق الثرى
أفضل منه الميت في لحده
أصبح يجني الورد من شوكه
وبت أجني الشوك من ورده
أكذب إن صدقته بعدما
عرفت منه الكذب في وعده
لا أشتكي الضر إذا مسني
منه، ولا أطرب من رغده
أعلم أن البؤس مستنفد
والرغد ما لا بد من فقده
إذا الليالي قربت نازحاً
وكنت مشتاقاً إلى شهده
أملك عنه النفس في قربه
خوفاً من الوحشة في صده
وإن أر الحزن على فائت
أضر بي الحزن ولم يجده

نــجــم
23-04-2011, 09:29 PM
أنا وأخت المهاة والقمر


آه من الحب كله عبر
عندي منه الدموع والسهر
وويح صرعى الغرام إنهم
موتى ، وما كفنوا ولا قبروا
يمشون في الأرض ليس يأخذهم
زهو ولا في خدودهم صعر
لو ولج الناس في سرائرهم
هانت ، وربي ، عليهم سقر
ما خفروا ذمة ، ولا نكثوا
عهداً ، ولا مالاًوا ولا غدروا
قد حملوا الهون غير ما سأم
لولا الهوى للهوان ما صبروا
لم يبق مني الضنى سوى شبح
يكاد ، لولا الرجاء ، يندثر
أمسى وسادي مشابهاً كبدي
كلاهما النار فيه تستعر
أكل صب ، يا ليل ، مضجعه
مثلي فيه القتاد والإبر
لعل طيفاً من هند يطرقني
فعند هند عن شقوني خبر
ما بال هند علي غاضبة
ما شاب فودي وليس بي كبر
ما زلت غض الشباب لا وهن
يا هند في عزمتي ولا خور
لا در در الوشاة قد حلفوا
أن يفسدوا بيننا وقد قدروا
واهاً لأيامنا .. أراجعة ؟
فانهن الحجول والغرر
أيام لا الدهر قابض يده
عني ، ولا هند قلبها حجر
***
لم أنس ليلاً سهرته معها
تحنو علينا الأفنان والشجر
غفرت ذنب النوى بزورتها
ذنب النوى باللقاء يغتفر
بتنا عن الراصدين يكتمنا
الأسودان : الظلام والشعر
ثلاثة للسرور ما رقدوا
أنا وأخت المهاة والقمر
فما لهذي النجوم ساهية
ترنو إلينا كانها نذر؟..
إن كان صبح الجبين روعها
فإن ليل الشعور معتكر
أو انتظام العقود أغضبها
فإن در الكلام منتثر
وما لتلك الغصون مطرقة
كأنها للسلام تختصر
تبكي كأن الزمان أرهقها
عسراً ، ولكن دموعها الثمر
طوراً على الأرض تنثني مرحاً
وتارة في الفضاء تشتجر
فأجلفت هند عند رؤيتها
وقد تروع الجآذر الصور
هيفاء لو لم تلن معاطفها
عند التثني خشيت تنكسر
من اللواتي - ولا شبيه لها -
يزينهن الدلال والخفر
في كل عضو وكل جارحة
معنى جديد للحسن مبتكر
تبيت زهر النجوم طامعة
لو أنها فوق نحرها درر
رخيمة الصوت إن شددت لفتت
لها الدراري وأنصت السحر
أبثها الوجد وهي لاهية
أذهلها الحب فهي تفتكر
يا هند كم ذا الأنام تعذلنا
وما أثمنا ولا بنا وزر
فابتدرت هند وهي ضاحكة :
ماذا علينا وإن هم كثروا
فدتك نفسي لو أنهم عقلوا
واستشعروا الحب مثلنا عذروا
ما جحد الحب غير جاهله
أيجحد الشمس من له بصر ؟
ذرهم وغن جلبوا وإن صخبوا
ولا تلمهم فما هم بشر!
سرنا الهويناء ما بنا تعب
وقد سكتنا وما بنا حصر
لكن فرط الهيام أسكرنا
وقبلنا العاشقون كم سكروا
فقل لمن يكثر الظنون بنا
ما كان إلا الحديث والنظر
حتى رأيت النجوم آفلة
وكاد قلب الظلام ينفطر
ودعتها والفؤاد مضطرب
أكفكف الدمع وهو ينهمر
وودعتني ومن محاجرها
فوق العقيق الجمان ينحدر
قد أضحك الدهر ما بكيت له
كأنما البين عنده وطر
كانت ليالي ما بها كدر
والآن أمست وكلها كدر
إن نفد الدمع من تذكرها
فجادها بعد أدمعي المطر
عسى الليالي تدري جنايتها
على قتيل الهوى فتعذر

نــجــم
23-04-2011, 09:29 PM
أنا وهي


جلست إليها والتزام بنا يعدو
إلى حيث لا واش هناك ولا ضد
قد انتظت هذي القطارات في الثرى
كأن الثرى جيد وتلك لها عقد
بلى ، هي عقد بل عقود، ألا ترى
على الأرض أسلاكاً تدور فتمتد؟
يسير فيطوي الأرض طياً كأنما
دواليبه أيدي، كأن الثرى برد
فكالطود إلا أن ذياك ثابت
وكالريح إلا أن هاتيك لا تبدو
توهمته من سرعة السير راكداً
وأن الدنى فيمن على ظهرها تعدو
تحوم عليه المركبات كأنه
مليك وتلك المركبات له جند
تقصر عنه الريح إما تسابقا
فكيف تجاريه المطهمة الجرد؟
على أنه في كف عبد زمامه
فيا من رأى ملكاً يصرفه عبد
كأني به، يا صاح، دار ضيافة
يغادره وفد ويقصده وفد
خلوت بمن أهوى به رغم عاذلي
ولم يك غير القرب لي ولها قصد
فسار بنا في الأرض وخداً كأنما
درى أن ما نبغيه منه هو الوخد
فما راعني والله إلا وقوفه
فقد كنت أخشى أن يفاجئنا وغد
ولما انتهى من سيره وإذا بنا
على شاطئ البحر الذي ما له حد
هناك وقفنا والشفاه وصوامت
كأن بنا عياً وليس بنا وجد
سكننا ولكن العيون نواطق
أرق حديث ما العيون به تشدو
سكرنا ولا خمر ولكنه الهوى
إذا اشتد في قلب امرئ ضعف الرشد
فقالت وفي أجفانها الدمع جائل
وقد عاد مصفراً على خدها الورد
ألا حبذا، يا صاحبي،الموت ههنا
إذا لم يكن من تذوق الردى بد
فيالك من فكر مخيف وهائل
ويا لك من مرآى يرق له الصلد
فقلت لها إني محب لكل ما
تحبين ، إن السم منك هو الشهد
فقالت أمن أجلي تحن إلى الردى؟
دع الهزل إن المرء حليته الجد
فقالت لها لو كنت في الخلد راتعاً
ولست معي والله ما سرني الخلد
فإن لم يكن مهد إليك يضمني
فيا حبذا، يا هند، لو ضمنا لحد
فقالت لعمر الحق إنك صادق
فدمت على ود ودام لك الود
فلو لم أكن من قبل أعشق حسنها
لهمت بها والله حسبي من بعد

نــجــم
23-04-2011, 09:30 PM
أنت والكأس


أنت والكأس في يدي
فلمن أنت في غد
فاستشاطت لقولتي
غضباً في تمرد
وأشاحت بوجهها
وادعت أنني ردي!
كاذب في صبابتي
ماذق في توددي
قلت:عفواً،فإنها
سورة من معربد
وجرى الصلح، والتقى
ثغرها ثغري الصدي
أذعن القلب طائعاً
بعد ذاك التمرد
فنعمنا هنيهة
بالولاء المجدد
بين ماء مصفق
وهزار مغرد
ثم عادت وساوسي
فانا في تردد
راعها مني السكو
ت فذمت تبلدي
قالت : الحب سرمد
قلت : لا شيء سرمدي
أتحبيني إذا
زال مجدي وسؤددي؟
فأجابت لفورها
أنت ، لا المجد ، مقصدي
قلت: هل تحفظين عهـ
ـدي إذا ضاع عسجدي؟
فأجابت برقة
أنت ، ما عشت ، سيدي
كنت كالشمس في الغنى
أم فقيراً كجدجد
حسناً .. قلت ضاحكاً:
يا ملاكي وفرقدي
إنما هل يدوم لي
حبك المشرق الندي
إن حنى الدهر قامتي
ومحا الشيب بفدفد؟
قالت: الشك آفة الحـ
ـب فانبذه تسعد
ليس حبيبك للصبا
لست فيه بأوحد
بل لما فيك من صفا
ت ،ومن طيب محتد
قلت، والشك رائح
فمي ضميري ومغتد:
وإذا غالتي الحما
م وأصبحت في غد
جثة لفها الثرى
بالظلام المؤبد
ليس فيها لصاحب
أرب أو لحسد
وسرى الدود حولها
يتغذى ويعتدي
ومررت الغداة بي
فمررت بجلمد
ونظرت فلم تري
غير عظم مجرد
بعثرته يد البلى
كنافيات موقد
هل تحبيني إذن
لخلالي ومحتدي؟
ويك! صاحت ودمعها
كجمان مبدد
كم تظن الظنون بي
أيها الزائغ اهتد
أشهد الصبح فائضاً
في مروج الزبرجد
أشهد الليل لابساً
طيلسان التمرد
أشهد الغيث معطياً،
أشهد الحقل يجتدي
وذوات الجناح من
باغم أو مغرد
والأزاهير والشذى
في وهاد وأنجد
أشهد الأرض والسما
أشهد الله موجدي
سوف أحيا كما ترى
للهوى والتوجد
فأناجيك في الضحى
وهو أمراس عسجد
و أناجيك في المسا
والأصيل المورد
في الربى تخلع الجما
ل بروداً وترتدي
والسواقي لها غنا
ء كألحان معبد
والعصافير أقبلت
نحوها للتبرد
أسهر الليل وحشة
بفؤاد مشدد
وإذا نمت نمت كي
يطرق الطيف مرقدي
فيظل الهيام بي
ينتهي حيث يبتدي
وبحزن تنهدت
فاستجاشت تنهدي
فاعتنقا سويعة
مثل جفن مسهد
...

أفلت الأمس هارباً
وغد؟ ليس من غد؟
صرت وحدي وليس لي
أرب في التوحد
يا نديمي إلى الكؤو
س ، ويا منشد انشد
زد لي الخمر كلما
قلت: (( يا صاحبي زد ))
لا تقل أي موسم
ذا ، فذا يوم مولدي!
أنا ، مازلت في الحيا
ة ، لي شبابي وسؤودي
ولجيني وعسجدي،
وخلالي ومحتدي
إنما ((تلك)) أخلفت
قبل ليلن موعدي
لم تمت.. لا ، وإنما
أصبحت في سوى يدي!
...
آفة الحب أنه
في قلوب وأكبد
فهو كالنار لم تدم
في هشيم لموقد

نــجــم
23-04-2011, 09:30 PM
أنت...


مهبط الوحي مطلع الأنبياء
كيف أمسيت مهبط الأرزاء؟
في عيون الأنام عنك نبوٌّ
لم يكن في العيون ِ لو لم تسائي
أنت كالحرّة التي انقلب الدّهْـ
ـرُ عليها فأصبحت في الإماء
أنت كالبردة الموشّاة أبلى الـ
ـطّيّ والنّشر ما بها من وراء
أنت مثل الخميلة الغنّاء
عرّيت من أوراقها الخضراء
أنت كاللـّيث قلـّم الدّهر ظفريـ
ـه وأحنى عليه طول الثـّواء
أنت كالشّاعر الذي ألف الوحـ
ـدة... في محفل من الغوغاء
أنت مثل الجبّار يرسف في الأغـ
ـلال في مشهدٍ من الأعداء
لو تشائين كنت أرفه حالاً
أو لست قديرة أن تشائي
أنا ما زلت ذا رجاءٍ كثيرٍ
ولئن كنت لا أرى ذا رجاءٍ
قد بكى التَارِكوك منك قنوطاً
فبكى الساكنوك خوف التّنائي
كثر النّائحون حولك حتّى
خلت أني في حاجةٍ للعزاء
بدلوا دمعهم وصنت دموعي
إنّما اليائسون أهل البكاء
لو تفيد الدُّموع شيئاً لأحيت
كلّ عافٍ مدامع الشُّعراءِ
أنت في حاجةٍ إلى مثل (موسى)
لست في حاجةٍ إلى (أرمياء)

. . .

مقلة الشّرق! كم عزيز علينا
أن تكوني رميّة الأقذاءِ
شرّدت أهلك النّوائب في الأر
ض وكانوا كأنجم الجوزاء
وإذا المرء ضاق بالعيش ذاعاً
ركب الموت في سبيل البقاء
لا يُبالي مُغرّبٌ في ذويهِ
أن يراهُ ذووه في الغرباء

. . .

أرضَ آبائنا عليك سلامٌ
وسقى الله أنفس الآباء
ما هجرناك إذ هجرناك طوعاً
لا تظنّي العقوق في الأبناء
يسأم الخُلدُ والحياة نعيمٌ
أفتررضى الخلود في البأساء؟
هذه أرضنا بلاقع، تمشي
فوقها كلّ عاصف هوجاء
هذه جورنا منازل للبُو
م ِ وكانت منازل الورقاء
بدّلتها السّنون شوكاً من الزّهـ
ـر وبالوحش من بني حوّاء
ما طوت كارثاً يد الصُّبح إلا
نثرته لنا يد الإمساء
نحن في الأرض تائهون كأنّا
قوم موسى في اللّيلة اللّيلاء
تترامى بنا الرّكائب في البيـ
ـداءِ طوراً؛ وتارة ً في الماء
ضعفاءٌ محقـّرون كأنّا
من ظلام ٍ والنّاس من لألاء
واغتراب القويّ عزٌّ وفخرٌ
واغترابُ الضّعيف بدء الفناء
عبنا البيض أنّنا غير عجم ٍ
والعِبَدّى بالسّحنةِ البيضاء
ويح قومي قد أطمع الدّهر فيهم
كلّ قوم ٍ حتى بني السّوداء
فإذا فاتنا عدُوٌ تجنى
فأرانا الأحباب في الأعداء
أطربتنا الأقلام لمّا تغنّت
بالمساواة بيننا والإخاء
فسكرنا بها فلمّا صحونا
ما وجدنا منها سوى أسماء!!

. . .

نحن في دولةٍ تلاشت قواها
كالنّضار المدفون في الغبراء
أو كمثل الجنين ماتت به الحا
مل حياً يجول في الأحشاء
عجباً كيف أصبح الأصل فرعاً
والضّحى كيف حلّ في الظّلماء
ما كفتنا مظالم التّرك حتى
زحفوا كالجراد أو كالوباء
طردوا من ربوعهم فأرادوا
طردنا من ربوعنا الحسناء
ما لنا، والخطوب تأخذ منّا
نتلهّى كأنّنا في رخاء
ضيم أحرارنا وريع حمانا
وسكتنا، والصّمت للجبناء
نهضة تكشف المذلّة عنّا
فلقد طال نومنا في الشّقاء
نهضة تلفت العيون إلينا
إنّ خوف البلاء شرّ بلاء
نهضة يحمل الأثير صداها
للبرايا في أوّل الأنباء
مخضة تبلغ النفوس مناها
فهي مشتاقة إلى الهيجاء
إن ذا المللك هيكلٌ نحن فيه الـ
ـقلب والقلب سيد الأعضاء
زعم الخائنون أنّا بما نبغـ
ـيه نبغي الوصول للعنقاء
سوف يدرون أنما العرب قومٌ
لا يبالون غير رب السماء
يوم لا تنبت السّهول سوى النّا
س وغير الأسنّة السّمراء
يوم تمشي على جبال من الأشـ
ـلاء تمشي في أبحر من دماء
يوم يستشعر المراؤون منّا
إنّماالخاسرون أهل الرّياء

نــجــم
23-04-2011, 09:30 PM
أنفس العشاق

بالأمسِ باردني صديقٌ حائرُ يستفهمُ
أجهنمٌ نارٌ ؟ كم زعمَ الهداةُ وعلّموا ؟
أم زمهريرٌ قارسٌ قاسٍ وكونٌ مظلمُ ؟
فأجبتهُ ، ما الزمهريرُ وما اللظى المتضرمُ
بجهنمٍ ! .. لكنما أن لا تُحبَّ جهنمُ
يا صاحبي ، إنَّ الخواءَ هو العذابُ الأعظمُ
ألقلبُ إلاَّ بالمحبةِ منزلٌ متردمُ
هي للجراحةِ مرهمٌ ، هي للسعادةِ سلمُ
هي في النجومِ تالقٌ ، هيَ في الحياةِ ترنُّمُ
هي انفسُ العشاقِ في غسقِ الدُّجى تتبسمُ

نــجــم
23-04-2011, 09:30 PM
أقوى من الشيب والهرم

ما زلتُ أحسبُ أنَّ الحُبَّ زايلني
حتَّى نظرتُ إليها وهي تبتسمُ
فاهتزَّ قلبي كما تهتزُّ نابتةٌ
في القفرِ مرَّ عليها النُّورُ والنَّسمُ
يا حُبّها لا تخف شيباً ولاَ هرَماً
فلَيسَ يقوى عليكَ الشيبُ والهَرمُ

نــجــم
23-04-2011, 09:30 PM
إلى الفاتح


"ألا نبى"، لو طبعنا الشّمس يوماً
وقلّدنا كها سيفاً صفيحا
ورصّعناه بالشُّهب الدّراري
لما زدناك فخراً أو مديحا
لأنّك أشجع الأبطال طرأ
وأعظم قادة الدّنيا فتوحا
إذا ما مرّ ذكرك بين قوم ٍ
رأيت أشدهم عيّاً فصيحا
فكم داويت سورياً مريضاً
وكم أسقمت تركياً صحيحا
وكم قد صنت في بيروت عرضاً
وكم أمنت في الشهباء روحا
غضبت على " الهلال " فخر ذعراً
ولحت له فحاذر أن يلوحا
عصفت بهم فأمسى كل حصن
لخيل النصر ميداناً فسيحا
مشت بك همة فوق الثريا
فزلزلت المعاقل والصروحا
من الوادي إلى صحراء سينا
إلى أن زرت إياك الضريحا
إلى بحر الجليل إلى دمشق
تطارد دونك التركي القبيحا
فكان الجند كلهم يشوعاً
وكانت كل سورية " أريحا "
فإن يكن المسيح فدى البرايا
فإنك أنت أنقذت المسيحا !

نــجــم
23-04-2011, 09:30 PM
إلى صديق

يا من قربت من الفؤاد
وأنت عن عيني بعيد
شوقي إليك أشد من
شوق السليم إلى الهجود
أهوى لقاءك مثلما
يهوى أخو الظمإ الورود
وتصدني عنك النوى
وأصد عن هذا الصدود
وردت نميقتك التي
جمعت من الدر النضيد
فكأن لفظك لؤلؤ
وكأنما القرطاس جيد
أشكو إليك ولا يلام
إذا شكى العاني القيود
دهراً بليداً ما ينيل
وداده إلا بليد
ومعاشراً ما فيهم
إن جئتهم غير الوعود
متفرجين وما التفرج
عندهم غير الجحود
لا يعرفون من الشجاعة
غير ما عرف القرود
سيان قالوا بالرضى
عني أو السخط الشديد
من ليس يصدق في الوعود
فليس يصدق في الوعيد
نفر إذا عد الرجال
عددتهم طي اللحود
تأبى السماح طباعهم
ما كل ي مال يجود
أسخاهم بنضاره
أقسى من الحجر الصلود
جعد البنان بعرضه
يفدي اللجين من الوفود
ويخاف من أضيافه
خوف الصغير من اليهود
تعس امرئ لا يستفيد
من الرجال ولا يفيد
وأرى عديم النفع ان
وجوده ضرر الوجود

نــجــم
23-04-2011, 09:31 PM
الماهدون في المجهر

ألاربعونَ لو انها تتكلمُ
لروتْ لنا قِصصَ الغطائمِ عنكمُ
ولحدثتنا كيفَ عن أعشاشكمُ
طرتمِْ بأجنحةِ المنى إذ طرتمُ
يومُ الفراقِ كظتمُ آلامكُمْ
وأخفُّ من ألمِ الفِراقِ جهنمُ
وبكى الأحبةُ حولكُمْ وجفونكُمْ
تعصي البكا ، حُزنُ الجبابر أبكُم
أيدٍ تودّعُ موطناً وعشيرةً
ومطامحٌ خلفَ البحارِ تسلمُ
ضاقتْ على أحلامِهمْ تلكَ القرى
فاخترتُم الدينا الوساعَ لتحلموا
وغزوتُمُ الآفاقَ لا زادَ لكُمْ
إلا الصبا المتوثبُ المتضرمُ
كالليثِ ليسَ لهُ سلاحٌ في السَّرى
إلا مخالبهُ التي لا تثلم
تتخيلونَ البحرَ شُقَّ لتعبروا
وانداحَ بينَ الشاطئينِ لتسلموا
والدرُّ مخبوءاً لكُمْ في قاعهِ
كي تخرجوهُ وتغنموا ما شئتمُ
والموجُ إذ يطغى ويهدرُ حولكُمْ
جوقاً لطردِ همومكُمْ يترنمُ
وإذا النجوم تُألقتْ تحتَ الدجى
خلتم لأجلكُم تضيء الأنجمُ
وحسبتمُ شمَّ الجبالِ سلالماً
نصبتْ لكم كي تصعدوا فصعدتمُ
والشمسُ منجمُ عسجدٍ متكشفٍ
لذوي الطموحِ وأنتمُ أنتمْ هُمُ
ولكم تلثمتِ الحقائقُ بالرؤى
كالأرضِ يغشاها السرابُ الموهمُ
لتطلَّ من أرواحنا أشواقها
فتطوفُ حولَ خدورها ونحومُ
لم تقنعوا كالخاملينَ بأنكُمْ
لكمُ شرابٌ في الحياةِ ومطعمٌ
لو أن تكون حياتُكُمْ كحياتهم
عبثاً يموتُ بهِ الوقارُ ويعدمُ
وتأففاً في الليلِ وهو منورٌ
وتبرماً في الصبحِ وهو يبتسمُ
لو أن يكونَ تراثكم كتراثهم
قصرٌ عفا أو هيكلٌ متردمُ
وحديث أسلافٍ قد التحفوا الفنا
فهُمُ سواءٌ في القياسِ وجرْهُمْ
من يقتربْ من أمسِ يبعدُ عن غدٍ
ويعشْ مع الموتى ويصبح منهمُ !
وكرهتمُ أن تنقضي أيامُكُمْ
شكوى لمن يرثي ومن لا يرحمُ
أو أن يبيتَ على الحضيضِ مُقامكُمْ
والدودُ يزحفُ فوقهُ والأرقمُ
فنفرتمُ كالنحلِ ، ما من زهرةٍ
فيها جنى ، إلا وفيها مغنمُ
في كل شطَّ ماردٌ ، في كلَّ طودٍ
قشعمٌ ، في كل وادٍ ضيغمُ
ألمجدُ مطلبكُمْ وأنتمْ سَّهدٌ
والمجدُ حامكُمُ وأنتمْ نُوَّمُ
لا شيءَ صعبٌ عندكُمْ حتى الردى
ألصعبُ عند نفوسكمُ أن تجحموا
يا بضعةً من أمةٍ ، هي أمَّةٌ
في ذاتها ، ولها طرازٌ مُعْلمُ
فيكُمْ جميعُ صفاتها وخلالها
والروضُ يحويهِ عطوراً قمقمُ
إنَّ الألى عابوا الجهادَ عليكُمُ
علكوا مداركُهمْ ولم يستطعموا ...
طلبوا السلامةَ في القعودِ ففاتهُمْ
دركُ الثراءِ وبعدَ ذا لم يَسلموا
هؤلاءُ دودُ القزَّ أحسنُ منهمُ
وأجلُّ في نظر الحياةِ وأفهمُ !
قالوا كهولٌ قد تضرمَ عصرهمْ
ليت الشبابَ منَ الكهولِ تعلموا !
إنْ لم تشيدوا كالأوائلِ (تدُمراً)
أو (بعلبكَّ) فإنكُمْ لم تهدموا
ولكُمْ غدٌ وجماُلهُ وبهاؤهُ
ولكُمْ من الأمسِ النفيسِ القيَّمُ
***
حدثتُ نفسي والقطارُ يخبُّ بي
عجلانَ يخترقُ الدَّجى ويدمدمُ
فسألتُها مستفهماً ، ولربما
سألَ العليمُ سواهُ عمَّا يعلمُ
ما أحسنَ الأيامَ ؟ قالتْ: يومكُمْ !
والناسَ؟ فابتدرتْ وقالتْ: أنتمُ
والدورَ؟ قالتْ: دوركُمْ: والمالَ؟
قالتْ: إنَّ أحسنهُ الذي أنفقتمُ
والحسنَ؟ قالتْ: كلُّ ما أحببتمُ
والأرضَ؟ قالتْ: أينما استوطنتمُ
ما كانَ أكملَ يومكُمْ وأتمهُ
لو لم يكُنْ في مهدِ عيسى مأتمُ
وكذا الحياةُ ، قديُمها وحديثُها ،
ذكرى نُسرُّ بها وذكرى تؤلمُ

نــجــم
23-04-2011, 09:31 PM
المدخن

وقعت نحلة على الأقحوان
فإذا في الفقير شهد
ومشت بعدها على الأغصان
دودة فالغصون جرد
وهمى الغيث في الحقول ففيها
شجر وارف وزهر
وأصاب الرمال كي يحييها
فها ميت وقبر
أنا غيث ، فإن وجدتك حقلاً
فأنا العشب والشجر
غير أني، إذا لقيتك رملاً،
لست شيئاً حتى المطر
وأنا الأقحوان سيان عندي
عشت يوماً أو بعض يوم
لا أبالي الفناء إن كان مجدي
في فنائي أو مجد قومي
إن تغب في فراشة ألواني
فأنا زهرة تطير
وإذا انحل في الشعاع كياني
فأنا في الضحى عبير
جنبوني الفناء في الديدان
إنه المصرع الكريه
وانعدام الأريج والألوان
واندثار لا مجد فيه
كن شعاعاً يبين فيه كياني
لا ظلاماً ولا رغام
ولأعش في الشعاع بضع ثوان
فهي خير من ألف عام

نــجــم
23-04-2011, 09:31 PM
المجنون

أطار عني النومَ صوتٌ في الدجى
كأنه دمدمةُ الشلالِ
يصرخُ ، والريحُ تردّد الصدى
في أذنِ الفضاءِ والتلالِ
ياليلُ قفْ هنيهةً قبالي
تر البرايا وأر الليالي
أنا الشادي ، أنا الباكي ،
أنا العاري ، أنا الكاسي
أنا الخمرةُ والدنُّ ،
أنا الساقي ، أنا الحاسي
***
خلعتُ ثوباً لم تفصلهُ يدي
وهمتُ في الوادي بلا سربالِ
وخلتني انطلقتُ من سلاسلي
وخلصتْ ذاتي من الأوحالِ
فلم أزل أرسفُ في أغلالي
ولم أزل في حندسِ المحالِ
فما أبكي من الغربةِ
عن جارٍ وعن خدنِ
فقد يرجعُ جيراني
وتبقى غربتي عني
***
عرفتُ في النهار كل مقبلٍ
ومدبرٍ ، وما عرفتُ حالي
واستترتْ عني السهولُ والربى
تحتَ الدجى ، والبحرُ ذو الأهوالِ
لكنما لم تستتر آمالي
عني ولا نقصي ولا كمالي
ولا ضعفي ، ولا عزمي ،
ولا قبحي ، ولا حسني
فكم أهربُ من نفسي
وما لي مهربٌ مني
***
فقلتُ من هذا ؟ فقالَ صحبي
موسوسٌ يهذي من الخبالِ
يأوي إلى الأدغال في نهارهِ
كأنه جزءٌ من الأدغالِ
وفي الدجى لهُ صراخٌ عالِ
كأنهُ والليلِ في نضالِ
كأنَّ الليلَ يوثقهُ
بأغلالِ وأمراسِ
ويضربُ جسمهُ العاري
بسوطِ الظالم القاسي
***
ما أن رآهُ أحدٌِ إلا رآهُ
شاخصَ الطرفِ إلى الاعالي
كأنما يرقبُ ركباً صاعداً
أو هابطاً وليسَ غير الآلِ
كأنما يخشى على الهلالِ
وسائرِ الشهبِ من الزوالِ
فصاحَ الصوتُ : ما أرجوهُ
في نفسي وما أحذرُ
فمهما رحبَ الأفقُ
فنفسي الأفقُ الأكبرُ
***
ليس جلالُ الليلِ ما أدهشني
وإنما أدهشني جلالي
ولا جمالُ الشهبِ ما حيرّني
وإنما حيَّرني جمالي
إن كانَ بي شوقٌ إلى وصالِ
فإنما شوقي إلى خيالي
توشحتُ الضحى والليلَ
في أنسي وفي حزني
فما زادَ الدجى خوفي
ولا ذادَ الضحى أمني
***
لم أهجرِ الناسَ فأصنافُ الورى
من السلاطينِ إلى الموالي
إلى ذوي العلم ، إلى أهلِ الغنى
من واصلِ وهاجرٍ وسالِ
وحاضرٍ وسابقٍ وتالِ
في قبضتي ( اليمنى ) بلا جدال
تلاقى الأحمقُ الجاهلُ
والعلمُ في كفي
ومن كانَ لهُ إلفٌ
ومن كانَ بلا إلفِ
***
وفي يدي ( الشمالُ ) أشكالُ المنى
وصورُ اليقينِ والضلالِ
وكلُّ ما لعاقلِ أو جاهلٍ
من لذةٍ أو ألم قتالِ
وسائرُ الأمورِ والأحوالِ
وكلُّ شيءِ قالَ شخصٌ : ذا لي
وكانَ الليلُ قد أزمعَ
أن يحدو مطاياهُ
فسادَ الصمتُ في الوادي
كأن الموتَ يغشاهُ
***
فسرتُ والفجرُ دليلي باحثاً
في الغابِ والسفوحِ والتلالِ
فلم أجدْ غير صريعٍ هامدٍ
منطرحٍ في جانبِ الشلالِ
(لا شيءَ) في قبضتهِ الشمالِ
وليس في اليمنى سوى (صلصالِ)

نــجــم
23-04-2011, 09:31 PM
المرأة والمرآة

أقامتْ لدى مرآتها تتأمَّلُ
على غفلةٍ مَّمنْ يلومُ ويعذلُ
وبين يديها كلَّما ينبغي لمنْ
يُصورُ أشباح الورى ويمثلُ
من الغيدِ تقلي كل ذاتِ ملاحةٍ
كما باتَ يقلي صاحب المالِ مُرملُ
تغارُ إذا ما قبلَ تلك مليحةٌ
يطيبُ بها للعاشقينَ التغزُّلُ
فتحمرُّ غيظاً ثُمَّ تحمرُّ غيرةً
كأنَّ بها حَّمى تجيءُ وتُقفلُ
وتضمرُ حقداً للمحدثِ لو درى
بهِ ذلكَ المسكينُ ما كادَ يهزلُ
أثارَ عليهِ حِقدها غير عامدٍ
وحقدُ الغواني صارمٌ لا يفلُلُ
فلو وجدتْ يوماً على الدَّهرِ غادةً
لأوشك من غلوائهِ يتحوَّلُ
فتاةٌ هي الطاووسُ عُجباً وذيلُها ،
ولمْ يكُ ذيلاً ، شعرُها المتهدَّلُ
سعتْ لاحتكارِ الحُسنِ فيها بأسرهِ
وكم حاولتْ حسناءُ مالا يؤمَّلُ
وتجهلُ أنَّ الحُسن ليسَ بدائمٍ
وإنْ هوَ إلاَّ زهرةٌ سوف تذبلُ
وأنَّ حكيمَ القومِ يأنفُ أنْ يرى
أسيرَ طلاءِ بعد حينٍ سينصلُ
وكلُّ فتى يرضى بوجهِ مُنمقٍ
من الناعماتِ البيضِ فهو مُغفلُ
إذا كان حُسنُ الوجهِ يُعى فضليةً
فإنَّ جمالَ النفسِ أسمى وأفضلُ
ولكنما أسماء بالغيدِ تقتدي
وكلُّ الغواني فعلُ أسماء تفعلُ
فلو أمنتْ سُخطَ الرّجالِ وأيقينتْ
بسخطِ الغواني أوشكتْ تترجلُ
قد اتخذتْ مرآتها مُرشداً لها
إذا عنَّ أمرٌ أو تعرّض مُشكلُ
وما ثمَّ من أمرٍ عغويصٍ وإنّما
ضعيفُ النُّهى في وهمهِ السهلِ مُعضلِ
تُكتمُ عَّمنْ يعقلُ الأمرَ سرَّها
ولكنَّها تفشيهِ ما ليسَ يعقلُ
فلو كانتِ المرآةُ تحفظُ ظلَّها
رأيتَ بعينيكَ الذي كُنتَ تجهلُ
وزادَ بها حبُّ التبرُّجِ أنَّهُ
حبيبٌ إلى فتيانِ ذا العصرْ أوَّلُ
ألموا بهِ حتى لقدْ أشبهوا الدُّمى
فما فاتهمْ ، واللهِ ، إلا التكحلُ
فتى العصرِ أضحى في تطريهِ حجةً
تُقاتلنا فيها النساءُ فتقتلُ
إذا ابتذلتْ حسناءُ ثُمَّ عذلتها
توَّلتْ وقالتْ كلُّكم متبذَّلُ

نــجــم
23-04-2011, 09:32 PM
المودة

ما لهندٍ وكل حسناء هند
كل يوم ٍ تبدو بزيٍّ جديدِ
تلبس الثّوب يومها وهي تطريــه، وتطريه عندها كل خود
فإذا جاء غيرهُ أنكرتهُ
فرأينا الحميد غير حميد
أولعت نفسها بكلِّ طريفٍ
ليتها أولعت ببعض التّليد
أصبحت تعشق المشدَّ ولم أبــصر طليقاً متيّماً بالقيود
رحمة ً بالخصور أيتها الغيــد ورفقاً رفقا

نــجــم
23-04-2011, 09:32 PM
الابريق

ألا أيها الابريقُ ما لك والصلفْ
فما أنت بلورٌ ولا أنت من صدف
وما أنتَ إلاَّ كالأباريقِ كلَّها
ترابٌ مهينٌ قد ترقَّى إلى خزفْ
أرى لك أنفاً شامخاً غيرَ أنهُ
تلفع أثوابَ الغُبارِ وما أنفْ
ومستهُ أيدي الأدنياء فما شكا
ومصتهُ أفواه الطغامِ فما وجف
وفيك اعتزازٌ ليسَ للديكِ مثلهُ
ولست بذي ريشٍ تضاعف كالزغفْ
ولا لك صوتٌ مثلهُ يصدعُ الدجى
وتهتفُ فيه الذكرياتُ إذا هتفْ
***
وأنصتُّ أستوحيهِ شيئاً يقولهُ
كما يسكتُ الزوارُ في معرض التحفْ
وبعد ثوانٍ خلتُ أني سمعتهُ
يُثرثِرُ مثل الشيخِ أدركهُ الخرفْ
فقالَ : (( سقيتُ الناسَ )) ، قلتُ له : أجلْ
سقيتهمُ ماءَ السحابِ الذي وكَفْ
ودمعَ السواقي والعيونِ الذي جرى ،
وماءَ الينابيعِ الذي قد صفا وشفْ
فقالَ : ليذكُرْ فضليَ الماءُ وليُشدْ
بمدحي ، ألم أحِملهُ ؟ قلتَ : لك الشرف !
فقالَ : ألم أحفظهُ؟ قلتُ : ظلمتهُ
فلولاهُ لم تُنقل ، ولولاك ما وقف !

نــجــم
23-04-2011, 09:32 PM
الاشباح الثلاثة

راودني النومُ وما برحا
حتى طأطأتُ له راسي
أطبقتُ جفوني فانفتحا
باب الرؤيا والوسواس
أبصرتُ كأني في موضع
ما فيه غيرُ الأرواح
فوقفتُ بعيداً أتطلّع
فلمحتُ لاثة أشباح
ولدٌ يتهادى في العشر
وفتًى في بُرد العشرينا
والثالثُ شيخٌ في طمرِ
ذو جسمٍ يحكي العرجونا
وإذا بالأوَّل يقترب
مني كالطائر في الوثب
فشعرتُ كأني أضطرب
وكأنَّ خطاهُ على قلبي
يا نفسي ما هذا الفرقُ ؟
لا رمحٌ معه ولا نبلُ
ولماذا الخشيةُ والقلقُ
والخلقُ أحبهُم الطفلُ
وإذا بالطفلِ يخاطبني
بكلام ٍ لا يتكلفهُ
ويمازحني ، ويداعبني ،
فكأني شخصٌ يعرفهُ
((مابالك منكمشاً كمدا؟
ُقم نلعب في فيء الشجر
ونهزُّ الأغصن والعُمدا
ونذودُ الطير عن الثمر
أو نصنعُ خيلاً من قصب
أو طيَّاراتٍ من ورق
ومدى وسوفاً من خشب
ونجول ونركضُ في الطرق
أو نأتي بالفحم القاتم
ونصورُ فوق الأبوابِ
تنيناً في بحرٍ عائم
أو ليثاً يخطرُ في غاب
أو كلباً يعدو ، أو حملا
يرعى ، أو نهراً ، أو هضبه
أو ديكا ينقدُ ، أو رجلا
يمشي ، أو مهراً ، أو عربه
أو نجبلُ ماء وترابا
ونشيدُ بيوتاً وقبابا
أو نجعلُ منه أنصابا
أو نصنعُ حلوى وكبابا
مثلتُ الطفل ودنياهُ
فاحبَّت نفسي دنياه
ووددتُ لو أني إياه
بل خلتُ كأني إيَّاه
فضحكت ولج بي الضحك
حتى استلقيت على ظهري
فاستيقظ في الولد الشك
فتوقف يعجبُ من أمري
ويقولُ : أيا هذا قدكا
فوحقك ذا الطيشُ الأكبر
ما تضحكُ مني بل منكا
إيَّاك أنا لو تتذكر !
وتوارى عني واحتجبا
كالموجةِ في عرض النهر
فتضايق قلبي واضربا
وارتجت روحي في صدري
2
وإذا الشبحُ الثاني أقبل
يترنحُ مثل المخمورِ
ألليل على الدينا مُسدل
وعليه وشاحٌ من نور
معصوب المقلةِ والدربُ
وعرٌ وكثير ُالآفاتِ
كسفينٍ لسير لها ربُّ
تجري في بحر الظلُمات
ماذا في الأفقِ؟ فقد وقفا
يتأمَّلُ فيه ويبتسمُ
هل لاح له وجهُ عرفا
أم هزَّ جوارحهُ نغم؟
أم أبصر آلهة الحب
تدعوهُ إليها إيماء
لا شيء في الأفق الرحب
وكأن هنالك أشياءَ
ألطيرُ تغني للزهر
ويظنُّ الطير تساجلهُ
والزهرُ ترحبُ بالفجر
ويظنُّ الزهر تغازلهُ
ونظرتُ إليه في البرّ
يتمنى لو خاض البحرا
ونظرتُ إليه في البحرِ
يتمنى لو بالغ البرّا
يتأففُ من بطء الدهرِ
والدهرُ يسيرُ به وثبا
وينامُ ليحلم بالفجرِ
والفجرُ يضيء له الدربا
ويسائلُ عن كأس الخمر
ويسألهُ عنها الناسُ
في الليلِ ، وفي وضح الفجر
والخمرةُ فيه الكأسُ
فصبرت ولازمتُ الصمتا
حتى دانى الظلّ الظل
فأشرتُ إليهِ : من أنتا ؟
فأجاب : أنا ذاك الطفل
ومضى كالظلّ إذا انتقلا
وانا أرجو لو لم يمض
فأعدتُ لنفسي ما ارتجلا
فتعجب بعضي من بعضي
3
ألشمسُ تزلُّ عن الأفقِ
كالروحِ المحتضر الساجي
غمرتها أمواجُ الغسق
فتوارت خلف الأمواجِ
والغيمُ الأسودُ يحتشدُ
طبقاً في الجوَّ على طبقِ
والليلُ يطولُ ويطَّردُ
والأرضُ كسارٍ في نفق
وإذا شيخٌ في صحراء
كالزورقِ في عرض البحر
أعياهُ الصلحُ مع الماءِ
وأضاع الدرب إلى البرَّ
يمشي في الرض على مهلٍ
وعلى حذر ، لكن يمشي
كالشاة تساقُ إلى القتل
بعصا جبَّارٍ ذي بطش
ياشيخُ ... لماذا لا تقف ؟
دميت رجلاك من الركض
فأجاب بصوتٍ يرتجف
ألأرضُ تسيرُ على الأرض !
ياشيخُ ... رويداً فالبدر
سيضيء الدرب فتسهدي
فأجاب : ويتلوهُ الفجرُ
لكن سيضيءُ لمن بعدي
أيلذُ لغصنِ منكسرٍ
عرَّتهُ الريحُ من الورق
أن يبصر في ضوءِ القمر
ما كان عليه على الطرُق ؟
ما لذةُ ميتٍ في الرمسِ
بالزَّهر الفوَّاح العطر
نور لا يشرق في النفس
كغباءِ في أذنِ الحجرِ
ما استخفت عني الأفلاكُ
والشهب ، بل استخفى حبي
لم تملأ دربي الأشواكُ
إن الأشواكلفي قلبي
يا شيخُ : شجاني ما قلتا
وزرعت بنفسي آلامك
من أنت ؟ أجاب : أنا أنتا
أنا ذاتك تمشي قدَّامك

....
كم أبحث بين الأجرامِ
عني وأنقبُ في الأرض
أحلامي تطمر ُ أحلامي
بعضي مدفونُ في بعضي
لم أبصر ذاتي بالأمس
في لوح زجاجٍ أو ماء
بل لاحت نفسي في نفسي
فهي المرئية والرائي

نــجــم
23-04-2011, 09:32 PM
الاسرار

يا ليتني لصّ لأسرقَ في الضحى
سرَّ اللطاقةِ في النسيمِ الساري
وأجسَ مؤتلقَ الجمالِ بإصبعي
في زرقة الأفق الجميلِ العاري
ويبينَ لي كنهُ المهابة في الرُّبى
والسرُّ في جذل الغديرِ الجاري
والسحرُ في الألوان والأنغام وا
لأنداءِ والأشذاءِ والأزهار ِ
وبشاشةُ المرجِ الخصيبِ، ووحشةُ
الوادي الكئيب ، وصولةُ التيارِ
وإذا الدجى أرخى عليَّ سُدولهُ
أدركتُ ما في الليلِ من أسرارِ
فلكم نظرتُ إلى الجمالِ فخلتهُ
أدنى إلى بصري من الأشفارِ
فطلبتهُ فإذا المغالقُ دونهُ
وإذا هنالك ألفُ ألفِ ستارِ
بادٍ ويعجزُ خاطري إدراكهُ
وفتننتي بالظاهر المتواري !

نــجــم
23-04-2011, 09:33 PM
الذئاب الخاطفة

مابالُهم نقضوا العهود جهارا
وتعمدوا الإيذاء والإضرارا ؟
واستأسدوا لما رأوا ليث الشرى
عاف الزئير وقلم الأظفارا
داروا به والشرَّ في أحداقهم
ذا يدّعي حقاً وذلك ثارا
لؤمٌ لعمرُ أبيك لم ير مثلهُ
التاريخُ منذ استقراً الأخبارا
وخيانةٌ ما جاءها القومُ الألى
تخذوا مع الوحشِ القفار ديارا
أمس يحرضُ عاهل الألمان عن
أمسى يحرضُ في الخفا البلغارا
أمعاشر الإفرنج ليس شهامةً
ماتفعلون إذا أمنتم عارا
أمن المروءةِ أن يساء جوارنا
في حين انا لا نسيءُ جوارا؟
أمن المروءةِ أن يُطاطئ تاجه
ملكٌ ليملك في الثرى أشبارا؟
ألبغي مرتعهُ وخيم فاعلموا
والظلمُ يعقبُ للظلوم دمارا
إن تحرجوا الرئبال في عرينه
يذرُ السكوت ويركبُ الأخطارا
وكما علمتم ذلك الجيشُ الذي
يأبى ويأنفُ أن يرى خوارا
فالويلُ للدينا إذا نقض الكرى
والويلُ للايامِ إمّا ثارا
إني أرى ليلاً يخيمُ قوقنا
لا ينجلي حتى يشبُّ النارا
فحذار ثمَّ حذار من يومٍ به
يجري النجيعُ على الثرى أنهارا
يومٌ تباعُ به النفوس رخيصة
يوم يقصر هوله الأعمارا
يومٌ يكونُ به الجميعُ عساكراً
والكلُ يدخلُ في الوغى مختارا

نــجــم
23-04-2011, 09:33 PM
التمثال

من المرمرِ المسنون صاغوا مثالهُ
وطافوا به من كلَّ ناحيةٍ زمر
وقالوا - صنعناه لتخليد رسمه،
فقلتُ - ألا يفنى كما فني الأثر ؟
وقالوا - نصبناه اعترافاً بفضله ،
فقلتُ إذن من يعرف الفضل للحجر؟
وقالوا - غنيٌ كان يسخو بمالهِ
فقلتُ لهم هل كان أسخى من المطر؟
وقالوا - قويٌ عايش يحمي ذمارنا
فقلتُ لهم هل كان أسخى من المطر ؟
أكان غنياً أم قوياً فإنهُ
بمالكمُ استغنى وقوتكم ظفر
فلم يتعشقكم ولا همتم به
كما خلتم لكنه النفع والضرر
ولم ترفعوا التمثال للبأسِ والندى
ولكن لضعفٍ في نفوسكُم استتر
فلستم تحبون الغني إذا افتقر
ولستم تحبون القوي إذا اندحر
رأيتكمُ لا تعرجون بروضةٍ
إذا لم يكن في الروض فيء ولاثمر
ولا تعلفون الشاة إلا لتسمنوا ،
ولا تقتنون الخيل إلا على سفر
إذا كان حب الفضل شأنكم
ولم تخطئوا في الحسَّ والسمعِ والبصر
فما بالكم لم تكرموا الليل والضحى
ولم تنصبوا التمثال للشمس والقمر ؟

نــجــم
23-04-2011, 09:33 PM
التينة الحمقاء

وتينة غضة الأفنان باسقة
قالت لأترابها والصيف يحتضر
" بئس القضاء الذي في الأرض أوجدني
عندي الجمال وغيري عنده النظر "
لأحبسن على نفسي عوارفها
فلا يبين لها في غيرها أثر "
" كم ذا أكلف نفسي فوق طاقتها
وليس لي بل لغيري الفيء والثمر "
" لذي الجناح وي الأطراف بي وطر
وليس في العيش لي فيما أرى وطر "
" إني مفصلة ظلي على جسدي
فلا يكون به طول ولا قصر "

" ولست مثمرة إلا على جسدي
إن ليس يطرقني طير ولا بشر "
...
عاد الربيع إلى الدنيا بموكبه
فازينت واكتست بالسندس الشجر
وظلت التينة الحمقاء عارية
كأنها وتد في الأرض أو حجر
ولم يطق صاحب البستان رؤيتها ،
فاجتثها ، فهوت في النار تستعر
من ليس يسخو بما تسخو الحياة به
فغنه أحمق بالحرص ينتحر

نــجــم
23-04-2011, 09:33 PM
الى الشبان المتفرنجين

يا أيها الشرقُ التعيسُ انظُرْ إلى
القومِ الذين شددتَ أزركَ فيهمُ
ما زلتَ تكلأهُمْ بطرفِ ساهرٍ
يُحيي الظلامَ وهُمْ هجودٌ نُومُ
والغربُ يرنو خائفاً أن يخلفوا
أجدادهُمْ ويودَّ لو لم ينعموا
حتى اذا طرَّتْ شواربهُمْ وباتَ
من الشبابِ لهمْ طرازٌ مُعلمُ
خرجوا عليكَ وأنتَ لا تدري وهُمْ
لا يشعرونَ ولو دروا لتندموا
يا طالما مثلوا لديكَ كأنَّهم
أسدُ الشَّرى فنسيتُ أنَّكَ تحلمُ
ورجوتَ ما يرجوهُ كلُّ أبٍ لدى
أبنائهِ ، إنَّ العقوق مُذَّممُ
ولطالما شِدتَ القصورَ من المنى
خابَ الرجاءُ وساءَ ما تتوهمُ
ألهتمُ الدينا فهذا بالطلى
صبٌّ وهذا بالحسانِ مُتيّمُ
قد أصبحوا وقفاً على شهواتهِمْ
يستسلمونَ لها ولا تستسلمُ
لم يهموا معنى الحياةِ وكنهها
انَّ البليةَ أنهمْ لم يفهموا
فليقلعوا عن غيّهمْ اني أرى
خورَ الشيوخِ بهم ولما يهرموا
قد قلدوا الغربيَّ في آفاقهِ
تقليدُهُ الشرقيُّ فيما يُِعصمُ
فتنتهُمُ لغةُ الأعاجمِ انما
لغةُ الأعاجمِ منهمُ تتبرمُ
أمسى الذي تُهدى اليه لآلئ
وكأنما هو بالحجارةِ يُرجمُ
لا تعذلِ الشعراءَ ان بخلوا بهِ
ان القريضَ على الغبيّ مُحرمُ
بتنا وباتَ الشَّرقُ يمشي القهقرى
مع ذاكَ نحسبُ أننا نتقدّمُ

نــجــم
23-04-2011, 09:33 PM
الخمر والدينا

يشربُ بنتَ الكرمِ بعض الناسِ
لكربةٍ في النفسِ أو وسواسِ
وبعضهمْ لأنهُ قد ظفرا
وبعضهمْ لأنهُ قد خسرا
وبعضهمْ لأنهُ في فرحِ
وبعضهمْ لأنهُ في ترحِ
وبعضهمْ كي يستردَّ الأمسا
وبعضهمْ يجرعها كي ينسى
وبعضهمْ ليستفيدَ قوَّهْ
وبعضهمْ لسورةِ الفتوَّهْ
وبعضهمْ كيما يحلُّ مشكلهْ
وبعضهمْ لأنهُ لا شغلَ لهْ
وبعضهمْ عن رغبةٍ وعن هوىَ
وبعضهم لعلهُ يرضي السَّوى
وبعضهمْ من حبَّهِ للبائعِ
وبعضهمْ نكايةً للمانعِ
وبعضهم يشربها أحيانا
وبعضهمْ في أيَّ وقتٍ كانا
وبعضهمْ مع صحبهِ في الدارِ
وبعضهمْ في حانةِ الخمَّارِ
وبعضهمْ مع زمرةِ الندمانِ
وبعضهمْ في وحدةِ الرهبانِ
وبعضهمْ في الصيفِ ذي الرمضاءِ
وبعضهمْ في زمنِ الشتاءِ
وبعضهمْ عند انجيابِ الظلمهْ
وبعضهمْ عند طلوعِ النجمة
وبعضهمْ يذُّمها استهجانا
وبعضهمْ يمدُحها استحسانا
لكنَّهم كلّهمُ يحسوها
ألمادحوها والمقبحّوها
فما وجدتُ في زماني رجُلا
وقلتُ : هل تحبُّها ؟ فقال: لا
وسرُّ هذا أنها كالدينا
تؤذي ولكن مع أذاها تُهوى

نــجــم
23-04-2011, 09:34 PM
الدمعة الخرساء


سمعت عويل النائحات عشية
في الحي يبتع الأسى ويثير
يبكين في جنح الظلام صبية
إن البكاء على الشباب مرير
فتجهمت وتلفتت مرتاعة
كالظبي أيقن أنه مأسور
وتحيرت في مقلتيها دمعة
خرساء لا تهمي وليس تغور
فكأنها بطل تكتفه العدى
بسيوفهم وحسامه مكسور
وجمت ، فأمسى كل شيء واجماً
ألنور، والأطلال، والديجور
ألكون أجمع ذاهل لذهولها
حتى كأن الأرض ليس تدور
لا شيء مما حولنا وأمامنا
حسن لديها والجمال كثير
سكت الغدير كأنما التحف الثرى
وسها النسيم كأنه مذعور
وكأنما الفلك المنور بلقع
والأنجم الزهراء فيه قبور
كانت تمازحني وتضحك فانتهى
دور المزاج فضحكها تفكير
...
قالت وقد سلخ ابتسامتها الأسى :
صدق الذي قال - الحياة غرور !
أكذا نموت وتنقضي أحلامنا
في لحظة ، وإلى التراب نصير؟
وتموج ديدان الثرى في أكبد
كانت تموج بها المنى وتمور
خير إذن منا الألى لم يولدوا
ومن الأنام جلامد وصخور
ومن العيون مكاحل ومراود
ومن الشفاه مساحق وذرور
ومن القلوب الخافقات صبابة
قصب لوقع الريح فيه صفير !
...
وتوقفت فشعرت بعد حديثها
أن الوجود مشوش مبتور
ألصيف ينفث حره من حولنا
وأنا أحس كأنني مقرور
ساقت إلى قلبي الشكوك فنغصت
ليلي ، وليس مع الشكوك سرور
وخشيت أن يغدو مع الريب الهوى
كالرسم لا عطر وفيه زهور
وكدمية المثال حسن رائع
ملء العيون وليس ثم شعور
فأجبتها : لتكن لديدان الثرى
أجسامنا إن الجسوم قشور

لا تجزعي فالموت ليس يضيرنا
فلنا إياب بعده ونشور
إنا سبقنا بعد أن يمضي الورى
ويزول هذا العالم المنظور
فالحب نور خالد متجدد
لا ينطوي إلا ليسطع نور
وبنو الهوى أحلامهم ورؤاهم
وخلا الدجى منا وفيه بدور
فسترجعين خميلة معطارة
أنا في ذراها بلبل مسحور
يشدو لها ويطير في جنباتها
فتهش إذ يشدو وحين يطير
أو جدولاً مترقرقاً مترنماً
أنا فيه موج ضاحك وخرير
أو ترجعين فراشة خطارة
أنا في جناحيها الضحى الموشور
أو نسمة أنا همسها وحفيفها
أبداً تطوف في الربى وتدور
تغشى الخمائل في الصباح بليلة
وتؤوب حين تؤوب وهي عبير
أو تلتقي عند الكئيب ، على رضى
وقناعة ، صفصافة وغدير
تمتد فيه خيالها فيلفه
ويشف فهو المنطوي المنشور
يأوي إذا اشتد الهجير إليهما
ألناسكان : الظبي والعصفور
لها سكينتها ووارف ظلها
والماء إن عطشا لديه وفير
أعجوبتان - زبرجد متهدل
نام وتدفق تحته البلور
لا الصبح بينهما يحول ولا الدجى
فكلاهما بكليهما مغمور
تتعاقب الأيام وهي نضيرة
محضرة الأوراق ، وهي نمير
فالدهر أجمعه لديها غبطة
والدهر أجمعه لديه حبور
...
فتبسمت وبدا الرضى في وجهها
إذا راقها التمثيل والصوير
عالجتها بالوهم فهي قريرة
ولكم أفاد الموجع التخدير
ثم افترقنا ضاحكين إلى غد
والشهب تهمس فوقنا وتشير
هي كالمسافر آب بعد مشقة
وأنا كاني قائد منصور
لكنني لما أويت لمضجعي
خشن الفراش علي وهو وثير
وإذا سراجي قد وهت وتلجلجت
أنفاسه فكأنه المصدور
وأجلت طرفي في الكتاب فلاح لي
كالرسم مطموساً وفيه سطور
وشربت بنت الكرم أحسب راحتي
فيها ، فطاش الظن والتقدير
فكأنني فلك وهت أمراسها
والبحر يطغى حولها ويثور
سلب الفؤاد رواه والجفن الكرى
هم عرا ، فكلاهما موتور
حامت على روحي الشكوك كأنها
وكأنهن فريسة وصقور
ولقد لجأت إلى الرجاء فعقني
أما الخيال فخائب مدحور
يا ليل أين النور؟ إني تائه
مر ينبثق ، أم ليس عندك نور؟
...
" أكذا نموت وتنقضي أحلامنا
في لحظة وغلى التراب نصير؟ "
" خير إذن منا الألى لم يولدوا
ومن الأنام جنادل وصخور "

نــجــم
23-04-2011, 09:34 PM
الحاجة الى الخرس

ما كان أحوجني يوماً إلى أذنٍ
صماءَ إلا عن المحبُوب ذي الأنس
كي لا يصدع رأسي صوت نائحةٍ
ولا تقطع قلببي أنةُ التعيسِ
ولا يمرر نفسي الأدعياءُ ولا
ذم الأفاضل من ذي خسةٍ شرسِ
أقولُ هذا عسى حرٌ يقولُ معي
ما كان أحوج بعض النَّاس للخرس

نــجــم
23-04-2011, 09:34 PM
الحجر الصغير


سمع الليل ذو النجوم أنيناً
وهو يغشى المدينة البيضاء
فانحنى فوقها كمسترق الهمـ
ـس يطيل السكوت والإصغاء
فرأى أهلها نياماً كأهل الـ
ـكهف لا جلبة ولا ضوضاء
ورأى السد خلفها محكم البنـ
ـيان والماء يشبه الصحراء
كان ذاك الأنين من حجر في السـ
ـد يشكو المقادر العمياء
أي شأن يقول في الكون شأني
لست شيئاً فيه ولست هباء
لا رخام أنا فأنحت تمثا
لاً ، ولا صخرة تكون بناء
لست أرضاً فأرشف الماء ،
أو ماء فأروي الحدائق الغناء
لست دراً تنافس الغادة الحـ
ـسناء فيه المليحة الحسناء
لا أنا دمعة ولا أنا عين ،
لست خالاً أو وجنة حمراء
حجر أغبر أنا وحقير
لا جمالا ، لا حكمة ، لا مضاء
فلأغادر هذا الوجود وأمضي
بسلام ، إني كرهت البقاء
وهوى من مكانه ، وهو يشكو
الأرض والشهب والدجى والسماء
فتح الفجر جفنه .. فإذا الطوفان يغشى (( المدينة البيضاء ))

