الموجودات الفيزيائية في الحالات التنفسية الشائعة
تصل الرئتان بسطحهما الإجمالي الذي يزيد على 500 م2 مباشرةً بالوسط الخارجي، لذلك يمكن للتبدلات البنيوية أو الوظيفية أو الميكروبية في الرئتين أن تكون على علاقة وثيقة بالعوامل الوبائية والبيئية والمهنية والشخصية والاجتماعية، وتعتبر الأمراض التنفسية البدئية السبب الرئيسي للمراضة وحالات الموت المبكر، كما أنّ الرئتين غالباً ما تتأثران بالأمراض متعددة الأجهزة Multisystem.
إن السبب الأكثر شيوعاً لمراجعة طبيب العائلة هو الأعراض التنفسيّة، فالربو Asthma يحدث لدى أكثر من 10% من الأطفال البريطانيين، كما أنّ السرطانة القصبية تعتبر الخباثة القاتلة الأكثر شيوعاً في العالم المتقدم، وتعد الرئة المكان الرئيسي لحدوث الأخماج الانتهازية لدى المرضى مثبطي المناعة بسبب متلازمة عوز المناعة المكتسبة (AIDS) أو بسبب الأشواط العلاجية الكيماوية المضادة للسرطان والمضادة لرفض الطعم الغيري Allograft، كما أنّ شبح السل خصوصاً بعد ظهور ذراري مقاومة لعدة أدوية ما زال مخيماً علينا.
لقد تحققت تطورات هامة في مجال الأبحاث حديثاً، فاكتشاف الآلية الوراثية للتليف الكيسي أعطانا فرصةً ذهبية لتطوير خطط المعالجة الوراثية Gene therapy بهدف استبدال المورثة المعيبة، فالرئة بشكل خاص لها الأولوية في المعالجة الوراثية كون الجسيمات المرذوذة يمكن أن تطال بشرة مسالكها الهوائية كما أن كامل بطانة الشعريات الرئوية متاحة أمام العوامل المزروقة وريدياً.
أخيراً يمكن للتطورات الحديثة في فهمنا للآليات الخلوية والجزيئية المسؤولة عن الأمراض كالربو ومتلازمة الضائقة التنفسية الحادة (ARDS) أن تقودنا إلى تطوير معالجة منطقية للأمراض بناء على الآلية المرضية في المستقبل المرتقب.
التشريح والفيزيولوجيا التطبيقيان
تتضمن الطرق التنفسية العلوية الأنف والبلعوم الأنفي والحنجرة، وتبطنها أغشية مخاطية موعاة تحمل على سطحها ظهارة مهدبة، كما تتضمن الطرق التنفسية السفلية الرغامى والقصبات والتي تشكل شجرة مترابطة من المسالك الهوائية المتصلة فيما بينها والتي تتصل في نهاية المطاف بواسطة ما يقارب 64000 قصيبة انتهائية بالأسناخ Alveoli لتشكيل العنبات Acini، وتُبَطن الطرق التنفسية السفلية بظهارة مهدبة حتى القصيبات الانتهائية، كما تحوي الحنجرة والقصبات الكبيرة مستقبلات عصبية حساسة مسؤولة عن منعكس السعال.
تعتبر بعض المعلومات عن نماذج تفرع القصبات الفصية والشدفية ضرورية لتفسير الاستقصاءات وقراءتها بما في ذلك صور الصدر الشعاعية البسيطة وصور الطبقي المحوري CT، حيث يمكننا رؤية التقسيمات الرئيسية القصبية والرئوية في .
تتألف العنبة وهي وحدة التبادل الغازي في الرئة من القصيبات التنفسية المتفرعة والتي تنتهي بعنقود من الأسناخ ، حيث تبطن الأسناخ بشكل رئيسي بخلايا ظهارية مسطحة (النموذج I من الخلايا الرئوية)، لكن تتواجد بعض الخلايا الأكثر تكعيباً وهي النموذج II من الخلايا الرئوية وتنتج هذه الأخيرة مادة السورفاكتانت Surfactant وهي مزيج من شحميات فوسفورية والتي تعمل على إنقاص التوتر السطحي للسنخ معاكسةً بذلك ميل الأسناخ للانخماص، كما يتصف النموذج II من الخلايا الرئوية أيضاً بقدرته المميزة على الانقسام وترميم وتجديد النموذج I من الخلايا الرئوية بعد الأذية التي تتعرض لها الرئة.
يضخ البطين الأيمن الدم مواجهاً المقاومة الوعائية الرئوية المنخفضة نسبياً، فيتدفق الدم عبر شبكة غنية بالشعريات ملاصقة للأسناخ مما يسهل عملية التبادل الغازي، ويؤدي ارتفاع المقاومة الوعائية الرئوية الناتجة مثلاً عن صمة خثرية أو عن تغيرات مخرّبة ناتجة عن الأمراض الرئوية السادّة المزمنة COPD إلى ضخامة البطين الأيمن وما يتلو ذلك من القصور القلبي الأيمن (القلب الرئوي) في نهاية المطاف.
