[frame="13 98"]سوق المشالح في «جدة» يعاني من هجر الشباب.. والعمالة تتحكم في الزي السعودي
تحقيق - سالم مريشيد/ تصوير - محسن سالم
عندما وجدت نفسي داخل سوق المشالح او ما كان يعرف بسوق الزل وسوق الشروق في جدة القديمة استعدت في ذاكرتي اول مرة ذهبت فيها الى هذا السوق مع والدي يرحمه الله قبل ثلاثين عاما مضت.. وكنت وقتها في المرحلة الابتدائية.. كانت الصورة آنذاك مختلفة كثيرا عما وجدته اليوم فقد كان تجار السوق آنذاك جميعهم من السعوديين وكانت عبارات الترحيب التي يغدقها عليك التجار في السوق آنذاك.. والتي تبدأ بالبشاشة وتنتهي بعبارات الدعاء بأن يذوب المشلح الذي اشتريته أو خبنته عندهم في عرق الصحة ولا ينسى أولئك التجار أن يقدمون لك القدوع والقهوة العربية اثناء انتظارك في الدكان خاصة في ليالي رمضان الجميلة آنذاك.
اما اليوم فلم يعد لأولئك التجار الذين شاهدتهم صغيرا في تلك الدكاكين وجودا رغم وجود اسمائهم على واجهات تلك المحلات اليوم.. كالسريع، والعياف والمنيف.. وغيرهم؟
تغير الزمان.. وبقيت البضاعة
لم يزل سوق الشروق أو المشالح في جدة على حاله رغم تغير الوجوه.. وغياب تجارة الأوائل.. وأصبح كل من يعمل في هذا السوق اليوم من العمالة الوافدة..
هذا السوق الذي انشيء منذ أكثر من أربعين عاما حيث كنت تجد فيه المشالح والأحذية المصنوعة من الجلد والتي تصنع محليا بالاضافة الى بيع العمائم والأشمغة والطواقي والسيوف.. وبعض أنواع البخور والعود.. جميع عرسان جدة يعرفون هذا السوق جيدا.. ولا يمكن أن تكتمل فرحة العريس وشياكته الا اذا ارتدى في دخلته المشلح من هذا السوق الذي عرف بتميزه في انتقاء المشالح الممتازة التي تصنع محليا في الاحساء كمشالح المهدي، والعياف، والنجار وغيرها..
وكان أهم ما يميز التجار في ذلك السوق الذي يقع ملاصقا لشارع قابل أحد أشهر المواقع التجارية في جدة - الأمانة.. وعدم الغش وهي صفات اختفت اليوم لدى الكثير من الباعة الذين يجد البعض منهم لذة في خداع الزبون وغشه والضحك عليه!
البائع عبده سعيد في محلات عبدالله السريع للمشالح قال: إن السوق يعتبر أحد أسواق جدة القديمة «وهو لم يتغير كثيرا عما كان عليه في السابق ولكن تجاره السابقين بعضهم توفي.. وبعضهم كبر في السن ولم يعد قادرا على التواجد بشكل مستمر في المحل.. اما البضاعة فلم تتغير.. وما زالت المشالح بنفس تصاميمها السابقة، والمواد الخام التي تدخل في صناعتها.. واسعارها بالطبع تغيرت عما كانت عليه في السابق تبعا لتغير الوقت وتغير امكانات الناس المادية.. فالمشلح الذي كان يباع في الوقت السابق بمائة ريال اصبح سعره اليوم ألفي ريال وهكذا.
قيمة المشلح
البائع عوض مسعود في محل المنيف لبيع المشالح قال: إن سعر المشلح يتحدد على ضوء جودتها ونوع القصب المستخدم فيها.. والمشالح الحساوية هي الأغلى إذ يتراوح سعرها من ألف ريال الى خمسة آلاف ريال.. وتأتي بعدها المشالح التي تصنع في المدينة المنورة، وهناك مشالح تصنع في جدة.. وبعدها في الجودة المشالح السورية التي تتراوح اسعارها من مائتي ريال وتصل الى ألف ريال.. وتزيد قيمة المشالح التي تصنع يدويا.. عن المشالح التي تصنع آليا.. لأن المشالح التي تصنع يدويا فيها حرفة مميزة واتقان يختلف من صانع إلى آخر.
البيع قل عن السابق
البائع هادي مسعود في أحد محلات بيع المشالح بجدة قال: ان البيع قل عن السابق لأن الكثير من الشباب لم يعد يهتم باقتناء مشلح وبعضهم أخذته الصرعات الجديدة في الملابس عن الاهتمام بتراثه. ولهذا لم يعد المشلح من اهتمامات الشباب ولا يفكر فيه الكثير منهم الا عندما يقرر الزواج.. والغالبية اليوم من الشباب تفضل الدقلة في عقد القران والزفاف ايضا لأنها في نظرهم اشيك.. وتلبس بطريقة أكثر راحة.
وقال: إن بعض المحلات مع الأسف تخدع الزبون عندما تبيع له مشلحا مصنوعا في سوريا على أنه مشلح حساوي.. وهم يستغلون جهل الناس بالمشالح، وعدم معرفتهم بالفروق بين المشالح الحساوية والسورية ولهذا يجب على أى شخص الا يشتر مشلحاً غير مكتوب عليه مكان الصنع..