نــجــم
23-04-2011, 09:35 PM
الحرب العظمى

لو استطيعُ كتبتُ بالنيرانِ
فلقدْ عييتُ بكُمْ وعيَّ بياني
ولكدتُ أستحي القريضَ وأتقي
أنْ يستريبَ يراعتي وجناني
أمسى يُعاصيني لما جشَّمتُهُ
فيكُمْ وكنتُ وكانَ طوعَ بناني
يشكو إليَّ واشتكي إعراضكُمْ
الله في عانٍ يلوذُ بعانِ
عاهدتُهُ أنْ لا أثير شُجُونهُ
أو يستثير كوامنَ الأشجانِ
يا طالما استبكيتهُ فبكى لكُمْ
لولا الرّجاءُ بكيتهُ وبكاني
كم ليلةٍ احييتها مُتململاً
طرفي وطرفُ النَّجمِ مُلتقيانِ
تحنُو على قلمي يميني والدُّجى
حانٍ على الفتياتِ والفتيانِ
أجلو عرائسهُ لكُمْ وأزفها
ما بينَ بكرٍ كاعبٍ وعوانِ
مُتألماً فيكُمْ وفي أبنائكُمْ
وهُمُ وأنتمُ نائمو الأحزانِ
ما غالَ نومي حُبُّ معسولِ اللَّمى
ممنوعهِ ، لكنْ هوى الأوطانِ
أنفقتُ أيَّامِ الشبابِ عليكُمُ
في ذمةِ الماضي الشَّبابُ الفاني
***
كمْ تسألوني أنْ أعيدَ زمانه
يا قومُ ،مرَّ زمانهُ وزماني
هانَ اليراعُ على البواتر والقنا
ما تصنعُ الأقلامُ بالمرّانِ
ليسَ الكلامُ بنافعٍ أو تغتدي
حُمرُ المضاربِ خلفَ كُلَّ لسانِ
والشعبُ ليسَ بمدركٍ آمالهُ
حتَّى يسير على النجيعِ القاني !..
***
صَلَّ الحديدُ وشمرتْ عن ساقِها
وتنكَّرَ الإخوانُ للإخوانِ
فالخيلُ غاضبةٌ على أرسانها
والبيضُ غاضبةٌ على الأجفانِ
والموتُ من قدامِهمْ وورائِهمْ
والهولُ كلَّ ثنيةٍ ومكانِ
بسطت جناحيها ومدّتْ ظلها
فإذا جناحا السّلمِ مقصوصانِ
تغشى مواكبُها ثلاث غياهبٍ
من قسطلٍ ودُجنةٍ ودُخانِ
ويرُدُّ عنها كلَّ خائضٍ ُلجةٍ
سيلانِ : من ماءِ ومن نيرانِ
أنى التفتَّ رأيتَ رأساً طائراً
أو مُهجةً مطعونة بسنانِ
يمشي الرَّدى في إثر كلَّ قذيفةٍ
فكأنما تقتادُهُ بعنانِ
فالجوُّ مَّما فاضَ من أرواحِهم
لا تستبينُ نُجومهُ عينانِ
والنَّهرُ مما سالَ من مُهجاتِهمْ
يجري على أرضِ منَ المرجانِ
والأرضُ حمراءُ الأديمِ كأنَّها
خذُّ الحييةأو خضيبُ بنانِ
كمْ من مُبيحٍ للضيوفِ طعامهُ
أمسى طعامَ الأجدلِ الغرثانِ
ومُقاتلٍ ناشَ الكتيبةَ ،ناشهُ
طُفرُ العُقابِ ومخلبُ السَّرحانِ
ومُحلقٍ بين المجرةِ والسُّها
صعد الحِمامُ إليهِ في الطيرانِ
ومُشيدٍ وقفَ الزمانُ حيالهُ
مُتحيراً بجمالهِ الفتانِ
أخنى على ذكر (الخورنق) ذكرُهُ
وسما على (الحمراءِ) و (الإيوانِ)
وقضى العُصورَ الناسُ في تشييدهِ
أودتْ بهِ مقذفةٌ وثوانِ
ومدينةٍ زهراءَ آمنةِ الحمى
هُدمتْ منازلها على السُّكانِ
خرستْ بلابلُها الشوادي في الضُّحى
وعلا صياحُ البُومِ والغربانِ
وتعطلتْ جنانها وقصُورُها
ولقدْ تكونُ بغبطةٍ وأمانِ
حربٌ أذلَّ بها التمدن أهلُهُ
وجنى الشيوخُ بها على الشُبانِ
سحقَ القويُّ بها الضعيفَ وداسهُ
ومشى على أرضِ منَ الأبدانِ
بئسَ الوغى يجني الجُنودُ حُتُوفهم
في ساحِها والفخرُ للتيجانِ
ما أقبحَ الإنسانَ يقتلُ جارهُ
ويقولُ هذي سُنةُ العمرانِ
يلبي الزمانُ وأنتَ مثلكَ قبله
يا شرعةً قد سنَّها الجدانِ
فالقاتلُ الآلاف غارٍ فاتحٌ
والقاتلُ الجاني أثيمٌ جانِ
لا حقَّ إلاَّ ما تؤيدُهُ الظبى
ما دامَ حُبُّ الظلمِ في الإنسانِ
لو خُيرَّ الضعفاءُ لا ختاروا الرَّدى
لكنَّ عيشَ الأكثرينَ أماني
***
ما بالْ قومي نائمينَ عن العُلى
ولقد تنبَّهَ للعُلى الثقلانِ
تُباعُ أحمدَ والمسيحَ ، هواد’ً
ما العهدُ أنْ يتنكرَ الأخوانِ
الله ربُّ الشرعتينِ وربُّكُمْ
فإلى متى في الدَّينِ تختصمانِ
مهما يكُنْ مِن فارقٍ فكلاكُما
يُنمى إلى قحطانَ أو غسَّانِ
فخُذُوا بأسبابِ الوفاقِ وطهروا
أكبادكمِ من لوثةِ الأضغانِ
في ما يُحيقُ بارضكُم ونفوسكُمْ
شُغلٌ لمشتغلٍ عنِ الأديانِ
نمتُم وقد سهر الأعادي حولكُمْ
وسكُنتمُ والأرضُ في جيشانِ
لا رأي يجمعُكم إذا اختلفتَ القنا
وتلاقتِ الفُرسانُ بالفُرسانِ
لا رايةٌ لكُم يُدافعُ دونها
مُردُ العوارضِ ، والحُتوفُ دواني
لا ذنب للأقدارِ في إذلالكم
هذا جزاءُ الغافلِ المتواني
لو لم يعزُّ الجهلُ بين ربُوعكُم
ما هانَ جمعُكمُ على الحدثانِ
المرءُ ، قيمتهُ المعارفُ والنهى
ما نفعُ باصرةٍ بلا إنسانِ
ما بالكم لا تغضبونَ لمجكُم
غضباتِ ملطُومِ الجبينِ مُهانِ
أو لستُمُ كالناسِ أهلَ حفائظٍ
أم أنتمُ لستُمْ منَ الحيوان ؟
أبناؤكُم ، لهفي على أنبائكم
يلهُو بهم أبناءُ جنكيزْ خانِ
النازعونَ المُلكَ مِنْ أيديكُم
العابثونَ بكُمْ وبالقُرآنِ
أو كُلما طلعتْ عليهمْ أزمةٌ
هاجُوا ضغائنكُم على الصلبان
لا تخدعنكمُ السياسةُ إنّها
شتى الوجوهِ كثيرةُ الألوانِ
لو تعقلونَ عملتمُ لخلاصكم
من دولةِ القيناتِ والخصيانِ
عارٌ على نسلِ الملوكِ بني العُلى
أن يستذلهُم بنو الرَّعيانِ
ثوروا عليهمْ واطلبوا استقلالكمْ
وتشبهوا بالصّربِ واليونانِ
ماذا يروعُ نُفوسكمْ ، ما فيكمُ
وكلٌ ولا في التركَ غيرُ جبانِ
وهبُوهُمُ الرُّومانَ في غلوائهمْ
أفما غلبتُمْ أمَّة الرُّومان
ما الموتُ ما أعيا النَّطاسي ردَّهُ
موتُ الذَّليلِ وعيشُهُ سيَّانِ

نــجــم
23-04-2011, 09:35 PM
الحسن لا يشرى ولا يستجلب


سفرت فقلت لها أهذا كوكب
قالت أجل وأين مني الكوكب؟
وتبسمت فقلت رئماً ضاحكاً
عن لؤلؤ يكنه لا يوهب
وتمايلت فالسمهري مصمم
ورنت فأبصرت السهام تصوب
أنشبت ألحاظي بورد خدودها
لما رأيت لحاظها في تنشب
قد كلمت قلبي ولم ترفق به
واللحظ لو درت المليحة مخلب
بيضاء ناصعة كأن جبينها
صبح وطرتها عليه غيهب
يا طالما اكتسب الحرير ملاحة
منها ويكسب غيرها ما يسكب
ولطالما بعض النساء حسدنها
ولطالما حسد السليم الأجرب
بين الطلاء وبينهن قرابة
مشهورة عنها الجميلة تنكب
إن الملاحة عندها عربية
وجمال هاتيك الدمى مستعرب
قل للغواني إنها خلقت كذا
ألحسن لا يشرى ولا يستجلب
فإذا بلغتن الجمال تطرياً
فاعلمن أن بقاءه مستصعب
هيهات ما يغني الملاح الحسن إن
كانت خلائقهن لا تستعذب
إني بلوت الغانيات فلم أجد
فيهن قط مليحة لا تكذب
وصحبتهن فما استفدت سوى الأسى
ما يستفاد من الغواني يتعب
وخبرتهن فما لبكر حرمة
وترعى وأغدر من رأيت الثيب
لا يخدعنك ضعفهن فإنما
بالضعف أهلكت الهزير الأرنب

نــجــم
23-04-2011, 09:35 PM
الخطب الفادح

هيهاتِ بعدك ما يفيد تصبُّرُ
ولئن أفاد فأيُّ قلبٍ يصبرُ؟
إنّ البكاء من الرجال مذ َّممٌ
إلا عليكَ فتركُهُ لا يشكر
لو كان لي قلبٌ لقلت له ارعوي
إني بلا قلبٍ فإني أزجرُ
لا زمت قبركَ والبكاءُ ملازمي
والليلُ داج ٍ والكواكب سُهَّرُ
أبكي عليكَ بأدمع ٍ هطـّالةٍ
ولقد يقلُ لك النجيعُ الأحمرُ
ووَدِدْتُ من شجوي عليكَ وحسرتي
لو ان الحدكَ في فؤادي يُحفرُ
إني لأعجبُ كيف يعلوكَ الثـَّرى
أنّي ثوى تحتَ الرغام النيِّرُ
أمسيتُ مستتراً به لكنّما
آثارُ جودك فوقهُ لا تسترُ
مرضَ النّدى لما مرضتَ وكاد أن
يقضي من اليأس الملمُّ المعسرُ
يرجوكَ أنَّكَ جابرٌ كسرهُ
فإذا فقدت فكسره لا يُجبرُ
وعلـَت على تلك الوجوهِ سحابة ٌ
كدراءُ لا تصفو ولا تـُستمطرُ
كم حولوا كتمَ الأسى لكنَّهُ
قد كان يخرقُ الجسوم فيظهرُ
حامتْ حواليكَ الجموعُ كأنّما
تبغي وقاء الشَّرق ِ مما يحذرُ
والكلُّ يسألُ كيفَ حالُ إمامنا
ماذا رأى حُكمائنا، ما أخبروا؟
والدَّاءُ يقوى ثم يضعفُ تارةً
فكأنَّهُ يبلو القلوبَ ويسبرُ
أوردتهُ عذباً فأوردكَ الرّدى
تـَبَّت يداه فذنبُهُ لا يغفرُ
هيهاتِ ما يثني المنـَّية جحفلٌ
عمَّن تؤمُ ولا يفيد العسكرُ
رصدَ الرَّدى أرواحنا حتى لقد
كدنـَا نعزّي المرء قبلُ يصورُ
ونظنُّ ضحكَ الدَّهر فاتحة َ الرِّضى
والدهرُ يهزأ بالأنام ويسخر
أفقيدَ أرض النيل أقسم لو درى
بالخطبِ أوشكَ ماؤهُ يتعسَّرُ
وضعوكَ في بطن التُّرابِ وما عهد
تُ البحرَ قلبكَ في الصَّفائح يذخرُ
ورأوا جلالكَ في الضَّريح فكلهُّم
يهوى ويرجو لو مكانكَ يُقبرُ
لم تخلُ من أسف عليكَ حشاشة ٌ
أبداً فيخلو من دموع ٍ محجرُ
آبو وما آبَ العزاءُ إليهمُ
والحزنُ يُنظمُ والمدامعُ ينشرُ
والكلُّ كيف يكون حالُ بلادهم
من بعدِ ما ماتَ الإمام يفكرُ
لم يبلنا هذا الزمانُ بفقدهِ
لو كانَ مَّمن بالرزيةِ يشعرُ

نــجــم
23-04-2011, 09:35 PM
اليك عني

كم تستثير بي الصبابة والهوى
عني إليك ، فإنَّ قلبي من حجر
مالي وللحسناءِ أغري مُهجتي
بوصالها ، والشيبُ قد وخط الشعر ؟
كم ((بالجزيرة)) لو يتاحُ لي الهوى
من غادة ٍتحكي بطلعتها القمر ؟
ولكم بها من جدولٍ وحديقةٍ
من صنعةِ الرحمن لا صنع البشر
فيها اللواتي إن رمت ألحاظها
شلَّت يد الرامي وقطعت الوتر
قد كان لي في كلَّ خودٍ مطمعٌ
ولكل رائعةِ المحاسنِ بي وتر
أيامُ شعري كالدُّجى محلولكٌ ،
أيامُ عيشي لا ُيخالطهُ كدر
...
ذرني وأشجاني ، وجسمي ، والضَّنى،
ويدي ، وأقلامي ، وطرفي ، والسهر
أأبيت الهو والهمومُ تُحيطُ بي
وأنامُ عن قومي ، وقومي في خطر ؟
صوتُ المصفّق موعدٌ ما بيننا
ماذا أقولُ لهم إذا لديكُ استحر ؟

نــجــم
23-04-2011, 09:36 PM
الرأي الصواب

يا نفس هذا منزل الأحباب
فانسي عذابك في النوى وعذابي
وتهللي كالفجر في هذا الحمى
وتألقي كالخمر في الأكواب
ولتسمح البشرى دموعك مناماً
يمحو الصباح ندى عن الأعشاب
واسترجعي عهد البشاشة والرضى
فالدهر عاد تضاحكاً وتصابي
أنا بين أصحابي الذين أحبهم
ما أجمل الدنيا مع الأصحاب
قد كنت مثل الطائر المحبوس في
قفص،ومثل النجم خلف ضباب
يمتد في جنح الظلام تأوهي
ويطول في أذن الزمان عتابي
وأهز أقلامي فترشح حدة
وأسى ، ويندى بالدموع كتابي
حتى لقيتكم فبت كأنني
لمسرتي استرجعت عصر شبابي
ليس التعبد أن تبيت على الطوى
وتروح في خرق من الأثواب
لكنه إنقاذ نفس معذب
من ربقة الآلام والأوصاب
ليس التعبد عزلة وتنسكاً
في الدير أو القفر أو في الغاب
لكنه ضبط الهوى في عالم
فيه الغواية جمة الأسباب
وحبائل الشيطان في جنباته
والمال فيه أعظم الأرباب
هذا هو الرأي الصواب وغيره
مهما حلا للناس غير صواب

نــجــم
23-04-2011, 09:36 PM
الرزء الأليم

عدمت قلبي إذا لم يعدم الجلدا
ونال نفسي الردى إن لم تذب كمدا
آهاً ولو نفعت آه أخا شجن
لم يبتغ غيرها عند الأسى عضدا
آه ولو لم يكن خطب ألم بنا
ما سطرتها يدي في كاغد أبدا
ألمرء مجتهد والموت مجتهد
أن ليس يترك فوق الأرض مجتهدا
ساوى الرضيع به من شاب مفرقه
والعبد سيده والثعلب الأسدا
قد غادر الفضل بالأحزان منفرداً
من كان بالفضل دون الناس منفردا
مات ( البيان ) بموت ( اليازجي ) فمن
لم يبك هذا بكى هذا الذي فقدا
والله ما ولدت حواء أطهر من
هذا الفقيد فؤاداً لا ولن تلدا
أين ( الضياء ) الذي زان البلاد كما
يزين البدر في جنح الدجى الجلدا؟
أين اليراع الذي قد كان يطربنا
صريره في أديم الطرس منتقدا؟
وأين أين سجاياه التي حسدت
من أجله وكذا من أجلها حسدا؟
حق على العلم أن يبكي عليه كما
يبكي الشقيق أخاً والوالد الولدا
أقسمت ما اهتز فوق الطرس لي قلم
إلا جعلت له دمعي البتبت مددا
ولا تخذت أخاً في الدهر يؤنسني
بعد الجليل سوى الحزن الذي وجدا

نــجــم
23-04-2011, 09:36 PM
السماء

لا تسلني عن السماء فما عندي
إلا النعوت والأسماء
هي شيءٌ، وبعض شيءٍ، وحيناً
كلُّ شيءٍ، وعند قوم ٍ هباء

***

فسماءُ الراعي كما يتمناها
مروجٌ فسيحة ٌ خضراء
تلبسُ التبر مئزرا ووشاحاً
كلما أشرقت وغابت ذكاء
أبداً في نضارةٍ، لا يجفُّ العشب فيها؛ ولا يغيض الماء

***

وهي عند الأم التي اخترم الموت بنيها، وضلَّ عنها العزاءُ
موضعٌ لا ينالهم فيه ضيمٌ
لا، ولا يدرك الشباب الفناءُ
وكذا يولد الرّجاء من اليأس
إذا مات في القلوب الرجاء

***

وهي عند الفقير أرضٌ وراء الأفق، فيها ما يشتهي الفقراء
لا يخاف المثري، ولا كلبه الضاري، ولا لامرئ به استهزاء
وهي عند المظلوم أرضٌ كهذي الأرض لكن قد شاع فيها الرخاء
يجمع العدل أهلها في نظام ٍ
مثلما يجمع الخيوط الرداء
لا ضعيفٌ مستعبدٌ، ولا قويٌ
مستبدٌ، بل كلهم أكفاء
كلّ شيءٍ للكلّ ملكٌ حلالٌ،
كلّ شيء فيها كما الكلّ شاءوا

***

وهي عند الخليع أرض تميسُ الحور فيها، وتدفق الصهباء
كلّ ما النفس تشتهي مباحٌ
لا صدودٌ، لا جفوة ٌ، ولا إباء
أكبر الإثم قولة المرءِ هذا الأمر إثمٌ، وهذه فاحشاء
ليس بين الصّلاح والشرّ حدٌ
كالذي شاء وضعه الأنبياء
وإذا لم يكن عفاف وفسقٌ
لم تكن حشمة ٌ ولا استحياء

***

كلّ قلبٍ له السماء الذي يهوى، وإن شئت كلّ قلبٍ سماء
صورٌ في نفوسنا كائناتٌ
ترتديها الأفعال والأشياء
ربَّ شيءٍ كالجوهر الفرد فذ ّ
عدّدته الأغراض والأهواء
كلّ ما تقصر المدارك عنه
كائنٌ مثلما الظنون تشاء

نــجــم
23-04-2011, 09:37 PM
الزمان

يمشي الزمان بمن ترقب حاجة
متثاقلاً كالخائف المتردد
حتى ليحسبه أسيراً موثقاً
ويراه أبطأ من كسيح مقعد
ويخال حاجته التي يصبو لها
في دارة الجوزاء أو في الفرقد
ويكون ما يرجوه زورة صاحب
ويكون أبعد ما يرجي في غد
*
فإذا تولى النفس خوف في الضحى
من واقب تحت الدجى أو معتد
طارت بها خيل الزمان ونوقه
نحو الزمان الملهم الأسود
فكأنها محمول في بارق ،
أو عارض ، أو عاصف في فدفد
*
ويكون أقصر ما يكون إذا الفتى
مدت له الدنيا يد المتودد
فتوسط اللذات غير منفر
وتوسد الأحلام غير منكد
فإذا لذيذ العيش نغبة طائر
وإذا طويل الدهر خطوة مرود
*
وإذا الفتى لبس الأسى ومشى به
فكأنما قد قال للزمن اقعد
فإذا الثواني أشهر، وإذا الدقا
ئق أعصر، والحزن شيء سرمدي
وإذا صباح أخي الأسى أو ليله
متجدد مع همه المتجدد
قهر الورى وأذلهم أن الورى
متعلل ، أو طامع ، أو متجد
جعلوا رغائبهم قياس زمانهم
والدهر أكبر أن يقاس بمقصد
وقتلت في نفسي الرغائب والمنى
فقهرته بتجردي وتزهدي
يشكو الذي يشكو السهاد جفونه
لو لم يكن ذا ناظر لم يسهد
إن كان شيء للنفاد أعده
فيما انقضى ومضى وإن لم ينفذ
ما أن رأيت الكحل في حدق المهى
إلا لمحت الدود خلف الأثمد
من ليس يضحك والصباح مورد
لم يكتئب والصبح غير مورد
سيان أحلام أراها في الكرى
عندي ، وأشياء بها اشتملت يدي
أنا في الزمان كموجة في زاخر
أنا فيه إن يزبد وإن لم يزبد
مهما تلاطم فهو ليس بمغرقي،
أو مخرجي منه،ولا بمبددي
هيهات ما أرجو ولا أخشى غداً
هل أرتجي وأخاف ما لم يوجد
والأمس في فكيف أحسبه انتهى
أفما رأيت الأصل في الفرع الندي؟
قبل كبعد حالة وهمية
أمسي أنا، يومي أنا، وأنا غدي

نــجــم
23-04-2011, 09:37 PM
الشاب أبو المعجزات


سلامٌ عليكم رجال الوفاء
وألف سلام على الوافيات
ويا فرح القلب بالناشئين
ففي هؤلاء جمال الحياة
هم الزهر في الأرض إذ لا زهورٌ
وشهبٌ إذ الشهب مستخفيات
إذا أنا أكبرت شأن الشباب
فإنَّ الشباب أبو المعجزات
حصون البلاد وأسوارها
إذا نام حرّاسها والحماة
غدٌ لهم وغدٌ فيهم
فيا أمس فاخر بما هو آت
ويا حبّذا الأمهات اللواتي
يلدن النوابغ والنابغات
فكم خلدت أمة ٌ بيراع
وكم نشأت أمّة ٌ في دواة

* * *

أنا شاعرٌ أبداً تانقٌ
إلى الحسن في الناس والكائنات
أحبُّ الزهور، وأهوى الطيور،
وأعشقُ ثرثرة الساقيات
ورقص الأشعة فوق الروابي،
وضحك الجداول والقهقهات
تطالع عيناي في ذا المكان
روائع فاتنة ً ساحرات
كأنّ الفضاء وفيه الطيور
بحورٌ بها سفنٌ سابحات
كأنّ الزهور ترقرق فيها
سقيط الندى أعين باكيات
ومن بلبل ٍ ساجع لمغنِّ،
ومن زهرةٍ غضةٍ لفتاة

* * *

فما أجمل الصيف في اخلوات
وأروع آياته البينات
نضا الستر عن حسنات الوجدد
وكانت كأسراره المضمرات
وأحيا رغائبنا الذابلات
فعاشت وكانت كأرض ٍ موات
ففي الأرض سحرٌ، وفي الجوِّ عطرٌ،
فيا للكريم، ويا للهبات
أمامكم العيش حرّ رغيدٌّ
ألا فاغنموا العيش قبل الفوات

نــجــم
23-04-2011, 09:38 PM
الشاعر

قالت وصفت لنا الرحيق وكوبَها
وصريعها ومُديرها والعاصرَا
والحقل والفلاح فيه سائراً
عند المسا يرعى القطيع السائرا
ووقفت عند البحر يهدرُ موجُه
فرجعت بالألفاظ بحراً هادرا
صوَّرت في القرطاسِ حتى الخاطرا
فخلبتنا وسحرتَ حتى الساحرا
وأريتنا في كلّ قفرٍ روضةً
وأريتنا في كلَّ روضٍ طائرا
لكن إذا سأل امروءُ عنك امرءاً
أبصرت محتاراً يخاطب حائرا
من أنت ياهذا؟ فقلت لها: أنا
كالكهرباء أرى خفياًَّ ظاهرا
قالت : لعمرُك زدت نفسي ضلة
ما كان ضرَّك لو وصفت الشاعرا؟
...
فأجبتُها : هو من يسأئلُ نفسه
عن نفسه في صُبحه ومسائهِ
والعين سر سُهادها ورقادِها
والقلبَ سرَّ قنوطهِ ورجائهِ
فيحارُ بين مجيئهِ وذهابهِ
ويحارُ بين أمامهِ وورائهِ
ويرى أفول النجمِ قبل أفولهِ
ويرى فناء الشيءِ قبل فنائهِ
ويسير في الروض الأغن فلا ترى
عيناهُ غير الشوك في أرجاء
إن نام لم ترقد هواجسُ روحه
وإذا استفاق رأيتهُ كالتائه
ما إن يُبالي ضحكنا وبكاءنا
ويخيفنا في ضحكه وبكائه
كالنار يلتهمُ العواطف عقلهُ
فيميتُها ويموتُ في صحرائهِ!!
...
قالت : أتعرفُ من وصفت؟ فقلت: من؟
قالت : وصفت الفيلسوف الكافرا
يا شاعر الدَّنيا وفيك حصاقةٌ
ما كان ضرَّك لو وصفت الشاعرا؟
...
فقلتُ: هو امروءُ يهوى العُقارا
كما يهوى مُغازلة العذارى
إذا فرغت من الرَّاح الدنانُ
توهم أنما فرغ الزمانُ
يعاقرُها على ضوء الدَّراري
فإن غربت ، على ضوء النهار
ويحسبُ مهرجان الناسِ مأتم
بلا خمرٍ ، وجنتهم
ملولٌ لا يدومُ على ولاءِ
ولكن لا يدومُ على عداء
أخو لب ولكن لا إراده
وذو زهدٍ ولكن بالزَّهاده
يميلُ إلى الدُعابة واُلمزاح
ولو بين الأسنةِ والصّفاح
ويوشك أن يُقهقه في الجنازه
ويرُقص كالعواصف في المفازه
إذا بصرت به عين الأديب
فقد وقعت على رجلٍ مُريبِ
يعنقهُ الصحابُ فلا ينيبُ
ويزجرهُ المشيب فلا يتوبُ
فقالت: جئت بالكلمِ البديع
ولكن ما وصفت سوى ((الخليعِ))
...
وخفت إعراضها عني فقلتُ: إذن
هو الذي أبداً يبكي من الزمن
كأنما ليس في الدَّنيا سواهُ فتى
معرضٌ لخطوب الدهر والمحن
يشكو السَّقام وما في جسمه مرضٌ
والسُّهد وهو قريبُ العهدِ بالوسنِ
والهجر، وهو بمرأى من أحبَّته
والأسر، وهو طليقُ الروحِ والبدنِ
ولا يرى حسناً في الأرض يألفهُ
أو يشتهيهِ وكم في الأرضِ من حسنِ
ينوحُ في الروضُ والأشجارُ مورقةٌ
كما ينوحُ على الأطلالِ والدِمنِ
فقاطعتني وقالت: قد بعدت بنا
ما ذي الصفاتُ صفات الشاعرِ الفطنِ
...
قلتُ: مهلاً إذا ضللتُ وعُذراً
ربما أخطأ الحكيمُ وضَّلا
هو من ترسمُ الجمالَ يداه
فتراهُ في الطرسِ أشهى وأحلى
لوذعيُّ الفؤاد يلعبُ بالألبابِ
لعباً إن شاء أن يتسلى
ويُرينا ما ليس يبقى سيبقى
ويُرينا ما ليس سيبلى
يطبع الشُّهب للأنامِ نقوداً
وهو يشكو الإملاق كيف توَّلى
أفما. ذا من تبتغين وأبغي
وصفه؟ قالت المليخةُ: كلا !..
...
يا هذه إني عييتُ بوصفهِ
وعجزتُ عن إدراكِ مكنوناتهِ
لا تستطيع الخمُر سرد صفاتها
والروضُ وصف زهوره ونباتهِ
هو من تراهُ سائراً فوق الثرى
وكأنَّ فوق فؤاده خطواتهِ
إن تاح فالأرواح في عبراته
وإذا شدا فالحبُّ في نغماتهِ
يبكي مع النائي على أوطانه
ويشاركُ المحزون في عبراتهِ
وتغيرُ الأيامُ قلب فتانه
ويظلّ ذا كلفٍ بقلب فتاتهِ
هو من يعيشُ لغيره ويظنهُ
من ليس يفهمُهُ يعيشُ لذاته!!!

نــجــم
23-04-2011, 09:38 PM
الشاعر في السماء

رآني الله ذات يوم
في الأرض أبكي من الشقاء
فرق ، والله ذون حنان
على ذوي الضر والعناء
وقال : ليس التراب داراً
للشعر ، فارجع إلى السماء !
وشاد فوق السماك بيتي
ومد ملكي على الفضاء
فالتفت الشهب حول عرشي
وسار في طاعتي الضياء
وصرت لا ينطوي صباح
إلا بأمري ولا مساء
ولا تسوق الغيوم ريح
إلا ولي فوقها لواء
فالأمر بين النجوم أمري
لي الحكم فيها ولي القضاء
...
لكنني لم أزل حزيناً
مكتئب الروح في العلاء
فاستغرب الله كيف أشقى
في عالم الوحي والسناء
وقال : ما زال آدمياً
يصبو إلى الغيد والطلاء
ومس روحي واستل منها
شوقي إلى الخمر والنساء
وظن أني انتعى بلائي
فلم يزدني سوى بلاء
واشتد نوحي وصار جهراً
وكان من قبلي في الخفاء
وصار دمعي سيول نار
وكان قبلاً سيول ماء
...
يا أيها الشاعر المعنى
حيرني دواك العياء
هل تشتهي أن نكون طيراً ؟
فقلت : كلا ، ولا غناء !
هل تشتهي أن تكون نجماً ؟
أجبت : كلا ، ولا بهاء !
هل تبتغي المال ؟ قلت : كلا
ما كان من مطلبي الثراء
ولا قصوراً ، ولا رياضاً
ولا جنوداً ولا إماء
وليس ما بي ، يا رب ، داء
ولا احتياجي إلى دواء
ولا حنيني إلى القناني
ولا اشتياقي إلى الظباء
ولا أريد الذي لغيري
ذا حكمة كان أم مضاء
لكن أمنية بنفسي
يسترها الخوف والحياء !
فقال : يا شاعراً عجيباً
قل لي إذن ما الذي تشاء ؟
فقلت : يا رب، فصل صيف
في أرض لبنان أو شتاء
فإنني ههنا غريب
وليس في غربة هناء !
فاستضحك الله من كلامي
وقال : هذا هو الغباء
لبنان أرض ككل أرض
وناسه والورى سواء
وفيه بؤسى وفيه نعمى
وأردياء وأتقياء
فأي شيء تشتاق فيه؟
فقلت: ما سرني وساء
تحن نفسي إلى السواقي،
إلى الأقاحي، إلى الشذاء
الى الروابي تعرى وتكسى،
إلى العصافير والغناء
إلى العناقيد، والدوالي،
والماء ، والنور، والهواء!
فأشرف الله من علاه
يشهد (( لبنان )) في المساء
فقال : ما أنت ذو جنون
وإنما أنت ذو وفاء
فإن لبنان ليس طوداً،
ولا بلاداً ، لكن سماء !

نــجــم
23-04-2011, 09:38 PM
الشاعر والأمة

خير ما يكتبه ذو مرقم
قصة فيها لقوم تذكره
...
كان ماضي الليالي أمة
خلع العز عليها حبره
يجد النازل في أكنافها
أوجهاً ضاحكة مستبشره
ويسير الطرف من أرباضها
في مغان حاليات نضره
لم يقس شعب إلى أمجادها
مجده الباذخ إلا استصغره
همها في العم تعلي شأنه
بينها ، والجهل تمحو أثره
ما تغيب الشمس إلا أطلعت
للورى محمدة أو مأثره
فتمنى الصبح تغدو شمسه
وتمنى الليل تغدو قمره
ومشى الدهر إليها طائعاً
فمشت تائهة مفتخره
...
كان فيها ملك ذو فطنة
حازم يصفح عند المقدره
يعشق الأمر الذي يعشقه
فاذا ما استنكرته استنكره
حوله عصبة سوء ، كلما
جاء إداً أقبلت معتذره
حسنت في عينه آثامه
وإليه نفسه المستكبره
وتمادى القوم في غفلتهم
فتمادى في الملاهي المنكره
زحزح الأمة عن مركزها
وطوى رايتها المنتشره
ورأت فيها الليالي مقتلا
فرمتها فأصابت مدبره
فهوت عن عرشها منعفره
مثلما ترمي بسهم قبره
...
كان فيها شاعر مشتهر
ذو قواف بينها مشتهره
كلما هزت يداه وتراً
هز من كل فؤادٍ وتره
تعس الحظ ، وهل أتعس من
شاعر في أمة محتضره؟
يقرأ الناظر في مقلته
ثورة طاهرة مستتره
مايراه الناس إلا واقفاً
في مغاني قومه المندثره
حائراً كالريح في أطلالها
باكياً والسحب المنهمره
وهي في أهوائها لاهية
وكذاك الأمة المستهتره
ما رأت مهجته المنفطره
لا ولا أدمعه المنحدره
فشكاه الشعر مما سامه
وشكاه الليل مما سهره
ثم لما عبث اليأس به
مزق الطرش وشج المحبره !!
...
مر يوماً فرأى أشياخها جلسوا يبكون عند المقبره
قال مالكم ؟.. ما خطبكم
أي كنز في الثرى أو جوهره ؟
ومن الثاوي الذي تبكونه
قيصر ، أم تبع ، أم عنتره ؟
قال شيخ منهم محدودب
ودموع اليأس تغشى بصره
إن من نبكيه لو أبصره
قيصر أبصر فيه قيصره
كيف ياجاهل لا تعرفه
وحداة العيس تروي خبره ؟
هو ملك كان فينا ومضى
فمضت أيامنا المزدهره
ولبثنا بعده في ظلم
داجيات فوقنا معتكره
والذي كان بنا (( معرقة ))
لصروف الدهر أمسى ((نكره))
فانتهى التاج إلى معتسف
لم يزل بالتاج حتى نثره
كل ما تصبوا إليه نفسه
معصر أو خمرة معتصر
مستهين بالليالي وبنا
مستعين بالطغام الفجره
كلما جاء إليه خائن
واشياً قربه واستوزره
فإذا جاء إليه ناصح
شك في نيته فانتهره
مستبد باذل في لحظة
ما اذخرناه له واذخره
يهب المء وما يملكه
وعلى الموهوب أن يستغفره
هزأ الشاعر منهم قائلاً :
بلغ السوس أصول الشجره
رحمة الله على أسلافكم
إنهم كانوا نقاة برره
رحمة الله عليهم إنهم
لم يكونوا أمة منشطره
إن من تبكونهُ يا سادتي
كالذي تشكون فيكم بطره
إنما بأسُ الألى قد سلفوا
قتل النهمة فيه والشره
فأحبسوا الأدمع في آماقكم
واتركوا هذي العظام النخره
لو فعلتُم فعل أجدادكُم
ما قضى الظالمُ منكم وطره
ما لكم تشكون من محتكتم
رضم ألسنكم أن تشكره ؟
وجعلتم منكمُ عسكره
وحلفتم أن تطيعوا عسكره ؟
كيف لا يبغي وبطغى آمرٌ
يتقي أشجعكم أن ينظره ؟
ما استحال الهرُ ليثاً إنما
أسدُ الآجام صارت هرره
وإذا الليثُ وهت أظفارهُ
أنشب السنور فيه ظفره !!

نــجــم
23-04-2011, 09:39 PM
الشباب والحب

بكيتَ الصبا من قبلِ أن يذهب الصبا
فيا ليتَ شعري ما تقولُ اذا ولَّى ؟
توهَّمتهُ يبقى اذا أنتَ صنتهُ
عن الشفةِ الحمراء والمقلةِ الكحلا
وخلتَ الهوى جهلاً فلم يكُنِ الهدى
أخيراً سوى الأمرِ الذي خِلتهُ جهلا
خشيتَ عليهِ أن يطوَّحهُ الهوى
فألقاكَ هذا الخوفُ في الهوةُ السفلى
أتلجمُ ماء النهر عن جريانهِ
مخاقة أن يفنى ؟ اذن، فاشرب الوحلا
سيبلى الصَّبا مهما حرصتَ على الصبا
فدعهُ يذوقُ الحبُّ من قبلِ أن يبلى
***
فما ديمةٌ صَّبت على الصخرِ ماءها
فما أنبتتْ زهراً ولا أطلعتْ بقلا
بأضيعَ من بردِ الشبابِ على امرئ
اذا استطعمتهُ النفسُ أطعمها العذلا
***
فلا تكُ مثل الأقحوانةِ راعها
من الحقلِ أن تجنى فلم تسكنِ الحقلا
وأعجبها الوادي فلاذت بقاعهِ
فجاء عليها السيلُ في الليلِ واستتلى
فما عانقتْ نور الكواكبِ في الدجى
ولا لثمتْ فجراً ولا رشفتْ طلا
وزالتْ فلم يستشعرِ النورُ والندى
على فقدها غماً كأنْ لم تكُنْ قبلا
ولا تكُ كالصداحِ اذخالَ أنهُ
اذا اذدخر الألحانَ أكسبها نبلا
فضنَّ بها والشمسُ تنثرُ تبرها
وفضتها والأرضُ ضاحكةٌ جذلى
فلما مضى نورُ الربيعِ عن الربى
ودبَّ الى أزهارها الموتُ منسلا
تحفز كي يشدو فلم يلقَ حولهُ
سوى الورقِ الهاوي كأحلامهِ القتلى

نــجــم
23-04-2011, 09:39 PM
السيد المجتبى

سلام على السيد المجتبى
كقطر الغمام ونشر الكبا
ويا مرحباً بأمير السلام
وقل له قولنا مرحبا
قدومك بدد عنا الأسى
كما يكشف القمر الغيهبا
وأحيا المنى في فؤاد الفتى
ورد إلى الشيخ عهد الصبى
كأني (( بأيار )) خير الشهور
أتاه البشير بذاك النبا
فوشى الرياض ، وحلى الحقول ،
وزان الوهاد ، وزان الربى
وقال لأغصانه صفقي
وللطير في الأرض أن تخطبا
وللنسمات تجوب البلاد
وتملأها أرجاً طيبا
ورنت بأذني أغاريدها
فقلت لكفي أن تكتبا
فهذا القريض حفيف الغصون
وشدو الطيور ، ونفح الصبا
طلعت فطال خفوق الفؤاد
كأن به هزة الكهربا
وليس به هزة الكهرباء
ولكن رأى التائه الكوكبا
وألقت إليك مقاليدها
نفوس تخيرت الأنسبا
فيا صاحب الشيم الباهرات
ويا من تحل لديه الحبا
تقول عنك صغار النفوس
لأمر فما أدركوا مأرباً
ومن يسلب الشمس أنوارها
ومن ذا الذي يمسك الصيبا ؟
فأحسن إليهم وإن أخطأوا
وكن كالحيا يمطر السبسبا
إذا لم تسامح وأنت الكريم
فمن ذا الذي يرحم المذنبا؟
*
لقد طرب التاج والصولجان
وحق لهذين أن يطربا
فإن هنأوك بما نلته
فإني أهني بك المنصبا

نــجــم
23-04-2011, 09:39 PM
السجينة

لعمرك ما حزني لمال فقدته
ولا خان عهدي في الحياة حبيب
ولكنني أبكي وأندب زهرة
جناها ولوع بالزهور لعوب
رآها يحل الفجر عقد جفونها
ويلقي عليها تبره فيذوب
وينفض عن أعطافها النور لؤلؤاً
من الطل ما ضمت عليه جيوب
فعالجها حتى استوت في يمينه
وعاد إلى مغناه وهو طروب
وشاء فأمست في الإناء سجينة
لتشبع منها أعين وقلوب
ثوت بين جدران كقلب مضيمها
تلمس فيها منفذاً فتخيب
فليست تحيي الشمس عند شروقها
وليست تحيي الشمس حين تغيب
ومن عصبت عيناه فالوقت كله
لديه ، وإن لاح الصباح ، غروب
*
لها الحجرة الحسناء في القصر إنما
أحب إليها روضة وكئيب
وأجمل من نور المصابيح عندها
حباحب تمضي في الدجى وتؤوب
ومن فتيات القصر يرقصن حولها
على نغمات كلهن عجيب
تراقصن أغصان الحديقة بكرة
وللريح فيها جيئة وذهوب
وأجمل منهن الفراشات في الضحى
لها كالأماني سكنة ووثوب
وأبهى من الديباج والخز عندها
فراش من العشب الخضيل رطيب
وأحلى من السقف المزخرف بالدمى
فضاء تشع الشهب فيه رحيب
تحن إلى مرأى الغدير وصوته
وتحرم منه ، والغدير قريب
وليس لها البؤس في نسم الربى
نصيب، ولم يسكن لهن هبوب
إذا سقيت زادت ذبولاً كأنما
يرش عليها في المياه لهيب
وكانت قليل الطل ينعش روحها
وكانت بميسور الشعاع تطيب
بها من أنوف الناشقين توعك
ومن نظرات الفاسقين ندوب
تمشى الضنى فيها وأيار في الحمى
وجفت وسربال الربيع قشيب
ففيها كمقطوع الوريدين صفرة
وفيها كمصباح البخيل شحوب
*
أيا زهرة الوادي الكئيبة إنني
حزين لما صرت إليه كئيب
وأكثر خوفي أن تظني بني الورى
سواء ، وهم مثل النبات ضروب
وأعظم حزني أن خطبك بعده
مصائب شتى لم تقع وخطوب
سيطرحك الإنسان خارج داره
إذا لم يكن فيك العشية طيب
فتمسين للأقذار فيك ملاعب
وفي صفحتيك للنعال ضروب
إسارك ، يا أخت الرياحين ، مفجع
وموتك ، يا بنت الربيع ، رهيب
ولكنها الدنيا ، ولكنه القضا
وهذا، لعمري ، مثل تلك غريب
فكم شقيت في ذي الحياة فضائل
وكم نعمت في ذي الحياة عيوب
وكم شيم حسناء عاشت كأنها
مساوئ يخشى شرها وذنوب

نــجــم
23-04-2011, 09:39 PM
السر في الأرواح

قال الغراب وقد رأى كلف الورى
وهيامهم بالبلبل الصّدّاح
لم لا تهيم بي المسامع مثله
ما الفرق بين جناحه وجناحي؟
إني أشدُّ قوى وأمضى مخلباً
فعلى مَ نام النّاس عن تمداحي؟
أمفرِّق الأحباب عن أحبابهم
ومكدِّر اللـّذاتِ والأفراح
كم في السّوائل من شبيهٍ للطلا
فعلى م ليس لها مقام الرّاح؟
ليس الحظوظ من الجسوم وشكلها
السِرُّ كلّ السير في الأرواح
والصّوت من نعم السّماء ولم تكن
ترضى السّماء إلا عن الصلاح
حكم القضاء فإن نقمت على القضا
فاضرب بعنقك مدية الذبّاح!!!

نــجــم
23-04-2011, 09:40 PM
الشعر والشعراء

بعيشك هل جزيت عن القوافي
بغير (أجدتَ) أو (لافضَّ فوك)؟
جزاؤكَ من كريم أو بخيل
رقيقاً كان شعرك أو ركيكا
كلام ليس يغني عنك شيئاً
إذا لم يقتل الأمال فيكا
وربتما يمنُّ عليك قومٌ
كأنك قد عدوت بهم مليكا
إذا أرسلت قافيةً شروداً
فقد أيقظت في الناس الشكوكا
وقد تبلى بأحمق بدعيها
فإن تعضب لذلك يدعيكا

نــجــم
23-04-2011, 09:41 PM
العليقة

ذات شوك كالحراب أو كأظفار العقاب
ربضت في الغاب كاللص ، لفتك واستلاب
تقطع الرب على الفلاح والمولى المهاب
صنت عنها حر وجعي ، فتصدت لثيابي
كلما أفلت من ناب تلقتني بناب
فلها نهش الأفاعي ، ولها لسع الذئاب
وأذاها في سكوتي ، كأذها في اضطرابي
وهي كالقيد لساقي ، ولجيدي كالسخاب
فكأنها في عناق ، لا نضال ووثاب
...
قلت : يا ساكنة الغاب ، وبا ينت التراب
لا تلجي في اجتذابي ، أو فلجي في اجتذابي
إن عوداً فيه ماء ليس عوداً لاحتطاب
أنا في فجر حياتي ، أنا في شرخ شبابي
الهوى ملء فؤادي ، والصبى ملء إهابي
والمنى تنبت في دربي وتمشي في ركابي
أنا لم أضجر من العيش ولم أملل صحابي
لم أزل ألمح طيف المجد حتى في السراب
لم أزل أستشعر اللذة حتى في العذاب
لم أزل أستشرف الحسن ولو تحت نقاب
...
ما بنفسي خشية الموت ولا منه ارتهابي
أنا للأرض ، وإن طال عن الأرض اغترابي
غير أني لم يزل ضرعي لمري واحتلاب
لم أهب كل الذي عندي ، ولم يفرغ وطابي
....
أنا نهر لم أتمم بعد في الأرض انسيابي
أنا روض لم أذع كل عبيري وملابي
أنا نجم لم يمزق بعد جلباب الضباب
أنا فجر لم تتوج فضتي كل الروابي
لي رغاب لم تلد بعد فتبلى بالتباب ؟
وبنفسي ألف معنى لم يضمن في كتاب
...
فإذا استنفذت ما في دن نفسي من شراب
وإذا أنجم آمالي توارت في الحجاب
وإذا لم يبق في غيمي ماء لانسكاب
وإذا ما صرت كالعليق تمثال اكتئاب
لا يرجيني محتاج ، ولا يطمع ساب
فاجذبيني .. إن يكمن مني نفع للتراب

نــجــم
23-04-2011, 09:41 PM
العاشق المخدوع

أبصرتُها في الخمس والعشر
فرأيتُ أخت الرئمِ والبدرِ
عذراءُ ليس الفجرُ والدها
وكأنها مولودةُ الفجرِ
بسّامةٌ في ثغرها درر
يُهفو إليها الشاعرُ العصري
ولها قوامٌ لو أشبههُ
بالغصن باء الغُصنُ بالفجرِ
مثل الحمامِة في وداعتها
وكزهرةِ النسرينِ في الطهر
مثل الحمامةِ غير أن لها
صوت الهزارِ ولفتة الصقرِ
...
شاهدتُها يوماً وقد جلست
في الرّوض بين الماءِ والزهرِ
ويدُ الفتى (( هنري )) تطوقها
فحسدتُ ذاك الطوق في الخصرِ
وحسدتُ مقلته ومسمعهُ
لجمالها وكلامِها الدّرّي
أغمضتُ أجفاني على مضضٍ
وطويتُ أحشائي على الجمرِ
وخشيتُ أن الوجد يسلبني
حلّمي ، ويغلبُني على أمري
فرجعتُ أدراجي أغالبُِهُ
باليأسِ آويةً وبالصّبرِ
ثمّ انقضى عامٌ وأعقبه
ثان وذاك السرّ في صدري
فعجبتُ ، متي كيف أذكرها
وقد انقضى حولانِ من عمري
خلتُ الليّالي في تتابعيها
تُزري بها عندي فلم تزر
زادت ملاحتها فزدتُ بها
كلفاً ، وموجدةً على (( هنري ))
...
وسئمتُ داري وهي واسعةٌ
فتركتُها وخرجتُ في أمر
فرأيتُ فتيان الحمى انتظمُوا
كالعقد ، أو كالعسكر المجرِ
يتفكهون بكلّ نادرةٍ
وعلى الوجوه علائمُ البشرِ
ساروا فأعجبني تدفقهم
فتبعتهم أدري ولا أدري
ما بالهم ؟ ولأيةٍ وقفوا ؟
لمن البناء يلوح كالقصرِ
أواهُ ! هذي دارُ فاتنتي
من قال ما للشمس من خدر ؟
وعرفتُ من (( فرجين)) جارتها
ما زادني ضُراً على ضرّ
ورأيتُ ساعدها بساعده
فوددتُ لو غيبتُ في قبرِ
وشعرتُ أن الأرض واجفةٌ
تحتي ، وأنّ النار في صدري
وخشيتُ أن الوجد يسلبني
حلمي ويغلبُني على أمري
فرجعتُ أدراجي أغالبهُ
باليأس آونة وبالصبر ِ
...
قالوا : الكنيسة خير تعزية
لمن ابتلي في الحب بالهجر
فنذرت أن أقضي الحياة بها
وقصدتها كما أفي نذري
لازمتها بدرين ما التفتت
عيني إلى شمس ولا بدر
أتلو أناشيد الني ضحى
وأطالع الإنجيل في العصر
حيناً مع الرهبان ، آونة
وحدي ، وأحياناً مع الحبر
في الغاب فوق العشب مضطجعاً
في السفح مستنداً إلى الصخر
في غرفتي ، والريح راكدة
بين المغارس ، والصبا تسري
حتى إذا ما القلب زايله
تبريحه ، وصحوت من سكري
عاد القضاء إلى محاربتي
ورجعت للشكوى من الدهر
...
في صخوة وقف النسيم بها
متردداً في صفحة النهر
كالشاعر الباكي على طلل
أو قارئ حيران في سفر
والشمس ساطعة ولامعة
تكسو حواشي النهر بالتبر
والأرضُ حاليةٌ جوانبها
بالزهرِ من قانٍ ومصفرٌ
فكأنها بالعشب كاسية
حسناء في أثوابها الخصرِ
وعلا هتافُ الطير إذ أمنت
بأس العُقاب وصولة النسرِ
تتلو على أهل الهوى سُوراً
ليست بمنظومٍ ولا نثر
وانساب كلّ مصفقٍ عذبٍ
واهتزّ كل مهفهف نضر
فتذكرت نفسي صبابتها
ما أولع المهجور بالذكر
أرسلتُ طرفي رائداً فجرى
وجرى على آثاره فكري
وإذا بنا نلقى كنيستنا
بالوافدين تموج كالبحر
وإذا ((بها)) وإذا الفتى هنري
في حلةٍ بيضاءَ كالفجر
ياقلب ذب ! يا مهجتي انفطري
يا طرف فض بالأدمع الحمر
أغمضت أجفاني على مضض
وطويت أحشائي على الجمر
وخشيت أن الوجد يسلبني
حلمي ، ويغلبني على أمري
فرجعت أدراجي أغالبه
باليأس آونة وبالصبر
وخرجت لا ألوي على أحدٍ
ورضيت بعد الزهد بالكفر
...
أشفقت من همي على كبدي
وخشيت من دمعي على نحري
فكلفت بالصبهاء أشربها
في منزلي ، في الحان ، في القفر
أبغي الشفاء من الهموم بها
فتزيدني وقراً على وقر
وتزيدني ولعاً بها وهوى
وتزيدني حقداً على
قال الطبيب وقد رأى سقمي :
لله من فعل الهوى العد
مالي بدائك يا فتى قبل
السحر محتاج إلى سحر
ومضى يقلب كفه أسفاً
ولبثت كالمقتول في الوكر
ما أبصرت عيناي غانية
إلا ذكرت إلى الدمى فقري
...
وسئمت داري وهي واسعة
فتركها وخرجت في أمر
فرأيتها في السوق واقفة
ودموعها تنهل كالقطر
في بردة كالليل حالكة
لهفي على أثوابها الحمر
فدنوت أسالها وقد جزعت
نفسي ، وزلزل حزنها ظهري
قالت : قضى هنري! فقلت : قضى
من كاد لي كيداً ولم يدر
لا تكرهوا شراً يصيبكم
فلرب خير جاء من شر
وهفا هواها بي فقلت لها:
قد حل هذا الموت من أسري
قالت : ومن أسري ! فقلت : إذن
لي أنت؟ قالت: أنت ذو الأمر
فأدرتُ زندي حول منكبها
ولثمتُها في النحر والثغر
وشفيتُ نفسي من لواعجها
وثارت بالتصريح من سري
ثم انثيتُ بها على عجلٍ
باب الكنيسةِ جاعِلاً شطري
وهناك باركني وهناني
من هناوا فبلي الفتى هنري
...
من بعد شهر مر لي معها
أبصرتُ وضح الشيب في شعري
ما كنتُ أدري قبل صُحبتها
أن المشيب يكون في شهرِ
فكرت في هنري وكيف قضى
فوجدت هنري واضح العذرِ
يا طالما قد كنتُ أحسدُهُ
واليوم أحسدُهُ على القبر

نــجــم
23-04-2011, 09:42 PM
الغبطة فكرة

أقبل العيدُ ، ولكن ليس في الناس المسرة
لا أرى إلا وُجوهاً كالحاتٍ مكفهرَّه
كالركايا لم تدع فيها يدُ الماتحِ قطره
أو كمثيل الروضِ لم تترك به النكباءُ زهره
وعيوناً دنقت فيها الأماني المستحره
فهي حيرى ذاهلاتٌ في الذي تهوى وتكره
وخدوداً باهيات قد كساها الهم صفره
وشفاهاً تحذرُ الضحك كأنَّ الضحك جمره
ليس للقوم حديثٌ غيرُ شكوى مستمره
قد تساوى عندهم لليأسِ نفع ومضره
لا تسل ماذا عراهُم كلهم يجهلُ أمره
حائرٌ كالطائر الخائفِ قد ضيَّع وكره
فوقهُ البازيُّ ، والأشراكُ في نجدٍ وحفره
فهو إن حطَّ إلى الغبراء شكَّ السهمُ صدره
وإذا ما طار لاقى قشعم الجوَّ وصقره
كلهم يبكي على الأمسِ ويخشى شرَّ ((بُكره))
فهمُ مثلُ عجوزٍ فقدت في البحر إبره
...
أيُّها الشاكي الليالي إنَّما الغبطةُ فكره
ربَّما استوطنتِ الكوخ وما في الكوخ كسره
وخلت منها القصور العالياتُ المشمخرَّه
تلمس الغصن المعرى فإذا في الغصن نضره
وإذا رفت على القفر استوى ماء وخضره
وإذا مست حصاة صقلتها فهي دره
لك ، ما دامت لك ، الأرضُ وما فوق المجرَّه
فإذا ضيَّعتها فالكون لايعدل ذره
أيَّها الباكي رويداً لا يسدُّ الدمعُ ثغره
أيُّها العابسُ لن تُعطى على التقطيبِ أجره
لا تكن مُراً ، ولا تجعل حياة الغير مرَّه
إن من يبكي لهُ حولٌ على الضحك وقدره
فتهلَّل وترنم ، فالفتى العابسُ صخره
سكن الدهرُ وحانت غفلةٌ منهُ وغرَّه
إنهُ العيدُ ... وإن العيد مثلُ العُرس مرَّه

نــجــم
23-04-2011, 09:42 PM
الغد لنا

تبدل قلبي من ضلالته رشدا
فلا أرب فيه لهند ولا سعدى
ولم تخب نار الوجد فيه ولا انطوت
ولكن هيامي صار بالأنفع الأجدى
وما الزهد في شيء سوى حب غيره
أشد الورى نسكاً أشدهم وجدا
أحب سواي العيش لهواً وراحة
وانكرته لهواً فأحببته كدا
وما دام في الدنيا سمو ورفعة
فما أنا من يرضى ويقنع بالأردا
...
هو الموت أن نحيا شياهاً وديعة
وقد صار كل الناس من حولنا أسدا
وأن نكتفي بالأرض نسرح فوقها
وقد ملكوا من فوقنا البرق والرعدا
وأن ينشروا في كل أفق بنودهم
وأن لا نرى فوق السماك لنا بندا
تأملت ماضينا المجيد الذي انقضى
فزلزل نفسي أنه انهار وانهدا
وكيف امحت تلك الحضارات كلها
وصارت بلاد أنبتتها لها لحدا
وصرنا على الدنيا عيالاً وطالما
تعلم منا أهلها البذل والرفدا
ونحن الألى كان الحرير برودهم
على حين كان الناس ملبسهم جلدا
...
إذا الأمس لم يرجع فإن لنا غداً
نضيء به الدنيا وتملأها حمدا
وتلبسنا في الليل آفاقه سناً
وتنشرنا في الفجر أنسامه ندا
فإن نفوس العرب كالشهب ، تنطوي
وتخفى ، ولكن ليس تبلى ولا تصدا
ومثل اللآلي لا يخيس جمالها
وإن هي لم ترصف ولم تنتظم عقدا
إذا اختلفت رأياً فما اختلفت هوى ،
أو افترقت سعياً فما افترقت قصدا

نــجــم
23-04-2011, 09:42 PM
الغدير الطموح


قال الغدير لنفسه
يا ليتني نهر كبير
مثل الفرات العذب أو
كالنيل ذي الفيض الغزير
تجري السفائن موقرات
فيه بالرزق الوفير
ههيات يرضى بالحقير
من المنى إلا الحقير
وانساب نحو النهر لا
يلوي على المرج النضير
حتى إذا ما جاءه
غلب الهدير على الخرير