الأقسام القصبية الرئيسية والشقوق والفصوص والشدفات Segments الرئوية. يشغل الشق المائل موقعه بحيث يشغل الفص العلوي الأيسر موقعاً أمامياً إلى حد كبير بالنسبة للفص السفلي، وعلى الجانب الأيمن يفصل الشق المعترض Transverse الفص العلوي عن الفص المتوسط المتوضع في الناحية الأمامية والذي يكافئ الشدفة اللسينية Lingular في الجانب الأيسر، ويحدد موقع الفص الرئوي ما إذا كانت العلامات الفيزيائية بشكل رئيسي أمامية أم خلفية، ويتألف كل فص من شدفتين (قطعتين) قصبيتين رئويتين أو أكثر وهذا يعني أن النسيج الرئوي مزوّد بالفروع الرئيسية لكل قصبة فصية. الشدفات القصبية الرئوية
التبادل الغازي والتهوية والجريان الدموي والانتشار
يصبح التبادل الغازي في الرئة أدنى من الحد المثالي إذا لم تتواجد تهوية رئوية كافية وموزعة بشكل منتظم على أجزاء الرئة المختلفة ومنسجمة مع توزع منتظم أيضاً للتروية الدموية، وعلاوةً على ذلك فإن عملية التبادل الغازي قد تضطرب أيضاً بفعل الانتشار الشاذ والمعيب للأوكسجين أو أوكسيد الكربون عبر الغشاء السنخي الشعري.
وفي الممارسة السريرية فإن أهم العواقب لاختلال التبادل الغازي هي نقص أكسجة الدم Hypoxaemia وفرط كربون الدم Hypercapnia، حيث ينتج فرط كربون الدم (الضغط الجزئي لـCO2 6Kpa) عادةً عن الحالات التي تؤدي إلى نقص التهوية السنخية أو عدم تناسب وتوافق التروية مع التهوية .
وقد يكون نقص التهوية ناجماً عن تثبط المركز التنفسي في البصلة وعلى العكس من ذلك يؤدي تحريض المركز التنفسي إلى نقص كربون الدم وإلى القلاء التنفسي، ويعتقد أن عدم توافق التهوية-التروية مسؤول بشكل كبير عن فرط كربون الدم في COPD والربو الشديد.
الأسباب الشائعة لفرط كربون الدم (ارتفاع الضغط الجزئي لـCo2).
مركزية:
آفات جذع الدماغ. انقطاع التنفس المركزي أثناء النوم.
عصبية عضلية:
اعتلال الأعصاب المحيطية
الوهن العضلي الوخيم. الاعتلال العضلي.
جدار الصدر:
الحدب الجنفي
التهاب الفقار المقسط (اللاصق). الرضوض
رئوية:
أمراض الطرق التنفسية السادة المزمنة (COPD)
مكن مشاهدة أسباب نقص أوكسجين الدم في (الجدول 3)، إذ يمكن اعتبار التروية الدموية ية الرئوية التي تُصرف وتضيع في رئة ضعيفة التهوية واحدةً من الأسباب الأكثر أهمية ويتجلى سريرياً بموجودات نقص أوكسجين الدم وكمثال على ذلك حالة الانسداد القصبي (الناجمة عن المفرزات، وذمة الغشاء المخاطي، التضيق القصبي، أوالأورام) وكذلك حالات تخرب النسيج المرن (مثل النفاخ الرئوي Emphysema) والانخماص Collapse أو التكثف Consolidation الرئويان، والتليف أو الوذمة، وتشوهات جدار الصدر، أمّا في الحالات التي تنقص فيها منطقة السطح البيني السنخي الشعري المتاحة للتبادل الغازي (مثلاً النفاخ الرئوي) فيمكن لخلل واضطراب الانتشار أن يسهم في نقص أكسجة الدم، قد يكون هذا التأثير غير ذي أهمية وقت الراحة لكنه قد يحد من كمية الأوكسجين التي يمكن استهلاكها خلال التمرين.
يكون الضغط الجزئي الطبيعي لـ O2 الشرياني أعلى من 12 Kpa في عمر 20 عاماً، ويهبط لحدود 11 Kpa في عمر الـ60، وفوق هذا العمر يمكن أن يحدث هبوط إضافي في الضغط الجزئي لـO2 حتى 1.3 Kpa وذلك في وضعية الاستلقاء بسبب انغلاق الطرق الهوائية الصغيرة في النواحي المنخفضة من الرئتين.