الدقلات سحبت البساط من المشالح
البائع عبده سعيد علي في محل آخر لبيع البشوت قال: ان الدقلة في الوقت الراهن قد سحبت الكثير من زبائن المشالح خاصة في أوساط الشباب الذين يفضلونها على المشالح.. ولأن سعرها أقل ويتراوح بين مائتي ريال إلى سبعمائة ريال.. وتعمل بأشكال جذابة وبألوان تناسب أذواق الشباب في هذه الأيام.
وقال البائع عبده على ان المشالح في سوق جدة تشمل جميع الأنواع منها الحساوي بدرجاته والسوري والمديني، وبعضها يصنع في مصنع جدة للمشالح.. بالإضافة إلى الفراوي التي تصنع في سوريا ويقبل عليها الناس في وقت البرد خاصة في المناطق الباردة في شمال المملكة وجنوبها.. والفراوي يختلف سعرها حسب جودتها والمادة الخام المصنوعة منها ويتراوح من مائة ريال.. وقد يصل إلى تسعمائة ريال.
الأجانب يحرصون على شراء المشالح
البائع سعد حسن في محل آخر لبيع المشالح قال: ان الكثير من الأجانب خاصة الأوروبيين والأفارقة يقبلون على شراء المشالح من سوق جدة لأنهم يرون فيها زياً مميزاً من هذه البلاد يتفاخرون به في بلادهم.. ويعتبر تذكاراً لهم عند عودتهم إلى بلادهم.
والكثير من هؤلاء الأجانب لا يبحث عن المشالح الغالية الثمن.. وإنما يبحث عن المشالح التي سعرها رخيص لأنه لا يبحث عن الجودة وإنما يبحث عن اقتناء زي يذكره بهذه البلاد.
وقال: ان الكثيرين من هؤلاء الأجانب يأتون لسوق المشالح في جدة للشراء في الكثير من المواسم.
وأوضح ان ما يحدد قيمة المشلح هي الجودة في صناعته والخامة المصنوع منها بالإضافة إلى القصب الذي يطرز به.. والمشالح التي تصنع يديوياً أغلى سعراً من المشالح التي تصنع آلياً وتطرز بواسطة الكمبيوتر.. والحساوي هو الأغلى في المشالح.
ألف مشلح في العام
اشتكى معظم تجار سوق المشالح من تراجع المبيعات في السوق عما كانت عليه في السابق.. لأن الكثير من الشباب وجيل الوقت الحاضر لم تعد المشالح تجذبهم في ظل ما يعيشه هؤلاء الشباب من صرعات وافدة.. وعولمة فاسدة أبعدتهم عن تراثهم وأزيائهم التقليدية الأصيلة.. وان كان بعض الشباب لا يفتقد الحنين بين الحين والآخر إلى تراثه وأصالته.
وقالوا رحم الله زمن ولى عندما كان الأصدقاء يحرصون على اهداء بعضهم البعض البشوت في المناسبات المختلفة كالأعياد والأفراح.. أما اليوم فقد اتجه الكثيرون إلى تهادي أشياء لا علاقة لها بتراثنا.. ونسوا المشالح نهائياً.
وقال بعض العاملين في محلات بيع المشالح بسوق جدة ان مبيعات المشالح سنوياً لا تزيد على ألف مشلح في العام وهذا نتيجة تراجع الإقبال عليها.. ومعظم المشالح المباعة من الرخيصة ومتوسطة السعر.
وتمنى الباعة ان يعود الزمن الجميل لسوق البشوت لأنها تراث وطني يفترض ان يظل حاضراً في وجدات كل الأجيال.. ويكون الزي الذي يحرص كل جيل على اقتنائه!!
تأجير المشالح والدقلات
البائع محمد العيدروس في أحد محلات بيع المشالح في سوق جدة قال: ان الكثير من الشباب اليوم لا يعرف شيئاً عن المشالح وأنواعها والكثير لا يلتفت لها إلاّ في الزيجات والكثير من الشباب يجد ان شراء مشلح ليلبسه في ليلة واحدة فقط هي ليلة الزفاف فيه اسراف رغم ان العرائس يشترين فستان الزفاف بآلاف الريالات.. ثم لا يلعبه مرة أخرى اطلاقاً.. بينما المشلح يمكن ان يلبسه الشاب في كل مناسبة ولا يتوقف أهميته على ليلة الزفاف فقط.
وقال: ان الكثير من الشباب لا يفضل شراء مشلح للزفاف لأنه في نظره مكلف.. ومن أجل ذلك فقد قرر أصحاب سوق المشالح إعطاء فرصة للشباب لأخذ مشلح بنظام التأجير بشرط ان يدفع تأميناً مناسباً لقيمة المشلح المطلوب استئجاره.. فإذا أعاد المشلح أخذ التأمين.. وإذا لم يعده أو اضاعة راح عليه التأمين!!
وأوضح ان قيمة تأجير المشالح تختلف حسب النوع وتتراوح من مائة ريال إلى مائتين وخمسين ريالاً.. وهذا النظام سهل على الكثير من الشباب وساعدهم في ان تكمل شياكتهم في ليلة فرحهم وبأقل التكاليف؟![/frame]
05-01-2010,
09:36 AM
سوق المشالح في «جدة» يعاني من هجر الشباب..
العرض العادي