نــجــم
23-04-2011, 09:43 PM
العيون السود

ليت الذي خلق العيون السودا
خلق القلوب الخافقات حديدا
لولا نواعسها ولولا سحرها
ما ود مالك قلبه لو صيدا
عود فؤادك من نبال لحاظها
أو مت كما شاء الغرام شهيدا
إن أنت أبصرت الجمال ولم تهم
كنت امرءاً خشن الطباع ، بليدا
وإذا طلبت مع الصبابة لذة
فلقد طلبت الضائع الموجودا
يا ويح قلبي إنه في جانبي
وأظنه نائي المزار بعيدا
مستوفز شوقاً إلى أحبابه
المرء يكره أن يعيش وحيدا
برأ الآله له الضلوع وقاية
وأرته شقوته الضلوع قيودا
فإذ هفا برق المنى وهفا له
هاجت دفائنه عليه رعودا
جشمته صبراً فلما لم يطق
جشمته التصويب والتصعيدا
لو أستطيع وقيته بطش الهوى
ولو استطاع سلا الهوى محمودا
هي نظرة عرضت فصارت في الحشا
ناراً وصار لها الفؤاد وفودا
والحب صوت ، فهو أنة نائح
طوراً وآونة يكون نشيدا
يهب البواغم السنا صداحة
فإذا تجنى أسكت الغريدا
ما لي أكلف مهجتي كتم الأسى
إن طال عهد الجراح صار صديدا
ويلذ نفسي أن تكون شقية
ويلذ قلبي أن يكون عميدا
إن كنت تدري ما الغرام فدواني
أو ، لا فخل العذل والتفنيدا
...
يا هند قد أفنى المطال تصبري
وفنيت حتى ما أخاف مزيدا
ما هذه البيض التي أبصرتها
في لمتي إلا الليالي السودا
ما شبت من كبر ولكن الذي
حملت نفسي حملته الفودا
هذا الذي أبلى الشباب ورده
خلقاً وجعد جبهتي تجعيدا
علمت عيني أن تسح دموعها
بالبخل علمت البخيل الجودا
ومنعت قلبي أن يقر قراره
ولقد يكون على الخطوب جليدا
دلهتني وحميت جفني غمضه
لا يستطاع مع الهموم هجودا
لا تعجبي أن الكواكب سهد
فأنا الذي علمتها التسهيدا
أسمعتها وصف الصبابة فانثنت
وكأنما وطئ الحفاة صرودا
متعثرات بالظلام كأنما
حال الظلام أساوداً وأسودا
وأنها عرفت مكانك في الثرى
صارت زواهرها عليك عقودا
أنت التي تنسي الحوائج أهلها
وأخا البيان بيانه المعهودا
ما شمت حسنك قط إلا راعني
فوددت لو رزق الجمال خلودا
وإذا ذكرتك هز ذكرك أضلعي
شوقاً كما هز النسيم بنودا
فسقطت سقط الطل ذوب محاجري
لو كان دمع العاشقين نضيدا
وظننت خافقة الغصون أضالعاً
وثمارهن القانيات كبودا
وأرى خيالك كل طرفة ناظر
ومن العجائب أن أراه جديدا
وإذا سمعت حكاية عن عاشق
عرضاً حسبتني الفتى المقصودا
مستيقظ ويظن أني نائم
يا هند ، قد صار الذهول جمودا
ولقد يكون لي السلو عن الهوى
لكنما خلق المحب ودودا

نــجــم
23-04-2011, 09:43 PM
الغراب والبلبل


قال الغراب وقد رأى كلف الورى
وهيامهم بالبلل الصدّاح
لم لا تهيم بي المسامع مثله
ما الفرق بين جناحه وجناحي؟
إني أشدُّ قوى وأمضى مخلباً
فعلام نام الناس عن تمداحي؟

* * *

أمفرّق الأحباب عن أحبابهم
ومكدّرَ اللذات والأفراح
كمفي السوائل من شبيه بالطلا
فعلام ليس لها مقام الراح؟
ليس الحظوظ من الجسوم وشكلها
ألسرُّ كلُّ السرّ في الأرواح
والصوت من نعم السماء ولم تكن
ترضى السما إلا عن الصدّاح
حكم القضاء فإن نقمت على القضا
فاضرب بعنقك مدية الجراح

نــجــم
23-04-2011, 09:43 PM
العنقاء

أنا لستُ بالحسناءِ أولَ مولعِ
هي مطمعُ الدينا كما هي مطمعي
فاقصصْ عليَّ إذا عرفت حديثها
واسكنْ إذا حدَّثتَ عنها واخشع
ألمحتها في صورةٍ ؟ أشدتها
في حالةٍ ؟ أرأيتها في موضعِ؟
إني لذو نفسٍ تهيمُ وإنها
لجميلةٌ فوق الجمال الأبدعِ
ويزيدُ في شوقي إليها أنها
كالصوتِ لم يُسفر ولم يتقنع
فتشتُ جيب الفجرِ عنها الدجى
ومددتُ حتى للكواكبِ إصبعي
فاذا هما متحيرانِ كلاهما
في عاشقٍ متحيرٍ متضعضع
وإذا النجومُ لعلمها أو جهلها
مترجرجاتٌ في الفضاءِ الأوسعِ
رقصت أشعتُها على سطحِ الدجى
وعلى رجاءِ فيَّ غير مشعشعِ
***
والبحرُ ... كم سائلتهُ فتضاحكتْ
أمواجهُ من صوتي المنقطعِ
فرجعتُ مرتعش الخواطر و المنى
كحمامةٍ محمولةٍ في زعزعِ
وكأنَّ أشباح الدهورِ تألبتْ
في الشطَّ تضحكُ كلُّها من مرجعي
***
ولكم دخلتُ إلى القصور مفتشاً
عنها ، وعجتُ بدارسات الأربعِ
إن لاحَ طيفٌ قلتُ : ياعينُ انظري،
أو رنَّ صوتٌ قلتُ : يا اذن اسمعي
فإذا الذي في القصرِ مثلي حائرٌ
وإذا الذي في القفرِ مثلي لا يعي
***
قالوا : تورَّع ، إنها محجوبةٌ
إلا عن المتزهّد المتورَّعِ
فوأدتُ أفراحي وطلقتُ المنى
ونسختُ آيات الهوى من أضلعي
وحطمتُ أقداحي ولما أرتوِ
وغففتُ عن زادي ولما أشبعِ
وحستُني أدنو إليها مسرعاً
فوجدتث أني قد دنوتُ لمصرعي
ما كان أجهلَ نصحتي وأضلَّني
لما أطعمتهمُ ولم أتمنعِ
إني صرفتُ غن الطماعةِ والهوى
قلبي، ولا ظفرٌ لمن لم يطمعِ
فكأنني البستانُ جردَّ نفسهُ
من زهرهِ المتنّوع ِ المتضوعِ
ليحسَّ نور الشمسِ في ذارتهِ
ويقابلَ النسماتِ غير مقنع
فمشى عليه من الخريف سرادقٌ
كالليلِ خيّم في المكانِ البلقعِ
وكأنني العصفورُ عرىّ جسمهُ
من ريشهِ المتناسقِ المتلمعِ
ليخفَّ محملهُ ، فخرَّ إلى الثرى
وسطا عليهِ النملُ غير مروّعِ
***
وهجعتُ أحسب أنها بنت الروءى
فصحوتُِ أسخرُ بالنيامِ الهجّعِ
ليستْ حبوراً كلها دنيا الكرى
كم مؤلمٍ فيها بجانبِ مفزعِ
تخفي أمانَّي الفتى كهمومهِ
عنهُ ، وتحجبُ ذاتهُ في برقعِ
ولربما التبستْ حوادثُ يومهِ
بالغابر الماضي وبالمتوقَّعِ
يا حبذا شطط الخيال وإنما
تمحى مشاهدهُ كأن لم تُطبعِ
لما حلمتُ بها حلمتُ بزهرةٍ
لا تُجتنى ، وبنجمةٍ لم تطلعِ
ثم انتبهتُ فلم أجد في مخدعي
إلا ضلالي والفراش ومخدعي
من كان يشربُ من جداولِ وهمهِ
قطعَ الحياةَ بغلةٍ لم تُنقع
***
ذهب الربيعُ فلم تكن في الجدول الشادي
ولا الروضِ الأغنَّ الممرعِ
وأتى الشتاءُ فلمْ تكنْ في غيمهِ
الباكي ، ولا في رعدهِ المتفجعِ
ولمحتُ وامضةَ البروقِ فخلتها
فيها ، فلم تكُ في البروقِ اللمعِ
صفرتْ يدي منها وبي طيشُ الفتى
وأضلني عنها ذكاءُ الألمعي
حتى إذا نشرَ القنوطُ ضبابهُ
فوقي ، فغيبني وغيب موضعي
وتقطعتْ أمراسُ آمالي بها
وهي التي من قبل لم تتقطعِ
عصرَ الأسى روحي فسالتْ أدمعاً
فلمحتها ولمستها في أدمعي
وعلمتُ حين العلمُ لا يجدي الفتى
أنّ التي ضيعتّها كانت معي !

نــجــم
23-04-2011, 09:44 PM
الفتى الافضل

مضى زمنٌ كانَ فيهِ الفتى
يباهي بما قومهُ أثلوا
ويرفعهُ في عيونِ الأنامِ
ويخفضُ من قدرهِ المنزلُ
فلا تقعدنْ عن طلابِ العلى
وتعذلْ بلادكَ إذ تُعذلُ
فإنَّ الخلائقَ حتى عِداكَ
متى ما سبقتهمُ هلَّلوا
فثابرْ بجدَّ على نيلها
فليسَ يخيبُ الذي يعملُ
وكن رجلاً ناهضاً ينتمي
إلى نفسهِ عندما يُسألُ
فلستَ الثيابَ التي ترتدي
ولستَ الأسامي التي تحملُ
ولستَ البلادَ التي أنبتتكَ
ولكنَّما أنتَ ما تفعلُ
إذا كنتَ من وطنٍ خاملٍ
وفزتَ فأنتَ الفتى الأفضلُ

نــجــم
23-04-2011, 09:44 PM
الفيلسوف المجنح


يا أيها الشادي المغرد في الضحى
أهواك إن تنشد وإن لم تنشد
الفن فيك سجية لا صنعة
والحب عندك كالطبيعة سرمدي
فإذا سكت فأنت لحن طائر
وإذا نطقت فأنت غير مقلد
لله درك شاعراً لا ينتهي
من جيد إلا صبا للأجواد
مرح الأزهار في غنائك والشذى
وطلاقة الغدران والفجر الندي
وكأن وزرك فيه ألف كمنجة
وكأن صدرك فيه ألف مردد
كم زهرة في السفح خادرة المنى
سكنت على يأس سكون الجلمد
غنيتها ، فاستيقظت وترنحت
وتألقت كالكوكب المتوقد
وجرى الهوى فيها وشاع بشاشة
من لم يحب فإنه لم يولد
وكأنني بك حين تهتف قائل
للزهر : إن الحسن غير مخلد
فاستنفدي في الحب أيام الصبا
واسترشديه فهو أصدق مرشد
واستشهدي فيه، فمن سخر القضا
أن لا تذوقيه وأن تستشهدي!

يا فيلسوفاً قد تلاقى عنده
طرب الخلي وحرقه المتوجد
رفع الربيع لك الأرائك في الربى
وكسا حواشيها برود زبرجد
أنت المليك له الضياء مقاصر
وتعيش عيش الناسك المتزهد
مستوفزاً فوق الثرى، متنقلاً
في الدوح من غصن لغصن أملد
متزوداً من كل حسن لمحة
شأن المحب الثائر المتمرد
وإذا ظفرت بنفحة وبقطرة
فلقد ظفرت بروضة وبمرود
تشدو وتبهت حائراً متردداً
حتى كأنك حين تعطي تجتدي
وتمد صوتك في الفضا متلهفاً
في ذلة المسترحم المستنجد
فكأنما لك موطن ضيعته
خلف الكواكب في الزمان الأبعد
وطن جميل كنت فيه سيداً
فمضى ودام عليك هم السيد
طوردت عنه إلى الحضيض فلم تزل
متلفتاً كالخائف المتشرد
يبدو لعينك في العتيق خياله
وتراه في ورق الغصون الميد
صور معددة لغير حقيقة
كالآل لاح لمعطش في فدفد
فتهم أن تدنو إليه وتنثني
حتى كأنك خائف أن تهتدي
وكأنه حلم يصح مع الكرى
فإن انتهيت من الكرى يتبدد
كم ذا تفتش في السفوح وفي الذرى
عنقاء أقرب منه للمتصيد
***
يا أيها الشادي المغرد في الضحى
أهواك إن تنشد وإن لم تنشد
طوباك إنك لا تفكر في غد
بدء الكآبة أن تفكر في غد
إن كنت قد ضيعت إلفك إنني
أبكي على إلفي الذي لم يوجد

نــجــم
23-04-2011, 09:45 PM
الفراشة المحتضرة

لو كان غيرُ قلبي عند مرآك
لما أضافَ إلى بلواهُ بلواكِ
فيمَ ارتجاجكِ هل في الجوَّ زلزلةٌ
أم أنتِ هاربةٌ من وجهِ فتَّاكِ ؟
وكم تدروينَ حول البيتِ حائرةً
بنتَ الربى ليس مأوى الناسِ مأواكِ
قالوا فراشةُ حقلٍ لا غناءَ بها
ماافقر الناسَ في عيني وأغناكِ !
سيماءُ غاويةٍ ، أطوارُ شاعرةٍ ،
على زهادةِ عبادٍ ونسَّاكِ
طغراءُ مملكةٍ وشَّى حواشيها
من ذوَّب الشمس ألواناً ووشَّاكَ
رأيتُ أحلامَ أهل الحبَّ كلَّهمِ
لّما مثلتِ أمامي عندَ شبَّاكي
من نائمينَ على ذُلَّ ومتربةٍ
ومن تجارٍ وأشرافٍ وأملاكِ
وقصَّ شكواكِ قلبي قصةً عجباً
من قبلُ أن سمعتْ أذناي شكواكِ
أليسَ فيكِ من العُشاق حيرتهم ؟
فكيفَ لا يفهمُ العشَّاقُ نجواكِ ؟
***
حلمتُ أنَّ زمانَ الصّيفِ منصرمُ
ويلاهُ ! حققَّتِ الأيامُ رؤياكِ
فقد نعاهُ إليكِ الفجرُ مرتعشاً
وليسَ منعاهُ إلاَّ بعضَ منعاكِ
فالزهرُ في الحقلِ أشلاءُ مبعثرةٌ
والطيرُ ؟... لا طائرٌ إلاَّ جناحاكِ
مدّ النهارُ إليهِ كفَّ مختلسٍ
وفتَّحَ الليلُ فيهِ عين سفَّاكِ
شاءَ القضاءُ بأن يشقى فجردَّهُ
من الحليّ وأنْ تشقي فأبقاكِ
لم يبقَ غيرُكِ شيءُ من محاسنهِ
ولا من العابدينَ الحسنَ إلاَّكِ
تزوَّد الناسُ منه الأنسَ وانصرفوا
وما تزوَّدَ إلاَّ اليأسَ جفناكِ
*
ياروضةً في سماءِ الروضِ طائرةً
وطائراً كالأقاحي ذا شذًى ذاكِ
مضى مع الصيفِ عهدٌ كنتُ لاهية
على بساطٍ من الأحلامِ ضحَّاكِ
تمسينَ عند مجاري الماءِ نائمةً
وللأزاهرِ والأعشابِ مغداكِ
فكلّما سمعتْ أذناكِ ساقيةً
حثثتِ للسفحِ من شوقٍ مطاياكِ
وكلما نورَّتْ في السفحِ زنبقةٌ
صفقتِ من طربٍ واهتزَّ عطفاكِ
فما رشفتِ سوى عطرٍ ولا انفتحتْ
إلا على الحسنِ المحبوبِ عيناكِ
وكم لثمتِ شفاهَ الوردِ هائمةً
وكم مسحتِ دموعَ النرجسِ الباكي
وكم ترجّحتِ في مهدِ الضياءِ على
توقيعِ لحن الصبا أو رجعهِ الحاكي
*
وكم ركضت فأغريتِ الصغارَ ضُحى
بالركضِ في الحقلِ ملهاهمْ وملهاكِ
منُّوا بأسرهمِ إياكِ أنفسهمْ
فأصبحوا بتمنيهم أساراك
جروا قُصاراهمُ حتى إذا تعبوا
وقفتِ ساخرةً منهمْ قُصاراك
لولا جناحاكِ لم تسلمْ طريدتُهُمْ ،
قد نجياكِ ، ولكن أين منجاك ؟
ها أنتِ كالحقلِ في نزعٍ وحشرجةٍ
وهتْ قواك كما استرخى جناحاك
أصبحتِ للبؤس في مغناكِ تائهةً
كأنهُ لم يكُنْ بالأمسِ مغناكِ
*
فراشة الحقلِ ... في روحي كآبتهُ
مما عراهُ ومما قد تولاَّكِ
أحببتُهُ وهو دارٌ تلعبينَ بها
وسوف تهواهُ نفسي وهو مثواكِ
قد باتَ قلبيَ في دنيا مشوَّشةٍ
منذُ التفتُّ إلى آثارِ دنياكِ
لا يستقرُّ بها إلاَّ على وجلٍ
كالطيرِ بين أحابيلٍ وأشراكِ
*
خلتْ أرائكُ كانتْ أمسِ آهلةً
غناءَ ، فاليومُ لا شادٍ ولا شاكِ
أرضٌ خلاءٌ وجوُّ غيرُ ذي ألقٍ
بلى ، هناكَ ضبابٌ فوقَ أشواكِ
فيا رياحَ الخريفِ العاتياتِ كفى
عصفاً فقد كُثرتْ في الأرض قتلاكِ
كيف اعتذارُكِ إن قالَ الآلهُ غداً :
هل الفراشةُ كانتْ من ضحاياكِ ؟
يا نغمةً تتلاشى كلَّما بعُدتْ
إن غبتِ عن مسمعي ما غابَ معناكِ
ما أقدرَ الله أن يُحييك ثانيةً
مع الربيعِ كما من قبلُ سوّاكِ
فيرجعُ الحقلُ يزهو في غلائلهِ
وترجِعينَ وأغشاهُ فألقاكِ !

نــجــم
23-04-2011, 09:46 PM
الفقير


هم ألم به مع الظلمـــاء
فنأى بمقلته عن الاغفاء
نفس أقام الحزن بين ضلوعه
والحزن نار غير ذات ضياء
يرعى نجوم الليل ليس به هوى
ويخالـه كلفاً بهـن الرائي
في قلبه نار ( الخليل ) وإنما
في وجنتيه أدمع (الخنساء)
قد عضه اليأس الشديد بنابه
في نفسه والجوع في الأحشاء
يبكي بكاء الطفل فارق أمه
ما حيلة المحزون غير بكاء
فأقام حلس الدار وهـو كأنه
- لخلو تلك الدار - فـي بيداء
حيران لا يدري أيقتل نفسه
عمداً فيخلص من أذى الدنياء
أم يستمرعلى الغضاضة والقذى
والعيش لا يحلو مع الضراء
طرد الكرى وأقام يشكو ليله
يا ليل طلت وطال فيك عنائي
يا ليل قد أغريت جسمي بالضنا
حتى ليؤلم فقـــده أعضائي
ورميتني يا ليـل بالهـم الذي
يفري الحشا، والهم أعسر داء
يا ليل ما لك لا ترق لحالتي
أتراك والأيام من أعدائي ؟
يا ليل حسبي مالقيت من الشقا
رحماك لست بصخرة صماء
بن يا ظلام عن العيون فربما
طلع الصباح وكان فيه عزائي
وا رحمتا للبائسين فأنهم
موتى وتحسبهم من الأحياء
إني وجدت حظوظهم مسودة
فكأنما قدت من الظلماء
ابداً يسر بنو الزمان وما لهم
حظ كغيرهم من السراء
ما في أكفهم من الدنيا سوى
ان يكثروا الأحلام بالنعماء
ندنو بهم آمالهم نحو الهنا
هيهات يدنو بالخيال النائي
بطر الأنام من السرور وعندهم
ان السرور مرادف العنقاء
إني لأحزن أن تكون نفوسهم
غرض الخطوب وعرضة الارزاء
أنا ما وقفت لكي اشبب بالطلا
ما لي وبالتشبيب بالصهباء؟
لا تسألوني المدح أو وصف الدمى
إني نبذت سفاسف الشعراء
باعوا لأجل المال ماء حياتهم
مدحاً وبت أصون ماء حياتي
لم يفهموا ما الشعر ، إلا أنه
قد بات واسطة إلى الاثراء
فلذاك ما لقيت غير مشبب
بالغانيات وطالب لعطاء
ضاقت به الدنيا الرحيبة فانثنى
بالشعر يستجدي بني حواء
شقي القريض بهم وما سعدوا به
لولاهم اضحى من السعداء
نادوا علينا بالمحبة والهوى
وصدورهم طبعت على البغضاء
ألفو الرياء فصار من عاداتهم
لعن المهيمن شخص كل مرائي!
إن يغضبوا مما أقول فطالما
كره الأديب جماعة الغوغاء
أو ينكروا أدبي فلا تتعجبوا
فالرمد يؤلمهم طلوع ذكاء
أو كلما نصر الحقيقة فاضل
قامت عليه قيامة السفهاء
أنا ما وقفت اليوم فيكم موقفي
إلا لأندب حالة التعساء
علي أحرض بالقلوب قلوبكم
ان القلوب مواطن الاهواء
لهفي على المحتاج بين ربوعكم
يمسي ويصبح وهو قيد شقاء
امسى سوى ليله وصباحه
شتان بين الصبح والامساء
قطع القنوط عليه خيط رجائه
والمرء لا يحيا بغير رجاء
لهفي! ولو أجدى التعيس تلهفي
لسفكت دمعي عنده ودمائي
قل للغني المستعز بماله
مهلاً لقد اسرفت في الخيلاء
جبل الفقير أخوك من طين ومن
ماء ، ومن طين جبلت وماء
فمن القساوة ان تكون منعماً
ويكون رهن مصائب وبلاء
وتظل ترفل بالحرير أمامه
في حين قد أمسى بغير كساء
اتضن بالدينار في اسعافه
وتجود بالآلاف في الفحشاء
انصر أخاك فإن فعلت كفيته
ذل السؤال ومنة البخلاء
أذوي اليسار وما اليسار بنافع
إن لم يكن أهلوه أهل سخاء
كم ذا الجحود ومالكم رهن البلا
وبم الغرور وكلكم لفناء؟
ان الضعيف بحاجة لنضاركم
لا تقعدوا عن نصرة الضعفاء
انا لا اذكر منكم أهل الندى
ليس الصحيح بحاجة لدواء
ان كانت الفقراء لا تجزيكم
فالله يجزيكم عن الفقراء

نــجــم
23-04-2011, 09:46 PM
الناسكة

أبصرت في الحقل قبيل المغيب
سنبلة في سفح ذاك الكثيب
حانية مطرقة الرأس
كأنما تسجد الشمس
أو أنها تتلو صلاة الماء
***
فملت عن راهبة الحقل
وسرت لا ألوي على أظلي
ألتقط الحب وأذريه
وتارة في النار ألقيه
مستخرجاً منه لجسمي غذاء
***
قد غابت الشمس وراء القمم
وسكت الطير الذي لم ينم
لكن ناري لم تزل ترعج
ولم أزل آكل ما تنضج
يا حبذا النار ونعم الشواء
***
وإنني في مرحي والدد
إذ صاح بي صوت بلا موعد
ما الحب ، يا هذا ، ولا السنبل
ما تأكل النار وما تأكل
وإنما أسلافك الاصفياء
***
لا بشر ، لا طائر مائل
يا عجبا ! نطق ولا قائل
من اين جاء الصوت؟ لا أدري لكنما ناسكة البر
قد رفعت هامتها للعلاء

نــجــم
23-04-2011, 09:46 PM
الطلاسم


جئت ، لا أعلم من أين ، ولكني أتيت
ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت
وسأبقى ماشياً إن شئت هذا أم أبيت
كيف جئت ؟ كيف أبصرت طريقي ؟
لست أدري !
*
أجديد أم قديم أنا في هذا الوجود
هل أنا حر طليق أم أسير في قيود
هل أنا قائد نفسي في حياتي أم مقود
أتمنى أنني أدري ولكن ...
لست أدري !
*
وطريقي ، ما طريقي ؟ أطويل أم قصير
هل أن أصعد أم أهبط فيه وأغور
أأنا السائر في الدرب أم الدرب يسير
أم كلانا واقف والدهر يجري ؟
لست أدري !
*
ليت شعري وأنا في عالم الغيب الأمين
أتراني كنت أدري أنني فيه دفين
وبأني سوف أبدو وبأني سأكون
أم تراني كنت لا أدرك شيئاً ؟
لست أدري !
*
أتراني قبلما أصبحت إنساناً سويا
أتراني كنت محواً أم تراني كنت شيا
ألهذا اللغز حل أم سيبقى أبديا
لست أدري .. ولماذا لست أدري؟
لست أدري !
*
البحر :
قد سألت البحر يوماً هل أنا يا بحر منكا؟
هل صحيح ما رواه بعضهم عني وعنكا؟
أم ترى ما زعموا زوراً وبهتاناً وإفكا؟
ضحكت أمواجه مني وقالت :
لست أدري !
*
أيها البحر ، أتدري كم مضت ألف عليكا
وهل الشاطئ يدري أنه جاث لديكا
وهل الأنهار تدري أنها منك إليكا
ما الذي الأمواج قالت حين ثارت ؟
لست أدري !
*
أنت يا بحر أسير آه ما أعظم أسرك
أنت مثلي أيها الجبار لا تملك أمرك
أشبهت حالك حالي وحكى عذري عذرك
فمتى أنجو من الأسر وتنجو ؟ ..
لست أدري !
*
ترسل السحب فتسقي أرضنا والشجرا
قد أكلناك وقلنا قد أكلنا الثمرا
وشربناك وقلنا قد شربنا المطرا
أصواب ما زعمنا أم ضلال ؟
لست أدري !
*
قد سألت السحب في الآفاق هل تذكر رملك
وسألت الشجر المورق هل يعرف فضلك
وسألت الدر في الأعناق هل تذكر إصلك
وكأني خلتها قالت جميعاً :
لست أدري !
*
يرقص الموج وفي قاعك حرب لن تزولا
تخلق الأسماك لكن تخلق الحوت الأكولا
قد جمعت الموت في صدرك والعيش الجميلا
ليت شعري أنت مهد ام ضريح ؟ ..
لست أدري !
*
كم فتاة مثل ليل وفتى كابن الملوح
أنفقا الساعات في الشاطئ، تشكو وهو يشرح
كلما حدث أصغت وإذا قالت ترنح
أحفيف الموج سر ضيعاه ؟ ..
لست أدري !
*
كم ملوك ضربوا حولك في الليل القبابا
طلع الصبح ولكن لم نجد إلا الضبابا
ألهم يا بحر يوماً رجعة أم لا مآبا
أم هم في الرمل ؟ قال الرمل إني ..
لست أدري !
*
فيك مثلي أيها الجبار أصداف ورمل
إنما أنت بلا ظل ولي في الأرض ظل
إنما أنت بلا عقل ولي ، يا بحر ، عقل
فلماذا ، يا ترى، أمضي وتبقى ؟ ..
لست أدري !
*
يا كتاب الدهر قل لي أله قبل وبعد
أنا كالزورق فيه وهو بحر لا يحد
ليس لي قصد فهل للدهر في سيري قصد
حبذا العلم ، ولكن كيف أدري ؟ ..
لست أدري !
*
إن في صدري ، يا بحر ، لأسراراً عجابا
نزل الستر عليها وأنا كنت الحجابا
ولذا ازداد بعداً كلما ازدادت اقترابا
وأراني كلما أوشكت أدري ..
لست أدري !
*
إنني ، يا بحر ، بحر شاطئاه شاطئاكما
الغد المجهول والأمس اللذان اكتنفاكا
وكلانا قطرة، يا بحر، في هذا وذاك
لا تسلني ما غد ، ما أمس ؟ .. إني ..
لست أدري !
*

الدير:
قيل لي في الدير قوم أدركوا سر الحياة
غير أني لم أجد غير عقول آسنات
وقلوب بليت فيها المنى فهي رفات
ما انا أعمى فهل غيري أعمى ؟ ..
لست أدري !
*
قيل أدري الناس بالأسرار سكان الصوامع
قلت إن صح الذي قالوا فإن السر شائع
عجباً كيف ترى الشمس عيون في البراقع
والتي لم تتبرقع لا تراها ؟ ..
لست أدري !
*
إن تك العزلة نسكاً وتقى فالذئب راهب
وعرين الليث دير حبه فرض وواجب
ليت شعري أيميت النسك أم يحيي المواهب
كيف يمحو النسك إنما وهو إثم ؟ ..
لست أدري !
إنني أبصرت في الدير وروداً في سياج
قنعت بعد الندى الطاهر بالماء الأجاج
حولها النور الذي يحيي ، وترضى بالدياجي
أمن المحكمة قتل القلب صبرا ؟ ..
لست أدري !
*
قد دخلت الدير عند الفجر كالفجر الطروب
وتركت الدير عند الليل كالليل الغضوب
كان في نفسي كرب ، صار في نفسي كروب
أمن الدير أم الليل اكتئابي؟
لست أدري !
*
قد دخلت الدير أستنطق فيه الناسكينا
فإذا القوم من الحيرة مثلي باهتونا
غلب اليأس عليهم ، فهم مستسلمونا
وإذا الباب مكتوب عليه ..
لست أدري !
*
عجباً للناسك القانت وهو اللوذعي
هجر الناس وفيهم كل حسن المبدع
وغدا يبحث عنه في المكان البلقع
أرأى في القفز ماء أم سرابا ؟ ..
لست أدري !
*
كم تمارى ، أيها الناسك ، في الحق الصريح
لو أراد الله أن لا تعشق الشيء المليح
كان إذ سواك سواك بلا عقل وروح
فالذي نفعل إثم .. قال إني ..
لست أدري !
*
أيها الهارب إن العار في هذا الفرار
لا صلاح في الذي تفعل حتى للقفار
أنت جان أي جان ، قاتل في غير ثار
أفيرضى الله عن هذا ويعفو ؟ ..
لست أدري !
*
بين المقابر :
ولقد قلت لنفسي ، وأنا بين المقابر
هل رأيت الأمن والراحة إلا في الحفائر؟
فأشارت : فإذا للدود عيث في المحاجر
ثم قالت : أيها السائل إني ..
لست أدري !
*
أنظري كيف تساوى الكل في هذا المكان
وتلاشى في بقايا العبد رب الصولجان
والتقى العاشق والقالي فما يفترقان
أفهذا منتهى العدل ؟ فقالت ...
لست أدري !
*
إن يك الموت قصاصاً ، أي ذنب للطهاره
وإذا كان ثواباً ، أي فضل للدعاره
وإذا كان وما فيه جزاء أو خساره
فلم الأسماء إثم أو صلاح ؟ ..
لست أدري !
أيها القبر تكلم ، واخبريني يا رمام
هل طوى أحلامك الموت وهل مات الغرام
من هو المائت من عام ومن مليون عام
أيصير الوقت في الأرماس محواً ؟ ..
لست أدري !
*
إن يك الموت رقاداً بعده صحو طويل
فلماذا ليس يبقى صحونا هذا الجميل ؟
ولماذا المرء لا يدري متى وقت الرحيل ؟
ومتى ينكشف السر فيدري ؟..
لست أدري !
*
إن يك الموت هجوعاً يملأ النفس سلاما
وانعتاقاً لا اعتقالاً وابتداء لا ختاما
فلماذا أعشق النوم ولا أهوى الحماما
ولماذا تجزع الأرواح منه ؟...
لست أدري !
*
أوراء القبر بعد الموت بعث ونشور
فحياة فخلود أم فناء ودثور
أكلام الناس صدق أم كلام الناس زور
أصحيح أن بعض الناس يدري ؟..
لست أدري !
*
إن أكن أبعث بعد الموت جثماناً وعقلاً
أترى أبعث بعضاً أم أبعث كلاً
أترى أبعث طفلاً أم ترى أبعث كهلا
ثم هل أعرف بعد الموت ذاتي ؟ ..
لست أدري !
*
يا صديقي ، لا تعللني بمتزيق الستور
بعدما أقضي فعقلي لا يبالي بالقشور
إن أكن في حالة الإدراك لا أدري مصيري
كيف أدري بعدما أفقد رشدي ..
لست أدري !
*
القصر والكوخ :
ولقد أبصرت قصراً شاهقاً عالي القباب
قلت ما شادك من شادك إلا للخراب
أنت جزء منه لكن لست تدري كيف غاب
وهو لا يعلم ما تحوي، أيدري؟..
لست أدري !
*
يا مثالا كان وهماً قبلما شاء البناة
أنت فكر من دماغ غيبته الظلمات
أنت أمنية قلب أكلته الحشرات
أنت بانيك الذي شادك لا .. لا ..
لست أدري !
*
كم قصور خالها الباني ستبقى وتدوم
ثابتات كالرواسي خالدات كالنجوم
سحب الدهر عليها ذيله فهي رسوم
ما لنا وما نبني لهدم ؟ ..
لست أدري !
كم أجد في القصر شيئاً ليس في الكوخ المهين
أنا في هذا وهذا عبد شك ويقين
وسجين الخالدين الليل والصبح المبين
هل أنا في القصر أم في الكوخ أرقى ؟
لست أدري !
*
ليس في الكوخ ولا في القصر من نفسي مهرب
إنني أرجو وأخشى ، إنني أرضى وأغضب
كان ثوبي من حرير مذهب أم كان قنب
فلماذا يتمنى الثوب عاري ؟...
لست أدري !
*
سائل الفجر : أعند الفجر طين ورخام ؟
واسأل القصر ألا يخيفه ، كالكوخ ، الظلام
واسأل الأنجم والريح وسل صوب الغمام
أترى الشيء كما نحن نواه ؟...
لست أدري !
*
الفكر :
رب فكر لاح في لوحة نفسي وتجلى
خلته مني ولكن لم يقم حتى تولى
مثل طيف لاح في بئر قليلاً واضمحلا
كيف وافى ولماذا فر مني ؟
لست أدري !
*
أتراه سابحاً في الأرض من نفس لأخرى
رابه مني أمر فأبى أن يستقرا
أم تراه مر في نفسي كما أعبر جسرا
هل رأته قبل نفسي غير نفسي ؟
لست أدري !
*
أم تراه برقاً أومض حيناً وتوارى
أم تراه كان مثل الطير في سجن فطارا
أم تراه انحل كالموجة في نفسي وغارا
فأنا ابحث عنه وهو فيها ،
لست أدري !
صراع وعراك :
إنني أشهد في نفسي صراعاً وعراكا
وأرى ذاتي شيطاناً وأحياناً ملاكا
هل أنا شخصان يأبى هذا مع ذاك اشتراكا
ام تراني واهماً فيما أراه ؟
لست أدري !
*
بينما قلبي يحكي في الضحى إحدى الخمائل
فيه أزهار وأطيار تغني وجداول
أقبل العصر فأمسى موحشاً كالقفر قاحل
كيف صار القلب روضاً ثم قفراً ؟
لست أدري !
*
أين ضحكي وبكائي وأنا طفل صغير
أين جهلي ومراحي وأنا غض غرير
أين أحلامي وكانت كيفما سرت تسير
كلها ضاعت ولكن كيف ضاعت ؟
لست أدري !
لي إيمان ولكن لا كأيماني ونسكي
إنني أبكي ولكن لا كما قد كنت أبكي
وأنا أضحك أحياناً ولكن أي ضحك
ليت شعري ما الذي بدل أمري ؟
لست أدري !
*
كل يوم لي شأن ، كل حين لي شعور
هل أنا اليوم أنا منذ ليال وشهور
أم أنا عند غروب الشمس غيري في البكور
كلما ساءلت نفسي جاوبتني :
لست أدري !
*
رب أمر كنت لما كان عندي أتقيه
بت لما غاب عني وتوارى أشتهيه
ما الذي حببه عندي وما بغضنيه
أأنا الشخص الذي أعرض عنه ؟
لست أدري !
*
رب شخص عشت معه زمناً ألهو وأمرح
أو مكان مر دهر وهو لي مسرى ومسرح
لاح لي في البعد أجلى منه في القرب وأوضح
كيف يبقى رسم شيء قد توارى ؟
لست أدري !
*
رب بستان قضيت العمر أحمي شجره
ومنعت الناس أن تقطف منه زهره
جاءت الأطيار في الفجر فناشت ثمره
ألأطيار السما البستان أم لي ؟
لست أدري !
*
رب قبح عند زيد هو حسن عند بكر
فهما ضدان فيه وهو وهم عند عمرو
فمن الصادق فيما يدعيه ، ليت شعري
ولماذا ليس للحسن قياس ؟
لست أدري !
*
قد رأيت الحسن ينسى مثلما تنسى العيوب
وطلوع الشمس يرجى مثلما يرجى الغروب
ورأيت الشر مثل الخير يمضي ويؤوب
فلماذا أحسب الشر دخيلا ؟
لست أدري !
*
إن هذا الغيث يهمي حين يهمي مكرها
وزهور الأرض تفشي مجبرات عطرها
لا تطيق الأرض تخفي شوكها أو زهرها
لا تسل : أيهما أشهى وأبهى ؟
لست أدري !
*
قد يصير الشوك إكليلاً لملك أو نبي
ويصير الورد في عروة لص أو بغي
أيغار الشوك في الحقل من الزهر الجني
أم ترى يحسبه أحقر منه ؟
لست أدري !
*
قد يقيني الخطر الشوك الذي يخرج كفي
ويكون السم في العطر الذي يملأ أنفي
إنما الورد هو الأفضل في شرعي وعرفي
وهو شرع كله ظلم ولكن ..
لست أدري !
*
قد رأيت الشهب لا تدري لماذا تشرق
ورأيت السحب لا تدري لماذا تغدق
ورأيت الغاب لا تدري لماذا تورق
فلماذا كلها في الجهل مثلي ؟
لست أدري !
*
كلما أيقنت أني قد أمطت الستر عني
وبلغت السر سري ضحكت نفسي مني
قد وجدت اليأس والحيرة لكن لم أجدني
فهل الجهل نعيم أم جحيم ؟
لست أدري !
*
لذة عندي تغريد البلابل
وحفيف الورق الأخضر أو همس الجداول
وأرى الأنجم في الظلماء تبدو كالمشاعل
أترى منها أم اللذة مني ..
لست أدري !
*
أتراني كنت يوماً نغماً في وتر
أم تراني كنت قبلاً موجة في نهر
أم تراني كنت في إحدى النجوم الزهر
أم أريجاً ، أم حفيفاً ، أم نسيماً ؟
لست أدري !
*
في مثل البحر أصداف ورمل ولآل
في الأرض مروج وسفوح وجبال
في كالجو نجوم وغيوم وظلال
هل أنا بحر وارض وسماء ؟
لست أدري !
*
من شرابي الشهد والخمرة والماء الزلال
من طعامي البقل والأثمار واللحم الحلال
كم كيان قد تلاشى في كياني واستحال
كم كيان فيه شيء من كياني ؟
لست أدري !
*
أأنا أفصح من عصفورة الوادي وأعذب ؟
ومن الزهرة أشهى ؟ وشذى الزهرة أطيب ؟
ومن الحية أدهى ؟ ومن النملة أغرب ؟
أم أنا أوضع من هذي وأدنى ؟
لست أدري !
*
كلها مثلي تحيا ، كلها مثلي تموت
ولها مثلي شراب ، ولها مثلي قوت
وانتباه ورقاد ، وحديث وسكوت
فبما أمتاز عنها ليت شعري ؟
لست أدري !
*
قد رأيت النمل يسعى مثلما أسعى لرزقي
وله في العيش أوطار وحق مثل حقي
قد تساوى صمته في نظر الدهر ونطقي
فكلانا صائر يوماً إلى ما ..
لست أدري !
*
أنا كالصهباء ، لكن أنا صهبائي ودني
ويراح الختم عنها مثلما ينشق عني
وهي لا تفقه معناها ، وإني ..
لست أدري !
*
غلط القائل إن الخمر بنت الخابيه
فهي قبل الزق كانت في عروق الداليه
وحواها قبل رحم الكرم رحم الغاديه
إنما من قبل هذا أين كانت ؟
لست أدري !
*
هي في رأسي فكر، وهي في عيني نور
وهي في صدري آمال ، وفي قلبي شعور
وهي في جسمي دم يسري فيه ويمور
إنما من قبل هذا كيف كانت ؟
لست أدري !
*
أنا لا أذكر شيئاً من حياتي الماضيه
أنا لا أعرف شيئاً من حياتي اللآتيه
لي ذات غير أني لست أدري ماهيه
فمتى تعرف ذاتي كنه ذاتي ؟
لست أدري !
*
إنني جئت وأمضي وأنا لا أعلم
أنا لغز .. وذهابي كمجيئي طلسم
والذي أوجد هذا اللغز لغز مبهم
لا تجادل ذا الحجا من قال إني ..
لست أدري !

نــجــم
23-04-2011, 09:46 PM
الطيران

لو رأى (( آدم )) فتاه لزال الحقد من قلبه على حواء
صير الأرض جنة دونها الجنة في الحسن والبها والرواء
ما أظن النعيم فيه الذي في الـــأرض من بهجة ومن لألاء
كا ما في الوجود للمرء عبد
وهو عبد الشهوات والأهواء
كائن كل كائن حار فيه
فهو حلو مر ودان ناء
وهو طوراً يكون نصف إله
وهو طوراً أدنى من العجماء
عجباً كيف طاعة الطين والما
ء وما كان غير طين وماء؟
ساد في الكون مثلما ساد فيه
خالق الكون مبدع الأشياء
فهو في الماء سابح وعلى الغبراء ماش وطائر في الفضاء
اتخذ الجو ملعباً ثم أمسى
راكضاً في الهواء ركض الهواء
فهو فوق السحاب يحكيه في مسراه لكنه أخو خيلاء
وهو بين الطيور تحسبه العنقاء لولا استحالة العنقاء
أبصرته فاكبرت أن ترى في الجو صيادها على الغبراء
فاستوى في قلوبها الذعر حتى
كاد يحكي البلاء خوف البلاء
وتناجت تبغي النجاة فراراً
أين أين المفر من ذا القضاء
ويح هذي الطيور تجنى على المو
تى وترجو سلماً من الأحياء
إهبطي أو فحلقي أو فسيري
إنما المنتهى إلى الأرزاء!

...
وهو بين النجوم يسترق السمع ولا يتقي رجوم السماء
مشهد روع الدراري فباتت
حائرات في القبة الزرقاء
نافرات كأنها ظبيات
رأت القانصين في البيداء
سائلات إذا رسول سلام
من بني الأرض أن نذير فناء؟
هالها أن ترى من الإنس قوماً
يتهادون مثلها في الفضاء
فرأيت الجوزاء تشكو الثريا
والثريا تشكو إلى الجوزاء
لا تراعي يا شهب منا فإنا
ما حملنا إليك غير الولاء
قد كرهنا المقام في الأرض لما
قيل إن السما مقر الهناء
إنما شوقنا إليك الذي أسرى بنا لا الهيام في الإسراء
فصلينا نزداد غراماً ووجداً
غير مستحسن كثير الإباء
نحن يا شهب في حماك ضيوف
وجميل رعاية الغرباء
أكرمي ذلك المحلق فوق السحب يثني عليك خير ثناء
وأنيري طريقه إن دجا الليل ودبت عقارب الظلماء
صاغك الله شعلة من ضياء
وبرا المرء شعلة من ذكاء
اتخذيه أخاً يكن لك عوناً
كل نفس محتاجة للإخاء
لا تفاخر بالواخدات ولا بالخيل من أدهم ومن شهباء
هان عصر النياق والراكبيها
عند عصر البخار والكهرباء !

نــجــم
23-04-2011, 09:47 PM
الطين


نسي الطين ساعة أنه طين
حقير فصال تيهاً وعربد
وكسى الخز جسمه فتباهى،
وحوى المال كيسه فتمرد
يا أخي لا تمل بوجهك عني،
ما أنا فحمة ولا أنت فرقد
أنت لم تصنع الحرير الذي تلبس والؤلؤ الذي تتقلد
أنت لا تأكل النضار إذا جعت ولا تشرب الجمان المنضد
أنت في البردة الموشاة مثلي
في كسائي الرديم تشقى وتسعد
لك في عالم النهار أماني ،
وروءى والظلام فوقك ممتد
ولقبي كما لقلبك أحلا
م حسان فإنه غير جلمد
...
أأماني كلها من تراب
وأمانيك كلها من عسجد ؟
وأماني كلها للتلاشي
وأمانيك للخلود المؤكد ! ؟
لا. فهذي وتلك تأتي وتمضي
كذويها. وأي شيء يؤبد ؟
أيها المزدهي ، إذا مسك السقم ألا تشتكي ؟ ألا تتنهد ؟
وإذا راعك الحبيب بهجر
ودعتك الذكرى ألا تتوجد؟
أنت مثلي يبش وجهك للنعمى
وفي حالة المصيبة يكمد
أدموعي خل ودمعك شهد؟
وبكائي ذل ونوحك سودد ؟
وابتسامي السراب لا ري فيه ؟
وابتساماتك اللآي الخرد ؟
فلك واحد يظل كلينا
حار طرفي به وطرفك أرمد
قمر واحد يطل علينا
وعلى الكوخ والبناء الموطد
إن يكن مشرقاً لعينيك إني
لا أراه من كوة الكوخ أسود
ألنجوم التي تراها أراها
حين تخفى وعندما تتوقد
لست أدنى على غناك إليها
وأنا مع خصاصتي لست أبعد
...
أنت مثلي من الثرى وإليه
فلماذا ، يا صاحبي ، التيه والصد
كنت طفلاً إذ كنت طفلاً وتغدو
حين أغدو شيخاً كبيراً أدرد
لست أدري من أين جئت ، ولا ما
كنت ، أو ما أكون ، يا صاح ، في غد
أفتدري ؟ إذن فخبر وإلا
فلماذا تظن أنك أوحد ؟
الك القصر دونه الحرس الشا
كي ومن حوله الجدار المشيد
فامنع الليل أن يمد رواقاً
فوقه، والضباب أن يتلبد
وانظر النور كيف يدخل لا يطلب أذناً ، فما له ليس يطرد ؟
مرقد واحد نصيبك منه
أفتدري كم فيك للذر مرقد ؟
ذدتني عنه، والعواصف تعدو
في طلابي ، والجو أقتم أربد
بينما الكلب واجد تضحك مني
وطعاماً ، والهر كالكلب يرقد
فسمعت الحياة تضحك مني
أترجى ، ومنك تأبى وتجحد
...
ألك الروضة الجميلة فيها
الماء والطير والأزاهر والند ؟
فازجر الريح أن تهز وتلوي
شجر الروض - إنه يتأود
والجم الماء في الغدير ومره
لا يصفق إلا وأنت بمشهد
إن طير الأراك ليس يبالي
أنت أصغيت أم أنا إن غرد
والأزاهير ليس تسخر من فقري ، ولا فيك للغنى تتودد
...
ألك النهر؟ إنه للنسيم
الرطب درب وللعصافير مورد
وهو للشهب تستحم به في الصيف ليلاً كأنها تتبرد
تدعيه ، فهل بأمرك يجري
في عروق الأشجار أو يتجعد
كان من قبل أن تجيء ، وتمضي
وهو باق في الأرض للجزر والمد
...
ألك الحقل ؟ هذه النحل تجني
الشهد من زهره ولا تتردد
وأرى للنمال ملكاً كبيراً
قد بنته بالكدح فيه وبالكد
أنت في شرعها دخيل على الحقل ولص جنى عليها فأفسد
لو ملكت الحقول في الأرض طراً
لم تكن من فراشة الحقل أسعد
أجميل ؟ ما أنت أبهى من الور
دة ذات الشذى ولا أنت أجود
أم عزيز ؟ وللبعوضة من خديك قوت ، وفي يديك المهند
أم غني ؟ هيهات تختال لولا
دودة القز بالحباء المبجد
أم قوي ؟ إذن مر النوم إذ يغشاك والليل عن جفونك يرتد
وامنع الشيب أن يلم بفوديك ومر تلبث النضارة في الخد
أعليم ؟ فما الخيال الذي يطرق ليلاً ؟ في أي دنيا يولد ؟
ما الحياة التي تبين وتخفى ؟
ما الزمان الذي يذم ويحمد ؟
أيها الطين لست أنقى وأسمى
من تراب تدوس أو تتوسد
سدت أو لم تسد فما أنت إلا
حيوان مسير مستعبد
إن قصراً سمكته سوف يندك ،
وثوباً حبكته سوف ينقد
لا يكن للخصام قلبك مأوى
إن قلبي للحب أصبح معبد
أنا أولى بالحب منك وأحرى
من كساء يبلى ومال ينفد

نــجــم
23-04-2011, 09:47 PM
الكأس الباقي

أيّها الشاعر الذي كان يشدو
بين ضاحٍ من الجمال وضاحك
جللٌ أن يصيدك القدر الأعمـ
ـى ويمشي مقصّه في جناحك
موكب الشعر تائه في فضاء
ليس فيه سوى حطيم سلاحك
والبساتين، والبلابل فيها
تتغنى، حزينة ٌ لرواحك
قنعت بالنواح منك فلمّا
زال عاشت بذكريات نواحك
والدجى، والنجوم تسطع فيه،
واجمٌ حسرة ً على مصباحك
تلمس العين أينما لمسته
جمرات التياحنا والتياحك
قد تولّت جلالة السحر عنه
واضمحلّت مذ صار غير وشاحك

* * *

هبطت ربّةُ الحياة لكي تسـ
ـكب خمر الجمال في أقداحك
فإذا أنت فلي السرير مسجّى
صامتٌ كالطيوف في ألواحك
فتولـَّت مذعورة تلطم الوجـ
ـه وتبكيك، يا قتيل سماحك!
سبقتها إلأهة الموت كي تحـ
ـظى ولو باليسير من أفراحك
ويحها! ويح حبِّها من أثيم ٍ
طردتنا ولم تقم في ساحك
أيبست روضك الجميل، ولم تظـ
ـفر بغير التّراب من أدواحك
ذهب الموت بالكؤوس جميعاً
غير كأس ملأتها من جراحك

نــجــم
23-04-2011, 09:47 PM
الكأسان

كانَ على خوانِ ربَّ المالِ
كأسانِ : منْ خمرٍ ومِن زلالِ
هاتيكَ في الحُمرةِ مثلُ العندمِ
وتلكَ في بياضها كالدَّرهم
فقالتِ السلاقةُ الثرثارهْ
عِندي حديثٌ فاسمعي يا جاره
أنا التي تخضعُ لي الرُّؤوسُ
أنا التي يعبُدُني المجوسُ
كم قائدٍ أضحكتُ منهُ جندهْ
وسيدٍ حكمتُ فيه عبده !
وملكٍ أسقطتُ عنهُ التاجا
وساكنٍ هيجتهُ فهاجا
وزوجةٍ علمتها الخيانه
ووالدٍ أنسيتهُ المانهْ
وحدثِ خدعتهُ فانخدعا
حتَّى إذا ما شبَّ عضَّ الأصبعا
إنَّ الغنى والصيتَ والذكاءِ
متى أرد صيرَّتها هباءَ
فسمعَ الماءُ فهاجَ غضبا
وقالَ :مهلاً ، بلغَ السَّيلُ الزبى
إن تفخري ، يا جارتي ؟، بالشرَّ
فإنَّ بالفعلِ الجميلِ فخري
أنا الذي تغسلُ بي الكُلُومُ
ويرتوي الظامئ والمحمومُ
يحبني المالكُ والمملوك
والسيدُ المطاعُ والصعلوك
حيثُ أكونُ جارياً يكونْ
الوردُ والأقاحُ والنسرينُ
إنَّ المروجَ الخضرَ لا يحيها
غير وجودي حولها وفيها
كم سرتُ في الوادي وفي الغديرِ
على شبيهِ الدرُ والكافور
وجلس العشاق حولي في السحر
على بساط العشب في ضوء القمر
كم اشتهوا ، إذ سمعوا خريري ،
لو أنني أسيرُ في الصدورِ
أنا الذي لولاهُ ماتَ الناسُ
والطير والأسماكُ والأغراسُ
يا خمركم ذا ندعين الفضلا
وبالمياهِ تقتلين قتلا
وأمطِ الكرمةُ يا صهباء
ما وجدتْ في الأرضَ لولا الماء !