تتحرض التهوية الرئوية Ventilation في الحالات الفيزيولوجية بكل من نقص أكسجة الدم أو فرط كربون الدم، وقد يطوّر بعض مرضى الـCOPD تحملاً لفرط كربون الدم المزمن فيما بعد، ويؤدي إعطاء تراكيز عالية من الأوكسجين لمثل هؤلاء لإزالة حالة نقص الأكسجة التي كانت تعمل لديهم بشكل متواصل على تنبيه وتحريض التهوية، مما من شأنه أن يزيد فرط كربون الدم، لذلك ينبغي على المرضى المصابين بـCOPD والذين لديهم حالة فرط كربون الدم المزمن أن يتلقوا (إذا ما تطلب الأمر) تراكيز منخفضة من الأوكسجين (مثلاً 24-28%)، بحيث تُعدّل تبعاً لتحليل غازات الدم الشرياني، أمّا المرضى المصابون بالربو الصرف Pure Asthma فلا يحدث لديهم فرط مزمن في كربون الدم وبذلك يعتبر إعطاء الأكسجين آمناً ومن المهم جداً إعطاؤهم تراكيز عالية من الأوكسجين خلال سورات الربو.
آليات الدفاع في الرئة
تتعرض الرئتان يومياً وبشكل مباشر لأكثر من 7000 ليتر هواء بما يحتويه من كميات مختلفة من الجسيمات العضوية واللاعضوية، بالإضافة لإمكانية وجود جراثيم وفيروسات قاتلة، وبشكل عام تعتبر الآليات الفيزيائية بما فيها السعال هامةً وعلى وجه الخصوص في الدفاع عن الطرق التنفسية العلوية، في حين أن حماية الطرق التنفسية السفلية تتم بواسطة الآليات المخاطية الهدبية Mucociliary المعقدة وبواسطة الخصائص المضادة للميكروبات لكل من السورفاكتانت Surfactant والسوائل المبطنة للرئة Lung-Lining Fluids، وكذلك بواسطة البلاعم السنخية المقيمة Resident.
1. آليات الدفاع الفيزيائية Physical defences:
تُزال معظم الجزيئات الكبيرة من الهواء المستنشق من قبل الأنف الذي يتألف من مجموعة من المصافي Filters الحركية الهوائية الدقيقة والتي تحتوي على أشعار ناعمة وظهارة عمودية مهدبة تغطي عظام القرينات، أمّا الحنجرة فهي تعمل كمعصرة (مصرَّة) Sphincter خلال السعال والتقشع كما أنها آلية ضرورية لحماية الطريق التنفسي خلال البلع والإقياء.
2. التصفية المخاطية الهدبية Mucociliary clearance:
إنّ الجزيئات التي يزيد قطرها على 0.5 ميكرومتر والتي تنجح بالإفلات والمرور عبر الأنف ستلتقط من قبل السائل المبطن للرغامى والقصبات وتُكْنَس ويتم التخلص منها بواسطة التيار المخاطي الهدبي Mucociliary ، إنّ هذه الآلية عالية الفعالية للتخلص من الجزيئات الصغيرة وتعمل من خلال تفاعل معقد بين الأهداب التي هي عبارة عن سلسة من بروزات صغيرة على سطح الخلايا التنفسية الظهارية، وبين المخاط الذي يشكل (طوفاً عائماً Raft) على قمة الأهداب، حيث يلتقط المخاط الجزيئات الداخلة وتقوم الأهداب بعد ذلك بتجريفه نحو الأعلى، أمّا الوظائف الهامة الأخرى للمخاط فهي تتضمن التخفيف من المواد الضارة وتزليق Lubrication المسالك الهوائية وترطيب الهواء المستنشق. يفرز معظم المخاط من قبل الخلايا الكأسية ضمن الظهارة التنفسية ويتألف من بروتينات سكرية مخاطية ومجموعة بروتينات أخرى والتي رغم أنها تتواجد بتراكيز منخفضة إلا أنها تلعب دوراً هاماً في الدفاع في الشجرة القصبية.
تضعف التصفية Clearance المخاطية الهدبية بفعل العديد من العوامل التي تؤثر على وظيفة الأهداب أو تسبب لها أذية حادة، وتتضمن هذه العوامل: الملوثات والتدخين وأدوية التخدير الموضعي والعام والنواتج الجرثومية والأخماج الفيروسية، وهناك كذلك حالة نادرة ناتجة عن اضطراب صبغي جسدي مقهور (1 في 30000 ولادة حية) تدعى سوء حركية الأهداب البدئي Primary Ciliary Dyskinesia والذي يتصف بالتهاب جيوب ناكس وأخماج طرق تنفسية متكررة تتطور إلى تقيح رئوي مستمر وتوسع قصبي Bronchiectasis، وهذا يؤكد أهمية التصفية الهدبية في آليات الدفاع الرئوي ضد الجراثيم.