ديوان جبران خليل جبران

(7)
وَالمَوتُ في الأَرضِ لابن الأَرضِ خاتِمَةٌ وَللأَثيـريّ فَهـوَ الـبَـدءُ وَالظّـفَـرُ
فَمَـن يُعانِـقُ فـي أَحلامِـهِ سَـحَـراً يَبقـى وَمَـن نـامَ كُـلَّ اللَّيـل يَندَثِـرُ
وَمَـن يـلازمُ تربـاً حـالَ يَقظَـتِـهِ يُعانـق التُّـربَ حَتّـى تخمـد الزُّهـرُ
فَالمَوتُ كَالبَحر مَـن خَفّـت عَناصِـرُهُ يَجتـازُهُ وَأَخـو الأَثـقـالِ يَنـحَـدِرُ

__DEFINE_LIKE_SHARE__

(8)
وَما الحَيـاة سِـوى نَـومٍ تُـراوِدُهُ أَحلامُ مَـن بِمـرادِ النَّفـسِ يَأتَمـرُ
وَالسرّ في النَّفس حزن النَّفس يَسترُهُ فَـإِن تَوَلّـى فَبِالأَفـراحِ يَستَـتـرُ
وَالسرّ في العَيش رَغدُ العَيشِ يَحجبُه فَإِن أُزيـلَ تَوَلّـى حَجبَـهُ الكَـدَرُ
فَإِن تَرَفّعتَ عَن رَغدٍ وَعَـن كَـدَرٍ جاوَرتَ ظلَّ الَّذي حارَت بِهِ الفِكَـرُ

__DEFINE_LIKE_SHARE__

(9)
هوَذا الفَجـرُ فَقُومـي نَنصَـرِف عَن دِيارٍ مـا لَنـا فيهـا صَديـق
ما عَسى يَرجـو نَبـاتٌ يختلـف زَهـرُه عَـن كُـلِّ وردٍ وَشَقيـق
وَجَديـدُ القَلـبِ أَنّـى يَأتَـلـف مع قُلوب كُـلُّ مـا فيهـا عَتيـق
هوَذا الصُّبـحُ يُنـادي فَاِسمَعـي وَهَلـمّـي نَقتَـفـي خُطـواتـه
قَـد كَفانـا مِـن مَسـاء يَدّعـي أَنّ نُـورَ الصُّبـحِ مِـن آيـاتِـهِ
قَد أَقَمنا العُمـرَ فـي وادٍ تَسيـر بَيـنَ ضلعَيـهِ خَيـالات الهُمـوم
وَشهِدنـا اليـأسَ أَسرابـاً تَطيـر فَـوقَ مَتنَيـهِ كَعقـبـانٍ وَبُــوم
وَشَربنا السّقمَ مِـن مـاء الغَديـر وَأَكَلنا السُـمّ مِـن فَـجّ الكُـرُوم
وَلَبِسنـا الصَبـر ثَوبـاً فالتَهَـب فَغَـدَونـا نَـتَـرَدّى بِـالـرّمـاد
وَاِفتَرَشنـاهُ وِســاداً فَاِنقَـلَـب عِندَمـا نِمنـا هَشيـمـاً وَقـتـاد
يـا بِـلاداً حُجِبَـت مُنـذُ الأَزَل كَيفَ نَرجـوكِ وَمِـن أَيّ سَبيـل
أَيّ قَـفـرٍ دونَـهـا أَيّ جَـبَـل سُورها العالي وَمَن مِنّـا الدَّليـل
أَسـرابٌ أَنـتَ أَم أَنـتَ الأَمَـل فـي نُفـوسٍ تَتَمنّـى المُستَحيـل
أَمَنـامٌ يَتَهـادى فـي القُـلـوب فَإِذا ما اِستَيقَظَـت وَلّـى المَنـام
أَم غُيومٌ طُفنَ في شَمس الغُـروب قَبلَ أَن يَغرَقنَ في بَحـر الظَّـلام
يا بِلاد الفِكـر يـا مَهـدَ الأُلـى عَبدوا الحَـقَّ وَصَلّـوا لِلجَمـال
مـا طَلَبنـاكَ بِرَكـبٍ أَو عَـلـى مَتـنِ سُفـنٍ أَو بِخَيـلٍ وَرحـال
لَستُ في الشَّرقِ وَلا الغَـربِ وَلا في جنوبِ الأَرض أَو نَحوَ الشّمال
لَستُ في الجَوّ وَلا تَحتَ البِحـار لَستُ في السَّهلِ وَلا الوَعرِ الحَرج
أَنتَ فـي الأَرواحِ أَنـوارٌ وَنـار أَنتَ في صَدري فُـؤادي يَختَلـج

__DEFINE_LIKE_SHARE__

(10)
كَتَبتُ في الجَزرِ سَطراً عَلى الرَّمل
أَودَعتَهُ كُلَّ رُوحـي مَـعَ العَقـل
وَعدتُ في المَد أَقـرا وَأَستَجلـي
فَلَم أَجد في الشَّواطي سِوى جَهلي

__DEFINE_LIKE_SHARE__

(11)
لَيسَ في الغاباتِ سكرٌ مِن مُـدامٍ أَو خَيـال
فَالسَّواقي لَيسَ فيهـا غَير إِكسيـرِ الغَمـام
إِنَّما التَّخديـرُ ثَـديٌ وَحَلـيـبٌ لِـلأَنـام
فَإِذا شاخُوا وَماتُـوا بَلَغوا سـنَّ الفِطـام
أَعطِني النّايَ وَغَـنِّ فَالغِنا خَيرُ الشَّـراب
وَأَنِينُ النّـايِ يَبقـى بَعدَ أَن تَفنى الهِضاب

__DEFINE_LIKE_SHARE__

(12)
لَيسَ في الغابِ خَليعٌ يَدّعي نبـلَ الغَـرام
فَإِذا الثّيرانُ خارَت لم تقل هَـذا الهيـام
إِنّ حُبَّ النّـاسِ داءٌ بَينَ لَحـمٍ وَعِظـام
فَإِذا وَلَّـى شَبـابٌ يَختَفي ذاكَ السّقـام
أَعطِني النّايَ وَغَـنِّ فَالغِنا حُبٌّ صَحيـح
وَأَنِينُ النّـايِ أَبقـى مِن جَميـلٍ وَمَليـح

__DEFINE_LIKE_SHARE__

(13)
لَيسَ في الغابِ لَطيفٌ لينـهُ ليـنُ الجَبـان
فَغُصونُ البانِ تَعلُـو في جوارِ السِّنديـان
وَإِذا الطّاووسُ أُعطي حلّـةً كَـالأُرجُـوان
فَهوَ لا يَدري أَحسَنٌ فيهِ أَم فيـهِ اِفتِتـان
أَعطِني النّايَ وَغَـنِّ فَالغِنا لُطفُ الوَديـع
وَأَنينُ النّـايِ أَبقـى مِن ضَعيفٍ وَضَليـع

__DEFINE_LIKE_SHARE__