نــجــم
23-04-2011, 09:47 PM
الكبرياء خلة الشيطان


لي صاحبٌ دخل الغرور فؤاده
إنّ الغرور أخي من أعدائي
أسديته نصحي فزاد تمادياً
في غيّه وازداد فيه بلائي
أمسى يسيء بي الظنون ولم تسوء
لولا الغرور ظنونه بولائي
قد كنت أرجو أن يقيم على الولا
أبداً، ولكن خاب فيه رجائي
أهوى اللقاء به ويهوى ضدّه
فكأنما الموت الزؤام لقائي
إني لأصحبه على علاته
والبدر من قدم ٍ أخو الظلماء
يا صاح إنّ الكبر خلقٌ سيءٌ
هيهات يوجد في سوى الجهلاء
والعجب داءٌ لا ينال دواؤه
حتى ينال الخلد في الدنياء
فاخفض جناحك للأنام تفز بهم
إنّ التواضع شيمة الحكماء
لو أعجب القمر المنير بنفسه
لرأيته يهوي إلأى الغبراء

نــجــم
23-04-2011, 09:48 PM
الكرنفال

أمستْ ثيابي وكلُّها خِرقُ
تُشبهُ روضاً ألوانُهُ فرقُ
من أزرقٍ كالسماءِ جاورهُ
أحمرٌ قانٍ كأنَّّهُ الشَّفقُ
وأبيضٍ ناصعٍ ، وأسودٍ فاحمٍ
فذاكَ الضحى وذا الغسقُ
كأنَّ قوسَ السَّحابِ باتَ على
جسمي رداءَ ، وما أنا الأفقُ
بردٌ عجيبٌ قد خاطهُ لبقٌ
فليسَ بدعاً إن حازهُ لبقُ
لما تنكرتُ لم يعُدْ صُحُبي
يدرونَ أني الصديقُ إن رمقوا
لذاك لم يشفقوا على جسدي
من الرَّمايا ولو دروا شفقوا
مررتُ بالحانقينَ فابتسموا
لما رأوني وكلُّهم قلقُ
لو علمُِوا أنني عدوهُمُ
أوشكَ يقضي عليهمُ الفرقُ
أرخى الدُّجى ذيلهُ ورُحتُ أجرُّ
الذيل عُجباً وغيري النزقُ
والجمعُ حولي يضجُّ مبتهجاً
كأنهُ السيلُ حينَ يندفقُ
تألبوا كالغمامِ واتَّصلوا
بعضٌ ببعضٍ كأنهم حلقُ
وانتشروا والدروبُ واسعةٌ
كالأنجمِ الزُّهرِ حينَ تنبثقُ
أطلقتُ نفسي من القيودِ إلى
أن صُرتُ كالسَّهمِ حين ينطلقُ
وبتُّ والقومُ كلَّما اجتمعوا
رميتهُم ( بالبذورِ ) فاقترقوا
أسخرُ منهم لأنهم سخروا
مني ، اختلفنا ونحنُ نتفقُ
والحربُ بيني وبينهمْ نشبتْ
حربٌ ، ولكن سهامها الورقُ
فلا رماحٌ هناكَ مُشرعةٌ ،
ولا سيوفٌ هناكَ تُمتشقُ
لم أخش غيرَ الحسانِ ناظرةً
أشدُّ فعلاً من الظبى الحدقُ
هذا هو الكرنفالُ فاستبقوا
إليه ِ فهو السرورُ يُختلقُ

نــجــم
23-04-2011, 09:48 PM
الكنار الصامت

نسي الكنارُ نشيدهُ
فتعال كي ننسى الكنار
وليقذفنَّ به الملال
من القصورِ إلى القفار
ولترمينَّ بريشهِ
للأرض عاصفةُ النفار
ولنستعض عنه بطير
من لجينٍ أو نضار
لا ، لا ، فإن سكت الكنارُ
فلم يزل ذاك الكنار
أو كان فارقهُ الصُداحُ
فلم يفارقهُ الوقار
صمتُ الكنار ، وإن قسا ،
خيرٌ من النغم المُعار
صبراً فسوف يعودُ للتغريد
إن عادَ النهار

نــجــم
23-04-2011, 09:48 PM
اذا

إذا جدَّفت جوزيت على التجديفِ بالنَّار
وإن أحببت عُيرت من الجارةِ والجارِ
وإن قامرتَ أو راهنت في النادي أوِ الدارِ
فأنتَ الرجلُ الآثمُ عند الناسِ والباري
...
وإن تسكر لكي تنسى هموماً ذاتِ أوقارِ
خسرت الدين والدنيا ولم تربح سِوَى العار
...
وإن قلت : إذن فالعيشُ أوزارٌ بأوزارِ
وإنَّ الموت أشهى لي إذا لم أقضِ أوطاري
وأسرعتَ إلى السيفِ أو السُّمَّ أو النار ِ
لكي تخرج من دنيا ذووها غيرُ أحرارِ
فهذا المنكرُ الأعظمُ في سرّ وإضمارِ
إذن فاحي ومت كالناسِ عبداً غير مختارِ

نــجــم
23-04-2011, 09:49 PM
ابسمي

إبسمي كالورد في فجر الصباء
وابسمي كالنجم إن جن المساء
وإذا ما كفن الثلج الثرى
وإذا ما ستر الغيم السماء
وتعرى الروض من أزهاره
وتوارى النور في كهف الشتاء
فاحلمي بالصيف ثم ابتسمي
تخلقي حولك زهراً وشذاء
وإذا سر نفوساً أنها
تحسن الأخذ فسري بالعطاء
وإذا أعياك أن تعطي الغنى
فافرحي أنك تعطين الرجاء

نــجــم
23-04-2011, 09:49 PM
ابن الليل

أشرفَ البدرُ على الغابةِ في إحدى الليالي
فرأى الثعلبَ يمشي خِلسةً بين الدواني
كلما لاحَ خيالٌ، خافَ من ذاكَ الخيالِ
واقشعرَّا
ورأى ليثاً هسوراً واقفاً عند الغديرْ
كلما استشعرَ حساً ملأ الوادي زئيرْ
فإذا بالماءِ يجري خائفاً عندَ الصخورْ
مكفهرَّا
ورأى البدرَ ابنُ آوى يتهادى في الفضاءُ
كمليكٍ حولهُ الشهبُ جنودٌ وإماءُ
قالَ : لو كنتُرفيقَ البدرِ ، أو بدرَ السماءُ
أو خيالَهْ
عشتُ حراً جيرتي الشهبُ ولي الظلماءُ مركبْ
آمناً ، ألعب بالبرقِ وطوراً بي يلعب
لا أبالي سطوةَ الراعي ولا الكلبَ المجرَّبْ
وصيالَهْ
غيرَ أنَّ الليثَ لما أبصرَ البدرَ الضحوكا
قالَ : يا ابنَ الليلِ مهما أشتهي لا أشتهيكا
أنتَ وضَّاحٌ ولكنْ قاحلٌ لا صيد فيكا
أو حيالكْ
لكَ هذا الأفق ، لكنْ هو أيضاً للكواكبْ
إنما لو كنتَ ليثاً ذا نيوبٍ ومخالبْ
لم تعثْ في وجهكَ الوضَّاحِ ألحاظُ الثعالبْ
صن جمالكْ

نــجــم
23-04-2011, 09:49 PM
ايا نيل

وقفت ضحى في شاطئ النيل وقفة
يضن بها إلا على النيل شاعره
تهلل حتى كاد يبدو ضميره -
وعبس حتى كاد يشكل ظاهره
فثم جلال يملأ النفس هيبة
وثم جلال يملأ العين باهره
فطوراً أجيل الطرف في صفحاته
وطوراً أجيل الطرف فيما يجاوره
وألحظ شمس الأفق وهي مطلة
تساير فيها ظلها إذ تسايره
فأحسبها فيه تساهمني الهوى
وتحسبني فيها الغرام أشاطره
إذا هي ألقت في حواشيه نورها
رأى التبر يجري في حواشيه ناظره
أطالت به التحديق حتى كأنما
تحاول منه أن تبين سرائره
فيما لها إلفين باتا بمعزل
يخامرها من حبه ما يخامره
يروح النسيم الرطب في جنباته
يداعبه طوراً وطوراً يحاوره
وتقبض من مبسوطه نفحاته
كما قبض الثوب المطرز ناشره
فيصدف عنه وهو داج مقطب
كأن عدواً بالنسيم يحاذره
كأني به سفر تدانت سطوره
أوائله قد شكلت وأواخره
إذا ما جلا للناظرين رموزه
تجلى لهم ماضي الزمان وحاضره
أيا نيل نبئني أحاديث من مضوا
لعل شفاء النفس ما أنت ذاكره
حيالك صب بالخطوب مهدد
جوانحه رهن الهموم وخاطره
أطاع شجوناً لو أطاع فؤاده
عليها لفاضت بالنجيع محاجره
يحث الي الدهر كل رزيئة
على عجل حتى كأني واتره
وما أنا بالعبد الذي يرهب العصا
ولكنني حر تروع بوادره
أيا نيل فامنحني على الحق قوة
فما سود الضرغام إلا أظافره
وهبني بأساً يسكن الدهر عنده
فقد طالما جاشت علي مناخره
إذا لم تكن عون الشجي على الأسى
فخاذله فيه سواء وناصره
قني الباس وامنع شعبك الضعف يتقي
وينصفه من حساده من يناكره
هو الدهر من ضدين ذل وعزة
فمن ذل شاكيه ومن عز شاكره
وللقادر الماضي العزيمة حلوه
وللعاجز الواهي الشكيمة حازره
وما الناس إلا القادرون على العلى
وليست صنوف الطير إلا كواسره
ألم تره منذ استلينت قناته
تمشت إليه الحادثات تساوره
فأرهق حتى ما يبين كلامه
وقيد حتى ليس تسري خواطره
ولو ملكوا الأقدار استغفر الذي
له الملك يؤتيه الذي هو آثره
لما تركوا شمس النهار يزوره
سناها ، ولا زهر النجوم تسامره
يريدون أن يبقى ويذهب مجده
وكيف بقاء الشعب بادت مآثره ؟
فغورست في مصر يسدد سهمه
إليه وقناص الوحوش يضافره
يلجون في إعناته فإذا شكا
يصيحون أن الشعب قد ثار ثائره
لقد هزأوا لما تنبه بعضه
فلم ذعروا لما تنبه سائره ؟
يقولون جان لا يحل فكاكه
ولو أنصفوه حمل الإثم أسره
عجبت لقوم ينكرون شعوره
وهاتا مجاليه وتلك مظاهره
ألم يك في يوم القناة ثباته
دليلاً على أن ليس توهى مرائره ؟
يعز على المصري أن يحمل الأذى
وحاضره يأبى الهوان وغابره
لئن تك للتاريخ والله زينة
فما زينة التاريخ إلا مفاخره
رعى الله من أبنائه من يذود عن
حماه ، ومن أضيافه من يظاهره
هم بعثوا في الحياة جديدة
فشدت أواخيه وعزت أواصره
وهم أسمعوا الأيام صوتاً كأنما
هو الرعد تدوي في السماء زماجره
وهم أطلقوا أقلامهم حين أصبحت
مكبلة أقلامه ومحابره
كذلك إن يعدم أخو الظلم ناصراً
فلن يعدم المظلوم حراً يناصره

نــجــم
23-04-2011, 09:50 PM
بلا قلب...


وقائلة ماذا لقيت من الحب
فقلت الردى والخوف في البعد والقرب
فقالت عهدت الحب يكسب ربه
شمائل غراً لا تنال بلا حب
فقلت لها قد كان حباً فزاده
نفور المعى راء فأمسيت في حرب
وقد كان لي قلب وكنت بلا هوى
فلما عرفت الحب صرت بلا قلب

نــجــم
23-04-2011, 09:50 PM
بلاء أم نعمة

أحبُّ مُعانقة النرجس
لعينيكِ يا ابنة كُولمبسِ
وأهوى الشقيق ولم العقيق
لخدك ولاثغر الألعس
أعندك إن غبت عن ناظري
مشيت من الصبح في حندس
وان الظلام على هولهِ
إذا جئتِ حال الى مشمس
وفي الصدَّر قلباً ولا كالقلُوبِ
متى شئتِ يسعدِ أو يتعسِ
وددتُ الإفاضة قبل اللقاءِ
فلما لقيتك لم أنبسِ
وبت وإياك في معزلٍ
كأنَّي وإيَّاك في مجلسِ
ولو أن ما بي بالطود دك
وبالأسدِ الوردِ لم يفرس
هممتُ فأنكرني مقولي
وشاء الغرامُ فلم أهجس
كاني لستُ أمير الكلام
ولا صاحبَ المنطق الأنفس
حلالكِ ، والليلُ في صمتهِ
فلا غرو أن رحتُ كالأخرسِ
...
ومرَّت بنا ساعة خلتنا
خلعنا الجسوم عن الأنفس
وأنا من الروض في جنة
وانا من العشب في سندس
كذاك الهوى فعلهُ في النفوس
كفعل المدامةِ في الأروس
تنبه فيها وفي الهوى
فلو نعس النجم لم ننعس
وكلُّ فؤادٍ شديدُ العرامِ
إذا رصنتهُ بالهوى يسلس
فمالت فطوقها ساعدي
مُنعمة بضَّة الملمسِ
وإن العفاف لفي بردها
وإن الإباء لفي معطسي
وقلت وكفي في كفّها
ألا صرّحي لي أو فأهمسي
بلاء هو الحبُّ أم نعمةٌ
أجابت : تجلد ولا تيأس

نــجــم
23-04-2011, 09:50 PM
باخرة الاغاثة

سيرى تُراعيك النجومُ الساهر
ليلاً ، وعين الشمسِ عند الهاجره
فلأنتِ عند الشرقِ أجمل باخره
تجري إليه بها المياهُ الزاخره
ياليت أني فيكِ أو إيَّاك
سيري ُتداعبُ فوقك الريحُ العلم
وتلاطفُ البحر الخضمَّ إذا احتدم
بوركت باخرةٌ وبورك من علم
فيك الخلاصُ لساكني تلك الأكم
ياليت أني فيكِ أو إيَّاك
في الشرق أحبابُ على جمر الغضا
نقم الزمان عليهمُ بعد الرضى
هجروا القرى وتطلعوا نحو الفضا
يتوقعونكِ كلما برقٌ أضا
سيري فإنَّ الحرب في مسراكِ
بيروتُ ... يابنت البخار الجاريه
فإذا سُئلتِ من البقايا الباقيه
قولي لهم إنَّ الحياة الهاينه
لم تنسينا سُكان تلك الناحيه
أمَّا الدَّليلُ ، فحسبنا إياّك !..

نــجــم
23-04-2011, 09:50 PM
بائعة الورود

من الفرنسيس قيد العين صورتها
عذراء قد ملئت أجفانها حورا
كأنما وهبتها الشمس صفحتها
وجهاً وحاكت لها أسلاكها شعرا
يد المنية طاحت غب مولدها
بأمها ، وأبوها مات منتحرا
في قرية من قرى باريس ما صغرت
عن الفتاة ولكن همها كبرا
والنفس يعشق في الأهلين موطنها
وليس تعشقه يحويهم حفرا
وتعظم الأرض في عينيك محترماً
وليس تعظم في عينيك محتقر
افغادرتها وما في نفسها أثر
منها ولا تركت في أهلها أثرا
إلى التي تفتن الدينا محاسنها
وحسن من سكنوها يفتن البشرا
إلى التي تجمع الأضداد دارتها
ويحرس الأمن في أرجائها الخطرا
إذا رآها تقي ظنها ((عدناً))
وإن رآها شقي ظنها ((سقرا))
تود شمس الضحى لو أنها فلك
والأفق لو طلعت في أوجه قمرا
والغرب لو كان عوداً في منابرها
والشرق لو كان في جدرانها حجرا
في كل قلب هوى منها كأن له
في أهلها صاحباً ، في أرضها وطرا
( باريس ) أعجوبة الدينا وجنتها
وربة الحسن مطروقاً ومبتكرا
...
حلت عليها فلم تنكر زخارفها
فطالما أبصرت أشباهها صورا
ولا خلائق أهلها وزيهم
فطالما قرأت أخلاقهم سيرا
وإنما أنكرت في الأرض وحدتها
كذلك الطير إما فارق الوكرا
يتمة مالها أم تلوذ بها
ولا أب إن دعته نحوها حضرا
غريبة يقتفيها البؤس كيف مشت
ما عز في أرض ((باريس)) من افتقرا
مرت عليها ليال وهي شغل
عن سالف الهم بالهم الذي ظهرا
حتى إذا عضها ناب الطوى نفرت
تستنزل الرزق فيها الفرد والنفرا
تجني اللجين ويجني الباذلوه لها
من كفها الورد منظوماً ومنتثرا
لا تتقي الله فيه وهو في يدها
وتتقي فوق الوجنة النظرا
تغار حتى من الأرواح سارية
فلو تمر قبول أطرقت خفرا
أذالت الورد قانيه وأصفره
كما تصون الذي في خدها نضرا
حمته عن كل طرف فاسق غزل
لو استطاعت حمته الوهم والفكرا
تضاحك الخلق لا زهوراً ولا لعباً
وتجحد الفقر لا كبراً ولا أشرا
فإن خلت هاجت الذكرى لواعجها
فاستنفدت طرفها الدمع الذي اذخرا
...
تعلقته فتى كالغصن قامته
حلو اللسان أغر الوجه مزدهرا
وهام فيها تريه الشمس غرتها
والفجر مرتصفاً في ثغرها دررا
إذا دنا رغبت أن لا يفارقها
وإن نأى أصبحت تشتاق لو ذكرا
تغالب الوجد فيه وهو مقترب
وتهجر الغمض فيه كلما هجرا
كانت توقى الهوى إذ لا يخامرها
فأصبحت تتوقى في الهوى الحذرا
قد عرضت نفسها للحب واهية
فنال منها الهوى الجبار مقتدرا
والحب كاللص لا يدريك موعده
لكنه قلما ، كالسارق ، استترا
...
وليلة من ليالي الصيف مقمرة
لا تسأم العين فيها الأنجم الزهرا
تلاقيا فشكاها الوجد فاضطربت
ثم استمر فباتت كالذي سحرا
شكا فحرك بالشكوى عواطفها
كما تحرك كف العازف الوترا
وزاد حتى تمنت كل جارحة
لو أصبحت مسمعاً أو أصبحت بصرا
وأن الهيام على الصبين فاعتنقا
لا يملكان النهى ورداً ولا صدرا
(( وكان ما كان مما لست أذكره ))
تكفي الإشارة أهل الفطنة الخبرا
...
هامت به وهي لا تدري لشقوتها
بأنها قد أحبت أرقماً ذكرا
رأته خشفاً فأدنته فراء بها
شاة فأنشب فيها نابه نمرا
ما زال يؤمن فيها غير مكترث
بالعاذلين فلما آمنت كفرا
جنى عليها الذي تخشى ، وقاطعها
كأنما قد جنت ما ليس مغتفرا
كانت وكان يرى في خدها صعراً
عنه فباتت ترى في خده صعرا
فكلما استعطفته ازور محتدماً
وكلما ابتسمت في وجهه كشرا
قال النفار و (( فرجيني )) على مضض
تجرع الأنقعين : الصاب والصبرا
...
قالت ، وقد زارها يوماً ، معرضة
متى ، لعمرك ، يجني الغارس الثمرا ؟
كم ذا الصدود ولا ذنب جنته يدي
أرجو بك الصفو لا أرجو بك الكدرا
تركتني لا أذوق الماء من ولهي
كما تركت جفوني لا تذوق كرى
أشفق علي ولا تنس وعودك لي
فإن ما بي لو بالصخر لا نفطرا
أطالت العتب ترجو أن يرق لها
فؤاده فأطال الصمت مختصرا
وأحرجته لأن الهم أحرجها
وكلما أحرجته راغ معتذرا
وضاق ذرعاً بما يخفي فقال لها
إلى م ألزم فيك العي والحصرا
أهواك صاحبة ... أما اقترانك بي
فليس يخطر في بالي ولا خطرا
أهوى رضاك ولكن إن سعيت له
أغضبت نفسي والديان والبشرا
عنيت مالي من قلبين في جسدي
وليس قلبي إلى قسمين منشطرا
تطالبيني فؤادي وهو مرتهن
في كف غيرك ، دمت المطلب العسرا
يكفيكِ اني فيك خنتُ إمرأتي َ
ولم يخُن قلبها عهدي ولا خفرا
قد كان طيشاً هيامي فيك بل نزقاً
وكان حبُّكِ ضعفاً منكِ بل خورا
قالت متى صرت يعلاً ؟ قال مِن أمدٍ
لا أحسبُ العمر إلاهُ وإن قصرا
يا هول ما أبصرت يا هول ما سمعت
كادت ُتكذب فيه السَّمع والبصرا
لولا بقيةُ صبرٍ في جوانبها
طارت لهُ نفسُها من وقعه شذرا
ياللخيانةِ ! صاحت وهي هائجةٌ
كما تهيَّج ليثُ بابنه وُترا
الان أيقنتُ أني كنتُ واهمةً
وأنَّ ما كلُّ برقٍ يصحبُ المطرا
وهبت قلبك غيري وهو ملكُ يدي
ماخفت شرعاً ولا باليت مزدجرا
ليست شرائعُ هذي الرض عادلةً
كان الضعيفُ ولا ينفكُّ محتقرا
قد كُنتُ أخشى يد القدار تصدُعنا
وكان أجدر أن أخشاك لا القدرا
وصلتني مثل شمسِ الأفقِ ناصعةً
وعفتني مثل جُنح اللَّيلِ معتكرا
كما تعافُ السراةُ الثوب قد بليت
خيوطهُ والرواةُ المورد القذرا
خفت الأقاويلِ بي قد نام قائلها
هلا خشيت انتقامي وهو قد سَهرا
يا سالبي عفتي من قبل تهجرني
أردد علي عفافي واردد الطُّهرا
هيهات هيهات ما من عفتي عوضٌ
لاح الرشادُ وبان الغيُّ وانحسرا ...
...
وأقبلت نحوه تغلي مراجلها
كأنها بركانٌ ثار وانفجرا
في صدرها النار ، نارٌ الحقد ، مُضرمةً
لكنما مُقلتاها تقذفُ الشررا
وأبصر النصل تخفيه أناملها
فراحَ يركصُ نحو الباب منذعرا
لكنها عاجلتهُ غير وانيةٍ
بطعنةٍ فجرت في صدرهِ نهرا
فخرَّ في الأرضِ جسماً لا حراك به
لكن (( فرجين)) ماتت قبلما احتضرا
ُجنت من الرُّعبِ والأحزان فانتحرت
ما حبتِ الموت لكن خافت الوضرا
...
كانت ُقبيل الرَّدى منسية فغدت
بعد الحمامِ حديث القوم والسمرا
تتلُو الفتاةُ عظات في حكايتها
كما يُطالعُ فيها الناشيء العبيرا

نــجــم
23-04-2011, 09:51 PM
بين الضحك واللعب


أعطيت من أعشقها وردة
من بعد أن أودعتها قلبي
فجعلت تنثر أوراقها
بأنمل كالعنم الرطب
لا تسألوا العاشق عن قلبه
قد ضاع بين الضحك واللعب

***
لم أقطف الوردة من غصتها
لو لم تكن كالخد في الإتقاد
ولم تمزق هند أوراقها
لولا اشتباه بينها والفؤاد!..

نــجــم
23-04-2011, 09:51 PM
بين الكاس والطاس

حمل الشمس إلينا قمرٌ
في سماءِ نحنُ فيها أنجمُ
شاذنٌ حكمهُ الحُسنُ بنا
وسوىَ الحسنِ بنا لا يحكمُ
أسبل الشعرَ فياعيني اسهري
إنهُ ليلٌ طويلٌ مُظلمُ
واحذري يا مُهجتي منهُ فما
ذلك الأسودُ إلا أرقمُ
كادَ أن يُشبهَ جسمي خصرهُ
إنما رقتهُ بي سقمُ
يتظلى الخالُ في وجنته
أرأيتمُ كيفَ يُصلى المغرم؟
ضمٌ في خده النارُ وفي
كفهِ ضرّتها تضطرم
بنتُ كرمٍ لم يهم فيها سوى
كل صبَّ هام فيه الكرم
حُبست في دنها من قدمٍ
ما لها ذنبٌ ولكن ظلموا
حرَّموها حينما خافوا عليها
سواهم فاسقني ما حرموا
إنها سرّ فشا بين الورى
وإذا السر فشا لا يُكتمُ

نــجــم
23-04-2011, 09:52 PM
بنت الدوالي

هاتَ أسقني بالقدحِ الكبيرِ
صفراءَ لون الذَّهب المصهورِ
كأنَّها في أكؤسِ البلُّور
شُعلةُ نارٍ في بقايا نُورِ

عجبتُ للكأسِ التي تحويلها
كيف استقرَّتُ والحياةُ فيها
لو لم يدرها بيننا ساقيها
دارت على القومِ بلاُ مديرِ

هات اسقنيها مثلَ عينِ الديكِ
صافيةٌ تنهضُ بالصُّعلوكِ
حتَّى يرى التَّيه على اُلملوك
ولا ُيبالي سطوة الأمير

بنت الدَّوالي ضرّة الرُّضابِ
أختَ التَّصافي زوجة السَّحابِ
أنتِ ، وإن لام الورى شرابي
في الخالدْين : القرَّ والهجيرِ

أشربها بل أشربُ الإكسيرا
تخلقُ في شاربها السُّرورَا
فُقل لمن يحسبُها غرورا
ما العيشُ إلاَّ ساعة الغُرور

نــجــم
23-04-2011, 09:52 PM
بنت الفرقدين

أزور فتقصيني وأنأى فتعتب
وأوهم أني مذنب حين تغضب
وأرجو التلاقي كلما بخلت به
كذلك يرجى البرق والبرق خلب
وأعجب من لاح يطيل ملامتي
ويعجب مني عاذلي حين أعجب
هو البخل طبع في الرجال مذمم
ولكنه في الغيد شيء محبب
كلفت بها بيضاء سكرى من الصبا
وما شربت خمراً ولا هي تشرب
لها الدر ثغر واللجين ترائب
وشمس الضحى أم وبدر الدجى أب
خليلي أما خدها فمورد
حياء واما ثغرها فهو اشنب
لئن فرقت بين الغواني جمالها
لدام لها ما يجعل الغيد تغضب
ولو أن رهبان الصوامع أبصروا
ملاحتها والله لم يترهبوا
تكلفني في الحب ما لا أطيقه
وتضحك إما جئتها أتعتب
أفاتنتي حسب المتيم ما به
وحسبك أني دون ذنب أعذب
أحبك حب النازح الفرد أهله
فهل منك حب الأهل من يتغرب؟
وهبتك قلبي واستعضت به الأسى
وهبتك شيئاً في الورى ليس يوهب
فإن يك وصل فهو ما أتطلب
وإن يك بعد فالمنية أقرب

نــجــم
23-04-2011, 09:52 PM
بنت القفر

أدرها قهوة كعصير بكرِ
تجلت في الكؤوس بكفَّ بكر
كأنَّ المسك يغلي حين تغلي
ويجري في الأواني حين تجر
يمد إلى الضعيف قوى وتهدي
إليه غبطة وصفاء فكر
تعشقها الشعوبُ فكلُّ شعبٍ
أعدَّ لها الثغور وكلَّ قطر
لوح حبَّها في كلَّ كوخٍ
ولاح حبابُها في كلَ قصرِ
يضوعُ عبيرُها برمالِ نجدٍ
ويعبقُ عطرها بقصور مصر
تمشى عنبراً في كل أنفٍ
وتنزلُ قرقفاً في كلّ ثغرِ
ويزري طعمُها حلواً ومراً
بما في الأرضِ من حلوٍ ومرّ
***
وسمراءٍ إذا زارت صباحاً
أحبُّ إليَّ من بيضٍ وسمرٍ
يحوك لها النحارُ رداء ند
ويكُسوها الحبابُ وشاحَ در
كسرتُ الدن من عهدٍ بعيدٍ
فأمست بعد خمر الدنّ خمري
فإن حلت قواك جيوشُ ضعف
وهالك عبءُ همٌ مسيطرٌ
عليك بقهوةٍ رقت وراقت
كشعرك لاُ يجاري أو كشعري
( مسعود)
فأجابه بالقصيدة التالية :
شربناها على سرّ القوافي
وسرٍّ الشاعر السمح الأبر
سقانا قهوتين (( بغير من ))
عصير شجيرةٍ وعصير فكرِ
فنحن اثنان سكرانٌ لحينٍ
على أمنٍ ، وسكرانٌ لدهرِ
فمن أمسى يهيمُ ببنت قصر
فإنا هائمون ببنت قفرِ
إذا حضرت فذلك يومُ سعدٍ
وإن غابت فذلك يومُ قهرِ
لها من ذاتها سترٌ رقيقٌ
كما صبغ الحياءُ جبين بكر
إذا دارت على الجلاس هشّوا
كأن كؤوسها أخبار نصرِ
ونرشفها فترشف ريق خود
وننشقها فننشق ريح عطر ِ
ولا نخشى من الحكام حداً
وعند الله لم نوصم بوزرِ
فما في شربها إثمٌ ونكرٌ
وشرب الخمر نكرٌ أيَّ نكرِ
وليست تستخفّ أخا وقار
وبنت الدنّ بالأحلام تزري
وتحفظ سرَّ صاحبها مصوناً
وبنت الكرم تفضحُ كلَّ سرّ
وللصبهاءِ أوقات ، وهذي
شرابٌ الناس في حرَّ وقرٌ
وتصلحُ أن يُطاف بها مساء
وتحسنُ أن تكون شراب ظهرِ
فلو عرفت مزاياها الغواني
لغلق حبُّها في كلَّ نحرِ
كأنَّ حبوبها خضراً وصفراً
فصوص زمرد وشذور تبر
كأنَّ الجنَّ قد نفثت رؤاها
على أوراقها في ضوءٍ فجرِ
ألست ترى إليها كيف تطغى
وكيف تثورُ إن مست بجمرِ
كأن نخيل مصر قد حساها
إلا ما اهتزازُ نخيلُ مصر ؟
جلوتُ بها من الأكدار ذهني
كما أني غسلتُ هموم صدري
وما هي قهوةٌ تطهى وتحسى
ولكن نفحةٌ من روحِ حرّ
حوى في شعره عبث ابن هاني
وزاد عليه فلسفة المعري
فيا للك شاعراً لبقاً لعوباً
كأنَّ يراعهُ أنبوبُ سحر
يفيض سلاسة في كلّ لفظٍ
ويجري رقةً في كلّ سطر
حوت دارُ (( السميرِ )) هديتيه
وتحوي هذه الأوراقُ شُكري

نــجــم
23-04-2011, 09:53 PM
بنت سورية

ليس يدري الهم غير المبتلي
طال جُنحُ اللَّيلِ أو لم يطلِ
ما لهذا النَّجمِ مثلي في الثرى
طائر النَّومِ شديدَ الوجلِ
أتراهُ يتقي طارئةً
أمْ بهِ أني غريبُ المنزلِ ؟
كلَّما طالعتُ خطباً جللاً
جاءني الدَّهرُ بخطبٍ جللِ
أشتكي اللَّيلَ ولوْ ودعتُهُ
بتُّ من همَّي بليلٍ أليلِ
يا بناتِ الأفقِ ما للصَّبَّ منْ
مُسعدٍ في النَّاسِ ، هل فيكنَّ لي ؟
لا عرفتنَّ الرَّزايا إنها
شيبتْ رأسي ولم أكتهلِ
سهدتْ سُهدي الدَّراري إنما
شدَّ ما بينَ المعنى والخلي
ليتَ شعري ما الذي أعجبها
فهي لا تنفكُّ ترنو منْ علِ
أنا لا أغبطها خالدةً
ولقدْ أحسدها لم تعقلِ
كلما راجعتُ أحلامَ الصبى
قلتُ يا ليتَ الصبى لم يزلِ !..
أيها القلبُ الذي في أضلعي
إنما اللذةُ جهلاً فاجهلِ
تجمُلُ ((الرقةُ )) في العضب فإن
كنتَ تهواها فكُنْ كالمنصلِ
هي في الغيدِ الغواني قوةٌ
وهي ضعفٌ في فؤادِ الرَّجلِ
لا يغرَّ الحسن ذا الحسنِ فقدْ
يصرعُ البلبلَ صوتُ البُلبلِ
تُقتلُ الشاةُ ولا ذنبَ لها
هي ، لولا ضعفُها ، لم تقتلِ
إن تكن في الوحش كن ليثَ الثرى
أو تكن في الطيرِ كُنْ كالأجدلِ
أو تكن في الناسِ كنْ أقواهُمُ
ليستِ العلياء حظ الوُكَّلِ !
***
ما لِقومي لا وهى حبلهُمُ
قنعُوا من دهرهم بالوشلِ
أنا مِنْ أمرهمُ في شغلٍ
وهمُ عن أمرهِم في شغلِ
كُلما فكرتُ في حاضِرنا
عاقني اليأسُ عن المستقبلِ
نحنُ في الجهلِ عبيدٌ للهوى
ومعَ العِلم عبيدُ الدولِ
نعشقُ الشمسَ ونخشى حَرها
ما صعِدْنا وهيَ لما تنزلِ
قد مشى الغربُ على هَانِ السُّهى
ومشينا في الحضيض الأسفلِ
سَّجلَ العار علينا معشرٌ
سجلوا المرأة بين الهملِ
فهي إما سلعةٌ حامِلةٌ
سِلعاً أو آلةٌ في معملِ
أرسلوها تزرعُ الأرضَ خطا
وتُباري كلَّ بيتٍ مثلِ
تتهاداها الموامي والرَّبى
فهي كالدّينارِ بين الأنمُلِ
لا تبالي القيظَ يشوي حرُّه
لا ولا تحذرُ بردَ الشمألِ
ولها في كلُّ بابٍ وقفةٌ
كأمرئ القيسِ حيالَ الطلل
تتقي قولَ (اغرُبي) خشيتها
قولة القاتلِ (ياهذي ادخلي)
فهي كالعصفورِ وافى صادياً
فرأى الصَّيادَ عند المنهلِ
كامناً ، فانصاعَ يدنيهِ الظما
ثمَّ يُقصيه اتقاءُ الأجلِ
ولكمْ طافتْ بهِ آملةً
وانثنتْ تقطعُ خيطَ الأملِ
ولكمْ مدَّتْ إلى الرفدِ يداً
خلقتْ في مثلها للقبلِ
***
ما بها ؟ لا كانَ شراً ما بها
ما لها من أمرها في خبلِ ؟
سائلُوها أو سلو عن حالها ،
إن جهلتم ، كلَّ طِفلٍ مُحولِ
في سبيلِ المالِ أو عُشاقهِ
تكدحُ المرأةُ كدحَ الابلِ
ما تراها وهي لا حولَ لها
تحت عبءِ فادحٍ كالجبلِ
شُدَّتِ الأمراسُ في ساعدها
من رأى الأمراسَ حولَ الجدولِ ؟
جشموُها كلَّ أمرٍ مُعضلٍ
وهي لمْ تخلقْ لغيرِ المنزلِ
فإذا فارقت الدار ضحى
لم تعدْ إلا قبيل الطفلِ
ألفتْ ما عودَّوها مثلما
تألفُ الظبيةُ طعم الحنطلِ !
***
بنتَ سُوريَّا التي أبكي بها
هِمَّةَ الليث وروُح الحَلِ
ما أطاعُوا فيكِ أحكامَ النُّهى
لا ولا قولَ الكتابِ المُنزلِ
قد أضاعوكِ وما ضيَّعتهمْ
فأضاعُوا كلَّ أمٍ مُشْبلِ

نــجــم
23-04-2011, 09:54 PM
تأملات

ليتَ الذي خلقَ الحياة جميلةً
لم يُسدلِ الأستارَ فوقَ جمالها
بل ليتهُ سلبَ العقولَ فلم يكنْ
أحدٌ يعللُ نفسهُ بمنالها
للهِ كم تُغري الفتى بوصالها
وتضنُّ حتى في الكرى بوصالها
تدنيهِ من أبوابها بيمينها
وتردُّهُ عن خدرها بشمالها
كم قلتُ هذا الأمرُ بعضُ صوابها
فوجدتهُ بالخبر بعضَ محالها
ولكم خدعتُ بآلها وذممتهُ
ورجعتُ أظمأ ما أكونُ لآلها
قد كنتُ أحسبني أمنتُ ضلالها
فإذا الذي خمنتُ كلُّ ضلالها
إن النفوسَ تغرها آمالها
وتظلُّ عاكفةً على آمالها
ذهب الصبا وأنا أعالج سرَّها
متحيّراً في كنهها ومآلها
حتى رأيتُ الشمسُ تلقي نورها
في الأرضِ فوقَ سهولها وجبالها
ورأيتُ أحقرَ ما بناهُ عنكبٌ
متلففاً ومطوقاً بجبالها
مثلَ القصورِ العالياتِ قبانها
ألشامخاتِ على الذرى بقلالها
فعِلمتُ أنَّ النفسَ تخطرُ في الحلى
والوشيِ مثلُ النفسِ في أسمالها
ليستْ حياتكَ غيرَ ما صورتها
أنتَ الحياةُ بصمتها ومقالها
ولقد نظرتُ إلى الحمائمِ في الربى
فعجبتُ من حالِ الأنامِ وحالها
للشوكِ حظُّ الوردِ من تغريدها
وسريكهُ من بعدُ في إعوالها
تشدو وصائدُها يدُّ لها الردى
فأعجبْ لمحسنةٍ إلى مغتالها
فغبطتها في أمنها وسلامها
ووددتُ لو أعطيتُ راحةَ بالها
وجعلتُ مذهبها لنفسي مذهباً
ونسجتُ أخلاقي على منوالها
من لجَّ في ضيمي تركتُ سماءهُ
تبكي عليَّ بشمسها وهلالها
وهجرتُ روضتهُ فأصبحَ وردها
لليأسِ كالأشواكِ في أدغالها
وزجرتُ نفسي أن تميلَ كنفسهِ
عن كوثرِ الدنيا إلى أوحالها
نسيانكَ الجاني المسيءَ فضيلةٌ
وخمودُ نارٍ جدَّ في إشعالها
فاربأ بنفسكِ والحياةُ قصيرةٌ
أن تجعلَ الأضعان من أحمالها
***
زمن الشبابِ رحلتَ غير مذممٍ
وتركتَ للحسراتِ قلبي الوالها
دبتْ عقاربها إليهِ تنوشهُ
ورمتْ بقاياهُ إلى أصلالها
لم يبقَ من لذاتهِ إلا الرؤى
ومن الصبابةِ غيرُ طيفِ خيالها
ومن الكؤوسِ سوى صدى رناتها
والراحِ غيرُ خمارها وخبالها
يا جنةً عوجلتُ عن أثمارها
ولذاذةً عُريتُ من سربالها
ما عابها شيءٌ سوى اضمحلالها
والذنبُ للأقدارِ في اضمحلالها
ومليحةٍ في وجهها ألقُ الضحى
والسحرُ والصبهاءُ في أقوالها
قالتْ : أينسى النازحون بلادهم ؟
ما هاجَ حزنَ القلبِ غيرُ سؤالها
الأرضُ ، سوريَّا ، أحبُّ ربوعها
عندي ،ولبنانٌ أعزُّ جبالها
والناسُ أكرمهمْ عليَّ عشيرُها
روحي الفداء لرهطها ولآلها !
والشهب أسطعها التي في أفقها
ليسَ الجلالُ الحقُّ غيرَ جلالها
وأحبُّ غيثٍ ما همى في أرضها
حتى الحيا الباكي على أطلالها
مرحُ الصَّبا الجذلانَِ في أسحارها
ومنى الصَّبا الولهانِ في آصالها
إني لأعرفُ ريحها من غيرها
بنوافحِ الأشذاءِ في أذيالها
تلكَ المنازلُ كم خطرتُ بساحها
في ظلَّ ضيغمها وعطفِ غزالها
وشذوتُ مع أطيارها ، وسهرتُ مع
أقمارها ، ورقصتُ مع شلالها
وسجدتُ للإلهامِ مع صفصافها
وضحكتُ للأحلامِ مع وزالها
وملأتُ عقلي من حديثِ شيوخها
وأخذتُ شعري من لغى أطفالها
تشتاقُ عيني قبلَ يُغمضها الردى
لو أنها اكتحلتْ ولو برمالها
مرَّتْ بي الأعوامُ تقفو بعضها
وثب القطا تعدو إلى آجالها
وتعاقبتْ صورُ الجمالِ فلم يدمْ
في خاطري منها سوى تمثالها

نــجــم
23-04-2011, 09:54 PM
تلك السنوات


تلك السنون الغاربات ورائي
سفرٌ كتبت حروفه بدمائي
ما عشتها لأعدّها بل عشتها
لتبين في سمائها سيمائي
سيّان لو أني قنعت بعدّها
عمري وعمر الصخرة الصماء
ولبذّني يوم التفاخر شاطئٌ
ما فيه غير رماله الخرساء
لاحت لي العلياء في آفاقها
فأردتها درباً إلى العلياء
ومحبة ً للخير تسري في دمي
ورعاية ًللضعف والضعفاء
وعبادة ً للحق أين وجدته
والحسن في الأحياء والأشياء
لتدور بعدي قصة ٌ عن شاعر ٍ
رقصت به الدنيا جناح ضياء
نشر الطيوب على دروب حياته
ورت هوى في الطيب والأنداء
وأطلّ من قلب البخيل سماحة ً
وشجاعة ً في السلم والهيجاء
ومشى إلى المظلوم بارقُ رحمةٍ
وهوى على الظلم سوط بلاء
فتعزُّ دنيا قد طوت آبائي
وتهشُّ دنيا أطلعت أبنائي

. . .

تلك السنون ببؤسها ونعيمها
مالت بعودي وانطوت بروائي
أين الشباب ألفُّ أحلامي به
ليس الشباب الآن لي برداء
نفسي تحسّ كأنما أثقالها
قد خيرت فتخيرت أعضائي
كم من رؤى طلعت على جنباتها
ركباً من الأضواء والأشذاء
قلبت فيها بعد لأي ناظري
فتعثرت عيناي بالأشلاء
يا للضحايا، لا يرفّ لموتها
جفنٌ، ولا تحصى مع الشهداء
ودعت لذات الخيال وعفتها
ورضيت أن أشقى مع الحكماء
فعرفت مثلهم بأني موجدٌ
بؤسي، وأني خالقٌ نعمائي

. . .

إني أراني بعد ما كنت كابدته
كالفلكِ خارجةً من الأنواء
وكسائح ٍ بلغ المدينة بعدما
ضلَّ الطريق وتاه في البيداء
شكراً لأصحابي فلولا حبهم
لم أقترب من عالم اللألاء
بهم اقتحمت العاصفات بمركبي
وبهم عقدت على النجوم لوائي

. . .

شكراً لأعدائي فلولا عيثهم
لم أدر أنهمو من الغوغاء
نَهَش الأسى لما ضحكت قلوبهم
عرسُ المحبة مأتم البغضاء
ذنبي إلى الحسّاد أني فتّهم
وتركتهم يتعثرون ورائي
وخطيئتي الكبرى إليهم أنهم
قعدوا ولم أقعد على الغبراء
عفو المروءة والرجولة أنني
أخطأت حين حسبتهم نظرائي

. . .

شكراً لكل فتى مزجت بروحه
وروحي فطاب ولاؤه وولائي
من كان يحلم بالسماء فإنني
في قلبٍ إنسان ٍ وجدت سمائي
ليس الجمال هو الجمال بذاته
الحسن يوجد حين يوجد رآء
ما الكون؟ ما في الكون لولا آدم
إلا هباءٌ عالقٌ بهباء
وأبو البرية ما أبان وجوده
وأتمّ غايته سوى حواء
إني سكبت الخمر حين سكبتها
للناس، لا للأنجم الزهراء
لا تشرب الخمر النجوم وإن تكن
معصورة ً من أنفس الشعراء

. . .

تلك السنون، عقيمها كولودها
حلوٌ لديّ، كذا يشاء وفائي
فالليلة العسراء من عمري
وعمر الدهر مثل الليلة السمحاء
يا من يقول (ظلمت نفسك فاتئد)
دعني، فلست بحامل أعبائي
إنّ الحياة الروح بعض عصائها
وأنا ثمارُ الروح كلّ عطائي
ما العمر؟ إن هو كالإناء وإنني
بالطِّيب الغالي ملأت إنائي
فإذا بقيت، فللجمال بقائي
وإذا فنيت، ففي الجمال فنائي

. . .

لله ما أحلى وأسنى ليلتي
هي في كتاب العمر كالطغراء
يا صحبُ لن أنسى جميل صنيعكم
حتى تفارق هيكلي حوبائي
وتقول عيني "قد فقدت ضيائي"
ويقول قلبي "قد فقدت رجائي"

نــجــم
23-04-2011, 09:54 PM
تحية الشام


حي الشآم مهنداً وكتابا
والغوطة الخضراء والمحرابا
ليست قباباً ما رأيت وإنما
عزم تمرد فاستطال قبابا
فالثم بروحك أرضها تلم عصوراً
للعلى سكنت حصى وترابا
واهبط على بردى يصفق ضاحكاً
يستعطف التلات والأعشابا
روح أطل من السماء عشية
فرأى الجمال هنا .. فحن ، فذابا
وصفا وشف فأوشكت ضفاته
تنساب من وجد به منسابا
با أدمع حور الجنان ذرفتها
شوقاً، ولم تملك لهن إيابا
بردى ذكرتك للعطاشى فارتووا
وبني النهى فترشفوك رضابا
مرت بك الأدهار لم تخبث ، ولم
تفسد ، وكم خبث الزمان وطابا
*
بأبي وأمي في العراء موسد
بعث الحياة مطامعاً ورغابا
لما ثوى في ميسلون ترنحت
هضباتها وتنفست أطيابا
وأتى النجوم حديثه فتهافتت
لتقوم حراساً له حجابا
ما كان يوسف واحداً بل موكباً
للنور غلغل في الشموس فغابا
هذا الذي اشتاق الكرى تحت الثرى
كي لا يرى في جلق الأغرابا
وإذا نبا العيش الكريم بماجد
حر رأى الموت الكريم صوابا
إني لأزهى بالفتى وأحبه
يهوى الحياة مشقة وعذابا
ويضوع عطراً كلما شد الأسى
بيديه يعرك قلبه الوثابا
ويسيل ماء إن حواه فدفد
وإذا طواه الليل شع شهابا
وإذا العواصف حجبت وجه السما
جدل العواصف للسما أسبابا
وإذا تقوض صرح آمال بنى
أملاً جديداً من رجاء خابا
فابن الكواكب كل أفق أفقه
وابن الضراغم ليس يعدم غابا
*
عجباً لقومي والعدو ببابهم
كيف استطابوا اللهو والألعابا ؟
وتخاذلت أسيافهم عن سحقه
في حين كان النصر منهم قابا
تركوا الحسام إلى الكلام تعللا
يا سيف ليتك ما وجدت قرابا
دنياك ، يا وطن العروبة ، غابة
حشدت عليك أراقماً وذئابا
فالبس لها ماء الحديد مطارفاً
واجعل لسانك مخلباً أو نابا
لا شرع في الغابات إلا شرعها
فدع الكلام شكاية وعتابا
هذي هي الدنيا التي أحببتها
وسقيت غيرك حبها أكوابا
وضحكت مع أحلامها ، وبكيت في
آلامها ، وجرعت معها الصابا
وأضل روحك في السر ، وأضلها
ما خلته ماء فكان سرابا
ونظرت، والأوصاب تنهش قلبها،
فرأيت كل لذاذة أوصابا
شاء الظلوم خرابها فإذا الورى
لا يبصرون سوى نهاه خرابا
دنيا تألق أمسها في يومها
فأستجمع الأنساب والأحسابا
وسى سناء الوحي من آفاقها
يغشى العصور ويغمر الأحقابا
ألحق ما رفعت به جدرانها
والخير ما زانت به الأبوابا
فاستنطق التاريخ هل في سفره
مجد يضاهي مجدها الخلابا؟
شابت حضارات ، ودالت وانطوت
أمم ، ومجد أمية ما شابا
الأمس كان لها وإن لها غدا
تتلفت الدنيا له إعجابا
غنيت من قبل المحولة والعرا
أفلا تغني الروضة وعذابا
وانشر جناحك فالفضاء منور
واملأ كؤوسك قد وجدت شرابا
فلشدو مثلك كونت ، ولمثلها
خلق الإله البلبل المطرابا
*
ليت الرياض تعيرني ألوانها
لأصوغ منها للرئيس خطابا
وأقول إني عاجز عن شكره
عجز الأنامل أن تلم عبابا
أشكو إلى نفسي العزاء فتشتكي
مثلي ن وتصمت لا تحير جوابا
فلقد رأيت البحر حين رأيته
فوقفت مضطرب الرؤى هيابا
أعميد سوريا وكاشف ضرها
خلقت يداك من الشيوخ شبابا
وبلابل كانت تئن سجينة
أطلقتها وأطرتها أسرابا
يا صاحب الخلق المصفى كالندى
لو لم تكن بشراً لكنت سحابا
أمل الشبيبة في يدك وديعة
فارفع لها الأخلاق والآدابا
فالجهل أنى كان فهو عقوبة ،
والعلم أنى كان كان ثوابا
يا ويح نفسي كم تطاردني النوى
وتهد مني القلب والأعصابا
ودعت خلف البحر أمس أحبة
وغداً أودع ها هنا أحبابا

نــجــم
23-04-2011, 09:55 PM
تعالي

تعاليْ نتعاطاها كلونِ التبرِ أو أسطع
ونسقي النرجسَ الواشي بقايا الراحِ في الكاسِ
فلا يعرفُ من نحنُ ولا يُبصرُ ما نصنعْ
ولا ينقلُ عند الصبُّحِ نجوانا إلى الناسِ
***
تعالي نسرقُ اللذاتِ ما ساعفنا الهرُ
وما دمنا وما دامتْ لنا في العيشِ آمالُ
فإن مرَّ بنا الفجرُ وما أوقظنا الفجرُ
فما يوقظنا علمٌ ، ولا يوقظنا مالُ
***
تعالي نطلقُ الروحينِ منْ سجنِ التقاليدِ
فهذي زهرةُ الوادي تذيعُ العطر في الوادي
وهذا الطيرُ تياهٌ فخورٌ بالأغاريدِ
فمن ذا عنَّفَ الزهرةَ أو من وبخَ الشادي ؟
أرادَ اللهُ أن نعشقَ لما أوجدَ الحسنا
وألقى الحبَّ في قلبكِ إذ ألقاهُ في قلبي
مشيئتهُ ... وما كانت مشيئتهُ بلا معنى
فإن أحببتِ ما ذنبكِ أو أحببتُ ما ذنبي ؟
***
دعي اللاحي وما صنف والقالي وبهتانه
أللجدولِ أن يجري وللزهرة أن تعبقْ ،
وللأطيارِ أن تشتاقَ أياراً وألوانهُ ،
وما للقلبِ ، وهو القلب ، ؟أن يهوى وأن يعشق ؟
***
تعالي ، إنَّ الحبِ يدعونا إلى الغابِ
لكي يمزجنا كالماءِ والخمرةِ في كاسِ
ويغدو النورُ جلبابكِ في الغابِ وجلباني
فكم نصغي إلى الناس ونعصي خالقَ الناسِ
***
يريد الحبُّ أن نضحكَ فلنضحكْ مع الفجرِ
وأن نركضَ فلتركض مع الجدولِ والنهرِ
وأن نهتفَ فلنهتفْ مع البلبل والقمري
فمن يعلمُ بعد اليومِ ما يحدثُ أو يجري ؟
***
تعالي ، قبلما تسكتُ في الروضِ الشحاريرُ
ويذوي الحورُ والصفصافُ والنرجسُ والآسُ
تعالي ، قبلما تطمرُ أحلامي الأعاصيرُ
فنستيقظُ لا فجرٌ ، ولا خمرٌ ، ولا كاسُ

نــجــم
23-04-2011, 09:55 PM
حديث موجة

عندي لكُم نبأٌ عجيبٌ شقٌ
سأقصُّه وعليكُمُ تفسيرُهُ
إني رأيتُ البحرَ أخرسَ ساهياً
كالشيخِ طالَ بما مضى تفكيرهُ
فسألتُ نفسي حائراً متلجلجاً
ياليتِ شعري أينَ ضاعَ هديرهُ ؟
(( بالأمسِ)) قالت موجةٌ ثرثارةٌ
ومضت وأكملتِ الحديثَ صخورهُ:
بالأمسِ مرَّ بنا فتى من قومكم
رَّقت شمائُلهُ ودقَّ شُعورهُ
مترنحٌ من خمرةٍ قدسيةٍ
فيها الهوى وفتونهُ وفتورهُ
مترَّفقٌ في مشيهِ يطأ الثرى
وكأنما بين النُّجوم مسيرهُ
يلهو بأوتارِ الكمنجةِ والدُّجى
مرخيَّةٌ فوق العُنابِ سُتورهُ
يهدي إلى الوطنِ القديمِ سلامهُ
ويناشدُ الوطنَ الذي سيزورهُ
فشجا الخصمَّ نشيدُهُ وهتاُفهُ
فسها ، فضاع هديرُهُ وزيئرهُ
أعرفتموهُ ؟.. إنه هذا الفتى
هذا الذي سَحرَ الخصمُّ مرورهُ
((دوادُ)) والمزمارُ في نغمائهِ،


و ((الموصليُّ)) ، ومعبدٌ وسريرهُ
يا ضيفنا ، والأنسُ أنتَ رسوُلهُ
وبشيرهُ ، والفنُّ أنتَ أميرهُ
لو شاعَ في الفردوسِ أنَّك بيننا
لمشتْ إلينا سافراتٍ حورهُ
ذهبَ الربيعُ وجئتنا فكأنَّما
جاء الربيعُ زهورهُ وطيورهُ
ألفنُّ هشَّ إليكَ في أمرائهِ
تفتَّحت لك دورهُ وقصورهُ
إنَّ الجواهرَ بالجواهرِ أنسُها
أمَّا الترابُ فبالترابِ حبورهُ
يا شاعرَ الألحانِ إني شاعرٌ
أمسى ضئيلاً عند نورِك نورهُ
أسمى الكلامِ الشعرُ إلا أنهُ
أسماهُ ما أعيا الفتى تصويرهُ
وأحبُ أزهارِ الحدائقِ وردها
وأحبُ من وردِ الرياضِ عبيرهُ
أنت الفتى لك في النَسيمِ حفيفهُ
ولك الغديرُ صفاؤهُ وخريرهُ
ألقومُ صاغيةٌ إليك قلوبهم
والليلُ منصتةٌ إليك بدورهُ
وبهذهِ الأوتارِ سحرٌ جائلٌ
متماملٌ كالوحي حان ظهورهُ
إن كنت لا تهتاجُهُ وتثيرهُ
فمن الذي يهتاجهُ ويثيرهُ ؟
دغدغ بريشتك الكمنجة ينطلق
ويدبُ في أرواحنا تأثيرهُ
وامشِ بنا في كلَ لحنٍ فاتنٍ
كالماءِ يجري في الغصونِ طهورهُ
وأدِر على الجَلاسِ أكوابَ الهوى
في راحيتك سُلافهُ وعصيرهُ
فيخفُّ في الرُجلِ الحليمِ وقارُهُ
ويراجعُ الشيخ المسنََ غرورهُ
وتنامُ في صدرِ الشجيً همومُهُ
ويفيقُ في قلبِ الحزينِ سرورهُ
هذي الجموعُ الآن شخصٌ واحدٌ
لك حكمهُ وكما تشاءُ مصيرهُ
إن شئت طال هُتافهُ ونشيدُهُ
أو شئت دام نُواحهُ وزفيرهُ
إنًا وهبناك القلوب ولم نهبْ
إلا الذي لك قبلنا تدبيرهُ!

نــجــم
23-04-2011, 09:55 PM
حكمة المتنبي

جلستُ أناجي روح أحمدَ في الدجى
وللهمَّ حولي كالظلامِ سدولُ
أفكرُ في الدينا وأبحثُ في الورى
وعينيَ ما بينَ النجومِ تجولُ
طويلاً ، إلى أنْ نالَ من خاطري الونى
ورانَ على طرْفي الكليلِ ذبولُ
فأطرقتُ أمشي في سطورِ كتابهِ
بطرفي ، فألفيتُ السطورَ تقولُ
(( سوى وجعِ الحسَّادِ داو فإنهُ
إذا حلَّ في قلبٍ فليسَ يحولُ ))
(( فلا تطمعنَ من حاسدٍ في مودةٍ
وأن كنتَ تُبديها لَهُ وتنيلُ ))

نــجــم
23-04-2011, 09:55 PM
حكاية حال

هجرتُ القوافي ما بنفسي ملالة
سِواي ، إذا اشتدَّ الزّمانُ ، ملُولُ
ولكنْ عدتني أن أقولَ حوادثٌ
إذا نزلتْ بالطودِ كادَ يزولُ
وبغَّضني الأشعارَ أنَّ دُعاتها
كثيرٌ ، وأنَّ الصَّادقينَ قليلُ
وأنَّ الفتى في ذي الرُّبوع عقارُهُ
وأموالهُ والباقياتُ فضولُ
سكتُّ سكُوتَ الطيرِ في الرَّوض بعدما
ذوى الرَّوضُ واحتاجَ النبَّاتَ ذُبولُ
فما هزَّني إلاَّ حديثٌ سمعتهُ
عن الغيدِ كالغيدِ الحِسانِ جميلُ
فما أنا في هذي الحكايةِ شاعِرٌ
ولكنْ كما قالَ الرُّواةُ أقولُ
***
فتًى مِن سَراةِ النَّاسِ ، كلُّ جُدودهِ
سريُّ ، كريمُ النبعتينِ ، نبيلُ
قضى في ابتناءِ المُكرماتِ زمتنهُ
ينالُ ويرجُوهُ السَّوى فيُنيلُ
فدكَّ مباني عِزّهِ الدَّهرُ بغتةً
وقلمَ منهُ الظُّفرَ فهو كليلُ
هوى مِثلما يهوي إلى الأرضِ كوكبٌ
كذاكَ اللَّيالي بالأنامِ تدولُ
وكانَ لهُ في الدَّهر بطشٌ وصولةٌ
فأمستْ عليهِ الحادثاتُ تصُولُ
وكان لهَ ألفا خليلٍ وصاحبٍ
فأعوزهُ ، عند البلاءِ ، خليلُ
تفرَّقَ عنهُ صحبُهُ فكأنما
بهِ مرضٌ ، أعيا الأساةَ ، وبيلُ
وأنكرهُ من كان يحلفُ باسمهِ
كما يُنكرُ الدَّينَ القديمَ عميلُ
فأصبحَ مثلَ الفُلكِ في البحر ضائعاً
يميلُ معَ الأمواجِ حيثُ تميلُ
يكادُ يمدُّ الكفَّ لولا بقيَّةٌ
من الصَّبرِ في ذاكَ الرّداءِ تجولُ
***
زوى نفسهُ كي لا يرى النَّاسُ ضرَّهُ
فيشمتَ قالٍ أو يُسرَّ عذولُ
بدارٍ ... أناخَ البُؤسُ فيها ركابه
وجُرَّتْ عليها للخرابِ ذيولُ
مُهدَّمةِ الجُدرانِ مثلَ ضُلُوعهِ
بها اليأسُ صمتٌ والسَّقام مجولٌ
تمرُّ عليها الرّيحُ ولهى حزينة
ويرنو إليها النَّجمُ وهو ضئيلُ
إذ ما تجلّى البدرُ في الأفقِ طالعاً
رعاهُ ، إلى أن يعتريه أفولُ
حبالُ الأماني عند قومٍ شُعاعه
ولكنَّه في مُقلتيهِ نُصُولُ
فيا عجبا حتَّى النُّجُومُ تُضَّلُّهُ
وفي نورِها للمُدلجينَ دليلُ
وهلْ تهتدي بالبدرِ عينٌ قريحةٌ
عليها من الدَّمعِ السَّخينِ سُدولُ ؟
***
عفا الناسُ ، واستولت عليهم سَكينةٌ ،
فما بالُه استولى عليهِ ذهولُ ؟
تأمَّلَ في أحزانهِ وشقائِهِ
فهانَ عليهِ العيشُ وهو جميلُ
فمدَّ إلى السَّكَّينِ كفاً نقيَّةً
أبتْ أن يراهَا تستغيثُ بخيلُ
وقرَّبها من صدرهِ ثمَّ هزَّها
وكاد بها نحو الفُؤاد يميلُ
وإذ شبحٌ يستعجِلُ الخطوَ نحوهَ
وصوتٌ لطيفٌ في الظَّلام يقولُ :
رُويدكَ ، فالضَّنكُ الذي أنتَ حامل
متى زالَ هذا اللَّيلُ سَوفَ يزولُ
نعم ، هي إحدى محسِناتِ نسائنا
ألا إنَّ أجرَ المُحسناتِ جزيلُ
أبتْ نفسُها أن يكحل النَّومُ جفنها
وجفنُ المُعنَّى بالسُّهاد كحيلُ
وأن تتولَّى الابتساماتُ ثغرها
وفي الحيَّ مكلومُ الفُؤادِ عليلُ
فلم تتنافلْ صُنعها ألسُنُ الورى
ولا قُرعتْ في الخافقين طُبُولُ
ولا أحسنتْ كي تُعلنَ الصُّحُفُ إسمها
فتعلمَ جاراتٌ لها وقبيلُ
كذا فليُواسِ البائسينَ ذوو الغنى
وإني لهم بالصَّالحاتِ كفيلُ
فإنَّ القُصُورَ الشَّاهقاتِ إذا خلت
من البِرَّ والإحسّانِ فهي طُلُولُ
وخيرُ دموعِ الباكيانِ هي التي
متى سالَ دمعُ البائسينَ تسيلُ !
***
ألا إنَّ شعباً لا تعزُّ نساؤهُ
وإن طارَ فوقَ الفرقدينِ ، ذليلُ
وكلُّ نهارٍ لا يكُنَّ شُمُوسهُ
فذلك ليلٌ حالِكٌ وطويلُ
وكلُّ سُرورٍ غيرهُنَّ كآبةٌ
وكلُّ نشَاطٍ غيْرُهنَّ خُمولُ

نــجــم
23-04-2011, 09:56 PM
حكاية قديمة


وربت أمريكية خلت ودها
يدوم ، ولكن ما لغانية ود
صبوت إلى هند فلما رأيتها
سلوت بها هنداً وما صنعت هند
وأوحت لها عيناي أن صبابة
تلجلج في صدري وأحذر أن تبدو
فألقت إلى أترابها وتبسمت
أعي سكوت الصب أم صمته عمد؟
فقلت سلام الله ، قالت وبره،
فقلت : أهزل ذلك القول أم جد
وأمسكت أنفاسي وأرهفت مسمعي
ففي نفسي جزر وفي مسمعي مد
فقالت وددنا لو عرفنا من الفتى
وما يبتغيه؟ قلت ما يبتغي العبد؟
له كبد حرى، وقلب مكلم
غلطت ، فما للصب قلب ولا كبد
قتيل ولكن ثوبه كفن له
وكل مكان يستريح به لحد
فإن لم يكن من نظرة ترأب الحشا
فردي عليه قلبه وبه زهد
فضرج خديها احمرار كأنما
تصاعد من قلبي إلى خدها الوجد
وقربها مني وقربني الهوى
إلى أن ظننا أننا واحد فرد
وكهرب روحينا فلما تنهدت
تنهدت حتى كاد صدري ينهد
وكان حديث خلت أني حفظته
فاذهلني عنه الذي كان من بعد
*
أمرت فؤادي أن يطيع فؤادها
فيبكي كما تبكي وتشدو كما تشدو
وقلت لنفسي هذه منتهى المنى
وهذا مجال الشكر إن فاتك الحمد
فإن ترغبي عنها، وفيك بقية،
فما أنت نفسي إنما أنت لي ضد
ومرت ليال والمنى تجذب المنى
وقلبي، كما شاءت، يلين ويشتد
نروح ونغدو والليالي كأنها
وقوف لأمر لا تروح ولا تغدو
وما زلت تستخفي علي عيوبها
إلى أن تولى الغي وأتضح الرشد
رأى الدهر سداً حول قلبي وقلبها
فما زال حتى صار بينهما السد
خدعت بها والحر سهل خداعه
فلا طالعي يمن ولا كوكبي سعد
وكنا تعاهدنا على الموت في الهوى
فما لبثت إلا كما يلبث الورد
كأني ما ألصقت ثغري بثغرها
ولا بات زندي وهو في جيدها عقد
ولم نشتمل بالليل والحي نائم
ولم نستتر بالروض والليل ممتد
ولا هزنا شدو الحمائم في الضحى
ولا ضمنا بيت ولم يحونا برد
*
إن لاح في فودي القتير نكرتني
أيزهد في الصمصام إن خلق الغمد
لئن كان لون الشعر ما تعشقينه
فدم أبيضاً ما دمت يا شعري الجعد
فلا تشتمي مني فلست بمأمن
ولا تزهدي فيه ، فليس به زهد
هو الفاتح الغازي الذي لا ترده
عن الفاتح الغازي قلاع ولا جند
فلو كان غير الشيب عني صرفته
ولكن حكم الله ليس له رد
وإن تعرضي عن مفرقي وهو أبيض
فيا طالما قبلته وهو مسود
شفى الله نفسي لا شفى الله نفسها
ولا غاب عن أجفانها الدمع والسهد
فلا ثغرها در ولا أقحوانة
ولا دمعها طل ولا ريقها شهد
ولا قدها غصن ولا خيزرانة
ولا خصرها غور ولا ردفها نجد
ولا وجهها شمس ولا شعرها دجى
ولا صدها حر ولا وصلها برد
أحب إلى نفسي الردى من لقائها
وأجمل في عيني من وجهها القرد
فإن تلمس الثوب الذي أنا لابس
قددت بكفي الثوب من قبل ينقد
وإن تقرب الدار التي أنا ساكن
هجرت مغانيها لو أنها الخلد
فإن كان غيري لم يزل دينه الهوى
فإني ، ولا أخشى الملامة ، مرتد !!

نــجــم
23-04-2011, 09:56 PM
دودة وبلبل


نظرت دودة تدب على الأرض
إلى بلبل يطير ويصدح
فمضت تشتكي إلى الورق الساقط
في الحقل أنها لم تجنح
فأتت نملة إليها وقالت
اقنعي واسكتي فما لك أصلح
ما تمنيت إذ تمنيت إلا
أن تصيري طيراً يصاد ويذبح
فالزمي الارض فهي أحنى على الدود ،
وخلي الكلام فالصمت أريح

نــجــم
23-04-2011, 09:56 PM
ذكرى

لقد ذكرتك بعد يأس قاتل
في ضحوة كثرت بها الأنواء
فوددت أني غرسة أو زهرة
ووددت أنك عاصف أو ماء

نــجــم
23-04-2011, 09:57 PM
ذكرى وعبرة

عاطيتها في الكأس مثل رضابها
تسري إلى قلبِ الجبانِ فيشجعُ
يطفو الحبابُ على أديمِ كؤوسها
فكأنَّ تبراً باللَّجينِ يرصَّعُ
وكأنَّما تلك الكؤوسُ نواظرٌ
تبكي ، وهاتيكَ الفواقعُ أدمعُ
مشمولةٌ تغري بصفرتها البخيلَ
بها فيطمعُ بالنّضارِ وتطمعُ
شمطاءُ إلاَّ أنها محجوبةٌ ،
عذراءُ إلاَّ أنها لا تُمنع
ما زلتُ أسقيها إلى أن أخضعتْ
منها فُؤاداً للهوى لا يخضعُ
فعلتْ بها مثلُ الذي فعلتْ بنا
ألحاظها ، إنَّ اللحاظ لتصرعُ
لما انتشت ومضى الخفاءُ لشأنهِ
باحت إليَّ بما تُكنُّ الأضلعُ
فعلمتُ أني قد خُدِعتُ بحبَّها
زمناً ، وكنتُ أظنني لا أخدعُ
ما كنتُ أعلمُ قبل أن أسكرتها
أن الفؤادَ بُحبَّ غيريَ مُولعُ
تركتُها نشوى تُغالبُ أمرها
والأمرُ بعد وقوعهِ لا يُدفعُ
ورجعتُ عنها واثقاً من أنَّ ما
قد كان من حبَّي لها لا يرجعُ
لبكيتُ لو أن البكاءَ أفادني
وندمتُ لو أنَّ الندامةَ تنفعُ

نــجــم
23-04-2011, 09:57 PM
رثاء

أودى فنُورُ الفرقدينِ ضئيلُ
وعلى المنازلِ رهبةٌ وذهولُ
خلقَ الأسى في قلبِ من جهلَ الأسى
قولُ اُلمخبَّر : مَاتَ رافائِيلُ
فمن الجوى بينَ الضلُوعِ صواعقٌ
وعلى الخُدودِ منَ الدموعُ سيُولُ
قال الذي وجد الأسى فوق البُكا
وبكى الذي لا يستطيعُ يقولُ
يا مُونسَ الأمواتِ في أرماسها
في الأرضِ بعدكَ وحشةٌ وخُمولُ
لا الشَّمسُ سافرةٌ ولا وجهُ الثَّرى
حالٍ ، ولا ظلُّ الحياةِ ظليلُ
ما زالَ هذا الكونُ بعدكَ مِثلهُ
لكنَّ نورَ الباصراتِ كليلُ
نبراسُنا في ليلِ كلُّ مُلِمَّةٍ
اللَّيلُ بعدكَ حالكٌ وطويلُ
هبني بيانكَ ، إنَّ عقلي ذاهلٌ
ساهٍ وغربُ يراعتي مفلُولُ
قدفتَّ في عضدِ القريضِ وهدَّهُ
هولُ المُصابِ ، فعقدُِهُ محلُولُ
مالي أرى الدُّنيا كأنَّي لا أرى
أحداً كأن العالمينَ فُضولُ
أبكي إذا مرَّ الغناءُ بمسمعي
فكأنَّ شدوَ الشَّادياتِ عويلُ
نفسي التي عللتني بلقائه
اليوم لا أملُ ولا تعليلُ
ذوبي فإنَّ العِلمَ مادَ عمادُهُ
والدَّينَ أغمدَ سيفهُ المسلولُ
ذا مقامٌ لا التفجُّعَ سُبةٌ
فيهِ ولا الصبرُ الجميلُ جميلُ
ما كُنتُ أدري قبل طارَ نعيُّهُ
أن النُّفوسَ منَ العُيونِ تسيلُ
ما أحمق الإنسان يسكُنُ للمنى
والموتُ يخطُرُ حولهُ ويجُولُ
يهوى الحياة كأنما هو خالدٌ
أبداً ويعلمُ أنهُ سيزولُ
ومن العجائبِ أن يحنَّ إلى غدٍ
وغدٌ ، وما يأتي بهِ ، مجهولُ
لا تركُننَّ إلى الحياةِ فإنَّها
دُنيا هُلُولكٌ للرّجالِ قتولُ
سكت الذي راض الكلامَ وقادهُ
حتى كأنَّ لسانهُ مكبولُ
يا قاتل الخُطبِ الحِسانِ كأنَّها
لجمالها ، الإلهامُ والتنزيلُ
إن كان ذاكَ الوجهُ حجبهُ الثَّرى
للنجم في كبدِ السَّماءِ أفولُ
ليس الحمامُ بناقدٍ لكنَّما
قدرُ العظيم على العظيمِ ذليلُ
نم تحرسُ الأملاكُ قبرك إنهُ
فيهِ الوقارُ وحولهُ التبجيلُ
فلكم قطعت الليلَ خافٍ نجمهُ
مُتجهجَّداً ، والسَّاهِرونَ قليلُ
مُستنزلاً عفو الإلهِ عن الورى
حتى كأنكَ وحدَكَ المسئولُ
تبغي اللَّذاذاتِ النَّفوسُ وتشتهي
واللهُ ما تبغيهِ والإنجيلُ
لولا مدارسُ شُدتها وكنائسٌ
ما كان إلاَّ الجهلُ والتَّعطيلُ
أنفقتَ عُمركَ في الإلهِ مُجاهداً
أجرُ المجاهدِ في الآلهِ جزيلُ

نــجــم
23-04-2011, 09:57 PM
ربع الشمال

سألتُ ، وقد مرَّتِ الشمألُ
تنوحُ وآونةً تُعْوِلُ
إلى أيما غايةٍ تركضينَ ؟
ألا مستقرٌ ؟ ألا موئلُ ؟
وكم تعولينَ ، وكم تصرحين ،
كعصفورةٍ راعها الأجدلُ ؟
لقد طرحَ الغصنُ أوراقهُ
من الذعرِ ، واضطربَ الجدولُ
وضلَّ الطريقَ إلى عشهِ
فهامَ على وجههِ البلبلُ
وغطى السُّهى وجههُ بالغمامِ
كما ينزوي الخائفُ الأعزلُ
وكادتْ تخرُّ لديكِ الهضابُ
وتركضُ قدَّامكِ الأجبلُ
***
أبنتَ الفضاءِ أضاقَ الفضاءُ
فأنتِ إلى غيره أميلُ ؟
أغاظكِ أنَّ الدجى لا يزولُ
وأنَ الكواكسَ لا تأفلُ ؟
أتبكينَ آمالكِ الضائعاتِ ؟
هل الريحُ مثل الورى تأملُ ؟
أيعدو وراءكِ جيشٌ كثيفٌ ؟
أمثلكِ يرهبه الجحفلُ ؟
وما فيكِ عضوٌ ولا مفصلٌ
فتقطعُ أوصالكِ الأنصلُ
فجاوبني هاتفٌ في الظلام :
غلطتَ فما هذه الشمألُ
ولكنها أنفسُ الغابرينَ
تجوسُ الديارَ ولا تنزلُ
فقلتُ : ألأينهض من في القبورِ
وفوقهمُ التربُ والجندلُ ؟
أجابَ الصدى ضاحكاً ساخراً
إللى كم تحارُ ، وكم تسالُ ؟
وترفعُ عينيكَ نحو السماءِ
وليستْ تُبالي ولا تحفلُ ؟
من البحرِ تصعدُ هذي الغيوثُ
وتهطلُ في البحرِ إذ تهطلُ
وفي الجوَّ إن خفيت نسمةٌ
وفي الأرض إن نضب المنهلُ
***
لقد كان في أمسِ ما قبلهِ
وفي غدِهِ يومُكَ المقبلُ
عجبتُ لباكٍ على أوَّلٍ
وفي الآخرِ النائحُ الأولُ
***
همُ في الشرابِ الذي نحتسي
وهُمْ في الطعامِ الذي نأكلُ
وهمْ في الهواءِ الذي حولنا
وفي ما نقولُ وما نفعلُ
فمنْ حسبَ العيشَ دينا وأخرى
فذا رجلٌ عقله أحولُ

نــجــم
23-04-2011, 09:57 PM
رسم سياسي

رسمٌ تعلم منهُ ناظري الولعا
كأنَّ طرفي قلبي فيه قد وُضعا
يمثلُ البيضَ حول الصين قد وقفوا
وذلك الدُّبُ في ( منشورا ) رتعَا
مشى به ِ نحوها في نفسهِ أملٌ
وراح يمشي إلى ما بعدها جشعا
كالنارِ تأكلُ أكلاً ما يُصادفها
والسيلُ يجرفُ ما يلقاهُ مندفعا
فقام ( بالصفرِ) داعٍ من حليفتهم
مليكةِ الهندِ أنْ هُبوا فقد طمعا
قالتْ أحذركُم من يُخادعكُم
فطالما خُدعَ الإنسانُ فانخدعا
إني محضتُكُمُ نُصح الصديقِ عسىَ
خيراَ يفيدكُم فالنصحُ كم نفعا
وغيرُ مُنتفعٍ بالنصحِ غيرُ فتًى
إذا تحدَّث ذو عقلٍ صغى ووعى
سارتْ إليهمْ فتاةٌ وانثنت رجلاً
وما أرى أحدٌ هذا ولا سمعا
حتى إذا ما رأت منشوريا اختنقت
بالقومِ ضيفاً وخرقُ الشَّر مُتسعا
كاددت تطيرُ سروراً بالنَّجاحِ وقد
كادتْ على الهندِ تقضي قبل ذا جزعا
نبثتُ أنَّ الوغى في الصين دائرةٌ
فما لها صادفتْ في النيلِ مُرتبعا ؟

نــجــم
23-04-2011, 09:57 PM
رؤيا


رؤيا منام .. رب حلم في الكرى
فيه تلوح حقائق الأشياء
إني حلمت كأني سائر
في روضة خلابة غناء
ألنور مفروش على طرقاتها
والعطر في النسمات والأفياء
والعشب فيها سندس متموج
والجو أضواء على أضواء
وإذا بصوت كالهرير يطن في
أذني ، وأنياب تصر ورائي
فأدرت طرفي باحثاً متعجباً
مما سمعت ، ولست في بيداء
فإذا ورائي في الحديقة نابح
ضاري المحاجر ضامر الأحشاء
كادت تطل عروقه من جلده
وتطل معها شهوة لدمائي
أشفقت يعلق نابه بردائي
فرفسته غضباً فطار حذائي
فطوى نواجذه عليه كأنما
عضت نواجذه على العنقاء
ومضى به لرفاقه فتهللوا
وتقاسموه ، فكان خير عشاء
لا يعجبن أحد رآني حافياً
أبلت نعالي ألسن السفهاء..

نــجــم
23-04-2011, 09:58 PM
رؤيا ثانية


وحلمت ثانية، وكان الكون لم
تبرح عليه كلاكل الظلماء
أني رأيت جرادة مطروحة
في سبخة منهوكة الأعضاء
ترنو إلى الأفق البعيد بمقلة
كلمى ، وتشتم أنجم الجوزاء
فسألتها ماذا عراك فلم تجب ،
فسألت عنها ومرة الرفقاء
قالوا : رفيقتنا شهيدة هزئها
بنصائح العقلاء والحكماء
كانت إذا جاعت فحبة خردل
تكفي ، وإن عطشت فنقطة ماء
سمعت بنهر في السماء وجنة
ليست لتصويح ولا لفناء
ألعطر في أثمارها ، والشهد في
أنهارها ، والسحر في الأنداء
فاستنكفت أن تستمر حياتها
في الأرض جاثمة على الأقذاء
فمضت تحلق في الفضاء ولم تزل
حتى وهت فهوت إلى الغبراء
رجعت إلى الدنيا التي خلقت لها
لم تخلق الحشرات للأجواء
هذي حكايتها وفيها عبرة
للطائشين كهذه الحمقاء

نــجــم
23-04-2011, 09:58 PM
روحي فداك

لما رأيتُ الوردَ في خديَّكِ
وشقائقَ النعمانِ في شفتيكِ
وعلى جبينكِ مثلَ قطراتِ النّدى
والنرجسَ الوسنانَ في عينيكِ
ونشقتُ من فوديكِ ندّاً عاطراً
لما مشتْ كفَّاكِ في فوديكِ
ورأيتُ رأسكِ بالأقاحِ متوَّجاً
والفُلَّ طاقاتٍ على نهديكِ
وسمعتُ حولكِ همسَ نسماتِ الصَّبا
عند الصباحِ تهزُّ من عطفيكِ
أيقنتُ أنكِ جنةٌ خلابةٌ
فخنتُ من بعدِ المشيب إليكِ
ولذاكَ قد صيَّرتُ قلبي نحلةً
ياجنتَّي حتى يحومَ عليكِ روحي فداؤكِ إنها لو لم تكُنْ
في راحتيكِ هوتْ على قدميك ...

نــجــم
23-04-2011, 09:58 PM
روعة العيد


يا شاعرَ الحسن هذي روعة ُ العيدِ
فاستنجد الوحيَ واهتف بالأناشيدِ
هذا النعيمُ الذي قد كنتَ تنشدُهُ
لا تـَلهُ عنه بشيءٍِ غير موجودِ
محاسنُ الصَّيفِ في سهل ٍ وفي جبل ٍ
ونشوة ُ الصيفِ حتى في الجلاميدِ
وليستَ تبصرُ وجهاً غيرَ مؤتلق ٍ
ولستَ تسمعُ إلاّ صوتَ غرّيدِ
قم حدّث الناس عن لبنان كيف نجا
مِنَ الطغاةِ العتاة البيض والسود
وكيف هشَّتْ دمشقُ بعد محنتِهَا
واسترجعت كلّ مسلوبٍ ومفقودِ

*

فاليوم لا أجنبيٌّ يستبدُّ بنا
ويستخفُّ بنا استخفافَ عربيدِ
يا أرْزُ صفِّقْ، ويا أبناءهُ ابتهجوا،
قد أصبح السِّربُ في أمن ٍ من السّيدِ

*

ما بلبلٌ كان مسجوناً فأطلقهُ
سحّانه، بعد تعذيبٍ وتنكيدِ
فراحَ يطوي الفضاء الرّحب منطلقاً
إلى الرُّبى والسواقي والأماليدِ
إلى المروج يُصلي في مسارحِهَا،
إلى الكروم يُغني للعناقيد
مني بأسعدَ نفساً قد نزلتْ على
قومي الصناديدِ أبناء الصناديدِ
سماءُ لبنان بشرٌ في ملامحهمْ
وفجره في ثغور ِ الخُرَّدِ الغيدِ
إن تسكنوا الطود صارَ الطودُ قبلتـَنـَا
أو تهبطوا البيدَ لم نعشق سوى البيدِ

نــجــم
23-04-2011, 09:58 PM
سبيل التوحيد

ما كان أحوج سورياً إلى بطلٍ
يرُدُّ بالسَّيف عنها كلَّ مفترس
ولا يزالُ بها والسَّيفُ في يده
حتى يُطهرها من كل ذي دنس
ويجعل الحب دين القاطنين بها
دينٌ يُقربُ بين ((البيت)) والقدُس
حتى أرى ضارب النَّاقوس يطربُهُ
صوتُ الأذين ، وهذا رنةُ الجرس

نــجــم
23-04-2011, 09:58 PM
ستعود دنيانا أحب وأجملا

لم أنسَ حينَ مشتْ إليَّ تلومني
لما رأتني باسماً متهللا
قالتْ - أتطربُ والمنايا حوَّمٌ
في الأرضِ كيفَ رمتْ أصابتْ مقتلا
أنظرْ ، فقد خلتِ البيوتُ من الشبابِ
ولا جمالٌ لمنزلٍ منهمْ خلا
فسألتها - أوَ ليسَ من أجلِ العُلى
وهنائِنا خاضوا الوغى ؟ قالتْ- بلى
ياهذهِ ، أإذا بكيتُ لبعدهمْ
يبتسمونَ؟ أجابتِ الحسناءُ - لا
كُفيّ الملامَ إذنْ فما أنا جاهلٌ
ما تعلمينَ ، وكيفَ لي أنْ أجهلا
لكنْ بعثتُ الفكرَ في آثارهمْ
في البحِ ، في الأجواءِ ، في عرضِ الفلا
فرأيتُ نورَ المجدِ فوقَ بنودهمْ
ورأيتهمْ يمشونَ من نصرٍ إلى ...
سدّوا على الباغي المسالكَ كلَّها
فالموتُ إنْ ولى وإنْ هُوَ أقبلا
فإذا شممتِ اليومَ رائحةَ الدماءِ
وطالعتْ عيناكِ آثارَ البلى
فاستبشري ، فغداً إذا النقعُ انجلى
ستعودُ دنيانا أحبَّ وأجملا

نــجــم
23-04-2011, 09:59 PM
سقوط ارضروم

أعد حديثك عندي أيها الرجل
وقل كما قالت الأنباء والرُّسل
قد هاج ما نقل الرّاوون بي طرباً
ما أجمل الرُّسل في عيني وما نقلوا
فاجمع روياتهم واملأ بها أذني
حتى تراني كأني شارب ثمل
دع زخرف القول فيما أنت ناقله
إنَ المليحة لا يزري بها العطل
فكلٌّ سمع إذا قلت (( السّلاف )) فم
وكل قول إليهم ينتهي عسل
لاتسقني الراح إلا عند ذكرهم
أوذكر قائدهم أوذكر مافعلوا
هم المساميح يحي الأرض جودهم
إذاتنكب عنها العارض الهطل
هم المصابيح تستهدي العيون بها
إذا إكفهر الدجى وإحتارت المقل
هم الغزاة بنو الصيد الغزاة
بهم وبطشهم بالأعادي يضرب المثل
قوم يبيت الضعيف المستجير بهم
من حوله الجند والعسالة الذبل
فمايلم بمن صافاهم ألم
ولايدوم لمن عاداهم أمل
تدري العلوج إذا هزوا صوارهم
أي الدماء بها في الأرض تنهمل
***
أيطلب الترك أن تعلو أهلتهم
........................................
وللغرندق رأي مثل صارمه
يزل عن صفحتيه الحادث الجلل
المقبل الصدر والأبطال ناكصة
تحت العجاجة لايبدو لها قبل
والباسم الثغر، والأشلاء طائرة
عن جانبيه وحر الطعن متصل
سعد السعود على السؤال طالعه
لاكنه في ميادين الوغى زحل
في كل سيف سوى بتاره فلل
وكل رأي سوى أرائه زلل
يا ابن الملوك الألى قد شاد واحدهم
ملم تشيده أملاك ولا دول
وقائد الجيش ماللريح منفرج
فيه ولكن لها من حولها زجل
توهم الترك لما حان حينهم
أن الألى وتروا آبائهم غفلوا
حتى طلعتَ من ((القُوقاس)) في لجبٍ
تضيقُ عنهُ فجاجُ الأرضِ والسُبل
فأدركوا أنهُم نامُوا على غررٍ
وأنَّكَ البدرُ في الأفلاكِ تنتقلُ
يا يومَ صبحتُم والنَّقعُ مُعتكرٌ
كأنهُ اللَّيلُ فوق الأرضِ مُنسدلُ
ليلٌ يسيرُ على ضوءِ السُّيُوف بهِ
ويهتدي بالصّليلِ الفارسُ البطلُ
بُكلَّ أروعَ ما في قلبهِ خورٌ
عند الصَّدامِ ، ولا في زندهِ شللُ
وكلَّ مُنجردِ في سرجهِ أسدٌ
في كفَّهِ خذِمٌ ، في حدَّهِ الأجلُ
وكلَّ راعفةٍ بالموتِ هادرةٍ
كأنَّها الشَّاعرُ المطبُوعُِ يرتجلُ
سوداءَ تقذفُ من فُوهاتها حمماً
هي الصَّواعقُ إَّلا أنَّها شُعلُ
لا تحفظُ الدَّرعُ منها جسمَ لابسها
ولا يُنجّي الحصُونَ الصَّخرُ والرَّملُ
فالبيضُ تأخذُ منهم كيفما انفتلتْ
والذُّعرُ يُمعنُ فيهم كيفما انفتلوا
وكأنما وصلُوا ما انبتَّ باغتُهم
ليثٌ يُقطَّعُ بالفصَّالِ ما وصلوا
فأسلمُوا (( أرضروُماً)) لا طواعيةً
لو كان في وسُعهمُ إمساكُها بخلُوا
كم حوطوها وكم شادوا الحُصُونَ بها
حتَّى طلعتَ فلا حِصنٌ ولا رجُلُ
وفرَّ قئدُهُمْ لَّما عرضت لهُ
كما يفرُّ أمامَ القشعمِ الحجلُ
ومنْ يشُكُّ بأنَّ الوعلَ منهزمٌ
إذا التقى الأسدُ الضّرغامُ والوَعلُ ؟
لمْ يقصْرِ الرّمحُ عن إدراكِ مُهجتهِ
لكنْ حمى صدرهُ وقعَ الظُّبى ، الكفلُ
تعلَّم الرَّكضَ حتَّى ليسَ تلحقُهُ
هُوجُ الرَّياحِ ولا خيلٌ ولا إبلُ
يخالُ من رعُبهِ الأطوادَ راكِضةً
معهُ وما ركضتْ قُدَّامهُ القُللُ
ويحسبُ الأرضَ قدْ مادت مناكبُها
كذاك يمسخُ عينَ الخائفِ الوجلُ
وباتَ ((أنورُ)) في ((يلديز)) مُختبئاً
لأِمَّهِ وأبيهِ الثُّكلُ والهبلُ
يطيرُ ، إن صرَّتِ الأبوابُ ، طائرُهُد
ويصرخُ ((الغوثَ)) إمَّا وسوسَ القُفُلُ
في جفنهِ أرقٌ ، في نفسهِ فرقٌ
في جسمِهِ سقمٌ ، في عقلهِ دخلُ
في وجهه صفرةٌ حارَ الطَّبيبُ بها
مايصنعُ الطَّبُّ فيمنْ داؤهُ الخبلُ ؟
لم يبقَ فيهِ دمٌ كيما يُجمَّعَهُ
في وجههِ ، عندَ ذكر الخيبةِ ، الخجلُ
يطوفُ في القصر لا يلوي على أحدٍ
كأنَّهُ ناسكٌ في القفرِ مُعتزلُ
لا بهجةُ الملكِ تُنسيهِ هَوَاجِسه
ولا تُروَّحُ عنهُ الأعينُ النُّجُلُ
إذا تمثَّلَ جيشَ التُّركِ مُندحِراً
ضاقتْ بهِ ، مثلما ضاقتْ بذا ، الحيلُ
***
يا كاشفَ الضُّرَّ عمنَ طالَ صبرُهُمُ
على النوائبِ ، لا مرَّتْ بكَ العَللُ
أطلقتهُم من قُيُودِ الظلُّم فأنطلقوا
وكُلُّهمْ ألسُنٌ تدعُو وتبتهلُ
لو كانَ ينشُرُ ميتاً غيرُ بارئهِ
نشرتَ ؟، بعدَ الرَّدى ، أرواحَ من قُتلُوا
بغى عليهمْ عُلُوجُ التُّركِ بغيهُمُ
لم يشحذوا للوغى سيفاً ولا صقلُوا
خانوهُمُ وأذاعُوا أنُّهمْ نفرٌ
خانُوا البلادَ بما قاُلوا وما عمِلوا
ياللطغامِ ! ويا بُهتانَ ما زعمُوا
متى أساءَ إلى ذي المخلبِ الحملُ ؟
هبُوا الرّجالَ لأمرٍ أحدثوا حدثاً
فما الذَّي جنتِ العذراءُ والطفلُ ؟
أجدُّكُم ، كُلَّما جوٌ خلا ، (( أسدٌ))
وجدُّكُم ، كُلَّما شبَّت وغًى ، ((ثُعلُ)) ؟
قد جاء من يمنعُ الضَّعفى ويُرغُمكُم
إن تحملُوا عنهمُ النّير الذي حملُوا
أمنت (( أرمينيا )) مِما تحاذرُهُ
فلن تعيثَ بها الأوغادُ والسّفلُ
***
ظنُّوكَ في شُغُلٍ حتَّى دهِمتهمُ
فأصبحُوا ولهمْ عن ظنَّهمْ شُغُلُ
مزَّقتَ جمعهُمُ تمزيقَ مُقتدرٍ
على المُهنَّدِ ، بعد الله ، يتَّكلُ
فهم شراذمُ حيرى لا نظامَ لها
كأنَّهمْ نورُ الآفاقِ أو هملُ
ألبستهمْ ثوبَ عارٍ لا تُطهَّرُهُ
نارُ الجحيم ولو في حرّها اغتسلُوا
(( جاويدُ )) فوقَ فِراشِ الذُّلَّ مُضطجعٌ
و (( طلعتٌ )) برداءِ الخوفِ مُشتملُ
أتستقرُّ جُنوبٌ في مضاجعها
وفي مضاجعها الأرزاءِ والغيلُ ؟
وتعرفُ الأمنَ أرواحٌ تُروعُها
ثلاثةٌ : أنتَ والنيّرانُ والأسَلُ ؟
لو لمْ تُقاتلهُمُ بالجيشِ قاتلهمْ
جيشٌ بغيرِ سلاحٍ إسمُهُ الوهلُ
أجريتَ خوفَ المنايا في عُروقهِمُ
فلن يعيشَ لهمْ نسْلٌ إذا نسلُوا
قد ماتَ كهلُهمُ من قبلِ ميتتهِ
وشاخَ ناشئُهمْ منْ قبل يكتهلُ
وقد ظفرتَ بهمْ والرّاسُ مُشتعلٌ
كما ظفرتَ بهمْ والعُمْرُ مُقتبلُ
فتحٌ تهلَّلتِ الدُّنيا بهِ فرحاً
فُكلُّ ربعِ ، خلا (( أستانةً )) جذِلُ
الشَّعبُ مُبتهجٌ ، والعرشُ مُغتبطٌ
وروحُ جدَّكَ في الفِردوسِ تحتفلُ !..

نــجــم
23-04-2011, 09:59 PM
سقوط بورت ارثور


من أسودٍ تسربلت بالحديد
ومن الجنِّ في رواء الجنود
ينشدون الوغى وما ينشدُ
الحسناء غير المتيّم المعمود
كلُّ قرم ٍ عليه درعٌ من الصّبر
ودرعٌ مسرودة ٌ من حديد
تحته أجرد أشدُّ حنيناً
واشتياقاً إلى الوغى من نجيدِ
سابحٌ عنده العسيرُ يسيرٌ
والقصيُّ القصيُّ غير بعيد
لو صبا للنجوم من قد علاه
أصبح الجوُّ تحته كالصعيد
تحسب الأرض قد جرت حين يجري
وتراه كأنّه في ركود
إنما يركب الجود جوادٌ
ويصون الذمار غير بليد
وخميس ٍ يحكي النجوم انتظاماً
عجباً من كواكب في بيدِ
أوقع الرُّعب في قلوب الضواري
فاستكانت كأنّها في قيودِ
أصبحت تهجر المياه وكانت
لا ترى الماء غير ماء الوريد
خافقاتٍ أعلامه، أرأيتم
كقلوب العشّاق عند الصدود
قاده ذلك الغضنفر (نوجي)
ويناط الحسام بالصنديد
رجلٌ دونه الرجال مقاماً
مشبهٌ في الأنام بيت القصيد
كلُّ سيفٍ في غير قبضة نوجي
فهو عند السيوف غير سعيد
يا يراعي سل (بورت أرثور) عنه
إنّ تلك الحصون خير شهود
معقلٌ أصبحت جحافل هيتو
حوله كالعقود حول الجيد
هجموا هجمة الضراغم لمّا
حسبوها فريسة ً للأسود
وتعالى الضجيج للأفق حتى
كاد ذاك الضجيج بالأفق يودي
وتوالى هجومهم والمنايا
ضاحكاتٌ، فيا لها من صيود
كم جريح ٍ مضرَّج ٍ بدماه
وقتيل ٍ على الثّرى ممدود
وأسير ٍ إلى أسير ٍيساقون
تباعاً إلى الشقاء العتيد
أسطرتهم مدافع الروس ناراً
أصبحوا بعدها بغير جلود
دامت الحرب أشهراً كلّما قيل
خبت نارها ذكت من جديد
والمنايا تحوم حول السّرايا
حومة العاشقين حول الغيد
حيث حظُّ المقدام مثل سواه
وكحظِّ الكبير حظُّ الوليد
صبر الروس صبر أيوبٍ للبلوى
على ذلك العدوِّ العنيد
غير أنّ الأيام طالت (وستوسل)
يمني أجفانه بالهجود
فتولاهم القنوط من النصر
فردّوا أسيافهم للغمود
كان هذا للصّفر عيداً وعند
الروس ضرباً من الليالي السود
قلعةٌ صانها الزمان فلولا
كيد نوجي لشَّرت بالخلوج

نــجــم
23-04-2011, 09:59 PM
شاعر الدير


عادت رياض القوافي وهي حالية
وكان صوح فيها الزهر والعشب
واسترجعت دولة الأفلام نخوتها
وكان أدركها الإعياء والتعب
بشاعر عبقري في قصائده
عطر، وخمر، وسحر رائق عجب
فاشرب بروحك خمراً كلها أرج
وانشق بروحك عطراً كله طرب
وامرح بدنيا جمال من تصوره
فإنها السحر إلا أنه أدب
وألبس مطارف حاكتها يراعته
تبقى عليك ويبلى الخز والقصب
كم درة يتمنى البحر لو نسبت
إليه باتت إلى مسعود تنتسب
لو أنها فيه لم تهتج غوار به
لكنها لسواء فهو يصطخب
فلا جناح إذا ما قال شاعرنا
للبحر - يا بحر أغلى الدار ما أهب !
*
يا شاعر (( الدير )) كم هلهلت قافية
غنى الرواة بها واختالت الكتب
طلاقة الفجر فيها وهو منبثق
ورقة الماء فيها وهو منسكب
مرت على هضبات الدير هائمة
فكاد يورق فيها الصخر والحطب
إذا تساقى الندامى الراح صافية
كانت قوافيك في الراح التي شربوا
فأنت في ألسن الأشياخ إن نطقوا
وأنت في همم الشبان إن وثبوا
*
مسعود عيدك والشهر جميل معاً
قد أقبلا، وأنا في الأرض أضطرب
يحز نفسي أني اليوم مبتعد
وأنت من حولك الأنصار والصحب
ألبيد (( والناس )) ما بيني وبينكم
ليت المهامة تطوى لي فأقترب
ما كان أسعدني لو كنت بينكم
كيما يؤدي لساني بعض ما يجب
لصاحب أنا تياه بصحبته
وشاعر طالما تاهت به العرب

نــجــم
23-04-2011, 10:00 PM
شاعر الشهور

(( أيَّارُ)) ، يا شاعرَ الشهورِ
وبسمة الحبَّ في الدهورِ
وخالق الزهر في الرواني
وخالق العطر في الزهورِ
وباعث الماءِ ذا خريرٍ
وموجد السحر في الخريرِ
وغاسل الأفق والدراري
والأرضِ بالنورِ والعبيرِ
لقد كسوتَ الثرى لباساً
أجمل عندي من الحريرِ
ما فيك قرٌ ولا هجيرٌ
ذهبت بالقرَ والهجيرِ
فلا ثلوجٌ على الروابي
ولا غمامٌ على البدورِ
أتيتَ فالكونُ مهرجانٌ
من اللذاذاتِ والحبورِ
أيقظت في الأنفس الأماني
والأبتساماتِ في الثغورِ
وكدت تحيي الموتى البوالي
وتنبتُ العشبَ في الصخورِ
وتجعلُ الشوكَ ذا أريجٍ
وتجعلُ الصخرَ ذا شعورِ
فأنيما سرتُ صوتُ بشرى
وكيفما ملتُ طيفُ نورِ
تشكو إليكَ الشتاء نفسي
وما جناهُ من الشرورِ
كم لذعَ الزمهريرُ جلدي
ودبَ حتى إلى ضميري
فلذتُ بالصوفِ أتقيهِ
فاخترقَ الصوفَ كالحريرِ
وكم ليالٍ جلستُ وحدي
منقبضَ الصدرِ كالأسيرِ
يهتزُ مع أنملي كتابي
ويرجفُ الحبرُ في السطورِ
تُعولُ فيها الرياحُ حولي
كنائحاتٍ على أميرِ
والغيثُ يهمي بلا انقطاعٍ،
والرعدُ مستتبعُ الزئيرِ
والليلُ محلولكُ الحواشي
وصامتُ البدءِ والأخيرِ
والشهبُ مرتاعةٌ كطيرٍ
مختبئاتٍ من الصقورِ
في غرفتي موقدٌ صغيرٌ
لله من موقدي الصغير!
يكادُ ينقدُّ جانباهُ
من شدَّة الغيظِ لا السعيرِ
لولا لظاهُ رقصتُ فيها
بغيرِ دفِّ على سريري
وساعةٍ وجهُها صفيقٌ
كأنه وجهُ مستعيرِ
أبطأ في السير عقرباها
فأبطأ الوقتُ في المسيرِ
حتى كأنَّ الزمانَ أعمى
يمشي على الشَّوك في الوعورِ
كنَّا طوينا المنى وقلنا :
ما للأمانيَّ من نشورِ
فلو يزورُ الصدور حلمٌ
عرَج منها على قبور
لقد توَلى الشتاءُ عَنا
فصفَقي ، يا منَى وطيري !

نــجــم
23-04-2011, 10:00 PM
شكوى

نسيت عهدي ، فلما جئتها
زعمت أني تناسيت العهود
وادعت أني خلي زاهد ،
أنا لو كنت كذا كنت سعيد
رغبت في الصد عني بعدما
بت لا يحزنني مثل الصدود
مثلما أنكر ثغري خدها
أنكرت فاتنتي تلك الوعود
يا شهودي عندما كنا معاً
ذكروها .. أين أنتم يا شهود ؟
سكت البدر الذي راقبنا
وذوت في الروض هاتيك الورود
ومشت ريح الصبا حائرة
في المغاني حيرة الصب العميد
يا هواها قل متى تتركني
قال أو تصفر هاتيك الخدود
أنا لا أدعو عليها بالضنى
أتقي أن يشمت القالي الحسود ..

نــجــم
23-04-2011, 10:00 PM
شكوى فتاة

لي بعل ظنه الناس أبي
صدقوني أنه غير أبي
واعدلوا عن لوم من لو مزجت
ما بها بالماء لم يستعذب
رب لوم لم يفد إلا العنا
كم سهام سددت لم تصيب؟
يشتكي المرء لمن يرثي له
رب شكوى خففت من نصب
*
زعموا أن الغواني لعب
إنما اللعبة طبعاً للصبي
وأنا ما زلت في شرخ الصبا
فلماذا فرط الأهلون بي؟
لي قد وجمال يزدري
ذاك بالغصن وذا بالكوكب
قد جرى حب العلى مجرى دمي
فهي سولي والوفا من مشربي
أنا لو يعلم أهلي درة
ظلمت في البيع كالمخشلب
أخذوا الدينار مني بدلاً
أتراني سلعة للمكسب ؟
لا، ولكن راعهم عصر به
ساد في الفتيان حب الذهب
ليس للآداب قدر بينهم
آه لو كان نضاراً أدبي !
حسبوني حين لازمت البكا
طفلة أجهل ما يدري أبي
ثم بالغول أبي هددني
أين من غول المنايا مهربي ؟
أشيب لو أنه يخشى الدجى
شاب ذعراً منه رأس الغيهب
ليت ما بيني وبين النوم من
فرقة بيني وبين الأشيب
يا له فظاً كثير الحزن لا
يعرف الأنس قليل الطرب
يخضب الشعر ولكن عبثاً
ليس تخفى لغة المستعرب
قل لأهل الأرض لا تخشوا الردى
إنه مشتغل في طلبي
ولمن يعجب من بغضي له
أيها الجاهل أمري اتئب
إنما للغصن إذا هب الهوا
مال للأغضان لا للحطب
وإذا المرء قضى عصر الصبا
صار أولى بالردى من مذهبي

نــجــم
23-04-2011, 10:00 PM
ضيف ثقيل

أقصُّ عليكمْ ما جرى لي بالأمسِ
فلي قصصٌ تجلو الهمومَ عن النفسِ
إذا قُلتُ قال الدهرُ أحسنتَ يافتًى
ولو كان ذا حسٍ لغابَ عن الحِسَّ
فدونكمُ هذا الحديثُ فإنَّهُ
ألذُّ وأشهى من مُعاقرةِ الكأشِ
جلستُ إلى طرش وقد عسعس الدُّجى
أسطرُ ما توحيهِ نفسيَ في طِرسي
وليسَ سوى نورٍ ضئيلٍ بجانبي
يلوحُ ويخفى كالرَّجاءِ لدى اليأسِ
وكالنقعِ في جوفِ الدواةِ أوِ الدُّجى
وكالهندواني بين أنمليَ الخمسِ
فصاحةُ قسٍ أودعتْ فس لسانهِ
وحكمةُ لُقمان ، ويُحسبَ في الخُرسِ
ضعيف الخطى ، بادي النحولِ كأنما
يُشدُّ إلى قيدٍ ، يُشدُّ إلى حبسِ
أقلبهُ فوق الطروسِ وإنما
أقلبُ فوقَ الطرسِ سعديَ أو نحسي
فنبهَّني طرقٌ على بابِ غُرفتي
وصوتٌ ضعيفٌ وهو أقربُ للهمسِ
نهضتُ ، ولكن مثلما ينهضُ الذي
بهِ نشوةٌ ، أو من يفيقُ من المسَّ
ولما فتحتُ البابَ أبصرتُ راهباً
ولو كنتُ طفلاً قلتُ غولٌ من الإنسِ
فأزعجني مرآهُ حتى كأنما
رسولُ الرَّدى قد جاء ينعى لي نفسي
فقلتُ وقاني اللهُ شرَّك ما الذي
أتى بكَ ، يامشؤومُ ، في ساعةِ الأنسِ
أجابَ كُفيت السوءَ جئتُك طالباً
مديحكَ لي بين الأعاربِ والفرسِ
فقلتُ وحقَّ الشعرِ مدحكَ واجبٌ
ومثلي يقضيه على العين والرأسِ
خبرتُ بني الدنيا وفتشتُّ فيهمُ
فلم ترعيني قطُّ أثقلَ من قسُ

نــجــم
23-04-2011, 10:00 PM
ضرة جلق

لا تقلقي يوم النوى أو فاقلي
يانفسُ كلُّ تجمُّعٍ لتفرُّقِ
أللهُ قدَّر أن تمسَّ يدُ الأسى
أرواحنا كيما ترقَّ وترتقي
أوفى على الشهبِ الدَّجى فتألقتْ
لولا اعتكارُ الليلِ لم تتألقِ
والفحمُ ليس يضيء إن لم يضطرم
والندُّ ليسَ يضوعُ إن لم يحرقِ
لا أضربُ الأمثالَ مدحاً للنوى
ليت الفراقَ ويومه لم يُخلقِ
ما في الوداعِ سوى تعلثمِ ألسنِ
وذهولِ أرواحِ وهمَّ مطبقِ
***
عنقتُ قلبي حينَ طالَ خفوقهُ
فأجابَ : بل لمني إذا لم أخفقِ
أنا طائرٌ قد كان يمرحُ في الربى
وعلى ضفافِ الجدولِ المترقرقِ
فطوى الفضاءُ مروجهُ وفضاءهُ
ليزجَّ في قفصِ الحديدِ الضيقِ
لا ، بل أنا ملكٌ صحوتُ فلم أجدْ
عرشي ، ولا تاجي ، ولا إستبرقي
****
هانت معاذيري وضاعتْ حكمتي
لما سمعتُ حكايةَ القلبِ الشقي
لو تعدلُ الدينا بنا لم ينتثرْ
شملٌ نظمناهُ ولم نتفرقِ
***
لله مونتريالكم ذاتُ الحلى
ومدينةُ الطودِ الأشمَّ الأبلقِ
كم وقفةٍ عند شاطئ نهرها
ولا أستقي منهُ ، وروحي تستقي
متعلماً منهُ التواضع والنَّدى
والصفحَ عن عبث الجهول الأحمقِ
أعطى الحقولَ حياتها ومضى كأن
لم يُعطيها شيئاً ولم يتصدَّق
من كان لا يدري فيقظةُ زرعها
من فضلِ هذا الهاجع ِ المستغرقِ
ضيعتُ عند الواعظينَ سعادتي
ووجدتُها في واعظ لم ينطقِ
ملء المدائنِ والقرى آلاؤهُ
وهباتهُ ، ويعيشُ عيش المملقِ
لولاهُ لم يخضرَّ قاعٌ مجدبٌ
لولاكُمُ شجرُ المنى لم يُورقِ
عرضتْ محاسنها الحياةُ عليكُمُ
فأخذتمُ بأحبَّها والأليقِ
أنا منكُم في روضةٍ معطارةٍ
من مُونقٍ فيها اللحاظُ لمونقِ
ألعطرُ يعبُقُ من جميعِ ورودها
ما أنْ مررتَ بزهرةٍ لم تعبقِ

نــجــم
23-04-2011, 10:00 PM
طبيبي الخاص

بت أرعى في الظلام الأنجما
ليس للعشاق حظٌ في الكرى
صرعتني نظرة حتى لقد
كدت أن أحسد من لا يبصر
نظرة قد أورثت قلبي الكمد --
ما بلاء القلب إلا النظر
لا رعاك الله يا يوم الأحد
لا ولا حياك عني المطر
أنت من أطلعت هاتيك الدمى
سافراتٍ فتنة للشعرا
همت فيمن حسنت صورتها
مثلما قد حسنت منها الخصال
أخجلت شمس الضحى طلعتها
واستحى من لحظها لحظ الغزال
كل ما فيها جميل يشتهى
ما بها عيبٌ سوى فرطِ الجمال
لو رآها لائمي فيها لما
لامني في حبها بل عذرا
ذات حسن خدها كالورد في
لونه والطيب في نكهته
زهرة لكنها لم تقطف
وجمال الزهر في روضتيه
درة ما خرجت من صدفِ
نرخص الدر على قيمته
بضة الخدين والنهدين ما
سفرت إلا رأيت القمرا
شعرٍ مسبل كالأفعوان
يتهادى فوق ردف كالكثيب
وقوام لو رآه الغض بان
خجلاً من ذلك الغض الرطيب
كاد لولا ما به من عنفوان
يقف الورق به والعندليب
وجفون أشبهتني سقما
كمن السحر بها واستترا
تبعث الحب إلى قلب الخلي
وهو لا يدري ولا يستشعر
والهوى في بدنه عذب شهي
كل شيء بعده محتقر
كل من لايعرف الحب شقي
لا يرى في دهره ما يشكر
يصرف العمر ولكن سأما
عبثاً يطلب أن لا يضجرا
لم أكن أعرف ما معنى الهنا
قبل أن أعرف ما معنى الغرام
يضحك الناس سروراً وأنا
عابس حتى كأني في خصام
أوشكوا أن يحسبوني صنما
لو رأوا الأصنام تخفي كدرا
لم أزل في ربقة اليأس إلى
ان أعاد الحب لي بعض الرجا
كنت قبل الحب أسري في ظلام
ولا ألقى لنفسي مخرجا
فجلاه الحب عني فأنجلى
مثلما يجلو سنا الشمس الدجى
بات قلبي بالأماني مفعما
وهو قبلاً كان منها مقفرا
روعتني بالنوى بعد اللقاء
وكذا الدينا دنو وافتراق
غضب الدهر على كأس الصفاء
مذ رآها فأبى ألا تراق
ولو أن الدهر يدري بالشقاء
ساعد الصب على نيل التلاق
لم أجد لي مشبهاً تحت السما
في شقائي ، لا ولا فوق الثرى
وأني لو أن ما بي الجبال
أصبحت تهتز من مر النسيم
فاعذروني غن أكن مثل الخيال
واعذلوني إن أكن غير سقيم
إن دائي جاء من صاد ودال
ودواء القلب في ضادٍ وميم
بات صبري مثل جسمي عدما
إنما يصبر من قد قدرا
رب ليل عادني فيه السهاد
ونأى عن مقلتي طيب الكرى
هاجت الذكرى شجوناً في الفؤاد
فبكى طرفي عقيقاً أحمرا
نبه الأهل بكائي والعباد
فاتوا يستطلعون الخبرا
قلت داء في الفؤاد استحكما
كاد قلبي منه أن ينفطرا
صدقوا ما قلته ثم مضى
واحد منهم يستدعي الطبيب
سار والكل على جمر الغضا
وأنا بين أنين ونحيب
لم يكن إلا كبرق ومضا
وإذا (الدكتور) من مهدي قريب
قال للجمهور ماذا الاجتماع
أخرجوا أو زدتمره خطرا
خرج الكل فأمست غرفتي
مثل قلب الطفل أو جيب الأديب
فدنا يسألني عن علتي
وأنا أسمع لكن لا أجيب
فنضا الثوب فأبصرت التي
كاد جسمي في هواها أن يعيب
خلعت عنها لباي الحكما
فرأت عيناي بدراً نيرا
واعترتني دهشة لكنها
دهشة ممزوجة بالقرح
كدت أن أخرج عن طور النهى
ربَّ سكر لم يكن من قدح
يالها من ساعةٍ لو أنها
بقيت كالدهر لم تستقبح
عانقتني وأنا أبكي دما
وهي تبكي لبكائي دررا
وجعلنا بعد أن طال العناق
نتناجى . بأحاديث القلوب
بينما نحنُ على هذا الوفاق
قرع الباب فأوشكنا نذوب
فأشارت لي قد حان الفراق
فانقطعنا وارتدت ثوب الطبيب
أقبل القومُ فقالت كل ما
كان يشكو منه عنه قد سرى

نــجــم
23-04-2011, 10:01 PM
طفلة والقمر

دميةٌ حسناءُ ُتغري النظرا
أم ملاكٌ طاهرٌ فوق الثرى ؟
طفلةٌ ساذجةٌ أطهرُ من
زهرةِ الرَّوض وأنقى جوهرا
شرفت أصلاً ، وطابتُ عنصراً ،
وارتقت نفساً ، وراقت منظرا
حملت قلباً أبى أن يحمل
الحقد أو يكتم نفساً كدرا
تجهل الشرَّ ولا تحسنُ أن
تخدع الغير ولا أن تغدرا
لا تبالي ببناتِ الدَّهر إن
أقبل الدهرُ بها أو أدبرا
يعظم الكون لدينا جرمه
وتراهُ عندها قد صغرا
إنما الدينا لديها كلها
أبواها وهما كلُّ الورى
جؤذرٌ لكنها آنسةٌ
لم يرعها ما يروعُ الجؤذرا
سرق التفاح من وجنتها
واستعار الظبيُ منها الحورا
ذاتُ شعرٍ ذهبيَّ لونهُ
قد حكى نور الضحى مُنتشرا
وعيونٍ بالنهى عابثةٍ
جذب الغنجُ إليها الخفرا
شُغفت بالبدر حباً فهي لا
تعرفُ الغمض إلى أن يسفرا
وقفت ترقبهُ في ليلةٍ
مثل حظ الأدباءِ الشعرا
تكتمُ الظلماءُ من لألأها
أي بدرٍ في الظلامِ استترا؟
أرسلت نحو الدراري لفتة
أذكرت تلك الدراري القمرا
وإذا بالبدر قد مزق عن
وجهه برقعه ثم انبرى
فأضاءَ الجوَّ والأرض معاً
نورهُ الفضيَّ لما ظهرا
فرنت عن فاتر اوبتسمت
عن نظيم قد أكنَّ الدررا
ثم قالت يا حبيبي مرحباً-
لا رآك الطرفُ إلا نيرا
قف قليلاً أو كثيراً فعسى
نورُك الباهرُ يجلو البصرا
إن تغب فالصبح عندي كالدجى
والدَّجى إن جئت بالصبح ازدرى
لم تحبَّ السَّير ليلاً فإذا
ذر قرن الشمس عانقت الكرى ؟
أتخافُ الشمس أم أنت كذا
تعشق الليل وتهوى السهرا؟
ثم ناجت نفسها قائلةً
أترى أبلغُ منه وطرا ؟
ليت لي أجنحة بل ليتني
نجمة أتبعه أنى سرى
وهم البعضُ فقالوا درهمٌ
ما ارى الدرهم غلا حجرا
ولقد أضحكتي زعمهم
أنه يشبهُ في الحجم الثرى
زعموا ما زعموا لكنما
هو عندي لعبة لا تشترى

نــجــم
23-04-2011, 10:01 PM
عام 1910

إني سكتُّ وما عدمت المنطقا
لولا أخوك سبقتُ فيك الأسبقا
وهززتُ أوتار القلوب بصامتٍ
يشتاقُ كلُّ مهذبٍ أن ينطقا
فبعثتُ في أفواهم مثل الطلى
ونفثتُ في أسماعهم شبه الرقى
وألنتُ قاسي الشعر حتى يُبتغى
وشددتُ منه اللينَ حتى يُتقى
وجلوتُ للأبصارِ كلَّ خريدةٍ
عصماءَ تحسدُها النجومُ تألقا
تبدو فتتركُ كلَّ قلبٍ شيقٍ
خلواً ، وتتركُ كلَّ خالٍ شيّقا
ولى أخوكَ فما أمضني النوى
ولقد قدمتَ فما هششتُ إلى اللقا
أقبلت والدينا إليَّ بغيضةٌ
هلا سبقتَ إليَّ أسبابَ الشَّقا؟!
حنقت بلا سببٍ عليَّ وإنَّهُ
سببٌ جديرٌ عندهُ أن أحنقا
علقتْ أخي كفُّ المنونِ وكدتُ أن
أسعى على آثارهِ لولا التقى
ما أشفقتْ نفسي عليَّ وإنما
أشفقتُ أن أبكي الصديقَ المشفقا
ودعتهُ كالبدرِ عندَ تمامهِ
والبدرُ ليس بآمن أن يُمحقا
ولقد رجوتُ لهُ البقاءَ وإنما
يدنو الحمامُ لمن يحبُّ له البقا
أصبحتُ مثل النسر قُص جناحُهُ
فهوى ، ولو سلمَ الجناح لحلقا
نائي الرجاءِ فلا أسيرٌ موثقٌ
أرجو الفكاكَ ، ولستُ حراً مُطلقا
ولقد لبستُ من السَّوادِ شعائراً
حتى خضبتُ من الحدادِ المفرقا
وزجرتُ عيني أن تُسرَّ بمنظرٍ
ومنعتُ قلبي بعدهُ أن يخفقا
لا أظلمُ الأيامَ فيما قد جنت
لا تأمن الأيامَ أن تتفرقا
كُن كيف شئت فلستُ أسكنُ للمنى
بعد الحبيب ، ولستُ أحذرُ موبقا
عامٌ نسيتُ سعودهُ بنحوسهِ
قد يحجبُ الليلُ الهلال المُشرقا
لم أنس طاغيةَ الملوكِ وقد هوى
عن عرشه وأسيرهُ لما ارتقى
والشاهُ منخلعُ الحشاشةِ واجفٌ
أرأيتَ شاهاً قطَّ أصبحَ بيدقا ؟
ما زال يحتقرُ الظبى حتى غدا
لا تُذكرُ الأسيافُ حتى يُصعقا
بتنا إذا التركُّي ضجَّ مهللاًِ
عبث الهوى بالفارسيَّ فصفقَّا
ذكرى تحرَّكُ كلَّ قلبٍ ساكنٍ
حتى ليعشقَ بعدها أن يعشقا
فيم على النيلِ النحوسُ ولم يكُنْ
دون الخليجِ ولا الفراتِ تدُّفقا
إن لم أذد عن أرضِ مصرَ موفقاً
أودى بآمالي الزمانُ موفقا
ما بالها تشكو زوالَ بهائها
وهي التي كانتْ تزينُ المشرقا
قد أخلقتْ كفَّ السياسةِ عهدها
إن السياسة لا تُراعي موثقا
كذبوا على مصرَ وصُدّق قولهم
والشرُّ إن يجد الكذوب مصدَّقا
وأبوا علينا أننا لا ننتهي
من مأزقٍ حتى نصادف مأزقا
سلكُوا بنا في كلّ وادٍ ضيقٍ
حتىّ قنطنا أن يصبوا ضيَّقا
منعُوا الصحافة أن تبثَّ شكاتنا
منعوا الكواكب أن تبينَ وتشرقا
لو أنصفوا رفعوا القيود فإنما
يشكو الأسيرُ الأسر إما أرهقا
وسعوا إلى سلب الفتاة فأخفقوا
سعياً ، وشاء اللهُ أن لا نخفقا
عرض الحسابَ المستشارُ ولم يكُن
لولا السياسةِ حاسباً ومدَّققا
أيكونُ غاصبنا ويزعمُ أنَّهُ
أمسى علينا مُحسناً متصدَّقا
أبني الكنانةِ لستمُ أبناءها
حتى تقوا مصر البلاء المُطبقا
إن تحفظوها تحفظوا في نسلكم
ذكراً يخلَّدُ في الليالي رونقا

نــجــم
23-04-2011, 10:01 PM
عباد الذهب

ما ساءَ نفسي من الدينا سِوىَ نفرٍ
لا خيرَ فيهمْ ولكنْ شرَّهم عممُ
ماتتْ ضمائرهُمْ فيها أنانيةً
فليسَ تُنشرُ حتى تُنشر الرَّممُ
ساءتْ خلائُقُهمْ أو لا خلاقَ لهمْ
إلا الشراهةُ والإيثارُ والنَّهمُ
إذا رأوا صورةَ الدينارِ بارزةً
خرَّوا سجوداً إلى الأذقان كلهمُ
قد أقسموا أنهم لا يُشركون بهِ
بئسَ الإلهُ وبئسَ القومُ والقسمُ

نــجــم
23-04-2011, 10:01 PM
عبد

فوقَ الجمَّيزةِ سنجابُ
والأرنبُ تمرحُ في الحقلِ
وأنا صيّادٌ وثابُ
لكنَّ الصيدَ على مثلي
محظورٌ إذ أنَّي عبدُ
والديكُ الأبيضُ في القنَّ
يختالُ كيوسفَ في الحسنِ
وأنا أتمنَّى لو أنَّي
أصطادُ الديكَ ولكنّي
لا أقدرُ إذ أني عبدُ
وفتاتي في تلك الدارِ
سوداءُ الطُلعةِ كالقارِ
سيجيءُ ويأخذُها جاري
يا ويحي من هذا العار
أفلا يكفي أنَّي عبدُ ؟

نــجــم
23-04-2011, 10:02 PM
عبد الله البستاني


يا ميّتاً فيه جمال الحياة
ما حاز منك اللحد إلا الرفات
أنت الفتى الباقي بآثاره
ما أنت بالمرء إذا مات مات!
وكيف يمتدُّ إليك الردى
وذاتك الحسناء في ألف ذات؟
إذا اختفى في الورد لون الضحى
فالذنب ذنب الأعين الناظرات
يصوّح الزهر ويبقى الشّذى
ويذهب المرءُ وتبقى الصفحات

* * *

يا نائماً أغفى عن التُرّهات
إنّي وجدت الموت في الترّهات
أإن مضى الشيء نقول انقضى
إذن، فمن أين تجيء الحياة؟
أليس دنيا الصحو دنيا الكرى
ومثل ظلّ العيش ضلُّ الممات؟
تقسم الأشياء أفهامنا
وليست النخلة إلا النواة
وفي الغد الأمس ولكنّنا
وللجهل قلنا الدهر ماض وآت
بعض الردى فيه نجاة الفتى
وربّما كان الرّدى في النجاة

* * *

يا قروياً عظمت نفسه
حتى ترضّتها نفوس العتاة
وحسدته الصيد في كوخه
وحسدت قريته العاصمات
تلك السجايا لم تزل بيننا
ساطعة ً كالأنجم الزاهرات
وعلمك الزاخر باق ٍ لنا
ما بقيت في الأرض أمُّ اللغات
في أنفس الناس وألبابهم
وفي بطون السير الخالدات
وفي تلاميذك أهل الحجى
والأدب الجمّ الجميل السِّمات
من شاعر ٍ كالروض. أشعاره
تسمع همس الحبّ فيه الفتاة
وسامر ٍ تحسب أقواله
مسروقة ً من مقل الغانيات
وكاتبٍ تشرق ألفاظه
كالدُّرر المختارة المنتقاة
وصُحُبٍ أخلاقهم كالمنى
يروون عنك الحكم الغاليات
لم يخترمك الموت يا دوحة ً
باسقة ً قد خلـّفت باسقات

* * *

يا حجّة الفصحى ودهقانها
وبحرها الطامي وشيخ الثقات
"ألضاد" من بعدك في مأتم ٍ
حاضرها والأعصر الغابرات
فليس في لبنان غير الأسى
وليس غير الحزن حول الفرات
فمن يعزّي جبلاً واحداً
عزّى الرواسي في جميع الجهات

* * *

سلختها سبعين من أجلها
في عالم الطـّرس ودنيا الدواة
ألناس من حولك في قيلهم
وأنت كالعابد وقت الصلاة
غنيت بالضاد، وأسرارها
عن الغواني والطـّلا والسقاة
أنت الذي ردّ إليها الصبا
إنّ الهوى يجترح المعجزات
فاختلجت أوضاعها بالمنى
وجال ماء الحسن في المفردات
ولهجت باسمك آفاقها
وردّدته في البوادي الحداة
وحنّتِ النوق إلى سمعه
وطربت من ذكره الصافنات
فيا شباباً يطلبون العلى
إنّ العلى للأنفس الماضيات
ويا فقيراً يتمنّى الغنى
هلاّ تمنّيت غنى المكرمات؟
ويا سراة ً يبذلون اللهى
هذا فقير كان يعطي السراة!
من روحه لا فيض أمواله
إنّ هبات الروح أسمى الهبات
لا يقتضي قاصده حمده
ويشكر العافي الذي قال: هات
وإن مضى العافون عن بابه
سارت عطاياه وراء العفاة
فكان كالكوكب يمشي على
ضيائه الرّكب وذئب الفلاة
وكان كالغيث إذا ما همى
أصاب في الأرض الحصى والنبات
وكان كالينبوع يرتاده
ذو الشيم الحسنى وذو السيِّئات
وكالفضاء الرّحب في حلمه
يضطرب البازي به والقطاة

* * *

يا صاحب "البستان" نم آمنا
فإنَّ في الموت زوال الشكاة
ما غاب ماءٌ غاب تحت الثـّرى
فأطلع النبت وأحيا الموات

نــجــم
23-04-2011, 10:03 PM
عبد الحميد بعد اعلان الدستور

أبا الشعبِ إطلعْ من حجابِكَ يلتقي
بطرفكَ مثلُ العارضِ المٌتدفقِ
جماهيرُ لا يحصي اليراعُ عديدها
هي الرملُ إلا أنهُ لمْ ينسقِ
هو الشعبُ قد وافاكَ كالبحرِ زاخراً
وكالجيشِ يقفو فيلقٌ إثرَ فيلقِ
تطلّعْ تجدهُ حولَ قصركَ واقفاً
يحدَّقُ الُمحبَّ الموفقِ
وألقتْ عليهِ الشمسُ نظرة عاشقٍ
غيورٍ تلقاها بنظرةِ مُشفقِ
يهشُّ لمرآكَ الوسيمِ وإنما
يهشُّ لمرآى الكوكبِ المتألقِ
ويعشقُ منكَ البأسَ والحلمَ والندَّى
كذلكَ من ينظر إلى الحسنِ يعشقِ
يكادُ بهِ يرقى إليكَ اشتياقهُ
فيا عجباً بحرٌ إلى البدرِ يرتقي
تفرقَ عنك المفسدونَ طالما
رموا الشعبَ بالتفريقِ خوفَ التفرقِ
وكم أقلقوا في الأرض ثمَّ تراجعوا
يقولونَ شعبٌ مقلقٌ أي مُقلقِ
وكم زورَّوا عنهُ الأراجيفَ وادَّعوا
وأيدهُم ذياكُمُ الزاهدِ التقي
لمن يرفعُ الشكوى ؟ وقد وقفوا لهُ
على البابِ بالمرصادِ فاسألهُ ينطقِ
وأما ولا واشٍ ولا متجسٌ
فقد جاي يسعى سعي جذلانَ شيقِ
يُطارحكَ الحبَّ الذي أنتَ أهلهُ
وحسبُكَ منهُ الحبَّ غيرَ مزوَّقِ
وها جيشُكَ الطامي يضجُّ مكبّراً
بما نالَ من عهدٍ لديكَ وموثقِ
يُطأطئ إجلالاً لشخصكَ أروساً
يطأطئ إجلالاً لها كلُّ مفرقِ
لهامٍ من تنذر بهِ الدهرَ يصعقُ
وإن يتعرَّضْ للحوادث تفرقِ
يفاخرُ بالسلمِ الجيوشَ وإنَّهُ
لأضربها بالسيفِ في كلَّ مأزقِ
وأشجعها . قلباً وأكرمها يداً
إذا قالَ لم يتركُ مجالاً لأحمق ِ
ألا أيها الجيشُ العظيمُ ترَّفقاً
ملكتُ قلوبَ الناسِ بالعرفِ فاعتقِ
ويا أيها الملكُ المقيمُ (بيلدزٍ)
أرى كلَّ قلبٍ سدَّة لكَ فارتقِ
ألذا حبَّذا الأجنادُ غوثاً لخائفٍ
ويا حبذا الأحرارُ ورداً لُمستقِ
ويا حبذا عيدُ الجلوسِ فإنهُ
أجلُّ الذي ولّى وأجملُ ما بقي

نــجــم
23-04-2011, 10:03 PM
عيد النهى

قل للحمائم في ضفاف الوادي
يا ليتكن على شغاف فؤادي
لترين كيف تبعثرت أحلامه
وجرت به الآلام خيل طراد
كانت تشع على جوانبه المنى
فخبت وبدل جمرها برماد
أسعدنه ، فعسى يخف ولوعه
إن الشجي أحق بالإسعاد
ذهب الصبا وبقيت في حسراته
ليت الأسى مثل الصبا لنفاد
إن الشباب هو الغنى فإذا مضى
وأقمت لا ينفك فقرك بادي
أمسيت أنظر في الحياة فلا أرى
إلا سواداً آخذاً بسواد
ألقى الصباح فلا يطول تأملي
حتى يحول شعاعه لصعاد
وإذا تقابلني النجوم تخاوصت
فكأنما هي أعين الحساد
ما ثم من ذكرى إذا خطرت على
قلبي استراح سوى خيال الوادي
أفلا تزال الشمس تصبغ وجهه
بالورس آونة وبالفرصاد ؟
أفلا يزال يذوب في أمواجه
ذهب الأصيل وفضة الآراد ؟
لهفي إذا ورد الرفاق عشية
وذكرت أني لست في الرواد
وإذا الحمام شدا وصفق موجه
أن لا أصفق للحمام الشادي
وإذا النخيل تطاولت أظلاله
أن لا يكون مضلتي ووسادي
وإذا الكواكب رصعت أفاقه
أن لا يكون لرعيهن سهادي
ذقت الهوى وعرفته في شطه
إن الهوى للمرء كالميلاد
لا تدرك الأكباد سر وجودها
حتى يجول الحب في الأكباد
ما عشت لم يمسس جوانحك الهوى
لم ندر ما في العيش من أمجاد
لا تبصر العين الرياض وحليها
إلا على ضوء الصباح الهادي
...
وطنان أشوق ما أكون إليهما
مصر التي أحببتها وبلادي
ومواطن الأرواح يعظم شأنها
في النفس فوق مواطن الأجساد
حرصي على حب " الكنانة " دونه
حرص السجين على بقايا الزاد
بلد الجمال خفيه وجليه
والفن من مستطرف وتلاد
عرضت مواكبها الشعوب فلم أجد
إلا بمصر نضارة اللآباد
كم من دفين في ثراها لم يزل
كالحي ذا مقة وذا أحقاد
ومشيد ، للناس إذ يغشونه
من كل أرض خشية العباد
عاش الجدود وأثلوا ما أثلوا
واليوم ينبعثون في الأجفاد
المسبغين على النوابغ فضلهم
كالفجر منبسطاً على الأطواد
أبناء مصر الناهضين تحية
كودادكم إن لم أقل كودادي
...
من شاعر كلف بكم وبأرضكم
أبداً يوالي فيكم ويعادي
إن تكرموا شيخ الصحافة تكرموا
أسنى الكواكب في سماء الضاد
خلع الشباب على الكنانة مطرفاً
هو كالربيع على ربى ووهاد
ما زال يقحم في الجهالة نوره
حتى تقاصر ليلها المتمادي
بصحيفة نور العيون سوادها
وبياضها من ناصع الأجياد
ينبوع معرفة ، وهيكل حكمة،
ووعاء آداب، وكنز رشاد
أغلى المواهب والعقول رأيتها
سكنت قصور مهارق ومداد
ذكر المجاهد في الحقيقة خالد
ويزول رب السيف والأجناد
لولا جبابرة القرانح لم يسر
في الأرض ذكر جبابر القواد
ما ذللت سبل المعالي امة
إلا بقوة مصلح أو هادي
***
" صروف " يسألك الأنام فقل لهم
كم في حياتك ساعة استشهاد
طلع القنوط عليك من أغواره
فرددت طائره وجأشك هادي
ومضيت تستقصي الحياة وسرها
في كل عاقلة وكل جماد
حتى لكدت تحس هاجسة المنى
وتبين كم في النفس من أضداد
أنت الذي أسرت به عزماته
والدرب غامضة على الرواد
والليل آفات على أغوارها
والهول أنجاد على الأنجاد
إن الحقائق أنت ناشر بندها
في حين كان العلم كالإلحاد
والعقل في الشرقي من أوهامه
كالنسر في الأوهاق والاصفاد
تشقى متى تشقى الشعوب بجهلها
وتعز حين تعز بالأفراد
ألساهرين الليل مثل نجومه
فكأنهم للدهر بالمرصاد
ألباذلين نفوسهم لم يسألوا
وعلى النفوس مدارع الفولاد
خفضوا جناحهم وتحت برودهم
همم الملوك وصولة المرّاد
لهم الزمان قديمه وحديثه
ما الناس في الدنيا سوى الآحاد
إنَّ الأنامَ على اختلافِ عصورهم
جعلوا لأهل ِ العلم ِ صدور النادي
ما العيد للخمسين ِ بل عيد النهى
وفنونهِ والخاطر ِ الوقّـَّادِ
عيدُ الحصافة والصحافة كلـّها
في مصر، في بيروت في بغداد
ما العيش بالأعوام كم من حقبةٍ
كالمحو في عمر السواد العادي
ألعمر، إلاّ بالمآثر، فارغ ٌ
كالقفر طال به عناءُ الحادي
وسوى حياة العبقريِّ نقيسها
فتقاسُ بالآجال والآماد

نــجــم
23-04-2011, 10:03 PM
عيناك

عيناكِ والسَّحرُ الذي فيهما
صيرتاني شاعراً ساحرا
علمتني الحبَّ وعلمتهُ
بدر الدُّجى والغُصن والطائرا
إن غبتِ عن عيني وجنٌ الدُّجى
سألتُ عنكِ القمر الزاهرا
وأطرقُ الرَّوضة عند الضَّحى
كما أناجي البُلبُل الشاعرا
وأنشقُ الوردة في كّمها
لأنَّ فيها أرجاً عاطرا
يُذكر الصَّبّ بذاك الشذى
هل تذكُرين العاشق الذاكِرا؟
كم نائمٍ في وكرهِ هانئ
ننهته من وكره باكرا
أصبح مثلي تائهاً حائراً
لما رىني في الرَّبى حائرا
وراح يشكُو لي وأشكو له
بطش الهوى والهجر والهاجرا
وكوكبٍ أسمعته زفرتي
فبات مثلي ساهياً ساهرا
زجرت حتَّى النوم عن ُمقلتي
ولم أبالِ اللائم الزاجرا
ياليت أني مثلٌ سائرٌ
كيما تقولي المثل السائرا

نــجــم
23-04-2011, 10:03 PM
عش للجمال

عِش للجمالِ تراهُ العينُ مؤتلقاً
في أنجمِ الليلِ أو زهرٍ البساتينِ
وفي الرُّبى نصبتْ كفُّ الأصيلِ بها
سُرادقاً من نُضارٍ للرياحينِ
وفي الجبالِ إذا طافَ المساءُ بها
ولفَّها بسرابيلِ الرّهابينِ
وفي السواقي لها كالطفلِ ثرثرةٌ
وفي البروقِ لها ضِحكُ المجانين
وفي ابتساماتِ (أيارٍ) وروعتها
فإن تولى ، ففي أجفانِ (تشرينِ)
لا حينَ للحسنِ ، لا حدّ يقاس بهِ
وإنما نحنُ أهلُ الحدّ والحينِ
فكم تماوجَ في سربالِ غانيةٍ
وكم تألق في أسمالِ مسكينِ
وكم أحسَّ بهِ اعمى فجُنَّ لهُ
وحولهُ ألفُ راءٍ غير مفتونِ
عشْ للجمالِ تراهُ ههنا وهنا
وعشْ لهُ وهو سرٌّ جدُّ مكنونِ
خيرٌ وأفضلُ ممن لا حنينَ لهم
إلى الجمالِ ، تماثيلٌ من الطينِ

نــجــم
23-04-2011, 10:04 PM
عصر الشبيبة

يا ليتما رجع الزمانُ الأولث
زمنُ الشبابِ الضاحكُ المتهللُ
عهدٌ ترحلتِ البشاشةُ إذ مضى
وأتى الأسى فأقامَ لا يترحلُ
ولى الصبا وتبددتْ أحلامهُ
أودى بهِ وبها قضاءُ حَوَّلُ
حصدتْ أناملُهُ المنى فتساقطتْ
صرعى ، كما حصدَ السنابلَ منجلُ
فالروحُ قيثارٌ وهتْ وتقطعتْ
أوتارُهُ ، والقلبُ قفرٌ ممحلُ
والشيبُ يضحكُ برقُهُ في لمتي
هذي الضواحكُ ، يافؤادي، أنصلُ
أشتاقُ عصركِ ، يا شبيبةُ ، مثلما
يشتاقُ للماءِ النميرِ الأيَّلُ
إذ كانتِ الدينا بعيني هيكلاً
فيهِ إلاهاتُ الجمالِ ترتلُ
من كلَّ حسناءَ كأنَّ حديثها
السلوى أو الوحيُ الطهورُ المنزلُ
وأنا وصحبي لا تفكّرُ في غدٍ
فكأنَّ ليسَ غدٌ ولا مستقبلُ
تلهو ونلعبُ لا نُبالي ضمَّنا
كوخٌ حقيرٌِ أم حوانا منزلُ
تتوهَّمُ الدينا لفرطِ غرورِنا
كمُلتْ بنا وبغيرنا لا تكملُ
ونخالُ أن البدرَ يطلعُ في لدجى
كمِا يسامرنا فلا نتململُ
ونظنُّ أنَّ الروضَ ينشرُ عطرهُ
من أجلنا ، ولنا يغني البلبلث
فكأنما الأزهارُ سربَ كواعبٍ
وكأنما هُوَ شاعرٌ يتغزلُ
في كلَّ منظورٍ نراهُ ملاحةً
وسعادةً في كلَّ ما نتخيلُ
لا شيءَ يزعجُ في الحياةِ نفوسنا
لا طارئُ ، لا عارضٌ ، لا مشكلُ
فكأننا في عالمٍ غير الذي
تتزاحمُ الأيدي بهِ والأرجلُ
وكأننا رهطُ الكواكبِ في الفضا
مهما جرى في الأرضِ لا تتزلزلُ
ألناسُ في طلب المعاشِ وهمنا
كأسٌ مُشعشعةٌ وطرفٌ أكحلُ
كم عنفونا في الهوى واسترسلوا
لو أنهم عزفوا الهوى لم يعذلوا
ولو أنهُم ذاقوا كما ذقنا الرؤى
شبعتْ نفوسهُمُ وإنْ لم يأكلوا
زعموا تبذلنا ولم يتبذلوا ،
إن الحقيقةَ كلنا متبذلُ
حُرموا لذاذاتِ الهُيامِ وفاتنا
دركُ الحطامِ ، فأينا هو أجهلُ ؟
إني تأملتُ الأنامَ فراعني
كيفَ الحياةُ بهمْ تجدُّ وتهزلُ
لا يضبطونَ مع الصَّروفِ قيادهُمْ
إلا كما ضبطَ المياهَ المنخلُ
بينا الفتى ملءَ النواظرِ والنُّهى
ف إذا به رقمٌ خفيٌ مُهملٌ
يا صاحبي ، والعمرُ ظل زائلٌ ،
إنَّ كنتَ تأملُ فيهِ أو تأملُ
ألذكرُ أثمنُ ما اقتينتَ وتقتني
والحبُّ أنفسُ ما بذلتَ وتبذلُ
قيلَ اغتنى زيدٌ فليتكَ مثلَهُ
أنا مثلهُ ، إنْ لم أقلْ ، أنا أفضلُ
ألشمسُ لي وله ، ولالاءُ الضحى
والنيَّراتُ ، ومثلنا المتسوَّلُ
أما النُّضارٌ فإنه ، يا صاحبي
عرضٌ يزولُ وسعلةٌ تتنقلُ
ما دمتُ في صحبي ودامَ وفاؤهُمْ
فأنا الغنيُّ الحقُّ لا المتموَّلُ
أنا لستُ أعدلُ بالمناجمِ واحداً
وأبيعُ من عقلوا بما لا يُعقلُ

نــجــم
23-04-2011, 10:07 PM
عطش الأرواح

زحزحت عن صدرها الغيم السماء
وأطل النور من كهف الشتاء
فالروابي حلل من سندس
والسواقي ثرثرات وغناء
رجع الصيف ابتساماً وشذى
فمتى يرجع للدنيا الصفاء؟
فأرى الفردوس في كل حمى
وأرى الناس جميعاً سعداء
زالت الحرب وولت وإنما
ليس للذعر من الحرب انقضاء
إن صحونا فأحاديث الوغى
في الحمى الآهل والأرض العراء
وإذا نمنا تراءت في الكرى
صور الهول وأشباح الفناء
فهي في الأوراق حبر هائج
وعلى ((الراديو)) فحيح الكهرباء
نتقي في يومنا شر غد
وإذا الصبح انطوى خفنا المساء
عجباً ! والحرب باب للردى
وطريق لدمار وعفاء
كيف يهواها بنو الناس فهل
كرهوا في هذه الدنيا البقاء؟
إن يكن علم الورى يشفيهم
يا آلهي رد للناس الغباء
وليجئ طوفان نوح قبلما
تغرق الأرض بطوفان الدماء
واعصم الأسرار واحجب كنهها
عن ذوي العلم وأرباب الذكاء
فلقد أكثرت أسباب الأذى
عندما أكثرت فينا العلماء
كم وجدنا آفة مهلكة
كلما زحزحت عن سر غطاء؟
قد ترقى الخلق لكن لم تزل
شرعة الغابة شرع الأقوياء
حرم القتل، ولكن عندهم
أهون الأشياء قتل الضعفاء
لا تقل لي هكذا الله قضى
أنت لا تعرف أسرار القضاء
جاءني بالماء أروي ظمأي
صاحب لي من صحابي الأوفياء
يا صديقي جنب الماء فمي
عطش الأرواح لا يروى بماء
أنا لا أشتاق كاسات الطلا
لا، ولا أطلب مجداً أو ثراء
إنما شوقي إلى دنيا رضى
وإلى عصر سلام وإخاء
لا تعدني بالسما، يا صاحبي
ألسما عندي قرب الأصدقاء
وأراني الآن في أكتافهم
فأنا الآن كأني في السماء!

نــجــم
23-04-2011, 10:07 PM
غرامية

عيناكِ والسحرُ الذي فيهما
صيرتاني شاعراً ساحرا
علمتني الحبَّ وعلمتهُ
بدر الدجىَ ، والغصنَ ، والطائرا
إن غبتِ عن عيني وجن الدجى
سألتُ عنكِ القمرَ الزاهرا
وأطرقُ الروضة عند الضحى
كما أناجي البلبل الشاعرا
وأنشقُ الوردة في كمها
لأن فيها أرجاً عاطرا
ُيذكرُ الصبُّ بذاك الشذا
هل تذكرين العاشق الذاكرا؟
كم نائمٍ في وكره هانئ
نبهته من وكرهِ باكرا ؟
أصبح مثلي تائهاً حائراً
لما رآني في الربى حائرا
وراح يشكو لي وأشكو لهُ
بطشَ الهوى ، والهجرَ ، والهاجرا
وكوكبٍ أسمعتهُ زفري
فبات مثلي ساهياً ساهرا
زجرتُ حتى النوم عن مقلتي
ولم أبالِ اللائم الزاجرا
ياليت أني مثلُ ثاثرٌ
كيما تقول المثل السائرا

نــجــم
23-04-2011, 10:07 PM
فلسفة الحياة

أيهذا الشاكي وما بك داءُ
كيف تغدوُ اذا غدوتَ عليلا ؟
انَّ شرَّ الجناةِ الأرضِ نفسٌ
تتوقى ، قبلَ الرحيلِ ، الرّحيلا
وترى الشوكَ في الوُرودِ ، وتعمى
أن ترى فوقها الندى إكليلا
هو عبءُ على الحياةِ ثقيلٌ
منْ يظنُّ الحياة عبثاً ثقيلا
والذي نفسُهُ بغير جَمالٍ
لا يرى في الوُجودِ شيئاً جميلاً
ليسَ أشقىَ ممنَّ يرى العيشَ مُراً
ويظنُّ اللَّذاتِ فيه فُضولا
أحكمُ الناسِ في الحياةِ أناسٌ
عللَّوها فأحسنوا التعليلا
فتمتَّعْ بالصبحٍ ما دمتَ فيهِ
لا تخفْ أن يزولَ حتى يزولا
وإذا ما أظلَّ رأسكَ همٌّ
قصرِ البحثَ فيه كيلا يطولا
أدركتْ كنهها طيورُ الرَّوابي
فمنَ العَارِ أنْ تظلَّ جهولا
ما تراها ـ والحقلُ مِلكُ سواها
تخذتْ فيه مسرحاً ومقبلا
تتغنَّى ، والصقرُ قد ملكَ الجوَّ
عليها ، والصائدونَ السبيلا
تتغنَّى ، وقد رأت بعضها يُؤخذُ
حيّاً والبعضَ يقضي قتيلا
تتغنَّى ، وعمرُها بعضُ عامٍ
أفتبكي وقد تعيشُ طويلا ؟
فهي فوق الغصونِ في الفجرِ تتلو
سُورَ الوجدِ والهوى ترتيلا
وهي طوراً على الثرى واقعاتٌ
تلقطُ الحبَّ أو تجرُّ الذيولا
كلما أمسكَ الغصونَ سكونٌ
صفقتْ للغصونِ حتى تميلا
فاذا ذهبَ الأصيلُ الرَّوابي
وقفتْ فوقها تُناجي الأصيلا
فأطلبِ اللَّهوَ مثلما تطلُبُ الأطيارُ
عند الهجيرَ ظلاَّ ظليلا
وتعلمْ حُبَّ الطبيعةِ منها
واتُركِ القالَ للورىَ والقيلا
فالذي يتقي العواذلَ يلقى
كل حينٍ كلَّ شخصٍ عذولا
***
أنتَ للأرضِ أولاً وأخيراً
كنت ملكاً او كنتَ عبداً ذليلا
لا خلودٌ تحتَ السَّماءِ لحيَّ
فلماذا تُراودُ المستحيلا ؟..
كلُّ نجمٍ إلى الأفولِ ولكنْ
آفةُ النَّجمِ أنْ يخافَ الأفولا
غايةُ الوردْ في الرياضِ ذبولٌ
كنْ حكيماً واسبقْ إليهِ الذيولا
وإذا ما وجدتَ في الأرض ظلا
فتقيأ بهِ إلى أنْ يحولا
وتوقعْ ، إذا السماءُ اكفهرتْ
مطراً في السهولِ يُحي السُّهولا
قلْ لقومٍ يستنزِفونَ المآقي
هل شفيتم مع البكاءِ غليلا ؟
ما أتينا إلى الحياةِ لنشقى
فأريحوا ، أهلَ العقولِ ، العقولا
كلُّ منْ يجمعُ الهمومَ عليهِ
أخذتهُ الهمومُ أخذاً وبيلا
***
كنْ هزاراً في عُشهِ يتغنى
ومعَ الكبلِ لا يبالي الكُبُولا
لا غُراباً يطاردُ الدُّودَ في الأرضِ
وبُوماً في الليلِ يبكي الطلولا
***
كُنْ غديراً يسيرُ في الأرضِ رقراقاً
فيسقي من جانبيهِ الحقولا
تستحمُّ النَّجُومُ فيهِ ويلقى
كلُّ شخصٍ وكلُّ شيِءِ مثيلا
لا وعاءَ يُقيد الماءَ حتى
تستحيلَ المياهُ فيه وحُولا
***
كُنْ مع الفجرِ نسمةً تُوسعًُ الأزهارَ
شماً وتارةً تقبيلا
لا سموماً من الَّوافي اللَّواتي
تملأ الأرضَ في الظلامِ عَويلا
ومعَ الليلِ كوكباً يُؤنسُ الغاباتِ
والنَّهرَ والرَّبى والسُّهولا
لا دُجىً يكْرهُ العوالم والنَّاسَ
فيلقي على الجميعِ سُدولا
***
أيهذا الشاكي وما بكَ داءٌ
كنْ جميلاً تر الوجود جميلا
*

نــجــم
23-04-2011, 10:07 PM
فلنعش


لا تسل أين الهوى والكؤثر
سكت الشادي وبح الوتر
فجأة .. وانقلب العرس إلى
مأتم .. ماذا جرى؟ .. ما الخبر؟
ماجت الدار بمن فيها ، كما
ماج نهر ثائر منكدر
كلهم مستفسر صاحبه
كلهم يؤذيه من يستفسر
همس الموت بهم همسته
إنه همس الموت ريح صرصر
فإذا الحيرة في أحداقهم
كيفما مالوا وأنى نظروا
علموا .. يا ليتهم ما علموا
أن دنيا من رؤى تحتضر !
والذي أطربهم عن قدرة
بات لا يقوى ولا يقتدر
يبس الضحك على أفواههم
فهو كالسخر وإن لم يسخروا
وإذا الآسي .. يد مخذولة
ومحيا ، اليأس فيه أصفر
شاع في الدار الأسى حتى شكت
أرضها وطأته والجدر
فعلى الأضواء منه فترة
وعلى الألوان مه أثر
والقناني صور باهتة
والأغاني عالم مندثر
ألهنا أفلت من أيديهم
والأماني ..؟.. إنها تنتحر
ذبحت أفراحهم في لمحة
قوة تجني ولا تعتذر
تقلع النبت الذي تغرسه
والشذا فيه ، وفيه الثمر
إعبثي ما شئت يا دنيا بنا
وتحكم ما تشاء يا قدر
إن نكن زهراً فما أمجدنا
أو نكن شوكاً فهذا الخطر
فلنعش في الأرض زهراً وليطل
أجل الشوك الذي لا يزهر
...
رحل الشاعر عن دار الأذى
وانقضت معه الليالي الغرر
كم حوته وحواها ملكاً
دولة الروح التي لا تقهر
عاش لا ينكر إلا ذاته
إن حب الذات شيء منكر
شاعر ، أعجب معنى صاغه
للبرايا .. موته المبتكر
الجمال الحق ما يعبده
والجمال الزور ما لا يبصر
والحديث الصفو ما ينشره
والحديث السوء ما يختصر
إنه كان " ملاكاً " بشراً
فمضى عنا الملاك البشر
ونفوس الخلق إما طينة
لا سنا فيها وإما جوهر
...
يا رفيقي ! ما بلغت المنتهى
ليست الحد الأخير الحفر
فاعبر النهر إلى ذاك الحمى
حيث " جبران " العميد الأكبر
" ورشيد " نغمة شادية
" ونسيب " نغم مستبشر
" وجميل " فكرة هائمة
" وأمين " أمل مخضوضر
قل لهم إنا غدونا بعدهم
لا حديث طيب ، لا سمر
كسماء ليس فيها أنجم
أو كروض ليس فيه زهر
كلنا منتظر ساعته
والمصير الحق ما ننتظر

نــجــم
23-04-2011, 10:08 PM
فتح اورشليم

للهِ ما أحلى البشير وقولهُ
سقط الهلالُ إلى الحضيضِ ودالا
بشرى نسينا كلَّ شيءِ قبلها
الناسَ والدّولات والأجيالا
ردّتْ على الشيخ المسنَّ شبابهُ
وعلى الحزينِ اليأئسِ الآمالا
وعلى الصَّديقِ صديقهُ ، وعليهما
أبويهما ، وعلى الأبِ الأطفالا
لو ساومَ الخلقَ الذي وافى بها
بذلوا لهُ الأرواحَ والأموالا
***
من مبلغُ الأبطالِ عني أنني
أهوى القُرومَ الصيدَ والأبطالا
بالأمسِ قطعتِ الجزيرةُ قيدها
ورمتْ بوجهِ الغاشمِ الأغلالا
واليوم ودعتِ المظالم أخنها
ومشت تجرُّ ذيولها إدلالا
أبناتِ أورشليمَ ضمخنَ الثرى
بالطيبِ واملأن الدُّروب جمالا
حتى يمرَّ الفاتحونَ فإنهم
كشوا الأذى عنكنُّ والإذلالا
فاخلعنَ أثوابَ الكآبةِ والأسى
وألبسنَ من نورِ الضحى سربالا
وانفحنَ بالبسماتِ كلَّ سميذعِ
خاض العجاجَ ووجههُ يتلالا
هذا مجالٌ للفتى أن يزدهي
فيهِ ، وللحسناءِ أن تختالا
ياقائدَ الصَّيدِ الغطارقةِ الألى
تحنى الرؤوسُ ، لذكرهم ، إجلالا
ظنَّ المغولُ جنودهُمْ تحميهمْ
والقردُ يحسبهُ أبوهُ غزالا
فتألبوا وتهددوا وتوعدوا
حتى طلعتَ فأجفلوا إجفالا
ذعر الطيورِ سطا عليهم باشقٌ
وبناتِ آوى أبصرتْ رئبالا
كم جحفلٍ بعثوا إليك مع الدجى
لاقاهُ جيشكَ ، والصَّباحُ ، قزالا
طاردتهم فوق الجبالِ وتحتها
كالليثِ يطردُ دونهُ الأوعالا
فملأت هاتيك الأباطحَ والرُّبى
بجسومهم وملأتهم أهوالا
وحميت إلا السّهدَ عن أجفانهم
ومنعتَ إلا عنهمُ الأوجالا
ساقوا إليكَ مئنهم وألوفهم
فرقاً وسُقتَ إليهمُ الآجالا
وصنعت من أسيافهم ودروعهم
لرقابهم وزنودهم أغلالا
لو لم تساقطهم إليمَ جبالهم
عند الضحى زلزلتها زلزالا
إن يأمنوا وجدوا المنايا يمنةً
أو يأسروا وجدوا لجيوشَ شملا
وشكت خيولك في الميادينِ الوجى
فجعلتَ أرؤسهم لهنَّ نعالا
ورأوكَ قد عرضت صدركَ للظبى
عند الحصونِ فعرَّضوا الأكفالا
هُنئتَ بالنصرِ المبينِ فإنهُ
نصرٌ يعزُّ على سواكَ مثالا
هذي القلوبُ نسجتها لك أحرفاً
لو أستطيعُ صنعتها تمثالا
أرضيتَ موسى والمسيحَ وأحمداً
والناسَ أجمعَ والإلهَ تعالى

نــجــم
23-04-2011, 10:08 PM
في الليل


جلست وقد هجع الغافلون
أفكر في أمسنا والغد
وكيف استبد بنا الظالمون
وجاروا على الشيخ والأمرد
فخلت اللواعج بين الجفون،
وأن جهنم في مرقدي
وضاق الفؤاد بما يكتم
فأرسلت العين مدرارها
*
ذكرت الحروب وويلاتها
وما صنع السيف والمدفع
وكيف تجور على ذاتها
شعوب لها الرتبة الأرفع
وتخضب بالدم راياتها
وكانت تذم الذي تصنع
فباتت بما شدت تهدم
صروح العلوم وأسوارها
نساء تجود بأولادها
على الموت، والموت لا يرحم
وجند تذود بأكبادها
عن الأرض ، والأرض لا تعلم
وتغذو الطيور بأجسادها
فإن عطشت ، فالشراب الدم
وفي كل منزلة مأتم
تشق به الغيد أزرارها
*
لقد شبع الذئب والأجدل
وأقفرت الدور والأربع
فكم يقتل الجحفل الجحفل
ويفتك بالأروع الأروع
ولن يرجع القتل من قتلوا
ولن يستعيدوا الذي ضيعوا
فبئس الألى بالوغى علموا
وبئس الألى أججوا نارها
*
أمن أجل أن يسلم الواحد
تطل الدماء وتفنى الألوف ؟
ويزرع أولاده الوالد
لتحصدهم شفرات السيوف ؟
أمور يجار بها الناقد
وتدمي فؤاد اللبيب الحصيف
فيا ليت شعري ، متى نفهم
معاني الحياة وأسرارها؟
*
وحولت طرفي إلى المشرق
فلم أر غير جبال الغيوم
تحوم على بدره المشرق
كما اجتمعت حول نفسي الغموم
فأسندت رأسي إلى مرفقي
وقلت وقد غلبتني الهموم
بربك، أيتها الأنجم،
متى تضع الحرب أوزارها
*
كما يقتل الطير في الجنة
ويقتنص الظبي في السبسب
كذلك يجنى على أمتي
بلا سبب وبلا موجب

فحتام تؤخذ بالقوة
ويقتص منها ولم تذنب ؟
وكم تستكين وتستسلم ،
وقد بلغ السيل زنارها؟
*
وسقت إلى النطع سوق النعم
مغاويرها ورجال الأدب
وكل امرئ لم يمت بالخذم
فقد قتلوه بسيف السغب
فما حرك الضيم فيها الشمم
ولا رؤية الدم فيها الغضب
تبدلت الناس والأنجم
ولما تبدل أطوارها
*
أرى الليث يدفع عن غيضته
بأنيابه وبأظفاره
ويجتمع النمل في قريته
إذا خشي الغدر من جاره
ويخشى الهزار على وكنته
فيدفع عنها بمنقاره
فلا الكاسرات، ولا الضيغم
ولا الشاة تمدح جزارها
عجبت من الضاحك اللاعب
وأهلوه بين القنا والسيوف
يبيتون في وجل ناصب
فإن أصبحوا لجأوا للكهوف
وممن يصفق للضارب
وأحبابه يجرعون الحتوف
متى يذكر الوطن النوم
كما تذكر الطير أوكارها ؟

نــجــم
23-04-2011, 10:08 PM
في السفينة

تسيرُ بنا على عجلِ
وإنْ شاءتْ على مهلِ
وتسعى سعي مُشتاقٍ
بلا قلبٍ ولا عقلِ
وتمشي في عُبابِ الماءِ
مشي الصَّلّ في الرَّملِ
فما تعبسُ للحزنِ
ولا تضحكُ للسَّهلِ
أبتْ أن تعرفَ الشكوى
منَ التَّرحالِ والحلَّ
فُطورْاً في قرارِ اليمَّ
للغامضِ تستجلي
وآونةً تُناجيها
دراري الأفقِ بالوصل
وأحياناً تواني
سيرها ساكنة الظلَّ
ولموجِ حواليها
زئيرُ اللَّيثِ ذي الشبلِ
ركبناها ونارُ الشَّوقِ
في أحشائها تغلي
فيا للهِ حتى السَّفنُ
مثلي ما لها مُسلِ
فلا تعجبْ إذا أعجبُ
من أطوارها مثلي
فيا أعرفُ مركوباً
سِوى الأفراسِ والإبلِ
وما أعلمُ قبلَ الآنِ
أنَّ الطَّودَ ناقَ لي
تركنا (( غادة الشَّرقِ ))
إلى (( لبنان )) ذي الفضلِ
فمن وطنٍ إلى وطنٍ
ومن أهلٍ إلى أهلِ

نــجــم
23-04-2011, 10:08 PM
في القفر

سئمت نفسي الحياة مع الناس،
وملت حتى من الأحباب
ومن الكذب لابساً بردة الصدق،
وهذا مسربلاً بالكذاب
ومن القبح في نقاب جميل
ومن الحسن تحت ألف نقاب
ومن العابدين كل إله
ومن الكافرين بالأرباب
ومن الواقفين كالأنصاب
ومن الساجدين للأنصاب
ومن الراكبين خيل المعالي
ومن الراكبين خيل التصابي
والألى يصمتون صمت الأفاعي
والألى يهزجون هزج الذباب
صغرت حكمة الشيوخ لديها
واستخفت بكل ما للشباب
قالت أخرج من المدينة للقفر
ففيه النجاة من أوصابي
وليك الليل راهبي، وشموعي
الشهب ، والأرض كلها محرابي
وكتابي الفضاء أقرأ فيه
سوراً ما قرأتها في كتاب
وصلاتي الذي تقول السواقي
وغنائي صوت الصبا في الغاب
وكؤوسي الأوراق ألقت عليها
الشمس ذوب النضار عند الغياب
ورحيقي ما سال من مقلة الفجر
على العشب كاللجين المذاب
ولتكحل يد المساء جفوني
ولتعانق أحلامه أهدابي
وليقبل فم الصباح جبيني
وليعطر أريجه جلبابي
ولأكن كالغراب رزقي في الحقـ
ـل،وفي السفح مجثمي واضطرابي
ساعة في الخلاء خير من الأ
عوام تقضى في القصر والأحقاب
يا لنفسي فإنها فتنتني
بالحديث المنمق الخلاب
فإذا بي أقلى القصور، وسكنا
ها، وأهل القصور ذات القباب
فبحرت العمران تنفض كفي
عن ردائي غباره وإهابي
وتركت الحمى وسرت وإياها
وقد ذهب الأصيل الروابي
نهتدي بالضحى ، فإن عسعس الليـ
ـل جعلنا الدليل ضوء الشهاب
وقضينا في الغاب وقتاً جميلاً
في جوار الغدران والأعشاب
تارة في ملاءة من شعاع
تارة في ملاءة من ضباب
تارة كالنسيم نمرح في الوا
دي ، وطوراً كالجدول المنساب
في سفوح الهضاب والظل فيها،
ومع النور وهو فوق الهضاب
إنما نفسي التي ملت العمران
ملت في الغاب صمت الغاب
فأنا فيه مستقل طليق
وكأني أدب في سرداب
علمتني الحياة في القفر أني،
أينما كنت، ساكن في التراب
وسأبقى ما دمت في قفص الصلصال عبد المنى أسير الرغاب
خلت أني في القفر أصبحت وحدي
فإذا الناس كلهم في ثيابي!

نــجــم
23-04-2011, 10:09 PM
في القطار

سرى يطوي بنا الأميال طيَّاً
كما تطوي السجلَّ أو الإزارا
فلم ندر وجنحُ الليلِ داجٍ
أبرقاً ما ركِبنا أم قطارا
بنا وبه حنينٌ واشتياقٌ
ولولا ذان ما سِرنا وسارا
ولكنَّا وسعنا الشَّوق ذرعاً
وضاق بهِ فصَّعده بخارا
وسَّمينا الذي ُيخفيه وجداً
وسمَّينا الذي ُيخفيه نارا
غفا صحبي وبعضُهم تغافى
ولم أذقِ الكرى إلا غرارا
جلستُ أراقبُ الجوزاءَ وحدي
كما قد يرقبُ السَّاري المنارا
يسيرُ بنا القطارُ ونحنُ نرجُو
لو اختصر الطَّريق بنا اختصارا
وأقسمُ لو أحدثه بما بي
لحلَّق في الفضاءِ بنا وطارا
إلى البلد الأمينِ إلى كرامٍ
يُراعون المودَّة والجوارا
إلى اُلمزدادِ ودّهم لدينا
إذا زدنا صفاتهمُ اختبارا
إذا سترت محبتها قلوبٌ
فحبي لا أطيقُ لهُ استتارا
فيا إخواننا في كلَّ أمرٍ
أصيخوا كي أخاطبكُم جهارا
طويناها سباسب شاشعاتٍ
تسيرُ الواخداتُ بها حَيارى
ولولا أن تسير بنا إليكُم
وكائبنا مشيناها اختيارا
لننقل من ((نُويورك)) لكُم تحايا
تحاكي في لطافتها العقارا
وننقل عنكمُ أخبار صدقٍ
تحُاكي الندّ في الرَّوضِ انتشارا
سمعنا بالهزار ونحنُ قومٌ
كما نهوى الغنا نهوى الهَزارا
لديكُم كوكبٌ وبنا ظلامٌ
وأنتم تكرهون لنا العِثارا
جعلنا رسمهُ في كل نادٍ
وصيرَّنا القلُوب له إطارا
أجلْ ، هذا الذي نبغيهِ منكم
ونرجو لا اللُّجين ولا النُّضارا
أتيناكُم على ظمأٍ لأنا
عرفنا فيكم السُّحبَ الغزارا
وأنتمُ معشرٌ طابوا نفُوساً
وأخلاقاً كما كُرموا نجارا
بقيتمُ في سلامٍ واغتباطٍ
تُضيء وجوهُكُم هذي الدَّيارا

نــجــم
23-04-2011, 10:09 PM
في يوبيل شكيب أرسلان

امنحيني ، يانجومُ ، الألقا
وهبيني ، يا زهورُ ، العبقا
أبعثُ الشعر إلى الدينا هوى
وضياءَ وغناءَ شيّقا
فإذا خامرَ نفساً طربتْ
وإذا لامسَ قلباً خفقا
وإذا يُتلى لمشتاقٍ سلا
وإذا يُروى لباكٍ صفقا
فمن الشعر لقومٍ حكمةٌ
ومن الشعرِ لأقوامٍرقى
أنا لا أستعذبُ الشعرَ إذا
لم أجدْهُ روضةً أو أفقا
***
حبَّذا ليلتنا من ليلةٍ
يُكرمُ الأحرارُ حرَّاً لبقا
شاعرٌ ما أن جرى في حلبةٍ
أبداً إلاَّ وكان الأسبقا
كاتبٌ ، لا بل سحابٌ هتنٌ ،
كم روى الأرواح خمراً وسقى
قلْ لمن حاول أن يلحقهُ
إنَّ هذا عارضٌ لن يُلحقا
قلمٌ يهمي على أمتّهِ
رحمةً إذ تمطرُ الدينا شقا
وإذا ما أوذيتْ أو ظلمتْ
أمطرَ الدينا شواظاً محرقا
ودوت زعفاتُهُ كابنِ الشَّرى
ريع في عرّيسهِ أو ضويقا
هو للحقَّ إلى أن ينجلي
وعلى الباطلِ حتى يُزهقا
أنفق العمرَ على خدمتها
آهِ ما أغلى الذي قد أنفقا
قلْ لمن أرجفَ كي يقلقهُ
في حماهُ إنعُ لن يقلقا
ولمن حاولَ أن يغضبهُ
إنه أعلى وأسمى خُلقا
أأميرٌ تتقيه دولةٌ
يتوقى كاشحاً مختلقا ؟
وهو مثلُ الشمسِ لن يبلغا
صاعدٌ كهما تعالى وارتقى
إن يوبيلكَ يوبيلُ النهى
هنَّأتْ بغدادُ فيه جُلَّقا

نــجــم
23-04-2011, 10:09 PM
في فراش المرض

مرضت فأرواح الصّحاب كئيبة ٌ
بها ما بنفسي، ليت نفسي لها فِدَى
ترفّ حيالي كلـّما أغمض الكرى
جفوني جماعاتٍ ومثنى وموحدا
تراءى فآناً كالبدور سوافراً
وآونة ًمِثل الجمان ِمنضَّدا
وطوراً أراها حائراتٍ كأنها
فراقدُ قد ضيَّعن في الأرض فراقدا
وطوراً أراها جازعاتٍ كأنـَّها
تخافُ مع الظلماء أن تتبدّدا
أحِنُّ إليها رائحاتٍ وعوَّدا
سالمٌ عليها رائحات وعوَّدا
تهشُّ إليها مقبلاتٍ جوارحي
كما طـَرٍبَ السّاري أي النُّور فاهتدى
وألقي إليها السّمع ما طال همسها
كذلك يسترعي الأذانُ الموحِّدا
ويغلبُ نفسي الحزنُ عندَ رحيلها
كما تحزنُ الأزهار زايلها النّدى
كرهتُ زوال اللّيل خوف زوالها
وعوّدتُ طرفي النَّوم حتى تعوَّدا
ولو أنَّها في الصّحو ِتطرقُ مضجعي
حميتُ الكرى جفني وعشتُ مُسَهَّدا
ولو لم تكن تعتاد مني مثلها
خيالاتها همّت بأن تتقيّدا
فيا ليتني طيفٌ أروح وأغتدي
ويا ليتها تستطيع أن تتقيّدا
نحلتُ إلى أن كِدت أنكِرُ صورتي
وأخشى لفطرط السُّقم أن أتنهّدا
مبيتي على مثل الوثير ليانة ً
وأحسبُني فوق الأسِنـّةِ والمدى
كأنّ خيوط المهد صارت عقارباً
كأنَّ وسادي قد تحوّل جامدا
لقد توشكُ الحُمَّى، إذ جدَّ جدُّها
تقوِّم من أضلاعي المتأوِّدا
تـُصوِّرُ لي طيف الخيال حقيقة
وأحسب شخصاً واحداً متعدِّدا
لقد ضعضعتني، وهي سرٌ، ولم يكن
يضعضعني صَرفُ الزَّمان إذا عدا
إذا ما أن أسندت رأسي إلى يدي
رمتني منها بالذي يوهنُ اليدا
تغلغل في جسمي النَّحيل أوارها
فلو لم أقدَّ الثَّوبَ عنه توقـَّدا
رأيت الذي لم يُبصر النـّاس نائماً
وطفتُ الدُّنى شرقاً وغرباً مُوَسَّدا
يقول النـُّطاسي لو تبلـَّدت ساعة ً
تبلـَّدتُ لو أني أطيق التـَّبلـُّدا
تهامس حولي العائدون ورجَّمًوا
وعنـَّفَ بعض الجاهلين وفنـَّدا
فما ساءني إلا شماتة ُ معشر ٍ
رجوت بهم عند الشـَّدائد مُسعدا
أسأتُ إليهم، بل أساؤوا فإنني
ظننتـُهم شرواي خـُلقاً ومحتدا
أحبَّ الضّنى قومٌ لأني ذقتهُ
وأحببته كيما يُحبَّ ويحسدا
وود أناس لو يعاجلني الردى
كأني أرجو فيهم أن أخلدا
وما ضمنوا أن لا يموتوا وإنما
يود زوال الشمس من كان أرمدا
إذا الليل أعياه مساجلة الضحى
تمني لو أن الصبح أصبح أسودا
على أنني والداء يأكل مهجتي
أرى العار، كل العار، أن أحسد العدى
فإن الذي بالجسم لا بد زائل
ولكن ما بالطبع ينفك سرمدا
لئن أجلب الغوغاء حولي وأفحشوا
فكم شتموا موسى وعيسى وأحمدا
ولا عجب أن يبغض الحر جاهل
متى عشق البوم الهزار المغردا ؟
وإني في كبت العداة وكيدهم
كمن يسلك الدرب القصير المعبدا
ولكنني أعفو وللغيظ سورة
أعلم أعدائي المروءة والندى
لأا رب غر خامر الشك نفسه
فلما رآني أبصر البحر مزبدا
فأصبح يخشاني وقد بت ساكتاً
كما كان يخشاني وقد كنت منشدا
ويرهب إسمي أن يطيف بسمعه
كما تتقي الدرداء حرفاً مشددا
ومن نال منه السيف وهو مجرد
تهيب أن يرنو إلى السيف مغمدا
أحب الأبي الحر لا ود عنده
وأقلى الذليل النفس مهما توددا
وبين ضلوعي قلب ما تمردت
عليه بنات الدهر إلا تمردا
ولو أن من أهوى أطال دلاله
منعت هواه أن يجوز في المدى
لترم العوادي بي العوادي فإنني
تركت لمن يهواها اللهو والددا

نــجــم
23-04-2011, 10:09 PM
فنون الوصف

كأني في روضٍ أرى جارياً
أمامي ، وفوقي الغيمُ يجهدُ بالنشرِ
توهمتهُ هماً فقلت لهُ انجلي
فإنَّ همومي ضاق عن وسعها صدري
بربك سر حيثُ الخليُ فإنني
فتى لا أرى غير المصائب في دهري
فأقشع حتى لم أشك بأنهُ
أصاخ إلى قولي وما شك في أمري
رعى اللهُ ذياك الغمام الذي رعى
عهودي وأولاني الجميل ولم يدر
تظللت بالأشجار عند اختفانه
ويارُبَّ طل كان أجمل من قطر
جلستُ أبثُّ الزهر سراً كتمتهُ
عن الناس حتى صرت أخفى من السرَّ
ولما شكوتُ الوجد وجدي تمايلت
كأنَّ الذي أشكوهُ ضربٌ من الجمرِ
وأدهشها صبري فأدهشني الهوى
دهشتُ لأنَّ الزَّهر أدهشها صبري
ولما درت أني ُمحبٌ متيمٌ
بكت وبكاني كلُّ ضاحكٍ ُمفتر
عجبت لها تبكي لما بي ولم يكن
عجبياً على مثلي البكاء من الصخر
كأني بدرٌ ، والزهورُ كواكبٌ ،
وذا الروضُ أفق ضاء بالبدر والزهر
كأني وقد أطلقتُ نفسي من العنا
مليكٌ لي الأغصانُ كالعسكرِ المجر
فما أسعد الإنسان في ساعة اُلمنى
وما أجمل الأحلام في أوَّلِ العمر ؟
وهاتفةٍ قد أقلقني بنوحها
فكنتُ كمخمورٍ أفاق من السُّكر
تُرى رُوعت مثلي من الدَّهر بالفراق
أم بدلت مثلي من اليُسر بالعُسر
بكيتُ ولو لم أنكِ مما بكت لهُ
بكيتُ لما بي من سقامٍ ومن ضرَّ
ونهرٍ إذا والى التجعَّد ماؤهُ
ذكرتُ الأفاعي إذ تلوي على الجمر
تحيط ُبه الأشجارُ من كلَّ جانبٍ
كما دار حول تلجيد عقدٌ من الدرِ
وقد رقمت أغضانها في أديمه
كتاباً من الأوراقِ ، سطراً على سطر
كأن دنانيراً تساقطُ فوقهُ
وليس دنانيرٌ سوى الورق النضرِ
كأني به المرآةُ عند صفائها
تمثل ما يدنو إليها ولا تدري
فما كان أدرى الغصن بالنظم والنثر؟
وما كان أدرى الماء بالطيَّ والنشر ؟
ذر المدح والتشبيب بالخمر والمهى
فإني رأيتُ الوصف أليقُ بالشعر
وما كان نظمُ الشعر دأبي وإنما
دعاني إليه الحب والحب ذو أمر
ولي قلمٌ كالرمح يهتزُ في يدي
إلى الخير يسعى والرماحُ إلى الشرَّ
وتفتكُ هاتيك الأسنةُ في الحشى
ويحيى الحشى إن راح يفتكُ بالحبر
إذا ما شدا بالطرس أذهب شدوُهُ
هموم ذوي الشكوى ووقر ذوي الوقر
تبختر فوق الطرسِ يسحبُ ذيلهُ
فقالوا به كثيرٌ ، فقلتُ عن الكبر
لكلَّ من الدنيا حبيبٌ وذا الذي
أشدُّ به أزري ويعلو به قدري
ويبقى به ذكرى إذا غالني الرَّدى
حسبُ الفتى ذكرٌ يدومٌ إلى الحشر

نــجــم
23-04-2011, 10:10 PM
فقيد الوطنية

بكيت ولكن بالدموع السخينة
وما نفذت حتى بكيت بمهجتي
على الكامل الأخلاق والنـّدب مصطفى
فقد كان زين العقل زين الفتوّة
نعاه لنا الناعي فكادت بنا الدّنى
تميد لهول الخطب خطب المروءة
وذابت قلوب العالمين تلهُّفاً
وسالت دموع الحزن من كل مقلة
أجل قد قضى في مصر أعظم كاتبٍ
فخلـّف في الأكباد أعظم حسرة
فتى وأبي لو ان في الناس مثله
لهان علينا وقع هذي الرزيئة
ولو كان يفدى بالنفوس من الرّدى
جعلنا فداه كلّ نفس ٍ أبيةِ
فتى مات غضَّ العمر لم يعرف الخنا
ولم ينطوي في نفسه حبُّ ريبة
وقد كان مقداماً جريئا ولم يكن
ليبغي الرّدى غير النفوس الجريئة
وكان جواداً لا يضنُّ بحاجةٍ
لذلك أعطى روحه للمنيّة
سلامٌ على مصر الأسيفة بعده
فقد أودعت آماله جوف حفرة
خطيب بلاد النيل مالك ساكتاً
وقد كنت تلقي خطبة ً إثر خطبةِ؟
تطاولت الأعناق حتى اشرأبَّت
فهل أنت مسديها ولو بعض لفظة؟
نعم كنت لولا الموت فارج كربها
فيا للرَّدى من غاشم متعنِّت
تفطـَّرت الأكباد حزناً كأنَّما
مماتك سهم حلَّ في كل مهجة
وما حزنت أمٌ لفقد وحيدها
بأعظم من حزني عليك ولوعتي
تناديك مصر الآن ياخير راحل
ويا خير من يرجى لدفع الملمّة
عهدتك تأبى دعوة ً غير دعوتي
فمالك تأبى (مصطفى) كلّ دعوة؟
فقد تلك رياناً فيا طول لهفتي
لقد كنت سيفي في الخطوب وجنّتي
أجل طالما دافعت عن مصر مثلما
يدافع عن مأواه نحل الخليّة
فأيقظتها من رقدةٍ بعد رقدةٍ
وأنهضتها من كبوة تلو كبوةِ
وقوّيت في أبنائها الحبّ نحوها
وكنت لهم في ذاك أفضل قدوة
رفعت لوراء الحقِّ فوق ربوعها
فضمّ إليه كلّ ذي وطنيّة
لئن تك أترعت القلوب محبة ً
فإنّك لم تخلق لغير المحبّة
فنم آمناً وفيت قومك قسطهم
فيا طالما ناموا وأنت بيقظة
سيبقي لك التاريخ ذكراً مخلداً
فقد كنت خير الناس في خير أمّة
عليك من الرّحمن ألف تحيةٍ
ومن أرض ِ مصر ألف ألف تحيّةِ

نــجــم
23-04-2011, 10:10 PM
قتل نفسه

تأملَ في أمسهِ الدابرِ
فكاد يُجنُّ من الحاضر
أهاج التذكرُ أشجانهُ
وكم للسعادةِ من ذاكرِ ؟
فتى كان أنعمَ من جاهلٍ
فأصبحَ أتعسَ من شاعرِ
أضاعَ الغِنى وأضاعَ الصَّحاب
وربَّ مريضٍ بلا زائرِ
ويا طالما أحدقوا بالفتى
كما تحدقُ الجندُ بالظافرِ
فلما انقضى مجدُهُ أعرضوا
وما الناسُ إلا مع القادرِ
وما الناسُ إلا عبيدُ القوي
فكن ذاك أو كن بلا شاكرِ
أشدُّ من الدَّهرِ مكراً بنوهُ
فويلٌ لمن ليس بالماكرِ
فكن بينهم خاتلاً غادراً
ولا تشتكِ الغدر من غادرِ
تعيسٌ تُعانقهُ النائباتُ
عناق الحبائلِ للطائر
كثيرُ الهمومِ بلا ناصرٍ
كسيرُ الفؤاد بلا جابرِ
قضى ليلهُ ساهياً ساهراً
إلى كوكبٍ مثلهُ ساهرِ
يفتشُ عن آفلٍ في الثَّرى
وما كان في الأفقِ بالسافرِ
وتالله ُيجدي فتى بائساً
كلام المنجّمِ والساحر
ولما توَّلت دراري السماءُ
وغاب الهلالُ عن الناظر
بكى ، ثُمَّ صاح أحتى النجومُ
تصدُّ عن الرجلِ العائرِ ؟
إلى م أعاندُ هذا الزمان
عناد السفينة للزاخر ِ
وأدعو وما من سامعٍ ،
وأشكو ، ولكن إلى ساخر
وأرجو الوفاءَ وتأبى النفوسُ
وأنى الولادةُ للعاقرِ
سئمتُ الحياة فليت الحمام
يُعيدُ إلى أصلهِ سائري
فتنطلقُ النفسُ من سجنها
ويسجنُ تحت الثرى ظاهري
وزاد سوادُ الدُّجى يأسهُ
وقد كاد يسفرُ عن باهر
فشاء التخلُّص من دهرهِ
الخؤون ، ومن عيشهِ الحازرِ
فأغمد في صدرهِ مُديةً
أشدُّ مضاءً من الباترِ
وكمْ مثلهُ قد مضى نحبهُ
شهيد التأمَّلِ في الغابر ِ

نــجــم
23-04-2011, 10:10 PM
قصيدة الطبيعة

روض إذا زرته كئيبا
نفس عن قلبك الكروبا
يعيد قلب الخلي مغراً
وينسي العاشق الحبيبا
إذا بكاه الغمام شقت
من الأسى زهره الجيوبا
تلقى لديه الصفا ضروباً
ولست تلقى له ضريبا
وشاء قطر الندى فأضحى
رداؤه معلماً قشيبا
فمن غصون تميس تهيأ
ومن زهور تضوع طيبا
ومن طيور إذا تغنت
عاد المعنى بها طروبا
ونرجس كالرقيب يرنو
وليس ما يقتضي رقيبا
وأقحوان يريك دراً
وجلنار حكى اللهيبا
وجدول لا يزال يجري
كأنه يقتفي مريبا
تسمع طوراً له خريراً
وتارة في الثرى دبيبا
إذا ترامى على جديب
أمسى به مربعاً خصيبا
أو يتجنى على خصيب
أعاده قاحلاً جديبا
صح فلو جاءه عليل
لم يأت من بعده طبيبا
وكل معنى به جميل
يعلم الشاعر النسيبا
أرض إذا زارها غريب
أصبح عن أرضه غريبا

نــجــم
23-04-2011, 10:10 PM
قنبلة الفناء

إذا سحقتْ أرضنا القُنبُلهْ
كما يسحقُ الحجرُ الخردلهْ
وقوَّضَ مفعولها الراسياتِ
فصارتْ غباراً لهُ جلجلهْ
ودبَّ الفنا في ذواتِ الجناحِ
وغلغل في النَّبتِ فاستاصلهْ
وفي الماشياتِ وفي الززاحفاتِ
عليها إلى آخرِ السلسلهْ
فلا زهرَ يأرجُ في روضةٍ
ولا ديكَ يصدحُ في مزبلهْ
وضاعَ الزمانُ ومقياسُهُ
وأشبهَ آخرُهُ أولهْ
ولم يبقَ حيٌّ على سطحها
وأصبحَ عزريلُ لا شغلَ لهْ
فذلك خطبٌ يهولُ النفوسَ
تصورُهُ قبلَ أنْ تحملهْ
ولكنَّ أمراً يعزي الجميعَ
إذا سحقتْ أرضنا القنبلهْ
فلن يدعَ الموتُ حياً
يلومُ سواهُ على هذِهِ المقتلهْ !

نــجــم
23-04-2011, 10:11 PM
قطرة الطل

إن ترَ زهرة وردٍ فوقها للطلّ قطره
فتأمَّلها كلُغزٍ غامض تجهلُ سرَّه
ولتكن عيُنك كفاً وليكُن لمسُك نظره
ليستِ الحمراءُ جمره ، لا ولا البيضاءُ درَّه
...
ربَّ روحٍ مثلُ روحي عافتِ الدينا المضرَّه
فارتقت في الجوَّ تبغي منزلاً فوق المجرَّه
علها تحيا قليلاً في الفضاءِ الحرّ حرَّه
ذرفتها مقلة الظلماءِ عند الفجرِ قطره

نــجــم
23-04-2011, 10:11 PM
كل من عليها فان

فديناك، لو ان الرّدى قبل الفِدا،
بكلِّ نفيسٍ بالنـّفائسُ يفتدى
أبى الموتُ إلا أن ينالك سهمه
وألا يرى شمل السخاءِ مبدّدا
فأقدم لا يبغي سواك وكلـّما
درى أنّه يبغي عظيماً تشدّدا
دهاك الرَّدى لكن على حين فجأةٍ
فتبَّت يداه غادرٌ صرع النـّدى
دهاك ولم يشفق على الصِّبيةِ الألى
تركتهم يبكون مثنى وموحدا
فقدت وأوجدت الأسى في قلوبنا
أسىً كاد لولا الدمع أن يتوقـّدا
بكيناك حتى كاد يبكي لنا الصّفا
وحتى بكيت مما بكينا له العدى
وما كاد يرقى الدمعُ حتى جرى بهِ
غدٌ عندما، ياليتنا لم تر غداً!
قضت طفلة ٌ تحكي الملاك طهارة
وألحقها الموت الزؤام بمن عدا
كأنَّ لها نذراً أرادت قضاءه
وكأنك أنت الصوت جاوبه الصّدى
مشت في طريق ٍقد مشى فيه بعدها
فتاك الذي أعددت منه المهنـَّدا
فتى طاب أخلاقا وطاب محامداً
وطاب فؤاداً مثلما طاب محتدا
فتى كان مثل الغصن في عنفوانه
فلله ذاك الغصن كيف تاوَّدا
تعوّد أن يلقاك في كل بكرةٍ
فكان قبيح تركٍ ما قد تعوَّدا
فجعنا به كالبدر عند تمامهِ
ولم نرَ بدراً قبله الأرض وسِّدا
فلم يبق طرفٌ لم يَسِلْ دمعه دماً
ولم يبق قلبٌ في الملا ما تصعّدا
كوارث ٌ لو نابت جبالاً شواهقاً
لخرَّت لها تلك الشواهق سُجدا
ولو انها في جامدٍ صار سائلاً
ولو أنها في سائل ٍ صار جامدا
(أفهمي) إنّ الصبر أليقُ بالفتى
ولا سيما من كان مثلك (سيِّدا)
فكن قدوة ً للصابرين فإنـّما
بمثلك في دفع الملِمَّات يقتدى
لعمرك ما الأحزان تنفع ربّها
فيجملُ بالمحزون أن يتجلـّدا
فما وجدَ الإنسان إلا ليفقدا
وما فقد الإنسان إلا ليوجدا
وما أحدٌ تنجو من الموت نفسهُ
ولو انه فوق السّماكين أصعدا
فلا يحزن الباكي ولا تشمتِ العدا
فكلُّ امرئ، يا صاح، غايته الرَّدى

نــجــم
23-04-2011, 10:11 PM
كم تشتكي


كم تشكتي ونقولُ إنك مُعِدمُ
والأرضُ ملكك والسما والأنجمُ ؟
ولكَ الحقولُ وزهرُها وأريجها
ونسيمُها والبلبلُ المترنمُ
والماء حولك فضةٌ رقراقةٌ
والشمسُ فوقكَ عسجدٌ يتضرَّمُ
والنورُ يبني في السفوحِ وفي الذرى
دُوراً مزخرفةً وحيناً يهدمُ
فكأنَّهُ الفنانُ يعرض عابثاً
آياتهِ قدَّامَ منْ يتعلمُ
وكأنهُ لصفائهِ وسنائهِ
بحرٌ تعومُ بهِ الطيورُ الحَّومُ
هشتْ لكَ الدينا فما لكَ واجماً ؟
وتبسمتْ فعلامَ لا تتبسَّم ؟
إن كنت مكتئباً لعز قد مضى
هيهاتِ يُرجعهُ إليكَ تندمُ
أو كنتَ تشفقُ من حلولِ مصيبةٍ
هيهاتِ يمنعُ أنْ تحل تجهمُ
أو كنتَ جاوزتَ الشبابَ فلا تقلْ
شاخَ الزمانُ فإنه لا يهرمُ
أنظرْ فما زالتْ تطلُّ من الثرى
صورٌ تكادُ لحسنها تتكلمُ
ما بين أشجارٍ كأنَّ غصُونها
أيدٍ تُصفقُ تارةً وتسلمُ
وعيونِ ماءِ دافقاتٍ في الثرى
تشفي السقيمَ كأنما هي زمزمُ
ومسارحٍ فنت النسيم جمالها
فسرى يدندنُ تارةً ويهُمهمُ
فكأنهُ صبٌ ببابِ حبيبةٍ
متوسلٌ ، مستعطفٌ ، مُسترحمُ
والجدولُ الجذلانُ يضحكُ لاهياً
والنرجسُ الولهانُ مُغفٍ يحلمُ
وعلى الصعيدِ ملاءةٌ من سُندسٍ
وعلى الهضابِ لكل حسنٍ ميسمُ
فهنا مكانٌ بالأريجِ معطرٌ
وهناكَ طودٌ بالشعاعِ معممُ
صُورٌ وآياتٌ تفيضُ بشاشةً
حتر كأن الله فيها يبتسم
فامشِ بعقلكَ فوقها متفهماً
إنَّ الملاحةَ مُلكُ من يتفهمُ
أتزورُ روحكَ جنةٌ فتفوتها
كيما تزوركَ بالظنونِ جهنمُ ؟
وترى الحقيقة هيكلاً متجسداً
فتعافُها لوساوسٍ تتوهمُ ؟
يا منْ يحن ُّ إلى غدٍ في يومهِ
قد بعتَ ما تدري بما لا تعلمُ
قم بادرِ اللذات قبل فواتها
ما كل يومٍ مثلُ هذا موسمُ
واشربْ بسرَّ حصنِ سر شبابهِ
وارو أحاديثَ المروءةِ عنهمُ
المعرضينَ عن الخنا ، فإذا علا
صوتٌ يقولُ : ( إلى المكارم ) أقدموا
ألفاعلينَ الخيرَ لا لطماعةٍ
في مغنمٍ ، إنَّ الجميلَ المغنمُ
أنت الغنيُّ إذا ظفرتَ بصاحبٍ
منهمْ وعندكَ للعواطفِ منجمُ
رفعوا لدينهمِ لواءَ عالياً
ولهمْ لواءٌ في العروبةِ مُعلمُ
إن حاز بعضُ الناسِ سهماً في العلى
فلهمْ ضروبٌ لا تُعدُّ وأسهم
لا فضلَ لي إن رحتُ اعلنُ فضلهم
بقصائدي ، إن الضحى لا يُكتم
لكنني أخشى مقالة قائلٍ
هذا الذي يثني عليهمْ منهم
أحبابنا ما أجملَ الدينا بكم
لا تُقبحُ الدينا وفيها أنتم

نــجــم
23-04-2011, 10:11 PM
كتابي

وسائلةٍ : أيَّ المذاهبِ مذهبي
وهل كانَ فرعاً في الدياناتِ أمْ أصلا
وأيَّ نبيَّ مُرسلٍ أقتدي به
وأيَّ كتابٍ مُنزلٍ عندي الأغلى ؟
فقلتُ لها : لا يقتني المرءُ مذهباً ،
وإنْ جلَّ ، إلاَّ كانَ في عنقهِ غُلاً
فما مذهبُ الإنسانِ إلاَّ زجاجة
تقيده خمراً وتضبطه خلاَّ
فإن كانَ قبحاً لم يبدُّلهُ لونها
جمالاً ، ولا نبلاً إذا لم يكن نبلا
أنا آدميٌّ كانَ يحسبُ أنهُ
هو الكائنُ الأسمى وشرعتهُ الفضلى
وأنَّ لهُ التي هو بعضُها
وأنَّّ له الأخرى إذا صامَ أوصلى
أمنُّ على الصادي إذا ما سقيتهُ
وألزمهُ شكري ، ولستُ أنا الوبلا
وأزهى إذا أطمعتُ جوعانَ لقمةً
كأني خلقتُ الحبُّ في الحقلِ والحقلا
تتلمذتُ للإنسانِ في الدهرِ حقبةً
فلَّقنني غيّاً ، وعلمني جهلا
نهاتي عن قتلِ النفوسِ وعندما
رأى غرةً مني تعلّمَ بي القتلا !
وذمَّ إليَّ الرقَّ ثم استرقني
وصورَ ظلماً فيه تمجيدهُ عدلا
ةكادَ يريني الإثمَ في كلَّ ما أرى
وكلَّ نظامٍ غيرَ ما سنَّ مختلا
فصارَ الورى عندي عدواً وصاحباً
وأنفسهمُ صنفينِ علياءَ أو سُفلى
وصرتُ أرى بغضاً ، وصرتُ أرى هوى ،
وصرتُ أرى عبداً ، وصرتُ أرى مولى
ويارُبَّ شرَّ خلتهُ الخيرَ كلهُ
وياربَّ خيرٍ خلتهُ نكبةً جُلَّى
***
إلى أنْ رأيتُ النجمَ يطلعُ في الدجى
لذي مقلةٍ حسرى وذي مقلةٍ جذلى
وشاهدتُ كيفَ النهرُ يبذلُ ماءه
فلا يبتغي شُكراً ولا يدَّعي فضلا
وكيف يزينُ الطلُّ ورداً وعوسجاً
وكيفَ يُروَّي العارضُ الوعرَ والسهلا
وكيف تغذّي الأرضُ ألأمَ نبتها
وأقبحهُ شكلاً كأحسنهِ شكلا
فأصبحَ رأيي في الحياةِ كرأيها
وأصبحتُ لي دينٌ سوى مذهبي قبلا
وصارَ نبيَّ كلُّ ما يطلقُ العقلا
وصارَ كتابي الكونُ لا صحفٌ تُتلى
****
فديني كدينِ الرَّوض يعبقُ بالشذى
ولو لم يكنْ فيهِ سوى اللصِ منسلا
فليستْ تخومُ المالكيهِ تخومُهْ
وإنَّ له إن يعلموا غيرهم أهلا
فكم هشَّ للأنسامِ والنورِ والندى
وآوى إليهِ الطيرَ والذرَّ والنملا
وكم بعثتهُ للحياةِ من البلى
قريحةُ فنانٍ فأورقَ واخضلا
وأصبحَ يُجلى (طيفهُ) في قصيدةٍ
وفي رقعةٍ أو لوحةٍ ( وهو) لا يُجلى
وديني الذي اختار الغديرُ لنفسهِ
وياحسنَ ما اختارَ الغديرُ وما أحلى
تجيءُ إليهِ الطيرُ عطشى فترتوي
وإنْ وردتهُ الإبلُ لم يزجرِ الإبلا
ويغتسلُ الذئبُ الأثيمُ بمائهِ
فلا إثمُ ذا يُمحى ، ولا طهرُ ذا يبلى !
وديني كدين الشهبِ تبدو لعاشقٍ
وقالٍ ، وفيها ما يُحبُّ وما يُقلى
فما استترتْ كيما يضلُّ مسافرٌ
ولا بزغتْ كي يستنير الذي ضلا
وليسَ لها أن تمنعَ الناسَ ضوءها
ولو فتلوا منهُ لتكبيلها حبلا
وديني كدين الغيثِ إن سحَّ لم يبلْ
أروَّى الأقاحي أم سقى الشوكَ والدّفلى
فلم يتخيرُ في الفضاءِ مسيرهُ ،
ولم ينهمرْ جوداً ، ولم ينحبسْ بخلا
وان لم أكنْ كالروضِ والنجمِ والحيا
فحسبي اعتقادي أنَّ خطتها المثلى
***
يرى النحلَ غيري اذيرى النلَ حائماً
وأبصرُ قرصَ الشهد اذ أبصرُ النحلا
وألمحُ واحاتٍ من النخلِ في النوى
اذ جرفَ الإعصارُ من واحتي النخلا
وانْ أشربِ الصبهاءَ أعلمُ أنني
شربتُ بشاشاتِ الزمانِ الذي ولّى
وما همستهُ في أذنِ الثرى
وما ذرقتْ في الليلِ نجمتُهُ الشكلى
وغصَّاتِ من ما تواعلى اليأسِ في الهوى
فيا شاربيها هل لمحتمْ دمَ القتلى ؟
وان مرَّ بي طفلٌ رأيتْ به الورى
من المثلِ الأدنى الى المثلِ الأعلى
فيا لكِ حسنُها بعضُ قبحها
ويالك كوناً قد حوى بعضُهُ الكلاَّ

نــجــم
23-04-2011, 10:11 PM
لم يبق غير الكاس

لم يبق ما يُسليك غيرُ الكاسِ
فاشرب ، ودع للناسِ ما للناس !
ذهب الشبابُ على الشجون تبثها
لأخٍ مؤاسٍ أو لغير مؤاسِ
وعلى الحياةِ تحارُ في أطوارها
وتحارُ في تعليلِ كل نطاسي
ثم استفقت وليس في روض المنى
إلا الضبابُ وغيرُ شوك الياسِ
وجراحُ نفسٍ ينظر الآسي لها
فيعود محتاجاً لآخر آسِ
ألحسُّ مجلبةُ الكآبةِ والأسى
قم ننطلق من عالمِ الإحساسِ
وأرى السعادة لا وصولَ لعرشها
إلا بأجنحةٍ من الوسواسِ
فكأنَّما هي صورةٌ زيتيةٌ
للشطَّ فيه مراكبٌ ومراسي
تبدو لعينيكَ السفائنُ عوَّماً
وتكادُ تسمعُ رعشةَ الأمراسِ
لكن إذا أدنيتها ولمستها
لم تلقَ غير الصبغِ والقرطاسِ
دنيا مزيفةٌ ودهرٌ ماذقٌ
ما في انفلاتك منهما من باسِ
إن اللذاذات التي ضيعتها
رجعتْ إليكَ عصارةً في الكاسِ
فاصبغ رؤاك بها تعُد ذهبيةً
عطريَّةً الألوانِ والأنفاسِ
وأخلُق لنفسكِ بالمدامةِ جنَّةً
في الأرُبعِ المهجورةِ الأدراسِ
الحبُّ فيها بلبلٌ وخميلةٌ
وندّى واضواءُ على الأغراسِ
للقصر يخلقهُ خيالك روعةٌ
كالقصرِ من جدُرٍ ومن آساسِ
***
ياأيها الساقي أدر كاساتها
كمشاعلِ الرهبان في الأغلاس
وانس الهمومَ فليس يسعدُ ذاكرٌ
واسقِ النجومَ فإنها جلاسي
واصرعْ بها عقلَ النديمِ ولبهُ
ما نغص الحاسي كعقل ِ الحاسي
واهجر أحاديث السياسةِ والألى
يتعلقون بجبلِ كلَّ سياسي
إني نبذت ثمارها مذ ذقتُها
ووجدتُ طعمَ الغدرِ في أضراسي
وغسلتُ منها راحتي فغسلتُها
من سائرِ الأوضارِ والأدناسِ
وتركتُها لاثنين : غر ساذجٍ
ومشعوذٍ كذبذبٍ دسَّاس
يرضى لموطنه يصيرُ مواطناً
وتصيرُ أمتهُ إلى أجناسِ
ويبيعها بدراهمٍ معدودةٍ
ولو انها جاءتْ من الخنَّاسِ
ما للمنافقِ من ضميرٍ رادعٍ
أيُّ الضمير لحيَّةِ الأجراسِ؟
***
ولربَّ قائلةٍ تعاتبني على
صمتي وبعضُ القولِ حزُّ مواسي :
إثنانِ ما لاقيتُ أقسى منهما
صمتُ الدجى والشاعرِ الحسَّاس ِ
فأجبتُها: أقسى وأهولُ منهما
في مسمعي هذا العتاب القاسي
لم تعلمي ، والخيرُ لا تعلمي ،
كم في السكوت فواجعاً ومآسي
قالت: أظنك قد نسيت . فقلتُ : لا
ما كنتُ بالناسي ولا المنتاسي
لكنَّ جرحاً كلَّما عالجتهُ
غمر القنوطَ جوارحي وحواسي
ولو انه في الرأس كنت صمدتهُ
لكنهُ في القلبِ لا في الراسِ
إن الالى قد كنتُ أرمي دونهم
غلوا يديَّ وحطموا أقواسي
واستبدلوا سيفي الجراز بأسيفٍ
خشبٍ وباعول عسجدي بنحاسِ
والطلُّ غير الماس ، إلا أنهم
خدعوا برقرقةِ النَّدى عن ماسي
وإذا حسبت الروض تُغني صورةٌ
عنهُ فذلكَ مُنتهى الإفلاسِ
أسدُ الرخامِ وإن حكى في شكله
شكلَ الغضنفر ليس بالفرَّاس
***
قد كان لي حُلمٌ جميلٌ مونقٌ
فأشعتهُ لَّما أضعتُ نعاسي
فكرتُ في ما نحنُ فيه كأمَّةٍ
وضربتُ أخماسي إلى أسداسي
فرجعتُ أخيب ما يكونُ مؤملٌ
راجٍ وأخسرَ ما يكونُ الخاسي
نرجو الخلاصَ بغاشمٍ من غاشمٍ
لا ينقذُ النخاسَ من نخَّاس
ونقيسُ ما بينَ الثريَّا والثرى
وأمورنا تجري بغيرِ قياسِ
نغشى بلادَ الناسِ في طلبِ العلى
وبلادنا متروكةٌ للناسِ
ونكادُ نفترسُ الثرى وبأرضنا
للأجنيَّ موائدٌ وكراسي
ونلومُ هاجرنا على نسيانهِ
واللائم الناسينَ أوَّلُ ناسي
ونبيتُ نفخر بالصوارمِ والقنا
ورقابُنا ممدودةٌ للفاسِ
كم صيحةٍ للدهرِ في آذاننا
مرَّت كما مرت على أرماسِ
***
تُقنيك أوجهم وحسنُ خلاقهمْ
عن كلَّ وردٍ في الرياضِ وآسِ
أنا بينهم أسدٌ وجدتُ عرينتي
أنا بينهمْ ظبيٌ وجدتُ كناسي
وطني أحبُّ إليَّ من كلَّ الدُّنى
وأعزُّ ناسٍ في البريةِ ناسي
فلتحيَ سوريا التي نحيا لها
وليحيَ لبنانُ الأشمِ الراسِ

نــجــم
23-04-2011, 10:12 PM
لم يهدم الموت إلا هيكل الطين


لم يبرح الروض فيه الماء والزهر
ولم يزل في السماء الشمس والقمر
لكنها الآن في أذهاننا صور
شوهاء ، لا القلب يهواها ولا النظر
قد انطوى حسنها لما انطوى الشاعر
*
قل للمغني قد غص بالنغم
إني نظيرك قد خان الكلام فمي
ومثل ما بك بي من شدة الألم
اما العزاء فشيء زال كالحلم
كيف السبيل إلى خمر ولا عاصر !
*
مضى الذي كان في البلوى يعزينا
وكان يحيي ، إذا ماتت ، أمانينا
ويسكب السحر أنفاماً ويسقينا
مضى " نسيب " النبي المصطفى فينا
وصار جسماً رميماً في يد القابر
*
كم جاءنا في الليالي السود بالألق
وبالندى من حواشي القفر والعبق
وبالأغاني وما من صادح لبق
وإنما هو سحر الحبر والورق
ألسحر باق ولكن قد مضى الساحر !
*
كالشمس يسترها عند المسا الغسق
ونورها في رحاب الأرض منطلق
تذوي الورود ويبقى بعدها العبق
حتى لمن قطفوا منها ومن سرقوا
كم عالم غابر في عالم حاضر
*
إن كان مات " نسيب " كالملايين
من العبيد الموالي والسلاطين
فالحي في هذه الدنيا إلى حين
لكن نسيب إلى كل الأحايين
وإن نأى وسما للعالم الطاهر
*
لسوف يرجع عطراً في الرياحين
أو نسمة تتهادى في البساتين
أو بسمة في ثغور الخرد العين
فالموت ما هد إلا هيكل الطين
لا تحزنوا ، فنسيب غائب حاضر

نــجــم
23-04-2011, 10:12 PM
لما

عجباً . لمن أمسى وكلُّ فخارهِ
بنضارهِ المخبوءِ في الصندوقِ
ماذا يقولُ إذا اللصوصُ مضوا بهِ
وأقامَ بعد نضارهِ المسروقِ ؟
إن يرفعِ المالُ الكريمَ فإنه
للنذلِ مثلُ الحبلِ للمشنوقِ
لّما صديقي صارَ من اهلِ الغنى
أيقنتُ أني قد أضعتُ صديقي !..

نــجــم
23-04-2011, 10:13 PM
لأرفعن للسماء احتجاجي


جاء الشّتاء جيئة المفاجي
كأنّما قد كان في الرّتاج
فجمد السائل في الزّجاج
واكتست الأرض بمثل العاج
فامتنع المرعى على النّعاج
وامتنع الحب على الدّجاج
وامتنع السير على النّواجي
رُبَّ جوادٍ لاحق ٍ هملاج
معوّد الإلجام والإسراج
والوخد والذميل والإهماج
أصبح مثل العِرق ِ في اختلاج
منعرجاً في غير ذي انعراج
لو هاجه الرّاكب بالكرباج
لما مشى به سوى اعوجاج
لولا الجليد طار بالمهتاج
مثل البراق ِ بفتى المعراج
وحطـّه والشّمس في الأبراج
لكنّه منه على الزجاج

* * *

وأمسك النـّاس عن اللجاج
أما ترى نداءهم تناجي
كأنّما الجموع في الملاجي
على "منى" مواكب الحُجّاج
ورغب المثري عن الدِّيباج
إلى اللباس الخشن النِّساج
وكان أن جيء له بالتّاج
أعرض عنه وارم الأوداج

* * *

وانقبض النَّهر عن الهياج
وكان مثل الزّاخر العجّاج
يصارع الأمواج بالأمواج
يا مسبح الإوز والدّرّاج
كيف غدوت موطئ الأحداج
ومعبر الخلق إلى الخراج

* * *

مالي والصُّبح على انبلاج
أخبط كالعشراء في الدّياجي
إذا أردت السّير في منهاجي
طال عثاري فيه وانزلاجي
كأنّني أمشي على زجاج
محتذياً بالزّئبق الرّجراج
خيّل لي، لشِدّة ارتجاجي
أن دمي يرتجّ في أوشاجي
أرى الدّنى ضيّقة الفجاج
ولم تضق، لكنّما احتياجي
إلى طريق واضح الشّجاج
أسلك فيه غير ما انزعاج
وحاجتي بالكوكب الوهّاج
كحاجةِ الأعمى إلى سراج!
إن لجّ هذا القرّفي إحراجي
لأرفعنّ للسما احتجاجي!

نــجــم
23-04-2011, 10:13 PM
لمن الديار؟

لمن الدّيارُ تنوحُ فيها الشمألُ
ما ماتَ أهلوهَا ولم يترَّحلوا
ماذا عَراهَا ، ما دَها سُكانها
ياليتَ شعري كُبلوا أم قتلوا ؟
مثلتها فتمثلتْ في خاطري
دِمناً لغير الفكرِ لا تتمثلُ
تمشي الصبا منها برسمٍ دارسٍ
لا ركزّ فيهِ كأنَّما هي هوجلُ
وإذا تأملَ زائرٌ آثارها
شخصتْ إليهِ كأنَّها تتأملُ
أصبحتُ أندُبُ أسدها وطباءها
ولطالما أبصرتني أتغزَّلُ
أيامَ أسطرُ في الحمى مُتهللاً
وأرى الدّيارَ كأنَّها تتهللُ
وأروحُ في ظلَّ الشَّبابِ وأغتدي
جذلانَ لا أشكُو ولا أتعللُ
إذْ كُلُّ طيرٍ صادحٌ مُترنّمٌ
إذ كلُّ غُصنٍ يانعٌ مُتهدَّلُ
والأرضُ كاسيةٌ رداءَ أخضراً
فكأنَّها ديباجةٌ أو مخملُ
يجري بها ، فوق الجُمانِ من الحصى
بينَ الزَّبرجدِ والعقيقِ ، الجدولُ
والزهرُ في الجناتِ فياحُ الشَّذا
بندى الصَّباحِ مُتوَّجٌ ومُكللُ
والشمسُ مُشرقةٌ يلوحُ شُعاعُها
خللَ الغُصونِ ، كما تلوحُ الأنصلُ
والظلُّ ممدودٌ على جنباتها
والماء مغمورٌ بهِ الُمخضوضلُ
للهِ كيفَ تبدَّلتْ آياتُهُا
منْ كانَ يحسبُ أنَّها تتبدلُ ؟ ..
****
زحفَ الجرادُ بقّضهِ وقضيضهِ
سيرَ الغمامِ إذا زفتهُ الشمألُ
حجبَ السَّماءَ عن النَّواظر والثرى
فكأنهُ اللَّيلُ البهيمُ الأليلُ
من كلّ طيَّارٍ أرقَّ جناحهُ
لفحُ الحرورِ وطولُ ما يتنقلُ
عجلٍ إلى غاياتهِ مُستوفزٍ
أبداً يشُدُّ العجز منهُ الكلكلُ
خشنٍ الاهابِ كأنَّهُ في جوشنٍ
وكأنما في كلَّ عضوٍ مِنجلُ
وكأنما حلقُ الدُّروعِ عُيُونُهُ
وكأنُهنَّ شواخصاً تتخيلُ
مصقولةٌ صقلَ الزجاجِ يخالها
في معزلٍ عن جسمهِ ، المستقبل
ومن العجائبِ مع صفاءِ أديمها
ما إن ترفُّ كأنما هي جندلُ
ضيفٌ أخفّ على الهواءِ منَ الهوا
لكنهُ في الأرضِ منها أثقلُ
ملأ المسارحَ والمطارحَ والرُّبى
فإذا خطتْ فعليهِ تخطُو الأرجُلُ
حصدَ الذي زرعَ الشيوخُ لنسليهم
وقضى على القطانِ أن يتحوَّلوا
ما ثمَّ من فتنٍ إلى أوراقهِ
يأوي ، إذا اشتدَّ الهجيرُ ، البُلبُلُ
وإذا القضاء رمى البلادَ ببؤسهِ
جفَّ السَّحابُ وجفَّ المنهلُ
****
وقع الذي كُنا نخافُ وقوعَهُ
فعلى المنازلِ وحشةٌ لا ترحلُ
أشتاقُ لو أدري بحالةِ أهلها
فإذا عرفتُ وددتُ أني أجهلُ
لم تُبقِ أرجالُ الدَّبى في أرضهم
ما يُستظلُ بهِ ولا ما يُؤكلُ
أمستْ سماؤهُمُ بغيرِ كواكبٍ
ولقد تكونْ كأنَّها لا تأفلُ
يمشونَ في نور الضحى وكأنهمْ
في جُنحٍ ليلٍ حالكٍ لا ينصلُ
فإذا اضمحلَّ النُّور واعتكرَ الدجى
فالخوفُ يعلو بالصدورِ ويسفُلُ
يتوسَّلونَ إلى الظلومِ وطالما
كان الظلومُ إليهمُ يتوسلُ
أمس الدَّخيلُ كأنَّهُ ربُّ الحمى
وابنُ البلادِ كأنهُ مُتطفلُ
يقضي ، فهذا في السجونِ مُغيبٌ
رهنٌ ، وهذا بالحديد مُكبَّلُ
ويرى الجمالَ كأنَّما هو لا يُرى
ويرى العُيُوبَ كأنَّما هو أحولُ
حالٌ أشدُّ على النفوسِ من الردى
الصابُ شهدٌ عندها والحنطلُ
***
مالي أنوحُ على البلادِ كأنما
في كُلَّ أرضٍ لي أخٌ أو منزلُ
ياليتَ كفاً أضرمتْ هذي الوغى
يبستْ أناملُها وشُلَّ المفصلُ
تتحولُ الأفلاكُ عن دورانها
والشَّرُّ في الانسانِ لا يتحوَّلُ
ما زالَ حتَّى هاجها من هاجها
حرباً يشيبُ لها الرّضيعُ المُحولُ
فالشرقُ مُرتعدُ الفرائصِ جازعٌ
والغربُ من وقعاتها مُتزلزلُ
والأرضُ بالجردِ الصَّواهلِ والقنا
ملأى تجيشُ المرجلُ
والطودُ آفاتٌ تلوحُ وتختفي
والسَّهلُ أرصادٌ تجيء وتقفلُ
والجوُّ بالنقعِ المثارِ مُلثمٌ
والبحرُ بالسفنِ الدَّوارعِ مُثقلُ
في كل مُنفرجِ الجوانبِ جحفلٌ
لجبٌ ينازعهُ عليهِ جحفلُ
ماتَ الحنانُ فكُلُ شيءِ قاتلٌ
وقسا القضاءُ فكُلُّ عضوٍ مقتلُ
فمعقرٌ بثيابهِ مُتكفنٌ
ومُجرّحٌ بدمائه مُتسربلُ
كم ناكصٍ عن مأزقٍ خوف الرَّدى
طلعَ الرَّدى من خلفهِ يتصلصلُ
شقي الجميعُ بها وعزَّ ثلاثةٌ
ذئبُ الفلاةِ ونسرها والأجدلُ
حامتْ على الأشلاءِ في ساحاتها
فرقاً تعلُّ من الدَّماءِ وتنهلُ
لهفي على الآباءِ كيفَ تطوّحوا
لهفي على الشُّبانِ كيفَ تجندلوا
حربٌ جناها كلُّ عاتٍ غاشمٍ
وجنى مرارتها الضعيفُ الأعزلُ
ما للضعيفِ مع القويَّ مكانةٌ
إنَّ القويَّ هو الأحبُّ الأفضلُ
تتنصَّلُ السُّواسُ منْ تبعاتها
إنَّ البريءِ الذيلِ لا يتنصَّلُ
قد كان قتلُ النفسِ شرَّ جريمةٍ
واليومَ يُقتلُ كلُّ من لا يقتلُ
والمالكونَ على الخلائقِ ، عدُلهمْ
جورٌ ، فكيفَ إذا همْ لم يعدلوا
كتبوا بمسفوكِ النجيعِ نعُوتُهمْ
وبنوا على الجثثِ العُروشِ وأإثلُوا
صرفَ الجنودَ عن الملوكِ وظلمهم
قولُ الملوكِ لهم : جنودٌ بُسلُ
يا شرَّ آفاتِ الزمانِ المنقضي
لا جاءنا فيكِ الزَّمانُ المقبلُ
***
إنْ أبكِ سوريَّا فقبلي كم بكى
(( أعشى)) منازلَ قومهِ (( والأخطلُ ))
ما بي الدَّيارُ وإنما قطأنها
إنَّ النفوسَ لها المقامُ الأوَّلُ
يا قومُ إن تنسُوا فلا تنسُوهُمُ
أو تبخلوا فعليهمُ لا تبخلوا
لبُّوا نداء ذوي المروءةِ والندى
ليقالَ أمُّ الشَّأمِ أمٌّ مُشبلُ
لا تبتغوا شُكرَ الأنامِ وأجرهُم
عفوُ الإلهِ هُو الثناءُ الأجزلُ
في كلُّ بينكم مُسترفدٌ
أو طالبٌ أو راهبٌ مُتجولُ
يأيتكمُ بادي الوفاضِ فينثني
وكأنما في بُردِهِ المتوكلًُ
يبني بمالكُمُ القصُورَ لأهلهِ
وقصُورُكُمْ أثوابكم ((والمعملُ))
قد حان أن تستيقظوا فاستيقظوا
كم تخجلزنَ زكلهم لا يخجلُ
ياليتَ من بذلوا نضارهُمُ لمنْ
خبأوهُ في أكياسهمْ لم يبذلوا
بل ليتهمْ جادوا على ذي فاقةٍ
فحرَّى بعطفٍ المحسنينَ المُرملُ
يا من نريدُ صلاحهُ وصلاحنا
إن العُدولَ عن الهوى بكَ أجملُ
أيبيتُ قومُكَ فوق أشواكِ الغضى
وتبيتُ تخطُرُ بالحريرِ وترفلُ ؟
أين الهُدى ، يا من يُبشرُ بالهُدى
أين التقى ، يا أيُّها المُزَّملُ
ظنتْ بكَ الناسُ الظنونَ وإنني
لأخافُ بعد الظنِ أن يتقوَّلوا
لكَ مُقلةٌ فانظُرْ بها مُتأملاً
قد يستفيدُ الناظرُ المتأملُ
لا قدر للجهلاءِ حتى يعلموا
لافضلَ للعلماء حتى يعلموا
سُكان لبنانَ العزيزَ وجلَّقِ
حيَّاكُمُ عنَّا النسيمُ المُرسلُ
لا نابَ غيرَ عدُوَّكمَ ما نابكُمْ
وبلغتمُ ما تأملون ونأملُ
كم تتقونَ الطارثاتِ ونتقي
كم تحملونَ الكارثاتِ ونحملُ
لو يعقلُ القدرُ الخؤونُ عذلتُهُ
وعذلتُهُ ، لكنَّهُ لا يعقلُ
أبكي وأستبكي العُيُونَ عليكمْ
أيُّ الدَّموعِ عليكُم لا تهطلُ
إن تغفلِ الدَّنيا ويغفلْ أهلُها
عنكمْ ، فخالقُ أهلها لا يغفلُ

نــجــم
23-04-2011, 10:13 PM
لا يدرك الهرم النجوم

يا شاعراً حلو المودة في الحضور وفي الغياب
شهد ولاؤك والأنام ولاؤهم شهد وصاب
أنا إن شكوت إليك منك ، وسال في كتبي العتاب
فحكايتي كحكاية الظمآن في قفر يباب
لم يروه لمع السراب فراح يستسقي السحاب
فهمى ، فكان الخير فيه للأباطح والهضاب
(( مسعود )) أهون بالمشيب فما امحى إلا الخضاب
ماذا عليك من الثلوج وفي ضلوعك حر آب
الكأس أجمل في النواظر إذ يرصعها الحباب
إن شاب ممنك المفرقان فما أظن القلب شاب
لا تزعمن له المتاب فإن توبته كذاب
ما زال يخفق بالهوى، ويفيض بالسحر العجاب
ويريك دنيا لا تحد ، ومن ورائك ألف باب
دنيا من اللذات والأفراح في دنيا عذاب
ويريك جنات الجمال وأنت في الطلل الخراب
*
أفتى القوافي الشاديات كأنها أطيار غاب
إن قيل إنك صرت شيخاً ، قل أجل شيخ الشباب
أترى إذا العنوان ضاع يضيع مضمون الكتاب
ألسيف ليس يعينه مشي الخلوقة في القراب
والخمر خمر في إناء من لجين أو تراب
وحياة مثلك ليس تدخل في قياس أو حساب
فغد زمانك مثل أمس وإن مضى عصر الشباب
لا يدرك الهرم النجوم وأنت في الدنيا شهاب
وإذا يعاب على المشيب فتى فمن ذا لا يعاب
أو كان يمدح بالسواد فمن ترى مدح الغراب
*
يا نفحة من شاعر
أرج الكتاب بها وطاب
الفجر أهدى لي السنا
والروض أهدى لي الملاب

نــجــم
23-04-2011, 10:14 PM
ليتهم عرفوه

يانفسُ قد ذهبَ الرفيقُ الألمعي
فتجلَّدي لفراقهِ أو فاجزعي
هذي النهايةُ ، لا نهايةُ غيرها،
للحيَّ إنْ يُسرعْ وإن لم يُسرعِ
للموتِ منْ ملك البسطةَ كلَّها
أو حازَ من دُنياهُ بضعةَ أذرعِ
فازرع طريقكَ بالورودِ وبالسنا
لا يحصدُ الإنسانُ إن لم يزرعِ
واعملْ لكي تمضي وتبقى رقةً
في مبتسم ، أو نغمةً في مِسمعِ
أو صورةً مثل الربيعِ جميلةً
في خاطر أو ناظر ٍ مُستمتعِ
***
يا صحبَ يعقوبٍ ، ويا عشراءهُ
من منكُمو أبكي ولا تبكيَ معي
إنّا تساوينا فبينَ ضُلوعكُم
نارٌ ومثلُ سعيرها في أضلُعي
***
لُبنانُ ، هذا مِن رياضكَ زهرةٌ
ذهبت كأن في الأرضِ لم تتضوعِ
لُبنانُ هذا من سمائك كوكبٌ
غربتهُ حتى انطوى في بلقعِ
لبنان هذا من مروجك قطعةٌ
فيه بشاشةُ كُلّ مرجٍ ممرع
قل للبنفسج في سفوحكَ والربى
ولى شبيهكَ في الوداعة فأخشعِ
وأمر طيوركَ أن تنوح على فتى
قد كان يهواها وإن لم تسجعِ
قد عاشَ مثلكَ للُمروءةِ والعُلى
مُتعففاً كالزاهدِ المتورعِ
مترفعاً في قولهِ وفعالهِ
عمنَّ غوى وهوى ولم يترفعِ
لك حرصنتهُ النفسُ في نزواتها
ليكون صاحب حيلةٍ أو مطمع
فأجابها: يانفسُ لا تتورَّطي
صدأ النفوسِ هي المطامعُ فأقنعي
ليس المحاربُ في الوغى بأشدَّ بأساً
من مُحاربِ نفسهِ أو أشجعِ
***
يا صاحبي أضنيت جسمكَ فاسترحْ
وأطلتَ ، يا يعقوبُ ، سُهدك فاهجعِ
حدثت قومكَ حقبةً فتسمعوا
والآن دورُ حديثهم فتسمَّعِ
هجروا الكلامَ إلى الدموعِ لأنهم
وجدوا البلاغة كلها في الأدُمعِ
كيف التفتُّ وسرتُ لا ألقى سوى
مُتوجعٍ يشكو إلى متوجَّعِ
حتى الألى نفثوا عليك سمومهُم
حزَّ الأسى أكبادُهم كالمبضعِ
عرفوا مكانك بعد ما فارقتهُم
ياليتهمُ عرفوهُ قبل المصرعِ
ولكم تمنوَّا لوتعود إليهمُ
أنت الشبابُ إذا مضى لم يرجعِ
حنوا إلى أرجِ الأزاهرِ بعدما
عبثت بها أيدي الرياحِ الأربعِ
واستعذبوا الماءَ المسلسل بعدما
نضبَ الغديرُ وجفَّ ماءُ المشرعِ
يالوعة َ الأحبابِ حينَ تساءلوا
عنهُ وعادوا بالجوابِ الموجعِ
إن الذي قد كانَ معكًُم قد مضى
من موضعٍ أدنى لأرفعِ موضعِ
من عالمٍ متكلَّفٍ متصنَّعٍ
تشقى نفوسٌ فيهِ لم تتصنعِ
للعالمِ الأسمى الطهورُ ، ومن مُجا
ورة الأنامِ إلى جوارِ المُبدعِ

نــجــم
23-04-2011, 10:14 PM
ليس السر في السنوات

قل للذي أحصى السنين مفاخراً
يا صاح ليس السرُّ في السنوات
لكنه في المرء كيف يعيشها
في يقظةٍ، أم في عميق سبات
قم عُدَّ آلاف السنين على الحصى
أتعدُّ شبه قضيلةٍ لحصاة؟
خيرٌ من الفلوات، لا حدَّ لها،
روضٌ أغنُّ يقاس بالخطوات
كن زهرة ً، أو نغمة ً في زهرةٍ،
فالمجد للأزهار والنغمات
وتموت ذي للعقم قبل مماتها
وتعيش تلك الدهر في ساعات
تحصى على أهل الحياة دقائق ٌ
والدهر لا يحصى على الأموات
ألعمر، إلا بالمآثر، فارغ ٌ
كالبيت مهجوراً وكالمومات
جعل السنين مجيدة ً وجميلة ً
ما في مطاويها من الحسنات

نــجــم
23-04-2011, 10:14 PM
لو

لو أنني ، يا هندُ ، بدر السما
نزلتُ من أفقي إلى مُخدعِكْ
وصرتُ عقداً لكِ أو خاتماً
في جيدكِ الناصعِ أو إصبعكْ
أو بلبلَ الروضِ ، مالذَّ لي
الأنشادُ إن لم يكُن في مسمعِكْ
ولو أكونُ الأرجُ الذاكي
لما هجرتُ الروضَ لولاكِ
وما حواني غيرُ مغناكِ
ولم أُفح حتى تكوني معي
*
فيكِ وفي الوردةِ سرُّ الصبا
وفي الصبا سرُّ الهوى والجمالْ
فإنْ تريني واجماً باهتاً
حيالها أخشى عليها الزَّوالْ
فإنني شاهدتُ طيفَ الردى
ينسلُّ كالسارقِ بينَ الظِلال

ولاحَ لي في الورقَ النامي
منطرحاً في الأرضِ قدّامي
أشباحُ آمالي وأحلامي
أحلامُ من ؟ أحلامُ مضناكِ

نــجــم
23-04-2011, 10:15 PM
لوس انجيلوس

أنا لست في دينا الخيال ولا الكرى
وكأنني فيها لروعة ما أرى
يا قوم هل هذي حقائق أم رؤى
وأنا؟ أصاح أم شربت مخدرا؟
لا تعجبوا من دهشتي وتحيري
وتعجبوا إن لم أكن متحيرا
كيف التفت رأيت آية شاعر
لبق تعمد أن يجيد ليبهرا
مسحت بإصبعها الحياة جفونه
فرأى المحاسن ، فانتقى وتخيرا
ما ((لوس انجلوس)) سوى انشودة
الله غناها فجن لها الورى
خلع الزمان شبابه في أراضها
فهو اخضرار في السفوح وفي الذرى
أخذت من المدن العواصم مجدها
وجلالها ، وحوت حلاوات القرى
هي واحة للمتعبين ، وجنة
للعاشقين ، وملعب لذوي الثرا
كفنت في نيويورك أحلام الصبا
وطويتها ، وحسبتها لن تنشرا
لكنني لما لمحت زهورها
شاهدت أحلامي تطل من الثرى
تتنفس الهضبات في رأد الضحى
تبراً، وفي الأصال مسكاً أذفرا
فالسحر في ضحك الندى مترقرقاً
كالسحر في رقص الضياء معطرا
قل للألى وصفوا الجنان وأطنبوا
ليست جنان الخلد أعجب منظرا
كل الفصول هنا ربيع ضاحك
فإذا ترى شهراً رأيت الأشهرا
إن كنت تجهل ما حكايات الهوى
فانصت لو شوشة النسيم إذا سرى
وانظر إلى الغبراء تنبت سندساً
وتأمل الغدران تجري كوثرا
واشرب بعينيك الجمال فإنه
خمر بغير يد الهوى لن تعصرا
حاولت وصف جمالها فكأنني
ولد بأنمله يحوش الأبحرا
واستنجدت روحي الخيال فخانني ،
وكبا جواد فصاحتي وتعثرا
أدركت تقصيري وضعفي عندما
أبصرت ما صنع الإله وصورا
إني شهدت الحسن غير مزيف
بئس الجمال مزيفاً ومزورا
أحببت حتى الشوك في صحرائها
وعشقت حتى نخلها المتكبرا
أللابس الورق اليبيس تنسكاً
والمشمخر إلى السماء تجبرا
هو آدم الأشجار أدركه الحيا
لما تبدى عريه فتسترا
إبن الصحارى قد تحضر وارتقى
يا حسنه متبدياً متحضرا
وبدت غياض البرتقال فأشبهت
جلبات خود بالنضار مزررا
من فوقها انتشر الضياء ملاءة
من فوقه جو صفا وتبلورا
وكأنما تلك القصور على الربى
عقد لغانية هوى وتبعثرا
لما تراءت من بعيد خلتها
سفناً ، وخلت الأرض بحراً أخضرا
نفض الصباح سناه في جدرانها
وأتى الدجى فرأى منائر للسرى
متألقات كابتسامات الرضى
تنسيك رؤيتها الزمان الأعسرا
أنا شاعرٌ ما لاح طيف ملاحة
إلا وهلل للجمال وكبرا
وزعت نفسي في النفوس محبة
لا شاكياً ألماً ولا متضجرا
ومشيت في الدينا بقلب يابس
حتى لقيت أحبتي فأخضوضرا
قد كنت أحسبني كياناً ضائعاً
فاذا أنا شخص يعيش مكررا
فكأنني ماء الغمام إذا انطوى
في الرض ردته نباتاً مثمرا
ما أكرم الأشجار في هذا الحمى
فيها لقاصدها البشاشة والقرى
تقري الفقير على خصاصة حاله
كرماً ، كما تقري الغني الموسرا
ألبذل ديدنها سواء جئتها
متقدماً أم جئتها متأخرا
فكأنها منكم تعلمت الندى
كما تغيث الناس إن خطب عرا

نــجــم
23-04-2011, 10:15 PM
ما للكواكب


شوق يروح مع الزمان ويغتدي
والشوق، إن جددته يتجدد
دع عنك نصحي بالتبلد ساعة
يا صاح، قد ذهب الأسى بتبلدي
ما زاد في أسف الحزين وشجوه
شيء كقولك للحزين تجلد
ما زلت أعصيه إلى أن هاجني
ذكر الحمى فعصيت كل مفند
وأطار عن جفني الكرى وأطارني
عن مرقدي مشي الهموم بمرقدي
في جنح ليل مثل خطي حالك
كالبحر ساج .. مقفر كالفدفد
أقبلت أنظر في النجوم مصعداً
عيني بين مصوب ومصعد
أو واجف أو راجف مترجرج
أو نافر أو حائر متردد
يمشين في هذا الفضاء وفوقه
وكأنما يمشين فوق الأكبد
والبدر منبعث الشعاع لطيفه
صاف كذهن الشاعر المتوقد
ما زال ينفذ في الدجى حتى استوى
فيه ، فيا لك أبيضاً في أسود
والشهب تلمع في الرقيع كأنها
أحلام أرواح الصغار الهجد
ينظرن عن كثب إليه خلسة
نظر الملاح إلى الغرير الأمرد
فعجبت ممن نام ملء جفونه
والكون يشهد مثل هذا المشهد
ورأيتني فوق الغمام محلقاً
في الأفق ما بين السها والفرقد
فسمعت صوتاً من بعيد قائلاً
يا أيها الساري مكانك تحمد
ما دمت في الدنيا فلا تزهد بها
فأخو الزهادة ميت لم يلحد
لا تقنطن من النجاح لعثرة
ما لا ينال اليوم يدرك في غد
كم آكل ثمراً سقاه غيره
دمه ، وكم من زارع لم يحصد
لو كان يحصد زرعه كل امرئ
لم تخلق الدنيا ولم تتجدد
بالذكر يحيا المرء بعد مماته
فانهض إلى الذكرالجميل وخلد
فلئن ولدت ومت غير مخلد
أثراً فأنت كأنما لم تولد
حتى م في لا شيء يقتتل الورى
إن الحمام على الجميع بمرصد
طاشت حلوم المالكين، فذاهل
لا يستفيق ، وحائر لا يهتدي
وأفقت، إذ قطع الكلام مكلمي
فنظرتني فإذا أنا لم أصعد
...
ما للكواكب لا تنام ولا تني
قد طال سهدك يا كواكب فارقدي
كم تنظرين إلى الثرى من حالق
ما في الثرى لأخي الأسى من مسعد
أو ما تريني عندما اشتد الدجى
واشتد دائي نام عني عودي
حتى لقد كاد القريض يعقني
ويصون عني ماءه وأنا الصدي
أمسي أهم به ويظلع خاطري
فكأنما أنا مانح من جلمد
لا تسأليني لم سهدت فإنني
لو كان في وسعي الكرى لم أسهد
صرفت يد البلوى يدي عن أمرها
ما خلت أمري قط يخرج من يدي
في أضلعي نار أذابت أضلعي
ومشت إلى كبدي ولما تخمد
أخشى على الأحشاء من كتمانها
وأخاف أن أشكوا فيشمت حسدي
...
ومليحة لا هند من أسمائها
كلا، وليست كالحسان الخرد
نشر الجواري والإماء تمردت
وونت فلم تنشز ولم تتمرد
في النفس منها ما بها من دهرها
أزكى السلام عليك أرض الموعد
يا ليت شعري كم أقول لها اهضي
وتقول أحداث الزمان لها اقعدي
ليس الذي لاقته هيناً إنما
حمل الاذى هين على المتعود !

نــجــم
23-04-2011, 10:15 PM
ما زال في الأرض حباً

أي خطب دها فبات المهجر
مثل حقلٍ مرّت عليه صرصر
ضربت عقد زهره فتبعثر
ومشت فوق عشبه فتنكر
بعد أن كان عبهرياً نديَّا
...
قد سمعنا ، ياليتنا لم نسمع
نبأ زعزع القلوب وضعضع
فجزعنا ، وحقنا أن نجزع
لفراق الفتى الأديبِ الألمع
وذرفنا دمعاً سخيناً سخيّا
...
قد بكينا كما بكى لبنانُ
وحنتنا كأرزه الأحزانُ
ليس بعد الأمينِ ثم مكانُ
غير مستوحشٍ ولا إنسانُ
ذو وفاءٍ لم يبكِ ذاك الوفيا
...
ألمعي قد غاب تحت الرغام
إنما لم يغب عن الأفهام
فهو باقٍ فينا مدى الأيام
فعليه تحيتي وسلامي
عاش حراً ، ومات حراً أبيا
...
لم يغفر جبينهُ في التراب
لم يوارب في موقفٍ ،لم يحابر
لم يبع قومه من الأغرابِ
لم يسر في سوى طريقِ الصوابِ
لم يكن خائناً ولا إمعيا
...
عاش في الأرض مثل زهر البنفسج
كلما زاد فركُهُ يتأرج
وكنجمٍ في ربجه يتوهج
لا يبالي أحبهُ من أدلج
أم أحبَّ الليل البهيم الدجيّا
...
فابسمي فوق قبره ، يا نجومُ
وترنم من حولهِ ، يا نسيمُ
فالدفينُ الذي هناك يقيمُ
بطلٌ مصلحٌ وروحٌ كريمُ
ولسان تخاله نبويا
...
وتنصت إذا رأيت الأقاحي
جاثياتٍ في هيكلِ الأرواحِ
قائلاتٍ بلهجةِ النصاح
أيها الناسُ ، بعض هذا النواح
((فأمينٌ )) ما زال في الأرض حيّا

نــجــم
23-04-2011, 10:16 PM
متى يذكر الوطن النوم


جلست وقد هجع الغافلون
أفكر في أمسنا والغد
وكيف استبد بنا الظالمون
وجاروا على الشيخ والأمرد
فخلت اللواعج بين الجفون
وأن جهنم في مرقدي
وضاق الفؤاد بما يكتم
فأرسلت العين مدرارها
...
ذكرت الحروب وويلاتها
وما صنع السيف والمدفع
وكيف تجور على ذاتها
شعوب لها الرتبة الأرفع
وتخضب بالدم راياتها
وكانتتذم الذي تصنع
فباتت بما شيدت تهدم
صروح العلوم وأسرارها
...
ناء تجود بأولادها
على الموت، والموت لا يرحم
وجند تجود بأكبادها
على الأرض ، والأرض لا تعلم
وتغدو الطيور بأجسادها
فإن عطشت فالشراب الدم
وفي كل منزلة مأتم
تشق بها الغد أزرارها
...
لقد شبع الذئب والأجدل
وأقفزت الدور والأربع
فكم يقتل الجحفل الجحفل
ويفتك بالأروع الأروع
ولن يرجع القتل من قتلوا
ولن يستعيد الذي ضيعوا
فبئس الألى بالوغى علموا
وبئس الألى أججوا نارها
...
أمن أجل أن يسلم الواحد
تطل الدماء ونفنى الألوف ؟
ويزرع أولاده الوالد
لتحصدهم شفرات السيوف؟
أمور يحار بها الناقد
وتدمي فؤاد اللبيب الحصيف
فيا ليت شعري متى يفهم
معاني الحياة وأسرارها
...
وحولت طرفي إلى المشرق
فلم أر غير جبال الغيوم
تحول على بدره المشرق
كما اجتمعت حول نفسي الغموم
فأسندت رأسي إلى مرفقي
وقلت ، وقد غلبتني الهموم
بربك ، أيتها الأنجم
متى تضع الحرب أوزارها؟
...
كما يقتل الطير في الجنة
ويقتنص الظبي في السبسب
كذلك يجنى على أمتي
بلا سبب وبلا موجب
فحتام تؤخذ بالقوة
ويقتص منها ، ولم تذنب ؟
وكم تستكين وتستلم
وقد بلغ السيل زنارها
...
وسيقت إلى النطع سوق الغنم
مغاورها ورجال الأدب
وكل امرئ لم يمت بالخدم
فقد قتلوه بسيف السغب
فما حرك فيها الشمم
ولا رؤية الدم فيها الغضب
تبدلت الناس والأنجم
ولما تبدل أطوارها
...
أرى الليث يدفع عن غيضته
بأنيابه وبأظفاره
ويجتمع النمل في قريته
إذا خشي الغدر من جاره
ويخشى الهزار على وكنته
فيدفع عنها بمنقاره
فلا الكاسرات ولا الضيغم
ولا الشاة تمدح جزارها
...
عجبت من الضاحك اللاعب
وأهلوه بين القنا والسيوف
يبيتون في وجل ناصب
فإن نصبوا ألجئوا للكهوف
وممن يصفق للضارب
وأحبابه يجرعون الحتوف
متى يذكر الوطن النوم
كما تذكر الطير أوكارها ؟

نــجــم
23-04-2011, 10:16 PM
ميامي فلوريدا

ما طائرٌ كانَ في بيداءَ موحشةٍ
فساقهُ قدرٌ نحو البساتينِ
فباتَ تُسعدهُ فيها بلابلها
حيناً ، ويسعدُها بعضَ الأحايين
مني بأسعد حظاً مُذْ نزلتُ بكُمْ
يا معشر السادةِ الغُرَّ الميامينِ
فررتُ من بردِ كانونِ فقابلني
في أرضكُمْ بالأقاحي شهرُ كانونِ
أنسامُ (أيارَ) تسري في أصائلها
وفي عشياتها أنفاسُ (تشرينِ)
توزعُ السحرَ شطراً في مغارسها
وآخرَ في لحاظِ الخرَّدِ العينِ
كلُّ الشتاءِ ربيعٌ في شواطئها
وكلُّ أيامها عيدُ الشعانينِ
لكنْ ميامي وإنْ جلَّتْ مفاتنها
لولا وجودكُمُ ليستْ لتغريني
إني لأشهدُ دنيا من عواطفكُمْ
أحبُّ عنديَ من دنيا الرياحينِ
وكلما سمعتْ نجواكمُ أذُني
ظننتُ أني في دنيا تلاحينِ
لأنتمُ النورُ لي والنورُ منطمسٌ
وأنتمُ الماءُ إذ لا ماءَ يرويني
أحببتكُم حُبَّ إنسانٍ لإخوتهِ
إذ ليسَ بينكمُ فوقي ولا دوني
إنْ كانَ فيكمْ قويٌ لا يقاهرني
أو كانَ فيكُمْ ضعيفٌ لا يداجيني
قُلْ لامرئٍ مثلَ قارونٍ بثروتهِ
إني امرؤٌ بصحابي فوقَ قارونِ
من يكتسبُ صاحباً تبقَ مودتُهُ
فهو الغني بهِ لا ذو الملايينِ
فاخترْ صحابكَ وانظرْ في اختيارهُمْ
إلى الطبائعِ قبلَ اللونِ والدينِ
ليس الودادُ الذي يبقَ إلى أبدٍ
مثلَ الودادِ الذي يبقى إلى حينِ
والمرءُ في هذهِ الدنيا عواطفهُ
إن تندرسُ فهو بيتٌ غيرُ مسكونِ
وإنَّ عاطفةً هذي مظاهرُها
من علم الروحِ لا من عالمِ الطينِ
لو فاتني كلُّ ما في الأرضِ من ذهبٍ
ولم تفتني فإني غيرُ مغبونِ
لا يمدحُ الوردَ إنسانٌ يقولُ لهُ
يا وردُ إنكَ ذو عطرٍ وتلوينِ
فاستنطقوا القلب عني فهو يخبركُمْ
فالحبُّ والقلبُ مكنونٌ بمكنونِ
لولا المحبةُ صارَ الكونُ أجمعهُ
طوبى الأفاعي وفردوسُ السراحين
إني سأحفظُ في قلبي جميلكُمُ
وسوفَ أذكرهُ في العُسرِ واللينِ

نــجــم
23-04-2011, 10:16 PM
مداعبة

نُبئتُ أنكَ تعشقُ التمثيلا
عشقاً يمثلُ في حشاكَ فصولا
وتكادُ من فرطاِ الصبابةِ والجوى
أن تهجرَ المشروبَ والمأكولا
علَّلتَ نفسكَ باُلمحالِ فأصبحتْ
في غمرةٍ وغدوتَ أنتَ عليلا
والنفسُ تقنعُ بالقليلِ فحبَّذا
لو أنتَ صيَّرتَ القليلَ السولا
تأبى المراسحُ أن تُنيلكَ ودَّها
إنَّ المراسحَ لا تحبُّ ثقيلا

نــجــم
23-04-2011, 10:16 PM
مجاهد

قالوا قضى " موسى " فقلت قد انطوى
علم وأغمد صارم بتار
فتشوشت صور المنى وتناثرت
كالزهر بدد شملها الإعصار
وكأنما وتر الردى كل امرئ
لما تولى ذلك الجبار
جزعت لمصرعه البلاد كأنما
قد غاب عنها جحفل جرار
وبكت " فلسطين " به قيدومها
إن الرزايا بالكبار كبار
لما نعوه نعوا إلينا سيداً
شرفت خلائقه وطاب نجار
...
لبس الصبا ونضاه غير مدنس
كالنجم لم تعلق به الأوضار
ومشي المشيب برأسه فإذا به
كالحقل فيه الزهر والأثمار
وتطاولت أعوامه ، فإذا به
كالطود فيه صلابة ووقار
ترتد عنه العاصفات كليلة
ويزل عنه العارض المدرار
أوذي فلم يجزع ، وضيم فلم يهن
إن الكريم على الأذى صبار
صقلت مكافحة الشدائد نفسه
والروض تجلو حسنه الأمطار
فله من الشيخ الأصالة ، والفتى
إقدامه ، إذ للفتى أوطار
يتهيب الفجار صدق يقينه
وبرأيه يسترشد الأحرار
ما زال يزأر دون ذياك الحمى
كالليث ريع فما له استقرار
ويجشم النفس المخاطر هادئاً
كيلا تلم بقومه الأخطار
حتى استقر به الردى في حفرة
وخلا ، لغير جواده ، المضمار
فاعجب لمن ملأ المسامع ذكره
تطويه في عرض الثرى أشبار !
...
أيار مذكور بحسن صنيعه
ولئن تولى وانقضى أيار
فاخدم بلادك مثل " موسى كاظم "
تسبغ عليك ثناءها الأمصار
إن السنين كثيرها كقليلها
إن لم تزن صفحاتها الآثار
فاصرف عنانك في الشباب إلى العلى
برد الشبيبة كالجمال معار
لا تقعدن عن الجهاد إلى غد
فلقد يجيء غد وأنت غبار
ماذا يفيدك أن يكون لك الثرى
ولغيرك الآصال والأسحار
من ليس يفتح للنهار جفونه
هيهات يكحل مقلتيه نهار
...
واحبب بلادك مثل " موسى كاظم "
حباً به الإخلاص والإيثار
تضفر لرأسك من أزاهرها الربى
تاجاً ، وتهتف باسمك الأغوار
إياك ترمقها بمقلة تاجر
إن اتجارك بالمواطن عار
ودع المنافق لا تثق بعهوده
وطن المنافق فضة ونضار
مترجرج الأخلاق ، أصدق وعده
آل ، وخير هباته الأعذار
يدنو إليك بوجهه متودداً
وفؤاده بك هازئ سخار
هو حين يجري مع هواه خائن
وإذا سمت أخلاقه سمسار
كم معشر خلناهم أنصارا
فإذا هم لعداتنا أنصار
رقد العدى فتحمسوا ، حتى إذا
جد الوغى ركبوا العقاب وطاروا
شر من الخصم اللدود على الفتى
ألصاحب المتذبذب الخوار
وحذار أشراك السياسة إنها
بنت نيوب الذئب والأظفار
ترد المناهل وهي ماء سائغ
وتعود عنها والمناهل نار
ألكذب والتمويه خير صفاتها
وشعارها أن لا يدوم شعار
لا تطلبن من السياسة رحمة
هي حيث طل دم وحل دمار
ألصيد غيرك إن سهرت ، فإن تنم
فالصيد أنت ولحمك المختار
يا قومنا !... إن العدو ببابكم
بئس المغير على البلاد الجار
وله بأرضكم طماعة أشعب
ورواغه ، ولكيده استمرار
لا ترقدوا عنه فليس براقد
أفتهجعون وقد طمى التيار ؟
إن الطيور تذود عن أوكارها
أتكون أعقل منكم الأطيار ؟
سيروا على آثار موسى واعملوا
إن شئتم أن لا تضيع ديار
زوروا ثراه واستمدوا قوة
منه فكم أحيا الهوى التذكار
قبر يفوح الطيب من جنباته
قبر الكريم خميلة معطار
فإذا تمر عليه يوماً نسمة
أرجت كأن حجاره أزهار

نــجــم
23-04-2011, 10:16 PM
مرآة الغرب


سلام عليها طفلة وفتية
كزهر الربى البسام باكره القطر
كغاب تلاقى الحسن والفضل عندها
كما يلتقي في الصفحة السطر والسطر
لها صولة الأبطال إن حمس الوغى
وفيها حياء البكر عما به وزر
وفيها من الشيخ الحكيم وقاره
وفيها من الخلود الملاحة والطهر
ألا إن حسناً لا يرافقه النهى
وإن دام يوماً لا يدوم له قدر
...
هي الروض فيه النبت والند والندى
وفيه الشوادي المطرباتك والزهر
هي الشمس تبدو كل يوم جديدة
يروح بها ليل ويأتي بها فجر
لكل فتاة خدرها وسوارها
ولكن هذي كل قلب لها خدر
يريد سناها الطي والنشر رونقاً
ويخلق حتى المصحف الطي والنشر
أنيس الفتى إن غاب غنه أنيسه
وأنجمه إن غابت الأنجم الزهر
وسفر تلذ المرء محتوياته
إذا لم يكن في البيت ناس ولا سفر
إذا رضيت النور في كلماتها
وإن غضبت فهي الأسنة والجمر
وفي كل حرب يعقد الحق فوقها
أكاليل نصر يشتهي مثلها البدر
ولا غرو إن عزت وهان خصومها
فللحق، مهما جعجع الباطل، النصر
فكم مرجف أغراه فيها سكوتها
فلما أهابت كاد يقتله الذعر
وكم كاشح غاو أراد بها الأذى
ثنى طرفه عنها وفي نفسه الضر
لها في ربوع الشرق جيش عرمرم
وأعوانها في الغرب ليس لهم حصر
ولو كان في المريخ أرض وأمة
لكان لها في أرضه عسكر مجر
لتسحب ذيول الفخر تيهاً فوحدها
يحق لها من بين أترابها الفخر
ولا غرو إن صغنا لها النثر حلية
" ففي عنق الحسناء يستحسن الدر "
وإن يكن الأحرار من نصرائها
فكم نصر الأحرار صاحبها الحر
أديب عفيف قلبه ويراعه
بغيض إليه الطيش والفيش والهجر
ثمان وعشر وهو يخدم قومه
ألا حبذا تلك الثماني والعشر
ففي العسر لم يجهر بشكوى لسانه
وفي اليسر لم يلعب بأعطافه الكبر
وشر المزايا أن يصيبك حادث
وتجهر بالشكوى وفي وسعك الصبر
أهذا كمن يمسي ويضحي معربداًَ
وقدامه طبل ومن خلفه زمر؟
أهذا كمغتاب يروح ويغتدي
وفي نطقه شر وفي صمته شر؟
أهذا كمفطور على الشر والأذى
أحاديثه نكر وأعماله نكر؟
أهذا كأفعى همها نفث سمها
ونهش الذي تلقى ولو أنه صخر
أهذا كمن يمشي إلى الوزر عامداً
ويضحك مختالاً إذا مسه الوزر؟
أهذا الذي قد حارب المكر جهده
كمن شاب فواده وديدنه المكر؟
إذا الدهر لم يعرف لكل مكانه
إذن قل لأهل الدهر قد فسد الدهر

نــجــم
23-04-2011, 10:17 PM
مزح في جد

رأيت غلاماً مليح الرُّواء
تلوح النّباهة في مقلته
فقلت، تجنّى علينا الشتاء
وقد نفد الفحم مع كثرته
فهل من دواءِ لهذا البلاء
لديك؟ أجاب، اقفلوا المدرسة!
فقلت، صغيرٌ يحبُّ الفضاء
ويكره ما ليس من فطرته!

. . .

وأبصرت لصّاً على الزّاوية
كثير التّلفُّت نحو القصور
فقلت، منازلنا خاليه
من الفحم، والفحم نارٌ ونور
فقال، لياليكم الدّاجية
تزول ولكن بهدم السجون!
فقلت، شقـّي من الأشقياء
يجاهد من أجل حرّيته!

. . .

وعدت إلى رجل ٍ موسر ٍ
له شهرة وله منزله
فقلت، سريٌّ كلام السّري
إذا وقع النّاس في مشكلة
فما هو رأيك؟ قال اقصر
مع البرد لا تنفع الولوله!
فأدركت أنّ فتى الأغنياء
ضنينٌ يخاف على ثروته!

. . .

وأبصرت شخصاً كثير الحذر
فرحت أبثُّ له لوعتي
فحملق حتّى رأيت الشّرر
يطير سراعاً إلى مهجتي
وصاح، هي الحرب أصل الخطر
فرُدُّوا الحسام إلى غمده!
فقلت، عدُوٌّ قليل الحياء
يحاذر شراً على دولته!

. . .

(هيوز) وقد كان قبلا "مرشّح"
شكوت إليه انقلاب الأمور
ولمّا طلبت الجواب تنحنح
وقال: الحلاقة أصل الشرور
فقلت: المرشّح لا شك يمزح
وما زلت في حيرةٍ وإضطراب
كطيّارةٍ في مهبِّ الهواء
إلى أن نظرت إلى لحيته!

نــجــم
23-04-2011, 10:17 PM
مصر والشآم

أطالَ الليلُ أم طالَ المقامُ
أم المحزونُ خامرهُ الهيامُ ؟
فباتَ يُصعَّدُ الزفراتِ وجداً
وإما ناحَ أسعدهُ الحمامُ
تعودَ جسمهُ الأسقامَ حتى
ليحذرُ أن يزايلهُ السقامُ
وأغرلاى جفنهُ بالسُّهدِ حتى
ليشفقُ أن يطيفَ به المنامُ
تجمعتِ الهمومُ عليهِ تترى
كما اجتمعتْ على الماءِ السّوامُ
وأعوزهُ على البلوى مُعينٌ
وأعوزَ ليلهُ القمرُ التمامُ
فضاقَ فؤادهُ بالهمّ ذرعاً
وضاقَ بهمّهِ وبهِ الظلامُ
كأنَّ نجومهُ أجفانُ باكٍ
كأنَّ الليلَ صبُّ مستهامُ
أبا الأقمارِ ما بي فهي مثلي
تحاولُ أن تنامَ فلا تنامُ
أبت إلا السكوتَ وبت أشكو
وأنى يصحبُ الوجدَ اكتتامُ ؟
وليسَ بنافعي منها سكوتٌ
وليسَ بنافعِ الشهبَ الكلامُ
كأني قارئُ والليلُ سفرٌ
لهُ بدءُ وليسَ لهُ ختامًُ
كذاكَ الهمُّاعسرُ ما تراهُ
إذا سكتَ الدجى وغفى الأنامُ
تحنُّ إلى بلاد الشامِ نفسي
أقطرَ الشامِ حيّاكَ الغمامُ
وما غيرُ الشآمِ وساكنيهِ
لبانتنا وإن بعُدَ الشآمُ
ولولا أن في مصرَ مُقامي
لعمرُ أبيكَ ما طالَ المقامُ
مضى عامٌ عليَّ بأرضِ مصرٍ ،
وذا عامٌ ، وسوفَ يجيءُ عامُ
وما مصرُ التي ملكتْ فؤادي
ولكنْ أهلها قومٌ كرامُ
ودادهُمْ على الأيامِ باقٍ
وجارهُم عزيزٌ لا يُضامُ
ومن أخلاقهِمْ لينُ الحميا
إذا انتسبتْ إلى اللينِ المدامُ
وتبصرُ في صدورهمِ أناةً
إذا الأحلامُ طاعَ بها الخصامُ
أبتْ إلا عنادهُمُ الليالي
فما يئسوا الغداةَ ولا استناموا
يودُّ الطامعونَ بأرضِ مصرٍ
لو أنهمُ بها أبداً أقاموا
أقانوناًقيودهمُ تُسمى
إذا قد انت الجلَ اللثامُ
إلى م تمنعُ الدستورَ مصرٌ
وقدْ كادتْ تفوزُ بهِ سيامُ ؟
بني مصرَ على الأحداثِ صبراً
فقبلَ الصّحوِ يجتمعُ الغمامُ
ولا يلحقْ بكُمْ ضجرٌ فإني
رأيتُ الظلمَ ليسَ لهُ دوامُ
فإنَّ الليلَ يعقبهُ صباحٌ
وإنّ الحربَ آخرُها سلامُ

نــجــم
23-04-2011, 10:17 PM
مسرح العشاق

من يسحر طرفك من مُحبيري
ياضَّرة الرشإ الغرير
جسمٌ كخصرك في النُّحو
ل ، ومثلُ جفنكِ في الفتورِ
أصبحتُ أضال من هلا
ل الشكَّ في عين البصيرِ
يحق الضَّنى جسدي فبتُّ من الهلالِ على شفيرِ
ومشى الرَّدى في مُهجتي
الله في النفسِ الأخيرِ
جهلَ النطاسي علَّتي
للهِ من جهلِ الخبيرِ
كم سامني جرع الدَّواء
وكم جرعتُ من المريرِ
دع ، أيُّها الآسي ، يدي
الحبُ يدركُ بالشعُور
يدري الصَّبابة والهوى
من كانَ في البلوى نظيري !..
*
لو تنظرين إليَّ كالميت
المسجَّى في سريري
يتهامسُ العوُّادُ حو
لي كُلما سمعوا زفيري
وأظنهم قد أدركوا
لا أدركوا ما في ضميري
فأتيتُ من قلقي عليك كأنّني فوق السعير
وأدرتُ طرفي في الحضور
لعلَّ شخصكِ في الحضور
فأرتدَّ يعثر بالدموع
تعثر الشيخ الضرير
قد زارني من لا أحبُّ (م) وأنتِ أولى أن تزوري
صدقتِ ما قال الحوا
سدُ فيَّ من هجر وزور
وأطلعتِ بي حتى العدى
وضننت حتى باليسير
أما خيالكِ ، يا بخيلةُ، فهو مثلكِ في النفورِ
روحي فداؤك وهي لو
تدرين تفدى بالكثيرِ
تيهي على العاني كما
تاه الغني على الفقيرِ
أنا لا أبالي بالمصير وأنتِ أدرى بالمصيرِ
أهواك رغم معتفي
ويلذ نفسي أن تجوري
ليس المحبُ بصادقِ
حتَّى يكون بلا عذيرِ
*
كم ليلةٍ ساهرتُ فيها النجم أحسبهُ سميري
والشهبُ أقعدها الونى
والليلُ يمشي كالأسيرِ
أرعى البدور وليس لي
من حاجةٍ عند البُدور
مُتذكَّراً زمن الصَّبى
زمن الغواية والغرور
أيام أخطر في المجا
مع المعاهد كالأمير
أياَّم أمري في يدي
أيَّام نجمي في ظهور
لمع القتيرُ بأمَّتي
ويلُ الشَّبابِ من القتيرِ
*
لا بالغوير ولا النقا
كلفي ولا أهلِ الغويرِ
أرضَ (الجزيرة) كيف حالُلك
بعد وقع الزَّمهرير
نزل الشتاءُ فأنت ملعبُ كلَّ ساقيةٍ دبورِ
وتبدّلت تلك العراصُ
من النضارة بالدُثور
أمسيتِ كالطلل المحيل وكنت كالرَّوض النضير
آهاً عليك وآه كيف نأتك ربات الخدورِ
المائساتُ عن الغصون
السافراتُ عن البُدورِ
الذاهبات مع النهود
الذاهبات مع الصُّدورِ
الحاسراتُ عن السواعدِ
والترائب والنجُور
القاسياتُ على القلوُب
الجانياتُ على الخصورِ
المالكاتُ على اللآلئ
في القلائدِ والثغورِ
الضاحكات من الدلال
اللاعبات من الحبور
الآخذاتُ قلوبنا
في زيَّ طاقاتِ الزهورِ
بيضُ نواعم كالدُّمى
يرفلن في حلل الحريرِ
مثلُ الحمائمِ في الوداعةٍ
والكواكبِ في السُّفور
من كلّ ضاحكةٍ
كأنّ بوجهها وجه البشيرِ
أنى أدرتُ الطرف فيها جالَ في قمرٍ مُنيرِ
*
يا مسرح العُشاقِ ، كم
لي فيك من يومٍ مطير
تنسى البريةُ عندهُ
يوم الخورنقِ والسَّدير
ولكم هبطتُك والحبيبة فازعين من الهجير
في زورقٍ بين الزوارقِ
رقِ الحمامةِ في الطيورِ
متمهلٍ في سيرهِ
والماءُ يسرعُ في المسيرِ
والشمسُ إبَّان الضُحى
والجو صافٍ كالغدير
ولكم وثبنا في التلال
وكم ركضنا في الوعور
ولكم أصحنا للخفيف وكم شجينا بالخرير
ولكم جلسنا في الرّياضِ
وكم نشقنا من عبيرِ
ولكم تبرَّدنا بماءِ
نهيرك الصّافي النميرِ
طوراً ننامُ على النَّبات
وتارةً فوقَ الحَصيرِ
لا نتقي عينَ الرَّقيب
ولا نُبالي بالغيورِ
فكأنها وكأنني السأبوان في ماضي العصُورِ
حسدتْ عليَّ من الإناث
كما حسدتُ من الذُكور
ظن الأنامُ بنا الظنون
وما اجترحنا من نكير
قد صان بردتها الحياءُ
وصانني شرفي وخيري
*
ومطيةٍ وجراحةٍ
لا كالمطيَّة والبعيرِ
ما تأتلي في سيرها
صخَّابةً لا من ثبور
تجري على أسلاكِها
جري الأراقمِ في الحدودِ
طوراً تُرى فوق الجُسور
وتارة تحت الجسورِ
آناً على قممٍ وآناٍ
في كهوف كالقبورِ
ترقى كما ترقى (المصاعدُ)
ثم تهبط ُكالصُّخورِ
فإذا علت حسبَ الورى
أنا نصعدُ في الأثيرِ
وإذا هوت من حالقٍ
هوت القلُوب من الصُّدورِ
والركبُ بين مُصفقٍ
ومُهللٍ جذلٍ قرير
أو خائفٍ متطيرٍ
أو صارخٍ أو مُستجير
هي في التقلُّب كالزَّمان
وإنما هي للسرور
*
ومدارةٍ في الجو
يحسبُها الجهولُ بلا مديرِ
لو شئت نيل النَّجم منها
ما صبوت إلى عسيرِ
مشدودةٍ لكنَّها
أجرى من الفرس المغيرِ
زفافةٍ زفَّ الرَّنال
تسف إسفاف النسورِ
ولها حفيفٌ كالرَّياح
وهدرةٌ لا كالهديرِ
كالأرض في دورانها
ولكالمظلة في النشور
القومُ فيها جالسون
على مقاعد من وثبر ِ
والريح تخفقُ حولهم
وكأنَّما هم في قصُورِ
والجمعُ يهتفُ كلَّما
مرَّت على الحشدِ الغفيرِ
*
ولكم تأمَّلنا الجُمُوع
تموجُ كالبحر الزَّخور
يمشي الخطيرُ مع الحقير
كأنَّما هو خطير
وترى المهاة كأنَّها
ليثٌ مع الليث الهصور
مُتوافقُون على التبايُن
كالقبيل أو العشير ِ
لا يرهبُون يد الخُطوب
كأنما هم خلفَ سورِ
يمضي النهارُ ونحنُ نحسبُ
ما برحنا في البكورِ
أبقيتَ يا زمن الحرور
بُمهجتي مثل الحرورِ
ولت شهورٌ كُنتُ أو
جو أن تُخلد كالدُّهور
وأنتُ شهورٌ بعدها
ساعاُتها مثلُ الشُّهور
ليست حياةُ المرء في الدُّنيا
سوى حُلمٍ قصير
وأرى الشَّباب من الحياة
لكاللَّبات من القشُور
ذهب الرَّبيعُ ذهابهُ
وأتى الشَّتاءُ بلا نذيرِ
وتبدَّد العشاقُ مثل
تبدُّد الورقِ النثيرِ
رضيَ المهيمنُ عنهمُ
واللهُ يعفو عن كثيرِ

نــجــم
23-04-2011, 10:17 PM
مصرع القمر


لوعة ٌ في الضُّلوع مثل جهنَّمْ
تركت هذه الضـُّلوعَ رَمادا
بتُّ مرمى للدَّهر ِ بي يَتَعَلـَّمْ
كيف يُصمي القلوب والأكبادا
كيف ينجو فـُؤادُهُ أو يسلمْ
من تمادى بهِ الأسى فـَتـَمَادى
أنا لولا الشُّعور لم أتألـّمْ
ليت هذا الفؤاد كان جمادا
كيفَ لا أبكي وفي العين دموعْ
كيف ا أشكو وفي القلب صدوع
قـَلَّ في الناس من صَبَرْ
مُختارا

*

لحظة ٌ، ثمَّ صَارَ ضِحكي وجيبا
ونشيجاً، والنـَّومُ صار سُهادا
ربِّ لمَّا خلقت هذي الخُطوبا
لِمَ لـَمْ تخلق الحشا فولاذا
كلـَّما قلتُ قد وجدت حبيبا
طلعَ الموتُ بيننا يتهادى
صِرتُ في هذه الحياةِ غريبا
ليتَ سُهدي الطـَّويل كان رقادا
فتجلـَّدْ أيُّها القلبُ الجزوع
أو تدفـَّق كُلـَّما شاء الولوع
عَندماً أو دماً هُدِرْ
أو نارا

*

كان بين الكرى وبيني صُلحُ
فأراد القضاءُ أن نتعادى
لم أكد أخلعُ السَّواد وأصحو
مِن ذهولي حتى لبستُ السَّوادا
في فؤادي، لو يعلمُ النّاس، جُرحٌ
لا يُلاشى حتـّى يلاشى الفرادا
يا خليلي، هيهات ينفعُ نصحُ
بعدما ضيّع الحزينُ الرَّشادا
أنت لا تستطيع إحياء الصَّريع
وأنا، حمل الأسى لا أستطيع
ذا الذي صيَّر الكَدَر
إكدارا

*

يا ضريحاً على ضفافِ الوادي
جاد من أجلك الغمامُ البلادا
فيك أودعتُ، منذ ستٍ، فؤادي
وبرغمي أطلعتُ عنك البعادا
غير أنِّي، وإن عدتني العوادي
ما عدتني بالرَّوح ِ أن أرتادا
أنبتت حولك الزُّهورُ الغوادي
واللـَّيالي أنبتن حولي القتادا
وذبولُ الغصن في فصل الرّبيع
لو رآهُ شجرُ الرَّوض المريع
جََمَدَ الماءُ في الشَّجرْ
محتارا

*

كيف لا يتَّقي الكرى أجفاني
وجُفـُوني قد استحلن صعادا
ودموعي بلونها الأرجواني
منهلٌ ليس يُعجبُ الورَّادا
والذي في الضّلوع من نيران
صار ثوباً ومقعداً ووسادا
كيف يقوى على الشَّدائد عان
أكَلَ السُّقم جسمهُ أو كادا
فإذا ما غشي الطـّرفَ النـّجيع
فتذكّر أنّه القلب الصّديع
كظـّه الحزن فانفجر
انفجارا

*

طائرٌ كان في الرُّبى يتغنّى
أصبح اليوم يحمل الأصفادا
غصنٌ كان والصبا يتثنّى
هصرتهُ يد الرَّدى فانآدا
نال مني الزَّمان ما يتمنـّى
وأبى أن أنال منهُ مرادا
وتجنّى ما شاء أن يتجنـّى
واستبدَّت صروفهُ استبدادا
حطـّم السّيف وما أبقى الدُّروع
وتداعى دونه السّورُ المنيع
وأراني من العِبَر
أطوارا

*

ما لهذي النـُّجوم تأبى الشُّروقا
أتخاف الكواكبُ الأرصادا
فرط البَينُ عِقدها المنسوقا
أم لم ا بي أرى البياض سوادا
أم فقدن كما فقدت شقيقا
فلبسن الدُّجى عليه حدادا
ما لعيني لا تبصر العيُّوقا
ولقد كان ساطِعاً وقـّادا
سافراً يختال في هذا الرّقيع
هل أتاه نبأ الخطبِ الفظيع
أن رأى مصرع القمر
فتوارى

*

سدّد الدّهرُ قوسه ورماني
لم تحد مهجتي ولا السَّهمُ حادا
هكذا أسكتت صروف الزَّمان
بلبلاً كان نوحه إنشادا
فهو اليوم في يدِ السّجّان ِ
يشتهي كل ساعةٍ أن يصادا
فاحسبوني أدرجتُ في الأكفان
إن أنفتـُم أن تحسبوا القول بادا
ليس في هذي ولا تلك الرُّبوع
ما يسلِّي النَّفس عن ذلك الضّجيع
قبره،جادك المطر
مِدْرارا

نــجــم
23-04-2011, 10:19 PM
مصرع حبيبين


في ذلك الروض الأغن بدى فتى
قد يبلغ العشرين عاماً ذو نهى
كالبدر إلا أنه متكتم
والغصن إلا أنه غصن ذوى
كتب الضنى في وجهه هذا الذي
كاد الغرام به يؤول إلى الفنا
دنف تروعه الغصون اذا انثنت
طرباً ، ويقلقه النسيم اذا جرى
حيران يقعده الهوى ويقيمه
فكأنه علم يداعبه الهوا
فإذا رنا للأفق ظن نجومه
عقد التي من رامها رام السما
وتوهم القمرالمحلق وجه من
ضنت وجادت باللقاء وبالنوى
حجب الغمام البدر عن مسيره
فكأنه ( أسماء ) تسري في الدجى
حسناء قد عشق المحب عفافها
وتعشقت آدابه فهما سوا
كالغصن قامتها إذا الغصن انثنى
وجبينها يحكي الصباح إذا انجلى
وقعت غدائرها على أقدامها
فكأنها قد عضها ناب الهوى
خود إذا نطقت حسبت حديثها
دراً ، ولكن ليس مما يشترى
وقفت تحيط بها الزهور كأنها
قمر تحيط به الكواكب في الفضا
ومشت تحف بها الغصون كأنها
ملك تحف به الجنود إذا مشى
لله زورتها وقد قنط الفتى
فكأنها روح جرى فيمن توى
هيهات ما ظفر المؤمل بالغنى
بألذ ما ظفر المتيم باللقا
فدنا يطارحها تحية عاشق
ويقول أحلى بالحبيب الذي أتى
بينا تصافح من يصافحها إذا
بدموعها سحت فصافحت الثرى
ما للعيون تحدرت عبراتها
وعلام هذا الحزن يا ذات البهاء؟
قالت حبيبي لو ترى ما قد جرى
في ربعنا شاركتني فيما ترى
جار القضاء علي في أحكامه
ما حيلة الإنسان إن جار القضا؟
فابك معي ، فلربما نفع البكا
إن الليالي لا تدوم على الصفا
قال الفتى ، والدمع منتثر على
خديه ، يا أسماء قولي ما جرى
فتلفتت في الروض خيفة سامع
فكأنها الظبي الغرير إذا رنا
وترددت بكلامها فكأنما
تبغي ولا تبغي التفوه بالنبا
قالت ودمع الحزن يخنق صوتها
وشت الحاسد عند من نخشى بنا
وغداً يعود الشمل منفصم العرى
هذا هو الخبر اليقين بلا خفا
قد أنبأته بالفراق وما درت
أن الفراق حمام من عرف الهوى
فكأنما سهم أصاب فؤاده
وكأنه لما ارتمى طود هوى
أما الفتاة فراعها ما صار في
محبوبها وكأنها ندمت على ..
جعلت تناديه بصوت محزن
فيجيبها كندائها رجع الصدى
حتى إذا قنطت دنت منه كما
يدنو أخو الداء العضال من الدوا
وحنت فحركت الفتى وإذا به
جسم ولكن لا حياة به ولا ..
قد فارق الدنيا ففارقها الرجا
وهوت تعانقه ففارقت الورى
قمران ضمهما التراب وما عرفـ
ـت سواهما قمرين ضمهما الثرى

نــجــم
23-04-2011, 10:19 PM
معركة شمولبو

دبت وقد أرخى الظلام ستارا
ولطالما كتم الدُّجى الأسرارا
سفن هي الأطواد لولا سيرها
أعهدتمُ جبلاً مشى أو سارا ؟
كالطير أسراباً ولكن إن عدت
تنت الرايح وتسبق الأطيارا
مثل الكواكب في النظام وغنها
لكما الكواكب تبعث الأنوارا
هي كالمدائن غير أن نزيلها
أبداً بها يتوقع الأخطارا
وأظنها فقدت حبيباً أو أخاً
ولذلك ارتدت السواد شعارا
تغشى المياه لعل ما في قلبها
يطفئ ، فتزداد الضلوع أوارا
وتميدُ حتى لا يشك بأنها
سكرى ولم تذق السفين عقارا
وتسر إن رأت الثغور كأنها
المقرورُ أبصر بعد جهد نارا
وبوارجٌ قد سيرت كالجحفل
الجرار تحمل جحفلاً جرارا
حملت أناساً كالقرود ،وجوههم
صفراء يحكي لونها الدَّينارا

فطسُ الأنوف ، قصيرة قاماتهم
هيهات لا تتجاوز الأشبارا
قد قادها (طوغو) فقاد ذلولة
تهوى الصَّعاب وتعشقُ الأسفارا
في قلبه نار وفي أحشاشها
مثل الذي في نفسه قد ثارا
ما زال يدفعها البخار فترتمي
كالسهم أطلق في الفضاءِ فسارا
طوراً تراها في السحاب وتارة
في القاع يوشك جرمها يتوارى
حتى دنت من ثغر شمولبو الذي
جمع الألى لم يعرفوا ما صارا
نفر من الروس الذين سمعت عن
أفعالهم فيما مضى الأخبارا
من كل مغوار إذا زار الوغى
زار الحمام الفارس المغوارا
ما كان غير ( الفارباج) ليسهم
وسفينة أخرى أخف دثارا
قال العدو لهم ، وقد داناهم ،
وكفى بما وافى به إنذارا
(( أما القتال فتلحقون بمن مضوا
أو تحسنون فتؤخذون أسارى))
كان الجواب قذائفاً نارية
تهوى الورود وتكره الإصدارا
مثل الرجوم إذا هوت لكنها
لا تعرف الأخيار والأشرارا
وأقلها خطباً فكيف أشدها
لو نالت الجبل الأشمَّ انهارا
حفت بهمُ سفنُ العُداة وأحدقت
حتى لكدتُ إخالها أسوارا
ما بين بارجةٍ وطرادٍ الى
نساقةٍ والكلُّ يقذفُ نارا
ملأ الفضاء دخانها وذُكاء
احتجبت ، وما برح النهار نهارا
والجو أظلم واكفهر أديمهُ
حتى كأن على السَّماء ستارا
والبحرُ خضب بالدَّماء وأصبحت
أمواجهُ وهي اللجين نُضارا
ذا والقنابلُ لم تزل منهلة
منها تُحاكي الصيّب المدَّرارا
والمركبانُ (( الفارياجُ )) وأختُها
في هبوة لا يعرفانِ قرارا
إحداهما ظفرت بها مقذوفة
فكأن صاعقةً أصابت دارا
فهوت بمن فيها ، وقد فتحت لها
الأمواجُ صدراً يكتم الأسرارا
هبطت وزاد هبوطها اُلمتقاتلين
على مُداومةٍ الوغى إصرارا
لكنما الأخرى أصبيت بالأذى
حتى غدت لا تملك التسيارا
فرأى الفتى ربَّانها أن يفتدي
الجند الكرام من المماتِ فرارا
قد فر بعضهمُ ولكن جلُّهم
طلبوا الفِرار من الفرار خيارا
أودوا بها نسفاً ، وماتوا عندها
غرقاً ، ويأبئ الباسلون العارا
هذي حكايتهم أسطرُها لكم
لا درهماً أبغي ولا دينارا
فلئن أفادتكم فخيرٌ جاء من
شرَّ ، وإلا فلتكن تذكارا

نــجــم
23-04-2011, 10:19 PM
من أنا

أنا . من أنا يا تُرى في الوجود ؟
وما هُو شأني ، وما موضعي ؟
أنا قطرةٌ لمعتْ في الضحى
قليلاً على ضفةِ المشرع
سيأتي عليها المساء فتغدو
كأن لم ترقوق ولم تلمعِ
أنا نغمةٌ وقعتها الحياةُ
لمن قد يعي ولمن لا يعي
سيمشي عليها السكوتُ فتمسي
كأن لم تمرَّ على مسمعِ
أنا شبحٌ راكضٌ مسرعٌ
مع الزمن الراكض المسرع
سيرُخى عليه الستارُ ويخفى
كأن لم يجدَّ ولم يهطعِ
أنا موجةٌ دفعتها الحياةُ
إلى أوسعٍ فإلى أوسعِ
ستنحلُّ في الشطَّ عمَّا قليلٍ
كأن لم تدفع ولم تُدفعِ
فيا قلبُ لا تغترر بالشباب ،
ويا نفسُ بالخلدِ لا تطمعي
فإن الكهولة تمضي كما
تولَّى الشبابُ ولم يرجعِ
ولكنَّ فيها جمالاً بديعاً
وفيها حنينٌ إلى الأبدعِ
ومن لا يرى الحسنَ في مايراهُ
فما هو بالرجلِ الألمعي
بني وطني من أنا في الوجودِ
وما هو شأني وما موضعي ؟
أنا أنتمُ إن ضحكتم لأمر
ضحكتُ ، وأدمعكمْ أدمعي
ومُطربُ أرواحكُم مطربي
وموجعُ أكبادكم موجعي
أما نحنُ من مصدرٍ واحدٍ ؟
ألسنا جمعياً إلى مرجعِ ؟
رفعتم مُقامي وأعليتموهُ
لما قد صنعتُ ولم أصنعِ
أحقًّ بإكرامكم طائرٌ
يُغردُ في الرَّوض والبلقعِ
وأولى بهِ كوكبٌ طالعٌ
على سُهدٍ وعلى هجعِ
أنا واحدٌ منكمٌ ، يانجوم
بلادي ، متى تسطعوا أسطع
فمن قامَ يمدُحني بينكمْ
فقد تُمدحُ الكفُّ بالإصبعِ
وما الغيثُ غيرُ الخصمَّ ، وليسَ
الغديرُ سوى السُحبِ الهمَّعِ
فلولاكمُ لم أكن بالخطيبِ
ولا الشاعرِ الساحرِ المبدعِ
أنا الآن في سكرةٍ لا أعي
فيما ليتني دائماً لا أعي
فذي ليلةٌ بجميع الزمانِ
إذا أيُّها الصبحُ لا تطلعِ
إذا كنتُ قد بنتُ عن مربعي
فإني وجدتُ بكمُ مربعي
يميناً سأحملُ في أضلعي
هواكمُ ما بقيتْ أضلعي
وأشكركم بلسانِ النسائمِ
والروضِ والجدولِ المُترعِ
فلا عذر للطير إمَّا رأى
جمالَ الربيعِ ولم يسجعِ
إذا لم أكن معكمْ في غدٍ
فإنَّي سأمضي وأنتمْ معي

يارا العامرية
23-04-2011, 11:42 PM
صح لسسسسىآنه .. واشكرك يالنجم ..

نــجــم
23-04-2011, 11:51 PM
موميات

لمن يضوع العبير ؟
لمن تغني الطيور ؟
لمن تصف القناني ؟
لمن تصب الخمور ؟
ولا جمال أنيق
ولا شباب نضير
بل موميات عليها
أطالس وحرير
راحت تقعقع حولي
فكاد عقلي يطير
ولاذ قلبي بصدري
كأنه عصفور
لاحت له في الأعالي
بواشق وصقور
وقال: ضويقت فاهرب !
قلت : الفرار عسير
ما لي جناح ولا لي
سيارة أو بعير
صبراً ، فهذا بلاء
مقدر مسطور
ورحت أسأل ربي
وهو اللطيف الخبير
أين الحسان الصبايا
إن كان هذا النشور ؟
ليت الحضور غياب
والغائبين حضور
بل ليت كل نسيج
براقع وستور
فقد أضر وآذى
عيني هذا السفور
***
هذي العصور الخوالي
تطوف بي وتدور
من كل شمطاء ولى
شبابها والغرور
كأنما الفم منها
مقطب مزرور
كيس على غير شيء
من الحلى مصرور
كأنما هو جرح
مرت عليه شهور
يا طالب الشهد أقصر
لم يبق إلا الفقير
كأنما الوجه منها
قد عضه الزمهرير
كالبدر حين تراه
بعينيك " الناظور "
تبدو لعينيك فيه
برازخ وبحور
وأنجد ووهاد
لكنه مهجور !
مثل المسن ولكن
لا ماء فيه يمور
ما للبعوضة فيه
قوت بل التضوير
ولا يؤثر فيه
ناب ولا أظفور
ولليدين ارتعاش ،
وللعظام صرير
أما العيون فغارت
ولا تزال تغور
مغاور ، بل صحارى ،
بل أكهف ، بل قبور
والخصر ؟ عفواً وصفحاً !
كانت لهن خصور !
***
هن السعالى ولكن
سعالهن كثير
حديثهن انتفاض
وضحكهن هرير
ومشيهن ارتباك
وتارة تقدير
يغضبهن إن مال ظل
وإن شدا شحرور
وإن تهادت غصون
وإن تسارى عبير
وإن تمايل عشب
وإن تماوج نور
فكل شيء قبيح
وكل شيء حقير
وكيف يفرح قلب
رجاؤه مدحور ؟
ما للرماد لهيب
ما للجليد خرير
***
من حولهن الأقاحي
والورد والمنثور
وهن مكتئبات
كأنهن صخور
لا يبتسمن لشيء
أما لهن ثغور ؟
بلى ، لهن ثغور
وإنما لا شعور !
كأنما الحسن في الأر
ض كله تزوير
***
في فندق أنا أم في
جهنم محشور ؟
وهل أنا فيه ضيف
لساعة أم أسير
يا ليتني لم أزره
وليته مهجور
فليس يهنأ فيه
إلا الأصم الضرير

نــجــم
23-04-2011, 11:51 PM
موت العبقري

كل مست مهما علا في حياته
كل ثاو تحت الثرى من لداته
لا حدود ولا مقاييس في الموت
تساوى الجميع في ساحاته
حاصد حقله الوجود، وما الأحياء
إلا كشوكة ونباته
من نجا منه وهو في روحاته
إنما قد نجا إلى غدواته
ليس زرع الغصّات منه لثأر،
ليس حصد اللذات من لذاته
إنه يسلب الغواية كالرشد،
فليس التمييز من عاداته
لا تقل: ما وراؤه؟ ذاك سرٌ
خبأته الحياة في ظلماته
ربّ قبر نمشي عليه وفيه
شهوات تربى على ذراته
كل ذي رغبةٍ دنت أو تسامت
سوف يمضي يوماً بلا رغباته
ليس عمر الفتى وإن طال إلا
ما حوته الحياة من مكرماته
يعظ النابغ الخلائق حيّاً
إنما موته أجلّ عظاته
. . .

ظهر الموت للغيون جديداً
أمس في بطشه وفي فتكاته
وهو ترب الإنسان منذ استوى في الأرض حياً مشى على خطواته
ما الردى بالحديث في الناس لكن
نكتة العلم ضاعفت روعاته
فقد خلق واحداً من بينه
وأضاع القريض خير حماته
شاعرٌ، كان يرقص الدهر أحياناً،
ويبكي حيناً على نغماته
ذهب الساحرون والسحر باق ٍ
في عيون المهى وفي كلماته

. . .

منشئ رقّ لفظه كسجاياه
ورفَّ الجمال في جنباته
توَّج "الضاد" بالملاحة حتى
خالها القوم بعض مخترعاته
نقل الأعصر الخوالي إلينا
في كتابٍ، لله من معجزاته
فرأينا "هوميرُ" ينشد فينا
شعره مثل واحدٍ من رواته

. . .

كان في دولة السيوف وزيراً
ألمعياً، ودولة ً في ذاته
ما بكينا الرفات لمّا بكينا
كما رفاتٍ في الأرض مثل رفاته
بل بكينا لأننا قد حرمنا
بالمنون المزيد من آياته
راعنا أن يزول عنّا، وإنّا
لم نطق أن نطيل حبل حياته
قد أردنا حمل البشائر للعلم
فكنّا لأهله من نعاته
إنّ في "مصر" و"الشآم" دويّاً
ما سمعناه قبل يوم وفاته
وأحسَّ "العراق" حين أتاه
النعي طعم الرّدى بماء "فراته"
و"بلبنان" وجفة ٌ تتمشى
في ينابيعه وفي نسماته
فتّح الموت حين أعمض عينيه
عيون الورى على حسناته
فهو ماضٍ له جلالة آتٍ
من فتوحاته ومن غزواته
والفتى العبقريّ يولد إذ يولد
في نهده، ويوم مماته

نــجــم
23-04-2011, 11:51 PM
موكب التراب

من أين جئت ؟ وكيف عجت ببابي ؟
يا موكب الأجيال والأحقاب
أمن القبور ؟ فكيف من حلوا بها
أهناك ذو ألم وذو تطراب ؟
و لهم صبابات لنا ؟ أم غودروا
في بلقع ما فيه غير خراب ؟
***
أمررت بالأعشاب في تلك الربى
وذكرت أنك كنت في الأعشاب
حول الصخور النائمات على الثرى
وعلى حواشي الجدول المنساب
وعلى م تصعد كالسحابة في الفضى
وإلى التراب مصير كل سحاب
لما طلعت على الشعاع موزعاً
مترجرجاً كخواطر المرتاب
وذهبت في عرض الفضاء كخيمة
رفعت بلا عمد ولا أطناب
قال الصحاب لي : استتر ، وتراكضوا
للذعر يعتصمون بالأبواب
وهب اتقيتك بالحجاب فإنني
لا بد خالعه وأنت حجابي
كم سارح في غابة عند الضحى
جاء المساء فكان بعض الغاب
ومصفق للخمر في أكوابه
طرباً ، وطيف الموت في الأكواب
انا لو رأيت بك القذى ، محض القذى ،
لسترت وجعي عنك مثل صحابي
لكن شهدت شبيبة ، وكهولة،
ومنى ، وأحلاماً بغير حساب
والشاربين بكل كأس ، والألى
عاشوا على ظمأ لكل شراب
والضاربين بكل سيف في الوغى ،
والخانعين لكل ذي قرضاب
والصارفين العمر في سوق الهوى
والصارفين العمر في المحراب
والغيد بين جميلة و دميمة
والعاشقين - الصب والمتصابي
والعبدفي أغلاله وحباله
والملك في الديباج والأطياب
آبوا جمياً في طريق واحد
الخاسر المسبي مثل السابي
فضحكت من حرصي على ملك الصبا
وعجبت كيف مضى عليه شبابي
ووقعت أنت على تراب ضاحك
لما وقعت علي في جلبابي
وكذاك أشواق التراب مآلها
ولئن تقادم عهدها لتراب

نــجــم
23-04-2011, 11:52 PM
موكب التراب

من أين جئت ؟ وكيف عجت ببابي ؟
يا موكب الأجيال والأحقاب
أمن القبور ؟ فكيف من حلوا بها
أهناك ذو ألم وذو تطراب ؟
و لهم صبابات لنا ؟ أم غودروا
في بلقع ما فيه غير خراب ؟
***
أمررت بالأعشاب في تلك الربى
وذكرت أنك كنت في الأعشاب
حول الصخور النائمات على الثرى
وعلى حواشي الجدول المنساب
وعلى م تصعد كالسحابة في الفضى
وإلى التراب مصير كل سحاب
لما طلعت على الشعاع موزعاً
مترجرجاً كخواطر المرتاب
وذهبت في عرض الفضاء كخيمة
رفعت بلا عمد ولا أطناب
قال الصحاب لي : استتر ، وتراكضوا
للذعر يعتصمون بالأبواب
وهب اتقيتك بالحجاب فإنني
لا بد خالعه وأنت حجابي
كم سارح في غابة عند الضحى
جاء المساء فكان بعض الغاب
ومصفق للخمر في أكوابه
طرباً ، وطيف الموت في الأكواب
انا لو رأيت بك القذى ، محض القذى ،
لسترت وجعي عنك مثل صحابي
لكن شهدت شبيبة ، وكهولة،
ومنى ، وأحلاماً بغير حساب
والشاربين بكل كأس ، والألى
عاشوا على ظمأ لكل شراب
والضاربين بكل سيف في الوغى ،
والخانعين لكل ذي قرضاب
والصارفين العمر في سوق الهوى
والصارفين العمر في المحراب
والغيد بين جميلة و دميمة
والعاشقين - الصب والمتصابي
والعبد في أغلاله وحباله
والملك في الديباج والأطياب
آبوا جمياً في طريق واحد
الخاسر المسبي مثل السابي
فضحكت من حرصي على ملك الصبا
وعجبت كيف مضى عليه شبابي
ووقعت أنت على تراب ضاحك
لما وقعت علي في جلبابي
وكذاك أشواق التراب مآلها
ولئن تقادم عهدها لتراب

نــجــم
23-04-2011, 11:52 PM
نار القرى


روحي التي بالأمس كانت ترتع
في الغاب مثل الطبية القمراء
تقتات بالثمر الجنيّ فتشبع
ويبلّ غلـّتها رشاش الماء
نظرت إليك فأصبحت لا تقنع
بالماء والأوفياء في الغبراء
تصغي وتنصت، والحمامة تسجع
إصغاؤها لك ليس للورقاء
ناديتها، فلها إليك تطلع
هذا التطلع كان أصل شقائي
جنّحتني كيما أطير فلم أطر
هيهات إنك قد طويت سمائي

. . .

قد كان يسبيني الجمال الرائع
حتى لمحتك فهو لا يسبيني
عصفت بصدري لليقين زوابع
ثلـّت عروش توهمي وطنوني
فأنا على ما ضاع مني جازع
إن الذي قد ضاع جدّ ثمين
لولاك ما مات الخيل اليافع
أفتعجبين إذا كرهت يقيني
هذا صنيعك بي، فما أنا صانع؟
قد شاء بحرك أن تضلّ سفيني
جرّدت هذا الطين من أوهامه
وكبرت عن قارورةٍ من طين

. . .

كيف الوصول إليك، يا نار القرى
أنا في الحضيض وأنت في الجوزاء
لي ألف باصرةٍ تحنّ كما ترى
لكنّ دونك ألف ألف غطاء
لو من ثرى، مزّقتها بيدي الثرى،
لكنها سجفٌ من الأضواء
ساءلت قلبي إذ رأى فتحيّرا
ماذا شربت فمدت؟ قال: دمائي
يا ليته قد ظلّ أعمى كالورى
فلقد نعمت، وكان في ظلماء
قد شوشت كفّ النهار سكينتي
يا هذه، ردّي إليّ مسائي

. . .

أمسيت حين لمستني بيديك
لي ألف باصرةٍ وألف جناح
ولمحت نار الوحي في عينيك،
والوحي كان سلافة الأرواح
فنشرت أجنحتي وحمت عليك
متوهماً أني وجدت صباحي
قد كان حتفي في الدنوّ إليك
حتف الفراشة في فم المصباح
فسقطت مرتعشاً على قدميك
ألنار مهدي والدخان وشاحي
يا ليت نورك حين أحرقني انطوي
فعلى ضيائك قد لمست جراحي

نــجــم
23-04-2011, 11:56 PM
هملت

يا نبأ سُرَّ بهِ مسمعي
حتى تمنَّى أنَّهُ الناقل
أنعش في نفس المنى مثلما
يُحي الجديبَ الواكفُ الهاطلُ
عرفتُ منهُ أنَّ ذاكَ الحمى
بالصَّيدِ من فتياننا آهلُ
عصابةٌ كالعقدِ في (( أكرنِ ))
يعتزُّ فيها الفضلُ والفاضلُ
من كلَّ مقدامٍ رجيحِ النهى
كالسيفِ إذ يصقُلهُ الصاقلُ
البدرُ من أزرارهِ طالعٌ
والغيثُ من راحتهِ هامِلُ
وكلُّ طلقِ الوجهِ موفورهِ
في بُرديتهِ سيَّدٌ ماثلُ
***
شبيهة الشرق ، انعمي واسلمي
كي تسلمَ الآمالُ والآملُ
بكُمْ وبالرَّاقينَ أمثالِكُم
يفتخرُ العالمُ والعاملُ
بعثتمُ (( هملتَ )) منْ ومسيهِ
(( فهمِلتٌ )) بينكمُ ماثلُ
تمشي ويمشي الطَّيفُ في إثرهِ
كلاهُما مِما به ذاهِلُ
لا يضحكُ السَّامِعُ مِن هزلهِ
كم عِظةٍ جاءَ بها الهازلُ
روايةٌ يظهرُ فيها لكمْ
كيفَ يُداجي الصَّادقَ الخاتلُ
وتنكُثُ المرأةُ ميثاقها
وكيف يُجزى المجرمُ القاتلُ
وإنَّما الانسانُ أخلاقه
لا يستوي النَّاقصُ والكاملُ
النَّاسُ أدوارٌ ، فذا صاعدٌ
يُراودُ الشُّهبَ وذا نازلُ
والدَّهرُ حالاتٌ ، فيومٌ بهِ
نحسٌ ، ويومٌ سعدُهُ كاملُ
فمثلوا الجهلَ وأضرارهُ
حتى يُعادي جهلهُ الجاهِلُ
ومثلوا الفضلَ وآياتهِ
كي يستزيدَ الرَّجلُ الفاضلُ
وصوروا المجد بلألائهِ
عسى يفيقُ الهاجعُ الغافلُ
ويرجعُ الشَّرقُ إلى أوجهِ
كما يعودُ القمرُ الآفلُ
وابنوا إلى الآتين من بعدكم
يبنِ لمنْ يخلفهُ القابلُ
ما دُمتُمُ للحقَّ أنصارهُ
هيهاتَ أن ينتصرَ الباطلُ

نــجــم
23-04-2011, 11:56 PM
هاتها


هاتها في القدح
نسمة ً في شبح
هاتها فالنّفس في
حاجةٍ للفرح
واسقنيها كوثراً
وعلـّي اقترح
إن تكن قد حرمت
فعلى المستقبح
وهي في حمرتها
كخديد المستحي
وهي في حمرتها
كخديد المستحي
وهي في شدّتها
ثورة المجترح
وهي في رقّتها
خاطرٌ لم يلح
أتراها شفقاً
كللت بالصّبح
أم هي الوجنات قد
ذوبت في قدح؟

نــجــم
23-04-2011, 11:56 PM
هدية العيد

خرج الناس يشترون هديا
العيد للأصدقاء والأحباب
فتمنيت لو تساعفني الدنيا
فأقضي في العيد بعض رغابي
كنت أهدي، إذن، من الصبر أرطا
لا إلى المنشئين والكتاب
وإلى كل نابغ عبقري
أمة أهلها ذوو ألباب
وإلى كل شاعر عربي
سلة من فواكه الألقاب
وإلى كل تاجر حرم التو
فيق زقين من عصير الكذاب
وإلى كل عاشق مقلة تبـ
ـصر كم من ملاحة في التراب
وإلى الغادة الجميلة ((مرآ
ة)) تريها ضمائر العزاب
وإلى الناشئ الغرير مراناً
وإلى الشيخ عزمة في الشباب
وإلى معشر الكسالى قصوراً
من لجين وعسجد في السحاب
علني أستريح منهم فقد صا
روا كظلي في جيئتي وذهابي
وإلى ذي الغنى الذي يرهب
الفقر ازياد الذي به من عذاب
كلما عد ماله مطمئناً
أبصر الفقر واقفاً بالباب
وإلى الصاحب المراوغ وجهاً
أسوداً حالكاً كوجه الغراب
فإذا لاح فرت الناس ذعراً
من طريق المنافق الكذاب
وإلى المؤمنين شيئاً من الشك
وبعض الإيمان للمرتاب
وإلى من يسبني في غيابي
شرفاً كي يصونه من سبابي
وإلى حاسدي عمراً طويلاً
ليدوم الأسى بهم مما بي
وإلى الحقل زهره وحلاه
من ندى لامع ومن أعشاب
فقبيح أن ترتدي الحلل القشـ
ـب وتبقى الربى بغير ثياب
لم يكن لي الذي أردت فحسبي
أنني بالمنى ملأت وطابي
ولو ان الزمان صاحب عقل
منت أهدي إلى الزمان عتابي

نــجــم
24-04-2011, 12:58 AM
صح لسسسسىآنه .. واشكرك يالنجم ..
يسعدني ويشرفني مرورك العطر

تقديري لكـ

صعبة المنال
25-04-2011, 03:36 PM
نجم
أج ــمل وأرق باقات ورودى
لموضوعك الجميل وطرحك الرائع
صح لسان الشاعر وتسلم يمينك
كل الود والتقدير
دمت برضى من الرح ــمن
لك خالص احترامي وتقديري

نــجــم
25-04-2011, 08:59 PM
يسعدني ويشرفني مرورك العطر

تقديري لكـ

العنيــــدهـ
01-05-2011, 09:59 AM
لاهنت ع الاختيار الرائع
يعطيك العافيه
!..❥

نــجــم
01-05-2011, 10:20 PM
يسعدني ويشرفني مرورك العطر

تقديري لكـ

سلطانة
04-05-2011, 09:44 PM
http://www.halauae.com/uploads/images/alsaher-3814931317.gif

نــجــم
05-05-2011, 01:40 AM
يسعدني ويشرفني مرورك العطر

تقديري لكـ